القسمة اثناء حياة المورث باطلة

 القسمة اثناء حياة المورث باطلة 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لا تركة ولا قسمة الا بعد تحقق وفاة المورث، ولذلك فالقسمة اثناء حياة المورث باطلة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13-2-2013م، وقد سبق ذلك الحكم الاستئنافي الذي قضى (بأن الحكم الابتدائي قد قضى بأن القسمة اثناء حياة المورث صحيحة طالما ان الورثة قد استلموا فصولهم واستلموا ما يخصهم من قيمة الجنبية التي قسمها ابوهم عليهم ، والشعبة تجد أن الحكم الابتدائي قد جانب الصواب في قضائه، لأن القسمة لا تكون إلا بعد ثبوت وفاة المورث، اما القسمة اثناء حياة المورث فإنها تكون وصية لا تنفذ إلا إذا اجازها الورثة بعد وفاة المورث، وهو لم يقع في هذه القضية ، مما يتوجب إلغاء الحكم الابتدائي ولزوم إجراء القسمة الشرعية بين الورثة الشرعيين)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي قضت الدائرة الشخصية  بالمحكمة العليا بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين أن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً للشرع والقانون لما علل به واستند إليه في قضائه بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم ببطلان القسمة اثناء حياة المورث المحررة بقلم... وإختيار عدلين خبيرين لإجراء القسمة  الشرعية بين الورثة على الفرائض الشرعية))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :.

 الوجه الأول : ماهية قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

  القسمة  في اللغة مشتقة من القَسْمُ وهو: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً, فانْقَسَم هوالموضع مَقْسِم مثال مجلس. وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ, والقِسْم،بالكسر: النصيب والحَظُّ، والجمع أَقْسام، وهو القَسِيم، والجمع أَقْسِماء واقسام وأَقاسِيمُ, فيقال: هذا قِسْمُك وهذا قِسْمِي,ويقال: القِسْم والمِقْسَم والقَسِيم نصيب الإِنسان من الشيء,كما يقال:قَسَمْت الشيء بين الشركاء أي أَعطيت كل شريك قِسْمه وقَسِيمه , وفي ضوء ما تقدم يكون المراد بقسمة المال أي توزيعه على الأولاد وغيرهم.

 وعلى ذلك فان المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته هو قيام الشخص نفسه في أثناء حياته بحصر أمواله وتثمينها ثم يقوم بتقسيمها بين ورثته المحتملين. 

الوجه الثاني: الدافع لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

يتلخص هذا الدافع في أن كثيرا من الأشخاص يخشون اختلاف ورثتهم من بعدهم عند قسمة تركاتهم بعد موتهم أو خوفهم من استئثار بعض الورثة بالتركة وسطوهم على أنصبة الورثة الضعفاء, أو الخشية من عدم قدرة الورثة أو غيرهم على الحصر و التثمين الحقيقي لمكونات التركة بعد وفاة المورث,كما قد يكون الباعث رغبة الشخص في جبر ضعف بعض الورثة وتعويضهم,إضافة إلى انه قد يكون الباعث على إجراء هذه القسمة هي رغبة المورث في المساواة بين الورثة ذكوراً وإناثا,([3]) أو رغبته في تقدير سعاية احد الورثة الذي سعوا في نما وزيادة المال أو تقدير مقابل خدمة لنساء الشخص إذا كانت إحدى قريباته قد تفرغت لخدمته كما لو كان عاجزا يحتاج للخدمة والقيام بأمره, كما لا يستبعد أن يكون الدافع على إجراء هذه القسمة حرمان بعض الورثة من أنصبتهم الشرعية أو إنقاصها, كما لو كان الشخص له ابنة وزوجة وإخوة فيقوم بالقسمة في أثناء حياته بقصد حرمان أخوته.

الوجه الثالث : الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة:

كي يكون التصرف محل البحث واضحا ينبغي الإشارة إلى أهم الفروق التي تميز قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته عن التصرفات المشابهة كالقسمة بعد وفاته والعطية والهبة والوصية.

أولا:الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والقسمة بعد وفاته:  

القسمة في اللغة من القَسْمُ وهو: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً,وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ, أما القسمة عند الفقهاء,فهي إفراز بعض الأنصبة وتمييزها عن بعض ومبادلة بعضها ببعض  فالقسمة تحديد أنصبة الورثة الشرعية في التركة التي يتركها مورثهم بعد موته والقسمة للتركة لا تكون إلا بعد موت الإنسان, أما القانون المدني اليمني فقد عرف القسمة في المادة (1197)بأنها(معرفة مقدار ما لكل شريك في المال وإفرازه بعد موازاة السهام في المثليات وتعديلها في القيميات ).

والقسمة أما أن تكون رضائية أو قضائية, فالرضائية تتم بالتراضي بين الورثة,في حين أن القسمة القضائية أو الجبرية تتم بنظر القضاء عند اختلاف الورثة.

