النذر لفرع وارث

 النذر لفرع وارث 

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

  النذر  قربة لله تعالى يتقرب به العبد لربه، بيد أنه اذا كان الغرض من النذر الحيلة على  بعض الورثة وتعطيل الفرائض الشرعية فلاريب أن ذلك لايصح، فلايصح النذر لفرع وارث، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 1-12-1999م في الطعن رقم (515)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((لقد قضى الحاكم بإجراء القسمة بين ورثة..... على الوجه الصحيح ويتضمن منطوق ذلك الحكم خمس فقرات  منها نفوذ مبيعات لغير الورثة وهذا صحيح لا غبار عليه أو لا شأن للورثة في ذلك والفقرة  الثانية إخراج مبيعات الحراير الثلاث..... لعدم وجود مطالب وسبق دعوى من ذي صفة وهذا أيضاً لا لبس فيه ولا غموض، والفقرة الثالثة عدم صحة النذر لكونه لفرع وارث وقضى في الفقرة الخامسة بعدم صحة المبيعات من الحراير المذكورات ،  لأنه من مبيع النساء لأقاربهن ولم تتوفر فيه شروط الصحة. وكذا بطلان الإجازة من البنات لأخوتهن في الورقة المؤرخة جمادى الآخرة سنة 1338 والبصيرة المؤرخة في رجب في التاريخ المذكور والمتضمنة مبيع..... إلى..... موافقاً لما علله الحاكم وأوضحه من عدم وجود وصية البتة لمورث المتنازعين)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : ماهية النذر وحكمه في الفقه الإسلامي والقانون اليمني :

النذر في اللغة هو الإيجاب، فتقول: نذرت كذا: إذا أوجبته على نفسك.

اما تعريف النذر في الفقه فهو : إلزام مكلف مختار نفسه شيئا لله تعالى.

وقد عرف قانون الأحوال الشخصية اليمني النذر بتعريف مقارب للتعريف الفقهي ، إذ نصت المادة(208)  على أن( النذر هو ايجاب مكلف مختار على نفسه بلفظه او ما في معناه بمال او فعل او ترك يلزمه الوفاء به دون توقف على قبول، ويصح بكل لفظ يدل عليه او بالكناية او بالاشارة المفهمة من الاخرس ويقع مطلقا او مقيدا بشرط او مضافا الى اجل )،والنذر نوع من أنواع العبادة، لا يجوز صرفه لغير الله تعالى.

وحكم النذر :أنه مكروه عند طائفة من العلماء؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النذر، وقال: "إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل". قال في "المنتقى""رواه الجماعة إلا الترمذي".ولأن الناذر يلزم نفسه بشيء لا يلزمه في الأصل.

والنذر هو أن يقطع مسلم عهدًا على نفسه بعمل شيء محدد بنية الاستجابة من الله أو أن يتمنى حدوث شيء ما في دنياه دون اشتراط على الله،  فهذا نذر مكروه. وهو بمثابة عهدٍ يقطعه المسلم على نفسه أمام الله عز وجل،ومن أمثال النذور، أن ينذر الإنسان أن يذبح بقرة أو خروفًا أو شاة لحصول ابنه على وظيفة.

والنذر هو أن يُلزم المسلم المُكلَّف نفسه بطاعةٍ لله فوق التي فُرضت عليه، مثل أن يقول المرء: (لله عليّ أن أذبح ذبيحةً أو أكفل يتيماً، أو نذرت لله صيام ثلاثة أيام إن شُفي مريضي) وعلى نحو ذلك، عندها صار من الواجب عليه أداؤه كوجوب الصلاة المفروضة.

وبما أن النذرمن القرب والعبادات فقد وردت بشانه نصوص شرعية عدة ، إذ ورد ذكره في مواطن عدة من القرآن والسنّة، قال تعالى في سورة مريم: (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)، كما أثنى الله على صفات عباده الأبرار الذين يوفون بالنذر، وذلك في قوله تعالى : (يُوفُونَ بالنذر وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً).

