زواج الحصول على الجنسية

زواج الحصول على الجنسية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

زواج الجنسية هو الزواج الذي يقصد الزوج منه الحصول على الجنسية التي تحملها الزوجة ، أو زواج الشخص من إمراة تحمل جنسية أجنبية بقصد الحصول على جنسية الزوجة.

وقد يكون قصد الزوج ظاهرا علانية قبل إبرام عقد الزواج ، فيتم الإتفاق بين ولي المرأة والزوج قبل إبرام العقد على أن الغرض من الزواج ليس الزواج حقيقة وانما الحصول على وثيقة عقد الزواج كي تكون هذه الوثيقة من ضمن مسوغات الحصول على الجنسية ،فعند إستكمال معاملة الحصول على الجنسية ينتهي عقد الزواج بالطلاق المتفق عليه مسبقا، ولاشك أن هذا النوع من الزواج تتخلف فيه الحكمة من الزواج ، وهي تحصين الفروج وحفظ النسل وتعمير الأرض، ومن الناحية الشرعية والقانونية فان عقد الزواج في هذه الحالة قد اقترن بشرط يتنافى مع مقتضيات عقد الزواج ، ولذلك فان شرط الطلاق المقترن بهذا العقد يكون باطلا ، اما عقد الزواج فأنه صحيح ، عملا بقاعدة يصح العقد ويلغو الشرط.

وبالمقابل قد لايكون غرض الحصول على الجنسية ظاهرا عند إبرام العقد ، فينعقد عقد الزواج من غير شرط ، ولكن يكون غرض الزوج من الزواج هو الحصول على الجنسية التي تحملها الزوجة ،ويكون هذا الغرض خفيا يسره الزوج في نفسه ، فلاريب ان هذا النوع من الزواج جائز في الشريعة والقانون.

ففي النوع الاول من هذا الزواج إذا لم يحقق زواج الجنسية الغرض منه والمتفق عليه مسبقا بين الطرفين وهو الحصول على الجنسية بسبب عدم وفاء ولي الزوجة بالتزامه ، فأنه يلزم ولي الزوجة في هذه الحالة إعادة المبالغ المدفوعة من الزوج لأجل هذا الزواج علاوة على تعويض الزوج على عدم حصوله على جنسية الدولة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-6-2012م في الطعن رقم (49786)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (وحسب نص المادة (30) أحوال شخصية، وحيث طلبت المستأنفة بدعواها الفرعية أمام المحكمة الابتدائية لمالها من حق وفقاً لهذا النص، وفي مقابل هذا الحق يجب على المستأنفة وعلى وليها رد ما استلموه من مهر معجل، إلا أن المحكمة الابتدائية قضت برد ما يزيد عن الثابت أمامها بتسليمه من والد الزوج لوالد الزوجة ، كما قضت بلزوم التطليق عندها، الأمر المستوجب على هذه الشعبة قبول هذا الطعن موضوعاً وإلغاء الحكم الابتدائي المطعون فيه وإلزام الزوجة ووالدها المستأنف ضدهما بتعويض الزوج المستأنف عما اصابه من ضرر من حرمانه من الحصول على الجنسية بسبب تخلف المستأنف ضدهما عن القيام بالمعاملة اللازمة وإتمام الزفاف وكذا ما غرمه في مراسيم الخطبة والعقد وتقدرها الشعبة بمبلغ ثلاثة آلاف دولاراً، وعليه فإن المحكمة تقض بقبول الطعن وفسخ نكاح المستأنف ضدها ولا عدة لها لعدم الدخول، وعلى وليها رد المبلغ المسلم بيده من المهر المعجل المتفق عليه وهو مبلغ..... دولاراً إضافة إلى مبلغ ثلاثة ألف دولاراً كتعويض عما أنفقه الزوج في الخطوبة والعقد وعن حرمانه من الحصول على الجنسية)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين أن نعي الطاعنين الزوجة ووالدها على الحكم الاستئنافي مخالفته للقانون حينما قضى بتسليمهما مبلغاً يزيد على المهر المعجل المدفوع وكذلك الحكم للمطعون ضده بالتعويض إضافة إلى المهر، وبالتأمل وإمعان النظر في حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي وما تضمنته عريضة الطعن من أسباب فقد تبين للدائرة: أن الأسباب التي توصلت إليها محكمة الاستئناف في حكمها أسباب قانونية صحيحة لما استندت إليه، لذلك فأن الحكم الاستئنافي جاء موافقاً للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية زواج الجنسية:

زواج الجنسية هو الزواج الذي يقصد الزوج منه الحصول على الجنسية التي تحملها الزوجة ، أو زواج الشخص من إمراة تحمل جنسية أجنبية بقصد الحصول على جنسية الزوجة، فإذا تم هذا الزواج حقيقة وتم زفاف المرأة إلى الزوج وظلت الزوجة في عصمة الزوج واثمرت العلاقة الزوجية بينهما، فان هذا الزواج صحيح تحققت فيه الحكم والغايات المبتغاة من الزواج وهي تحصين الفروج وحفظ النسل وإنشاء الأسرة ولو كان الزوج يستهدف من هذا الزواج الحصول على جنسية الزوجة، فمثل الزوج في هذا الزواج مثل الزوج الذي يتزوج إمرأة غنية لتحصين فرجه وإكمال دينه وبقصد الحصول على المال، او مثله مثل الزوج الذي يتزوج إمرأة ذات نسب للتشرف بنسبها، فهذا الزواج جائز.

اما إذا كان زواج الجنسية صورياً، وكان الغرض الوحيد منه هو الحصول على وثيقة الزواج كي تكون هذه الوثيقة ضمن مسوغات الحصول على جنسية الزوجة ، وتم الاتفاق بين ولي الزوجة والزوج على ذلك بداية، ولم يتم في هذا الزواج زفاف او دخول بل ان الزوج بعد الزواج لا يعرف الزوجة ولا يقابلها مطلقاً ،وينتهي هذا الزوج بإستكمال الإجراءات الإدارية اللازمة للحصول على الجنسية ومنها: عقد الزواج بغرض تمكين الزوج من الإنتقال إلى الدولة التي تقيم فيها الزوجة تمهيداً لحصوله على جنسية الزوجة، فيكون عقد الزواج في هذه الحالة بمثابة مسوغاً من مسوغات الحصول على جنسية الزوجة، فبمجرد وصول الزوج إلى الدولة التي تحمل الزوجة جنسيتها وإستكمال الاجراءات اللازمة للحصول على الجنسية ينتهي عقد الزواج بقيام الزوج بطلاق الزوجة بحسب الاتفاق المسبق عند الزواج دون أن يدخل الزوج بالزوجة أو حتى يقابلها او يتعرف عليها، ولأن هذا الزواج لا عدة فيه لعدم الدخول، فإن ولي الزوجة يسعى لتزويج المرأة برجل آخر بقصد حصول الزوج على الجنسية وحصول ولي الزوجة على المال، وهكذا تتكرر هذه الزيجات، وهذا الزواج محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين ، فقد ذهب غالبية الفقه المعاصر إلى ان هذا الزواج لا يحقق الحكم والغايات المبتغاة من الزواج، ومع هذا فان هذا الزواج صحيح لانه من قبيل الزواج المقترن بشرط الحصول على الجنسية فيصح العقد ويلغوا الشرط .

الوجه الثاني: المهر في زواج الجنسية:

لاريب أن المهر في زواج الجنسية يكون باهضاً سواءً أكان هذا الزواج حقيقياً أم صورياً، لأن الحصول على الجنسية محل إعتبار عند إبرام عقد الزواج، فالزوج يقبل أن يدفع مهراً باهضاً، لأنه يعول على الحصول على جنسية الدولة التي تحملها الزوجة وتبعا لذلك الحصول على فرصة عمل في تلك الدولة تدر عليه دخلا وفيرا يعوضه عن المبالغ التي تكبدها الزوج في سبيل هذا الزواج، ولذلك فإن الزوج في زواج الجنسية يضع نصب عينيه عند إبرام عقد الزواج الإنتقال إلى الدولة التي تحمل الزوجة جنسيتها والعمل فيها والحصول على مبالغ كبيرة من ذلك سيما إن الدولة التي تحمل الزوجة جنسيتها تكون من الدول الغنية التي يكون مستوى الدخل فيها مرتفعا، ولذلك فانه إذا لم يتم زواج الجنسية تفوت على الزوج أرباح محققة كان الزوج معولا عليها كعائد لعمله في تلك الدولة، علاوة على أن الزوج في زواج الجنسية يتكبد مبالغ طائلة في سبيل هذا الزواج كتكاليف الخطبة والزواج ، ولو كان عقد زواج صورياً حسبما سبق بيانه.