عند تطبيق هذه المفاهيم العامة على قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته نجد أن هذه القسمة تكون في أثناء الحياة وليس بعد الموت,كما انها لا تتم بنظر القضاء, فليس هناك تركة,لان المورث لم يمت بعد, فلازالت أمواله بذمته فلم يتركها,ولا يستطيع احد مطالبته بقسمتها, ولذلك فهذه القسمة تختلف من حيث تكييفها وأحكامها عن القسمة بمفهومها الفقهي والقانوني.

ثانيا: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والعطية والهبة :

                                                                                                        

العطية هي ما يعطى الوالد لأولاده خاصة أثناء حياته وتجب فيها المساواة, أما الهبة فهي المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده ولا تشترط فيها المساواة, ويشترط لنفاذ العطية والهبة أن يقبضها المعطى له أو الموهوب له.

على هذا الأساس فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته إذا انحصرت على الأولاد فقط فكان هؤلاء هم كل الورثة المحتملين للشخص فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية الخالصة ,وتنطبق على هذا التصرف أحكام العطية, أما إذا كان هناك ورثة محتملون غير أولاد الشخص فيكون التصرف بالنسبة لهم هبة, في حين يكون هبة خالصة إذا لم يكن للشخص أولاد وكان له ورثة محتملون من غير الأولاد, ولذلك فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته تستمد كثيرا من أحكامها من العطية كما سنرى.

رابعا: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والوصية:

الوصية تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، أما قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته فهو تصرف يتم وينفذ في أثناء الحياة، ويكون للأولاد والورثة المحتملين, في حين أن الوصية تكون لغيرهم فلا وصية لوارث, كما أنه لا تشترط المساواة في الوصية,في حين المساواة مشروطة في القسمة أثناء الحياة عندما يكون الورثة المحتملون هم الأولاد.

الوجه الرابع: التكييف الفقهي لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

من خلال ما تقدم يظهر أن قسمة الإنسان ماله على ورثته المحتملين في أثناء حياته ليس قسمة حقيقة بالمفهوم الشرعي والقانوني ,لأن الشخص لازال حياً ولازالت له أهلية وذمة مالية شرعية وقانونية فلا تركة إلا بعد موته, كمان قسمة الإنسان ماله لا تتم بنظر القضاء,فحق الورثة لا يكون إلا بوفاة مورثهم, كما أن هذه القسمة تتم بصورتين الأولى أن يقوم الشخص بقسمة ماله على ورثته المحتملين بإرادته المنفردة ويعطي كل واحد من هؤلاء الورثة المحتملين ما يخصه حيث يقوم هؤلاء بقبض هذه الأموال والتصرف فيها أثناء حياة المورث, فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية للأولاد أو الهبة لغير الأولاد, وقد يقوم الشخص في أثناء حياته بقسمة ماله على ورثته المحتملين ويطلب منهم التوقيع على وثيقة القسمة بما يفيد رضاهم بذلك وموافقتهم عليها, ولكنه لا يمكن الورثة من الأموال التي حددها لهم في الوثيقة ولا يقبضونها,فهذا التصرف يندرج ضمن الوصية وتنطبق عليه أحكامها.

وعلى أساس ما تقدم فان القسمة في أثناء حياة المورث تصرف خاص مستقل ظهر في الآونة الأخيرة للأسباب والدوافع السابق ذكرها 

 الوجه الخامس : القسمة في أثناء حياة المورث في الفقه الإسلامي:

لم يقف الباحث إلا على إشارات إلى هذا التصرف في بعض مراجع الفقه الإسلامي القديمة وتحديدا قول الأمام احمد بن حنبل وابن حجر الهيثمي, حيث قال ابن حجر –رحمه الله ( إذا قسم الأب ما بيده بين أولاده, فإن كان بطريق أنه ملَّك كل واحد منهم شيئاً على جهة الهبة الشرعية المستوفية لشرائطها من الإيجاب والقبول والإقباض أو الإذن في القبض، وقبض كل من أولاده الموهوب لهم بذلك، وكان ذلك في حالة صحة الواهب جاز ذلك، وملك كل منهم ما بيده لا يشاركه فيه أحد من إخوته).

كما ان ابن قدامة ذكر أن الأمام احمد بن حنبل قال في هذه المسالة( أحب أن لا يقسم ماله‏، ويدعه على فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله‏،‏ ثم ولد له ولد فأعجب إليَّ أن يرجع فيسوي بينهم، يعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث‏ ليساوي إخوته). 

أما  في العصر الحاضر فقد أصبحت قسمة الإنسان لماله في إثناء حياته ظاهرة عامة منتشرة تستدعي الدراسة والبحث,ولذلك فقد اختلف العلماء المعاصرون بشأنها اختلافاً واسعاً ومتشعباً حيث,وردت أقوال العلماء متناثرة كل عالم على حدة,وذلك في مراجع ومصادر وشتى, فمنهم من ذهب إلى عدم جواز إجراء هذه القسمة ومنهم من ذهب إلى جوازها شريطة أن تكون كقسمة الميراث,في حين ذهب آخرون إلى جواز إجرائها شريطة أن تتم على سبيل العطية أو الهبة وليس كالميراث,وهناك من ذهب إلى كراهة إجراء هذه القسمة وأنها خلاف الأولى, حيث اختلف العلماء في هذه المسالة على أربعة أقوال هي:

القول الأول: قسمة الشخص لأمواله في أثناء حياته غير جائزة مطلقاً, وهو قول الأمام احمد بن حنبل من المتقدمين,و قول جماعة من العلماء المعاصرين منهم, د.علي جمعة مفتي مصر و د.عبد العزيز عزام أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر ود.محمد سيد احمد المسير الأستاذ في كلية أصول الدين جامعة الأزهر وابن عثيمين والشيخ عبد المحسن بن حمد العباد وعبد الحميد الهضابي من علماء السعودية.

واستدلوا على قولهم بالاتي:

1- قسم الله تعالى المواريث وحددها، ولم يترك أمرها لأحد غيره، فالتقسيم على الورثة مرده إلى الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يحكم  الوارث والورثة، وليس لهم إلا أن ينفذوا حكم الله،ومن فعل غير ذلك فقد ظلم وتجاوز الحق والعدل، وحكم على نفسه وعلى غيره بالظلم، وعرض نفسه لغضب الله ومقته   فقسمة الشخص لماله في أثناء حياته اعتداء على حكم الله ورفض لقضائه العادل الحكيم.

ويناقش هذا الاستدلال: بان العطية والهبة والمساواة بين الأولاد كذلك من أحكام الله التي يجب العمل بموجبها مثلها في ذلك مثل القسمة بعد وفاة المورث.

2- أعمار الناس بيد الله عز وجل، ولا يستطيع أحد أن يعلم متى يموت المورث والوارث يقول تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)، ولذلك فإن القسمة في أثناء الحياة،يتنافى مع الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة به.

ويناقش هذا الاستدلال: بأن كل إنسان سيموت حتما سوى كان مورثا أو غيره تطبيقاً لقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) ولذلك لا يتنافى تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته مع التوكل على الله.

 3- تقسيم التركة في أثناء حياة المورّث ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ،ولم  يندب أمته إلى ذلك، فضلا أنه لم يحثّ أو يرغّب في ذلك، وكذا لم يفعل هذا أحد من الصحابة.

ويناقش هذا الاستدلال: بان هذه القسمة لها أصل في السنة النبوية لأنها من ضمن تطبيقات العطية والهبة المنصوص عليهما في أحاديث نبوية كثيرة منها حديث النعمان بن بشير الأتي ذكره ضمن أدلة القول الثالث.

 4- من شروط قسمة التركة تحقّق موت المورّث عملا بقوله تعالى: ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ ازواجكم ) [النساء:12] والإنسان ما دام حياً فلم يترك شيئاً، وهذا غير متحقّق في من يقسم ماله في أثناء حياته على ورثته المحتملين.

ويناقش هذا الاستدلال: بان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته ليس من قبيل قسمة الميراث بمفهومها الشرعي ولا تسري أحكام الميراث على هذه القسمة.

 5- القسمة في أثناء حياة المورث تفتح باباً واسعاً للحيلة على بعض الورثة, حيث يحرم بعض الورثة من أنصبتهم في حين تزيد أنصبة أخرين من دون حق خلافاً لفرائض الله التي افترضها.

ويناقش هذا الاستدلال: أن خشية الحيلة لا تبرر تعطيل أحكام العطية والهبة,كما أن شفقة الأب وحبه لأولاده تحول دون وجود الحيلة, كما أن وجود حيلة في قسمة ما  لا يعني وجود الحيلة في القسمات كلها.

 6- قد يتزوج الشخص الذي يقسم ماله زوجة أخرى ويرزقه الله أولاد آخرين، فيحرمون من أمواله، وهذا ليس عدلاً ولا إنصافاً، بل إجحافا وظلما.

وبناقش هذا الاستدلال: بان هذا الأمر نادر, لان الغالب أن الأشخاص لا يقسمون أموالهم إلا بعد التوقف عن الإنجاب.

 7- قد يموت أحد أولاد الشخص الذي قسم ماله قبل أبيه,فحينئذ لا يحقّ لأبناء الابن المتوفى قبل أبيه أن يأخذوا شيئا من التركة ، وذلك لوجود جدهم أوجدتهم و أعمامهم أو عماتهم، لأنهم محجوبون بهم،لأن هؤلاء الأولاد أي: حفدة المتوفى لا يرثون شيئاً مع وجود أعمامهم أو عماتهم،وهم محجوبون بأعمامهم وعماتهم.

ويناقش هذا الاستدلال: بان وراثة أبناء الابن المتوفى في أثناء حياة أبيه محل خلاف بين الفقهاء فلم يقل بعدم توريث أبناء الابن في هذه الحالة إلا الحنفية والزيدية, في حين يذهب آخرون إلى توريثهم, بل أن من ذهب إلى عدم التوريث قد قرر لهم ما يسمى بالوصية الواجبة.

8- قد يموت بعض ورثة الشخص الذي قسم ماله قبل الشخص، فينقلب الوارث مورثاً.

ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا من الحوادث العارضة أي الاستثنائية, والشرع مقرر أصلا للغالب وليس للعارض.

 9- لو قسّم الأب تركته بين الأبناء فإنه سيبقى على شيء لنفسه يعيش منه، ولذلك فإنهم سيختلفون أيضا على ما تبقّى له من مال, وعندئذ ينتفي الباعث على قسمة المال في أثناء الحياة.

ويناقش هذا الاستدلال: بان الخلاف لو حصل بين الورثة فسيكون محصورا ومحدودا بحدود المال المتبقي القليل ولن يكون كالخلاف في حالة عدم قسمة المال كله.

 10- قد يقسم الشخص ماله على أبنائه ويبتليه الله بأنواع من البلايا والأمراض، ولا يجد من يعطيه تكلفة علاجه،وما يحتاجه من الضروريات فضلا عن الكماليات.

ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا الأمر غير مطرد, فالغالب أن الأبناء يبرون بإبائهم والشرع للغالب.

11-  أن الشخص إذا قسم ماله بينهم فربما يوفق أحدهم فيما أخذه فيتجر به ويزداد وينمو ويكون عند الموت ما بيده أكثر ما بيد الورثة الآخرين فيوقع هذا في قلوبهم شيئاً.

ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا الشيء الذي يقع في نفس بعض الأبناء أقل ضررا ومفسدة من أضرار ومفاسد الخلاف بين الورثة على القسمة بعد موت مورثهم.

 القول الثاني: يجوز للشخص قسمة أمواله في أثناء حياته شريطة أن بتم ذلك كقسمة الميراث تماماً, وهو قول د.صبري عبد الروؤف أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وهو قول غالبية علماء السعودية, وقد تضمنت هذا القول فتاوى اللجنة الدائمة للفتوى بالسعودية ولجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامي, وبه قال د.علي محيي الدين القره داغي عميد كلية الشريعة بجامعة قطر ود. احمد الحجي الكردي الأستاذ بجامعة قطر والشيخ صالح الفوزان من السعودية.

وقد استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:

1- الله تعالى قَسَم بين الأولاد, فجَعَل للذَّكَر مثل حظ الأنثيين, والأَولَى الاقتُدِاء بقِسمة الله عند قسمة الشخص لماله على أولاده في أثناء حياته بإعتبار ذلك من قبيل العطية أوالهبة، ويناقش هذا الاستدلال بأربعة وجوه:

 الأول: هناك فرق بين الميراث بعد الموت وبين تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته لان ذلك يكون على سبيل العطية أو الهبة حال الحياة، من جهة أن الأول مختص بما بعد الموت، ولكل حالٍ أحكام ، ومن جهة أن الهبة تطوعٌ وليست فرضًا كالميراث، ولو أنزلنا العطية منزلة الميراث لما كان للعطية فائدة.

    الثاني: أن الشخص في الميراث يكون راضيًا بما فرضه الله تعالى، بخلافه في الهبة ، فالتفضيل فيها يورث الوَحشة.

    الثالث:  الذَّكَر والأنثى يختلفان في الميراث بالعُصوبة، أما بالرحم المجردة فهما فيه سواء، كالإخوة والأخوات من الأم.

    الرابع: أنّ التُّهمة في قسمة الميراث مُنتفية وفي العطية واردة .

2- العطية والهبة في الحياة مثل الميراث بعد الموت, فيُجعَل للذَّكَر منها مثل حظ الأُنثيين, لأن العطية استعجال لما يكون بعد الموت, فينبغي أن تكون على حسبه, كما أن مُعجِّل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها, وكذلك الكَفّارات المعَجَّلة، ويناقش هذا الاستدلال بأن قسمة المال بعد الموت قد فرَضَها الله تعالى فيحصل التمليك في الإرث بمجرد الموت ولو لم يرض الوارِّث أو المورَّث، أما العطية فهي على الاختيار ولا تنعقد إلا برضا طرفي العقد، فافترقا، والإرث لا يسمى عطية حتى يقال: إنه مثل العطية، إذ العطية تستدعي وجود مُعطٍ أو واهب ذي أهلية للتمليك، وهذه الأخيرة منتفيةٌ عن الميت، ولا يصح أن يقال: إن العطية استعجال لما يكون بعد الموت، لأنه لا يُدرى من منهما سيُفضي إلى ربه أولا، ولا مَن سيرث مَن، والأقيسة المذكورة فاسدةُ الاعتبار، لأنها في مقابلة النصوص الشرعية -السالف ذكرها- الدالّةِ على جوار قسمة المال في أثناء الحياة على سبيل العطية واستواء الذكور والإناث في ذلك .

3- الذَّكَر أحوج من الأنثى إلى المال، لأنهما إذا تَزَوجا جميعًا، فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذَّكَر, والأنثى يتم الاتفاق عليها من قبل غيرها كزوج أو أخ, فكان الذكر أَولَى بالتفضيل لزيادة حاجته، ولذلك قسم الله تعالى الميراث, ففَضّل الذَّكَر مقرونًا بهذا المعنى فتعلَّل به, ويَتَعَدّى ذلك إلى العطية في الحياة، ويناقش هذا الاستدلال بأن التعليل بما ذُكِر ممنوع؛ لعدم الاطِّراد، فالإرث ثابت وإن لم يوجد ما ذُكِر، كأن لا يكون الذَّكَر الوارث متزوجًا فلا يكون ملتزمًا بنفقة وغيرها، أو يكون ذا زوجة غَنيَّة لا تحتاج لنفقته فتُسقِطها عنه، أو غير ذلك، ولا يُعَدُّ ذلك مانعًا له من الإرث، والشأن في العِلَّة أن يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا. فالمعنى المذكور حِكمة لا علَّة، والحِكمة لا يَلزم اطِّرادها، ولا يَضُرُّ تَخَلُّفُها، ويناقش هذا الاستدلال أيضًا أن الذَّكَر أقدر على الكسب من الأنثى، فكانت أحق بالتفضيل، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (لو كنت مُفَضِّلا أحدًا لفضَّلتُ النساء) ([26]).

القول الثالث: يجوز للشخص قسمة أمواله في أثناء حياته على أن يتم ذلك على سبيل العطية أو الهبة التي يتساوى فيها الأولاد ذكورا وإناثا شريطة أن يتم التقسيم في غير مرض الموت وان يقبض كل واحد ما يخصه من العطية أو الهبة  في أثناء حياة المورث, وهو قول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني،  والسيد علي السستاني من علماء الشيعة الجعفرية،  وبه قال الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي مفتي عمان وهو قول د.صلاح الصاوي من علماء مصر وبه قال الشيخ عبد الكريم نجيب الخضير من علماء السعودية, وبه قال والأستاذ الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء اليمن، واستدل أصحاب هذا القول بالأتي:

 1- قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبَشير: “أَكُلَّ ولدك نَحَلت مثل ما نَحَلته؟ قال: لا، قال: فلا أَشهَد على شيء أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بَلَى. قال: فلا إذًا” فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب من بَشِير أن ينحل كلَّ أولاده مثل ما نحل النُّعمان، ولم يَستَفصِل منه عن بقية أولاده، أذكور هم أم إناث؟ فدلَّ هذا على أنه لا فَرق بين الذكور والإناث في التسوية المطلوبة بين الأولاد في العطية وعلى جواز القسمة في أثناء حياة الإنسان وأنها تكون على التساوي بين الذكر والأنثى وهذا هو معنى ما ذكره الطحاوي، حيث قال: وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله  وسلم: (ألك ولد غيره؟ فقال: نعم. فقال: ألا سَوّيت بينهم؟)، ولم يقل: ألك ولد غيره ذكَر أو أنثى؟ وذلك لا يكون وإلا وحُكم الأنثى في العطية كحُكم الذَّكَر، ولولا ذلك لما ذكر التسوية إلا بعد علمه أنهم ذكور كلهم، فلما أمسك عن البحث عن ذلك ثبت استواء حكمهم في ذلك عنده.

2-  قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبشير: (أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء) فهذا يدل على جواز القسمة في أثناء الحياة وعلى التسوية بين الأولاد ذكوراً وإناثاً الإناث والذكور، لأن البر مراد من البنت والابن لذلك يكون للأنثى من العطية مثلما للذَّكَر.

3- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم” والعَدل هو التسَّوِيَّة؛ قالَ الرَّاغِبُ في مفرداته: “العدالة والمعادلة لفظٌ يقتضي معنى المساواة”، فالمقصود أن العَدل التسويةُ في كل شيء حتى يقوم المُخَصِّص ، فالأمر بالعَدل في الحديث يدل دلالة منطوق على طلب التسوية بين الأولاد لا فرق في ذلك بين ذَكَر وأنثى؛ فلفظ الولد في اللغة يطلق على الذَّكَر والأنثى، والتعبير بالجمع المُعَرَّف بالإضافة يفيد عموم الأولاد كلهم لا فرق بين ذَكَر وأنثى.

4- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ساووا بين أولادكم في العَطيّة، ولو كنتُ مُؤثِرًا أحدًا لآثرتُ النساء على الرجال”، وفي رواية: “سَووا بين أولادكم في العَطيّة، فلو كنتُ مُفَضِّلا أحدًا لفَضَّلتُ النساء” ، قال التهانوي: “وهو نَصٌّ في محل النِّزاع فلا يُعدَل عنه” وناقش ابن قدامة الاستدلال بهذا الحديث بأن التسوية فيه محمولة على القِسمة على كتاب الله تعالى. وأنه يَحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته؛ فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه، ويجاب هلى ذلك أنّ حمل التسوية في الحديث على القسمة على كتاب الله بعيدٌ غاية البعد؛ لأنه مخالف لأصل وضع التسوية المقتضي للمماثلة والمعادلة، قال في المصباح المنير: “ساواه مساواة: ماثله وعادله قدرًا أو قيمة”  وعَجُز الحديث -وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “ولو كنت مُفَضِّلا أحدًا لفضَّلتُ النساء”- فمقابلة التسوية بالتفضيل تُعَيِّن أن التسوية المطلوبة لا تفضيل فيها أصلا، ودعوى الاحتمال في أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته، يرده قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث النُّعمان: “أكُلَّ ولدك نَحَلت مثل ما نَحَلته؟”.

4- أن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء ابنٌ له، فقَبَّله وأجلسه على فَخِذه، ثم جاءت بنت له، فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “فهلّا عدلت بينهما”، وفي رواية: “فما عدلت بينهما” ، فهذا شاهد في الجُملة لاعتبار التسوية المطلوبة أنها تكون بإعطاء كل واحد من الأولاد مثل ما أُعطِيَ الآخر، لا فَرق في هذا بين ذَكَر وأنثى، قال الإمام الطحاوي: “أفلا يُرَى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد منه العدل بين الابنة والابن، وأن لا يُفَضِّل أحدهما على الآخر، فذلك دليلٌ على العدل في العطية أيضًا” .

5- القسمة في أثناء الحياة تكون من قبيل عطية الأولاد، فاستوَى فيها الذَّكَر والأنثى كالنَّفَقة والكِسوة ، وأيضًا فإنّ في التسوية تأليفًا للقلوب، وتفضيلُ الذكور قد يورث وَحشة بين الأخوة، فكانت التسوية أَولَى .

القول الرابع: قسمة الشخص لأمواله في أثناء حياته مكروهة,وهو قول جماعة من العلماء منهم د.يوسف البدري ود.احمد السيد علي إبراهيم من علماء مصر.

وقد استدل أصحاب هذا القول بالأدلة ذاتها التي استدل بها العلماء الذاهبون إلى عدم جواز قسمة الشخص لماله في أثناء حياته إلا أن هولاء العلماء الذاهبون إلى كراهة ذلك ذكروا أن تلك الأدلة تفيد الكراهة وليس التحريم.

الترجيح:

من خلال مطالعة أقوال الفقهاء وأدلتهم السابق عرضها ومناقشتها فنحن نميل إلى ترجيح القول الثالث الذي ذهب إلى جواز القسمة في أثناء حياة الإنسان وان يكون ذلك على سبيل العطية أو الهبة للأسانيد الآتية :

1- كثرة الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول وسلامتها من المطاعن وقوتها في الدلالة.

2- هذا القول مناسب لمواجهة ومعالجة ظاهرة القسمة في أثناء حياة المورث وترشيدها,فهو أكثر مناسبة من الأقوال الأخرى بتحريمها أو كراهتها أو إجراء القسمة كالميراث .

3- ملائمة هذا القول ومناسبته للاعتبارات والدوافع التي تدفع الأشخاص لقسمة أموالهم في أثناء حياتهم.

4- هذا القول متوسط قياسا بالأقوال الأخرى,حيث أن هذا القول في غاية الإعتدال.

5- يحقق هذا القول مقاصد الشريعة في تجفيف منابع الخلاف والشقاق بين الورثة مما يسهم في وجود مجتمع مسلم قوي متماسك خال من اسباب الشقاق والخلاف.

الوجه السادس : موقف القانون المدني من قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

نظم القانون المدني قسمة الأموال بين الورثة والشركاء على الشيوع في المواد من (1197) إلى(1223) وعند الدراسة والتدقيق لفحوى تلك النصوص نجد أنها لم تتعرض لهذا الموضوع, أي أنها لم تأمر به كما أنها لم تمنعه , وطبقاً للقواعد العامة الحاكمة للقانون المدني وخاصة قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة ) المنصوص عليها في المادة (11) من ذلك القانون، يفهم من خلال ذلك أن القسمة في أثناء حياة المورث مباحة أي جائزة.

الوجه السابع : موقف قانون الأحوال الشخصية من قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

نظم قانون الأحوال الشخصية أحكام التركات وشروطها وحدد الفروض والأنصبة والسهام التي تتم بموجبها قسمة تركات المتوفين على الورثة,ومن خلال ذلك يظهر أن المقصود بهذه النصوص قسمة التركة بعد وفاة المورث وليس في أثناء حياته, إلا أن هذا القانون في سياق تنظيمه للهبة والوصية قد أشار إلى قسمة الإنسان لماله في أثناء حياته,ومن المناسب أن نعرض تنظيم قانون الأحوال الشخصية لهذا الموضوع على النحو الأتي:

أولا: تنظيم القسمة في أثناء حياة المورث ضمن أحكام الهبة:

 عرف قانون الأحوال الشخصية الهبة في المادة (168) بأن (الهبة هي عقد تبرعي يملك به مال أو تباح به منفعة حال الحياة )، ووفقا لهذا النص يجوز للشخص في أثناء حياته أن يملك أمواله لورثته المحتملين وغيرهم,وطبقاً لهذا النص فان الهبة عقد ينعقد مابين الواهب والموهوب له ويكون لازما بقبض الموهوب له للهبة، وفي السياق ذاته اشترط القانون أن تتم المساواة في الهبة بين الموهوب لهم إذا كانوا من الورثة المحتملين حسبما ورد في المادة (183) من ذلك القانون التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) وعند إمعان النظر في هذه المادة نجد أنها قد أجازت قسمة المال في أثناء حياة المورث شريطة أن يتم ذلك طبقاً لأحكام الميراث فيعطي الإنسان أو يهب للذكر مثل حظ الأنثيين, وبهذا يكون القانون اليمني قد اخذ بقول العلماء الذين ذهبوا إلى جواز قسمة المال في أثناء حياة المورث شريطة أن يكون ذلك بحسب أحكام الميراث شريطة أن يقبض الموهوب له الهبة ويستهلكها حقيقة أو حكما ,ويستند كثير من القضاة والمحامين والأمناء الشرعيين إلى هذه المادة في إجراء القسمة وليس العطية أو الهبة في أثناء حياة المورث, مع أن المادة (183) قد عالجت قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته على أنها تتم على أساس أحكام العطية أو الهبة بحسب تعبير القانون, فأحكام الهبة والعطية هي الواجب تطبيقها على هذا التصرف وليس القسمة،لان القسمة في أثناء الحياة تصرف مستقل يختلف عن القسمة فيما بعد الموت,وذلك يرجع إلى أن هذه المادة قد خلطت بين الهبة والقسمة، حيث أطلقت على هذا التصرف اسم الهبة وفي الوقت ذاته اشترطت تطبيق أحكام الميراث على هذا التصرف وليس الهبة,ومن المؤكد أن أحكام الهبة أو العطية للأولاد تختلف عن أحكام الميراث,فقد ذكرنا فيما سبق الفروق التي تميز الهبة والعطية عن القسمة فيما بعد الموت حيث ذكر العلماء أن العطية مصطلح خاص بما يعطي الوالد لأولاده خاصة في أثناء حياته,كما أن الهبة تطلق عند الفقهاء على المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده, وذكرنا أيضا أن الغالبية العظمى من الفقهاء قد اشترطوا أن تكون العطية للأولاد متساوية دون تفرقة بين الذكور والإناث,ومن وجهة نظر الباحث فان المادة (183) السابق ذكرها قد خالفت ما ذهب إليه غالبية الفقهاء الذي ذهبوا إلى تطبيق أحكام العطية على هذا التصرف وليس الميراث واشترطوا ان يتساوي الذكر مع الأنثى في هذا التصرف باعتباره من الهبة وليس الميراث، ويلاحظ أن هذه المادة قد أجازت قسمة الشخص لماله في إثناء حياته ولم تشترط إجازة الورثة المحتملين لذلك, كمالا يخفي التضارب الذي شاب المادة (183) التي أوجبت المساواة بين الأولاد على أساس أن القسمة في أثناء حياة الشخص تعد عطية يتساوي فيها الأولاد ذكوراً وإناثا,وفي الوقت ذاته أوجبت تلك المادة أن تتم القسمة في أثناء حياة المورث على أساس الميراث الذي يكون نصيب الذكر فيه مثل حظ الأنثيين, وتبعا لذلك يتعذر تطبيق المساواة التي أوجبها النص فكيف تتم المساواة بين الأولاد والورثة طالما وأنها تتم بحسب الميراث؟كما أن المادة(183)غامضة ومتناقضة في معالجتها للهبة لغير الأولاد فقد أوجبت المساواة في الهبة مطلقا سواء كانت الهبة للأولاد أم لغيرهم مع أن المساواة لا تكون واجبة في الهبة إلا بين الأولاد فقط.