كما ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال  (مَن نذَر أنْ يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعْه، ومَن نذَر أنْ يعصيَ اللهَ فلا يعصِه).

ولا مانع من التشارك في النذر لدى بعض الفقهاء كالشافعية والحنابلة   بشروط؛ فمن نذر أن يذبح شاةً فعليه ذبح الشاة، ويجوز له أن يشترك مع غيره في ثور أو بقرة، على ألّا يزيد عدد المشتركين في الذبيحة  عن سبعة أفراد؛ لأن الثور يقوم مقام سبعة من الشياة .

وفي حالة نسيان النذر فعلى المسلم محاولة تذكّر ما نذر وأدائه، فإن لم يستطع التذكر أو ابهم عليه النذر أو التبس، فعليه أداء كفارة يمين ، فقد روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  قوله: (كفارة النَّذر إذا لم يُسَمّ كفَّارة يمين)، وكفّارة اليمين هي واحدةٌ من ثلاث:إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة، فمن لم يستطع تنفيذ إحداها فعليه صوم ثلاثة أيام.

في حال اِجتماع النذر والدين على المسلم، وكان لا يملك إلّا ما يسدد فيه أحدهما، فالأولى أن يؤدّي الدين أولاً، ولا إثم في تأخير الوفاء بالنذر حتَّى يجد الفرصة المناسبة، لأنَّ الوفاء بالنذر ليس واجباً على الفور إلَّا إذا كانت صيغة النذر تقتضي الفورية.

وإذا عجز الناذر عن أداء النذر فيجوز له توكيل غيره لوفاء النذر عنه، مثل أن توكل الزوجة زوجها، فقد جاء في كتاب المغني لابن قدامة المقدسي، : (وإِنْ عجز لعارض يُرجى زواله من مرض أو نحوه انتظر زواله ولا تلزمه كفارة ولا غيرها لأنه لم يَفُت الوقت فيشبه المريض في شهر رمضان، فإن استمر عجزه إلى أنْ صار غير مرجو الزَّوال صار إلى الكفارة والفدية)، وعليه:إن عجز المرء عن الوفاء بنذره، بقي النذر ديناً في ذمّته، حتى يصبح قادراً على الوفاء به، فإن كان عجزه عن ذلك عجزاً كليّاً فعليه كفّارة يمين.

وعندما ينذر المسلم نذراً، يُلزم فيه نفسه أن يذبح ذبيحةً لله تعالى، فالأصل أن يفي بنذره كما ذكره ولا ينتقل لبديلٍ عنه، فقد أخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لاَ يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ»، والمراد في هذه الحالة من النذر هو إراقة دم الذبيحة تقرّباً لله.تعالى.
وبينت المادة(209) أحوال شخصية بينت شروط الناذر فقد نصت على أنه( يشترط في الناذر ان يكون مكلفا مختارا مسلما)، في حين بينت المادة(210) أحوال شخصية شروط  المنذور عليه حيث نصت على أنه( يشترط في المنذور عليه ان لا يكون جهة معصية).