الوجه الثالث: إعادة المهر في زواج الجنسية:

إذا كان عقد زواج الجنسية صوريا كما سبق بيانه وكان الإتفاق المسبق على صورية هذا العقد وانه ينتهي بالطلاق بعد معاملة حصول الزوج على الجنسية، وكانت نوايا الطرفين قبل إبرام عقد الزواج قد اتجهت إلى أن الغرض من هذا الزواج هو مجرد الحصول على وثيقة عقد الزواج كمسوغ من مسوغات الحصول على جنسية الدولة التي تحملها الزوجة، فيصح عقد الزواج في هذه الحالة ويلغو الشرط المقترن به ، ففي هذه الحالة لاخلاف في جواز إعادة نصف المهر المدفوع في زواج الجنسية طالما أن الزوجة لم يتم زفافها إلى زوجها ولم يدخل بها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية اليمني.

 لكن إعادة المهر المدفوع كله محل نظر في الفقه الإسلامي والقانون اليمني، لأنه من المسلم في فقه الشريعة الإسلامية والقانون اليمني أن الزوجة غير المدخول بها لا تستحق إلا نصف المهر ويجب عليها ان تعيد نصف المهر اذا كان قد سبق لها ان استلمت المهر كاملا، في حين أن الحكم محل تعليقنا قضى بأنه يجب على الزوجة أن ترجع المهر المدفوع لها كاملاً، لأن زواج الجنسية في هذه الحالة كان زواجاً صورياً ولم يكن زواجاً حقيقياً ، فمحل عقد الزواج في هذه الحالة وفي حقيقة الأمر هو الحصول على مسوغ من مسوغات الحصول على جنسية الزوجة فقط، فلو كان عقد زواج الجنسية حقيقياً على النحو السابق بيانه لقضى الحكم محل تعليقنا بإعادة نصف المهر فقط ،عملاً بأحكام الشريعة والقانون، ولكن الحكم قضى بإعادة الزوجة للمهر كاملا الذي سبق لها ان استلمته. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص76).

الوجه الرابع: إعادة تكاليف الخطبة والزواج في زواج الجنسية:

ذكرنا في الوجه الأول أن عقد زواج الجنسية قد يكون عقد حقيقاً حينما تتجه إرادة المتعاقدين إلى زفاف الزوجة إلى زوجها وإنشاء أسرة، ففي هذه الحالة يتم تطبيق المادة (36) أحوال شخصية التي نصت على أن (يستحق نصف المهر المسمى بالطلاق او بالفسخ إذا كان من جهة الزوج قبل الدخول، فإذا كان الفسخ من جهة الزوجين معاً أو من جهة الزوجة فقط فلا يستحق من المهر شيء، ويكون على الزوجة رد ما قبضته مما لا يستحق لها ولا يلزمها رد مثل ما وهبته لزوجها).

اما إذا كان عقد زواج الجنسية صورياً وكان الغرض منه فقط إيجاد محرر أو مسوغ قانوني للحصول على الجنسية التي تحملها الزوجة ولم يتحقق هذا الغرض فعندئذٍ يلزم الزوجة أن تعيد كافة التكاليف التي تكبدها الزوج سواءً في الخطبة او الزواج حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.

الوجه الخامس: تعويض الزوج إذا كان الغرض من الزواج فقط هو حصول الزوج على الجنسية التي تحملها الزوجة:

عندما يكون الغرض من عقد الزواج فقط الحصول على جنسية الزوجة حسبما سبق بيانه ، فإن عقد الزواج يكون صورياً حسبما سبق بيانه في الوجه الأول من هذا التعليق، لأن إرادة أطراف العقد عند إبرامه قد اتجهت إلى أن الغرض منه يقتصر على حصول الزوج على جنسية الزوجة، فعقد الزواج قد تم على هذا الأساس فالزوج بموجب هذا العقد لن يقابل الزوجة مجرد مقابلة فليس هناك زفاف أو دخول...إلخ، ولاريب أن الزوج حينما يبرم عقد الزواج الصوري للحصول على الجنسية كان يضع في حسابه المكاسب التي سيحققها في الدولة التي سيحمل جنسيتها بموجب عقد الزواج، ولذلك فستفوت عليه هذه المكاسب إذا امتنع الطرف الآخر عن إستكمال إجراءات هذا الزواج، ولذلك فإن الزوج في هذه الحالة يستحق تعويضه عما فاته من كسب محقق أو ضرر محقق بسبب عدم إستكمال إجراءات معاملة زواج الجنسية ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.

زواج الحصول على الجنسية
زواج الحصول على الجنسية

مقالات ذات صلة: