*الزواج لأجل الحصول على الجنسية الأجنبية*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️للزواج في الشريعة والقانون غايات وحكم منها تحصين الفروج وحفظ النسل وإماتة الأنانية، وليس من بينها الحصول على الجنسية الامريكية أو البريطانية أو غيرهما، ولكن المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية جعلت الناس يتوسعون في اغراضهم واهدافهم من الزواج، فتجد أحدهم يستهدف من زواجه الحصول على جنسية دولة والآخر يستهدف الحصول على عمل والآخر الحصول على مساعدة منتظمة وأخر يستهدف الاستفادة من مال الزوجة الوارثة أو صاحبة المهنة ..إلخ، وقد أشار إلى هذه المسألة الحكم محل تعليقنا، كما أن هذا الحكم قد أشار أيضا إلى أحقية الزوج الذي ابرم عقد زواجه ودفع مبالغ طائلة مقابل زواجه وسفره إلى الدولة الأجنبية للحصول على جنسية تلك الدولة التي تحمل الزوجة جنسيتها، حيث قضى الحكم محل تعليقنا بإعادة المبالغ التي دفعها الزوج وتعويض الزوج وفسخ عقد الزواج لخيار البلوغ، لان الزوج عقد عليها وهي صغيرة لم تبلغ حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-6-2012م في الطعن رقم (49786)، الذي قضى بأنه: ((وبعد الإطلاع على الأوراق فقد تبين أن الطاعنين الزوجة ووالدها قد نعيا على الحكم مخالفته للقانون فيما قضى به بتسليمهما للمطعون ضده مبلغاً يزيد عن المهر المعجل المدفوع وكذلك الحكم له بتعويض إضافة إلى المهر، كما تبين أن نعي الطاعن الآخر (الزوج) على الحكم في قضائه بفسخ عقد نكاحه من المطعون ضدها، وبالتأمل وإمعان النظر في حيثيات وأسباب الحكم الاستئنافي فقد تبين إنما توصلت إليه محكمة الاستئناف في حكمها موافق للشرع والقانون)) وقد كان الحكم الاستئنافي قد تضمن في أسبابه: ((وحسب نص المادة (30) أحوال شخصية وحيث طلبت المستأنفة فسخ عقدها بدعواها الفرعية أمام المحكمة الابتدائية لما لها من حق الفسخ لبلوغها بعد إن تم العقد عليها وهي صغيرة غير بالغة وفقاً لهذا النص، وفي مقابل هذا الحق يجب عليها وعلى ولي أمرها رد ما استلموه من مهر معجل، إلا أن المحكمة الابتدائية قضت برد ما يزيد على الثابت تسليمه من والد الزوج لوالد الزوجة، كما قضت بلزوم فسخ زواجها، وحيث أن الحكم الابتدائي قد قضى بمبالغ أكثر من المبالغ المدفوعة لوالد الزوجة فإن الشعبة تقضي بإلغاء هذه الفقرة من منطوق الحكم، وبدلاً من ذلك فإن الشعبة تقضي بتعويض المستأنف عما أصابه من ضرر من حرمانه من الحصول على الجنسية.... بسبب تخلف المستأنف ضدها ووالدها عن القيام بالمعاملة اللازمة وإتمام الزفاف وكذا عما غرمه في مراسيم الخطبة والعقد وتقدرها الشعبة بمبلغ ....دولارا)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: الحكمة من الزواج:*
➖➖➖➖➖
*▪️يكاد الفقه الإسلامي بمختلف مذاهبه يجمع على أن الحكمة من الزواج هي: تحصين الفروج وحفظ النسل وغيرها، وقد عبر عن ذلك قانون الأحوال الشخصية في المادة (6) التي نصت على أن: (الزواج هو إرتباط بين زوجين بعقد شرعي تحل به المرأة للرجل شرعاً وغايته تحصين الفروج وإنشاء أسرة قوامها حسن العشرة)، وبناءً على ذلك فإن الفقه الإسلامي والقانون لم ينص على أن الحصول على جنسية أو وظيفة أو مال أو جاه أو وحسب ونسب ليس من اغراض الزواج عامة ، وعلى هذا الأساس فإن الحصول على الجنسية يكون غرضا خاصا لطالب الزواج، فليس من الأغراض العامة للزواج، وإن كان من الأغراض الخاصة لطالب الزواج الذي يتوسل الزوج بالزواج بالإضافة إلى تحصين الفروج وإنشاء أسرة يستهدف أيضا الوصول الى وظيفة أو مال أو حسب أو نسب أو جنسية... الخ عن طريق الزواج، فهذه الأغراض الخاصة بطالب الزواج ليست محظورة في الشريعة الإسلامية أو القانون، فقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن المرأة تنكح لأربع، (لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها) فيجوز أن يكون لأي من الزوجين غرض خاص مشروع من الزواج بالإضافة إلى تحصين الفروج وإنشاء الأسرة، شريطة أن لايتعارض هذا الغرض الخاص مع الحكمة الشرعية من الزواج، فالحصول على الجنسية التي تحملها الزوجة غرض مشروع لا يتنافى مع الشريعة أو القانون اللذين يجيزا ذلك، كما أن ذلك لا يتعارض مع الحكمة من الزواج، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بجواز تعويض الزوج عن عدم تمام الزواج وتبعاً لذلك عدم حصوله على جنسية المرأة التي عقدها بها وكان يعول على هذا الزواج في الحصول على الجنسية التي تحملها الزوجة، غير أن والدها لم يستكمل إجراءات ومعاملات الإذن للزوج بالسفر إلى الدولة حيث تقيم الزوجة حتى تزف إليه فيحصل على جنسية تلك الدولة بحسب النظام المتبع فيها.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: فسخ الزواج لخيار البلوغ:*
➖➖➖➖➖
*▪️في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان الزواج قد تم إبرامه في وقت كانت فيه الزوجة صغيرة لم تبلغ، وبعد أن بلغت الزوجة عبرت عن عدم رغبتها بالإستمرار في الزواج من الزوج الذي عقدها بها وهي صغيرة، فطلب الزوجة فسخ الزواج في هذه الحالة يعد من قبيل خيار البلوغ المنصوص عليه في المادة (30) أحوال شخصية التي أستند إليها الحكم الاستئنافي التي نصت على أنه: (ويعتبر الزواج موقوفاً قبل الرضاء ممن يملكه وإذا تم الرضاء سرت آثار الزواج من وقت العقد أما الموقوف مجازاً وهو العقد على الصغير والمجنون فتترتب آثاره من عند العقد ولهما فسخه عند البلوغ والإفاقة)، وبناءً على هذا النص فقد قضى الحكم الاستئنافي بفسخ عقد الزوجة بخيار البلوغ المذكور في هذا النص.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: الحكم بإرجاع المهر وتكاليف الخطبة وغيرها:*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم الاستئنافي بإلزام الزوجة بإعادة المهر كاملاً بالإضافة إلى تكاليف حفل الخطبة وتعويض الزوج عن عدم الحصول على الجنسية التي كان قد عول عليها من زواجه حسبما ورد في أسباب الحكم الاستئنافي، ويمكن الاحتجاج لهذا الحكم بالمادة (36) أحوال شخصية التي نصت على أنه: (يستحق نصف المهر المسمى بالطلاق أو بالفسخ إذا كان من جهة الزوج قبل الدخول، فإذا كان الفسخ من جهة الزوجين معاً أو من جهة الزوجة فقط فيكون على الزوجة رد ما قبضته..) ففي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كانت الزوجة هي التي طلبت الفسخ مستعملة خيار البلوغ، فوجب عليها ان تعيد ما قبضته بحسب ما ورد في النص وبحسب ما قضى به الحكم ، وبالنسبة للمبالغ الأخرى الزيادة عما قبضته الزوجة فقد قضى الحكم بانها مقابل تكاليف حفل الخطبة وتعويض للزوج، والله اعلم.*