أما المادة(211) فقد ذكرت شروط المال المنذور به، فقد نصت هذه المادة على أنه( يشترط في المال المنذور به ان يكون مملوكا للناذر حال النذر هو او سببه واصله ولا يصح تعليق تعيينه بالذمة).، وحددت المادة(212) حدود المال المنذور به وقدره ، إذ نصت هذه المادة على أن ( النذر ينفذ من ثلث المال مطلقا سواء اكان حال المرض مشروطا او غير مشروط ما لم يكن قد اخرجه في حياته مخرج التصرف).، وصرحت المادة(213) بعدم جواز الرجوع في النذر، حيث نصت هذه المادة على أنه( لا يجوز الرجوع في النذر وانما يبطل برده) ومن جهة  أخرى ذكرت المادة(214) أحوال عدم جواز رد النذر حيث نصت هذه المادة على أنه( لا يجوز لذي الولاية او الوصاية رد نذر لمن له الولاية عليه وللصغير ومن في حكمه رده اذا بلغ رشده ولو كان وليه قد قبله نيابة عنه).
وبينت المادة(215)حكم تلف العين المنذورة ومصير العين اذا بطل النذر، فقد نصت هذه المادة على أنه( اذا تلفت العين المنذور بها حقيقة بعد النذر قبل تحقق شرطه او حلول اجله بطل النذر اما اذا تلفت حكما فتعوض طبقا لما هو منصوص عليه في المادة التالية).
أما المادة(216) فقد تناولت حكم ضمان النذر،إذ نصت هذه المادة على أنه( يضمن الناذر العين المنذور بها اذا تلفت بعد النذر بسبب منه مع حلول الاجل او تحقق الشرط ويعوض المنذور له بعين مثلها من نفس جنسها فان تعذر فبقيمتها وقت النذر).
 أما المادة(217) فقد ذكرت مصارف النذر، حيث نصت هذه المادة على أن( يصرف النذر فيما عين الناذر فان لم يعين كان له التعين في حياته فان مات ولم يعين تعين المصرف في الفقراء).
في حين تناولت المادة(218) النذر على المسجد،إذ نصت هذه المادة على أنه( اذا نذر على المسجد ولم يعين تعين في المسجد الذي اعتاد الصلاة فيه ثم في المسجد المشهور لكثرة صلاة الناس فيه).
في حين تناولت المادة(219) مصير النذر اذا مات الناذر ولم يحدد ولي على النذر، فقد نصت هذه المادة على أنه( اذا مات الناذر ولم يعين واليا او وصيا للمنذور به على المسجد ونحوه كانت الولاية عليه لذي الولاية العامة).

ومن خلال ماتقدم يظهر ان النذر قربة وعبادة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى، وان النذر لاينبغي أن يتضمن معصية، ولذلك لايجوز أن ينطوي النذر على حيلة على بعض الورثة، ويجب أن لا يترتب على النذر تعطيل فرائض الارث الشرعي ويجب أن لايكون النذر سببا في إثارة الآحقاد والضغائن والوحشة والحسد بين الأقارب، لأن ذلك محرم في الشريعة.

الوجه الثاني : ماهية النذر للوارث :

نظم قانون الاحوال الشخصية اليمني النذر ضمن التصرفات المشتبهات بالهبة وذلك في الباب الثاني في المواد (من 208الى 219) حسبما سبق بيانه، وقد بينت المادة (208) تعريف النذر وماهيته حيث نصت على ان (النذر هو ايجاب مكلف مختار على نفسه بلفظه او ما في معناه بمال او فعل او ترك يلزمه الوفاء به دون توقف على قبول ويصح بكل لفظ يدل عليه او بالكتابة ويقع مطلقا او مقيدا بشرط او مضاف الى اجل) واشترطت المادة (209) ان يكون الناذر مسلما ومكلفا وان لايكون المنذور عليه  جهة معصية, اما المادة (212) فقد حددت المقدار الذي يجوز النذر به وهو ثلث المال او التركة؛ ومن خلال مطالعة النصوص القانونية الناظمة للنذر نجد انها لم تصرح بعدم جواز النذر للوارث او وارث الوارث, ولذلك يلجا  بعض المورثين الى النذر للوارث او وارث الوارث لان النذر غير الوصية للوارث التي منعها الشرع والقانون ؛ حيث تجد ان الناذر ينذر بعض ماله لوارثه مقابل ان يحج عنه او ان يقرأ القران الى روحه او ان يصوم عنه.....الخ , ولذلك كان النذر يشابه الوصية الا ان الوصية تصرف الى ما بعد موت المورث اما النذر فقد يتم في اثناء حياة الناذر كما حصل في الحكم محل تعليقنا, كما ان النذر يشابه الوقف من حيث القربة أي ان المقابل الذي يقصده الناذر من نذره هو التقرب الى الله تعالى الا ان الوقف تكون فيه ملكية الرقبة لله تعالى في حين ان المال المنذور في النذر يكون ملكا للمنذور له كما حصل في الحكم محل تعليقنا .

الوجه الثالث : موقف القانون اليمني من النذر للوارث وتوصيتنا  للمقنن اليمني :

ذكرنا في الوجه السابق ان قانون الاحوال الشخصية نظم النذر في الباب الثاني بعنوان (المشتبهات بالهبة) أي ان النذر مشابه للهبة وذكرنا ايضا ان القانون في ذلك الباب قد نظم النذر للوارث وذكرنا ايضا ان النذر مثل الهبة والعطية لأنه يقع غالبا في اثناء حياة الناذر, وعندما نظم القانون الهبة اوجب المساواة بين الورثة في الهبة  الا انه لم يبين موقفه من التصرف المخالف للواجب أي الجزاء القانوني او حكم التصرف؛ فاقتصر القانون على تقرير وجوب المساواة في الهبة فقط حيث نصت المادة (183) على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الاولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) ولذلك اوصى مخلصا المقنن اليمني باستحداث مادة ضمن المواد المخصصة لأحكام النذر تصرح بعدم جواز النذر للوارث او لوارث الوارث الا اذا اجاز ذلك الورثة اواذا كان وارث الوارث ذا عاهة كالأعمى والاشل والاقطع ونحو ذلك, وقد لاحظ  الامام احمد حميد الدين رحمه الله كثرة النذريات في مناطق الحديدة وريمة وماوية وتهامة والمحويت فاصدر توجيهاته عام 1959م الى الهيئة الشرعية التي كانت بمثابة محكمة عليا ومجلس قضا اعلى حيث أمر الإمام رحمه الله انذاك بعدم المصادقة على الاحكام التي تقضي بصحة النذر للورثة الا اذا اجاز الورثة ذلك.

الوجه الرابع : حكم النذريات القديمة للورثة :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه لم يقض ببطلان النذر للوارث في القضية التي تناولها لان النذر كان قد تم ونفذ قبل اكثر من ستة  وسبعين عاما من تاريخ  عرض القضية على قاضي الموضوع ولان المنذور له كان  قد قبل المال المنذور به في ذلك التاريخ كما تم الوفاء بالنذر من قبل ام المنذور له وهو صيام امه شهرين نافلة لشفاء والدها الذي شفاه الله فأوفى بنذره, فقد كان القاضي فطنا لأنه ادرك المراكز القانونية التي ترتبت واستقرت خلال هذه الفترة الطويلة ووجد ان المنذور له لم يكن غاصبا كما ان النذرية لم تكن محل خلاف بين الطرفين من حيث صدورها من جدهم وانما الخلاف بشأن حكمها.

الوجه الخامس : الفرق بين النذر  والهبة في قانون الأحوال الشخصية اليمني :

 سبق بأن قانون الأحوال الشخصية نظم احكام النذر في المواد (من  208 إلى 219) وخلاصة ذلك ان النذر من تصرفات الإرادة المنفردة حيث يقع بإيجاب من الناذر من غير حاجة الى قبول من المنذور له ، ويقع النذر بلفظه أو ما يدل عليه ويشترط في الناذر ان يكون مكلفاً مختاراً مسلماً عند الوفاء بالنذر ؛ ويشترط في المال المنذور ان يكون مملوكاً للناذر حال النذر ، ولا يجوز الرجوع في النذر وانما يبطل اذا رده المنذور له ويضمن الناذر العين المنذور بها اذا تلفت بعد النذر بسبب منه مع حلول الاجل  وتحقق الشرط  .

 ومن جانب آخر نظم قانون الاحوال الشخصية الهبة في المواد (من 168 إلى 202) وخلاصة ذلك ان الهبة عقد شرعي يتم بإيجاب من الواهب وقبول من الموهوب ويشترط في الواهب ان يكون مكلفاً مختارا ومالكا للشيء الموهوب واذا مات الموهوب له قبل قبول الهبة بطلت اما اذا مات بعد القبول قام ورثته مقامه في قبض الموهوب ، وتجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها كالهدية والنذر وذلك بين الاولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية ، واذا تمت الهبة وتوفرت فيها الشروط السابق ذكرها يملك الموهوب له المال الموهوب ، وتكون الهبة للوارث ووارثه في حياته في حكم الوصية الا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب؛ ووفقاً  للمادة (196) احوال شخصية يجوز الرجوع في الهبة الشرعية في الاحوال الاتية: 1- إن تكون الهبة تبرعية لغرض (مصلحة) ظاهر أو مضمر  تدل عليه قرائن الحال وتعذر تحقيق الغرض 2- ان يكون الواهب اباً أو اماً للموهوب له -3ان يكون للواهب عذر تحقق بعد الهبة بان اصبح فقيراً او عاجزاً عن الكسب مالم يكن الموهوب له قد قبل).

 ومن خلال العرض السابق نجد أن النذر من التصرفات المشابهة للهبة الا ان هناك فروق عدة بينهما ، منها ان الهبة عقد والنذر تصرف بإرادة منفردة ، كما ان النذر لا يجوز الرجوع فيه في حين يجوز للواهب ان يرجع في الهبة في الحالات السابق ذكرها ، علاوة على ان النذر يكون فيه طابع القربة أو الصدقة بخلاف الهبة التي لا يغلب عليها هذا الطابع ، وتنظيم القانون للهبة والنذر كل على حدة يدل على وجود فروق بين احكامهما.

الوجه السادس : تصرف النساء لاقاربهن باطل :

قضى الحكم محل تعليقنا بأن مبيع الثلاث النساء لاقاربهن باطل، وقد سبق لنا التعليق على هذا الموضوع بتعليق مستقل سبق نشره، وخلاصة ذلك ان القضاء في اليمن قد استقر على بطلان تصرف النساء لاقاربهن الا اذا تم تقدير قيمة المبيع بنظر خبراء عدول وتم تسليم الثمن الحقيقي إلى البائعة وقبضته قبضا صحيحا، وقد استقر القضاء اليمني على هذا الحكم منذ 1942 عندما اختار الإمام يحي بن محمد حميد الدين رحمه هذا الحكم في قضية المرأة التي حضرت مجلس قضاء الإمام يحي وافادت بأنها قد تنازلت عن نصيبها في الميراث لاخيها، فقال لها الإمام : والخاتم الذي باصبعك لماذا لم تتنازلي عنه لاخيك، فاجابت :كلا لان الخاتم حقها،، وحينها ادرك الإمام رحمه الله أن المرأة قد تنازلت عن جهل بحقها الشرعي وان  الجهل والخوف والحرج من أخيها كان الدافع لتنازلها عن نصيبها لاخيها، ومنذ ذلك الحين حتي الآن والقضاء في اليمن مستقر على فساد تصرف النساء لاقاربهن لمظنة الجهل والخوف والحرج الا اذا تم تقدير الثمن من قبل خبراء عدول وتم بالفعل قبض المرأة للثمن، ومن الطريف أن أحد القضاة الشبان استشارني عام 2021 في قضية كانت المتنازلة تحمل درجة الماجستير وموظفة حيث اراد القاضي ان يحكم بصحة تنازلها لاخوتها على اساس انها متعلمة  ولذلك فإن الجهل والخوف والحرج منتفي بشأنها فنصحته بأن لا يخالف ما استقر عليه  القضاء منذ أمد بعيد الا انه أصر وإصدر حكمه بصحة تنازل المرأة غير محكمة إستئناف أمانة العاصمة ألغت الحكم الابتدائي ، والله اعلم.