ثانيا: : تنظيم القسمة في أثناء حياة المورث ضمن أحكام الوصية:

 لم يكتف قانون الأحوال الشخصية بالخلط بين أحكام الهبة والقسمة بل انه قد خلط أيضا بين الهبة والوصية مع انه لكل من الهبة والوصية أحكامها التي تختلف في أحكامها حسبما هو  مثبت في كتب الفقه الإسلامي، حيث نصت المادة (186) على أن (الهبة للوارث ووارثه  في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) حيث يستند إلى هذا النص الحكم محل تعليقنا في قضائه بأن أية قسمة في أثناء حياة المورث تكون في حكم الوصية من حيث تعليقها على إجازة الورثة بعد وفاة المورث ، وبناءً على نص المادة (186)السابق ذكرها فان هبة المورث لوارثه لا تكون نافذة إلا بعد وفاة المورث وإجازة بقية الورثة لها بعد وفاة المورث ولا تستثني من ذلك إلا حالة ما إذا قام الشخص الموهوب له باستهلاك الهبة أو تصرف بها إلى الغير,لأن الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة مورثهم بموجب المادة (234) التي نصت على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة)، والمقصود بالهبة في هذه المادة هي الهبة المنفردة أي الهبة التي ينفرد بها أحد الورثة وذلك ظاهر من صياغة المادة(الهبة للوارث) وهي بخلاف الهبة أو العطية المذكورة في المادة (183) التي يتساوى فيها الورثة من الأولاد والتي تندرج ضمنها قسمة الإنسان لماله في إثناء حياته,فالهبة المنفردة طبقا لهذه المادة لا تكون نافذة إلا بعد إجازة الورثة لها وذلك بعد وفاة الوالد الواهب بخلاف القسمة في إثناء الحياة([54]),حيث نصت المادة (234) على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة) وحددت المادة (238) وقت إجازة الورثة للوصية الصادرة من المورث لوارثه, فهذه الإجازة لا تكون إلا بعد وفاة المورث.

الوجه الثامن : قضاء الحكم محل تعليقنا بأن قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته باطلة: 

كان الحكم الابتدائي قد قضي بصحة القسمة اثناء حياة المورث لأن المورث كان قد قام بتقسيم كافة أمواله بين ورثته المحتملين وقد قام بتسليم كل واحد منهم نصيبه حتي في جنبية المورث التي تمت قسمة قيمتها بين الورثة كما قام المورث نفسه اثناء حياته بتحرير الفصول وتسليم كل واحد من الورثة الفصل الخاص به وقام الورثة المحتملون بقبض الأموال المقسمة عليهم اثناء حياة مورثهم وتبعا فالقسمة صحيحة بحسب قضاء الحكم الابتدائي، غير ان أن الحكم الاستئنافي وحكم المحكمة العليا ا محل تعليقنا  قد قضيا ببطلان تلك القسمة لأنها تمت على أساس أنها قسمة وليس هبة إضافة أن الوارثات المدعيات لم يجزن تلك القسمة بعد وفاة المورث بل انهن رفعن دعوى القسمة.  

الوجه التاسع: توصيتنا بتعديل قانون الأحوال الشخصية :

 لمعالجة التضارب في قانون الأحوال الشخصية في هذا الموضوع فإننا نوصي بالآتي :

1- تعديل قانون الأحوال الشخصية  لإزالة الغموض والخلط والاضطراب الحاصل في تنظيمه لهذا الموضوع, وننصح السلطة التشريعية باليمن باعتماد القول الذي توصل إليه الباحث وهو أن قسمة الشخص لماله في أثناء حياته يكون عطية بالنسبة لأولاد الشخص ويكون هبة بالنسبة للورثة الآخرين المحتملين, وبناءً على ذلك نوصي بتعديل المادة (183) التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) بحيث تكون هذه المادة بعد التعديل (يجوز للشخص في أثناء حياته إذا كانت هناك مبررات قوية أن يقوم بتوزيع ماله كله أو بعضه على أولاده على سبيل العطية التي يتساوى فيها الأولاد وبحسب الفريضة الشرعية بالنسبة للورثة الآخرين المحتملين).

2- إلغاء المادة (186) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن ( الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) حتى لا تكون هذه المادة وليجة للحيلة وإحراج بقية الورثة في إجازتها بعد وفاة مورثهم,إضافة إلى أنها تخالف حديث وقاعدة (لا وصية لوارث) كما أن سوء فهم هذه المادة قد يفضي إلى تعطيل تصرفات أخرى منها القسمة في أثناء حياة المورث.

3- عقد لقاءت علمية وحلقات نقاش لقضاة الأحوال الشخصية والموثقين المتولين توثيق العقود والتصرفات والأمناء الشرعيين الذين يتولون تحرير وإنشاء العقود والتصرفات لمناقشة هذا الموضوع ومعرفة دقائقه وتفاصيله وتوعيتهم بهذا الموضوع، والله اعلم.