فسخ زواج اليمنية من محكمة أجنبية
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدينالأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
عقد الزواج عقد ديني تسري عليه الأحكام الخمسة من حيث الوجوب والتحريم والكراهية والإباحة والندب ، وينبغي النظر إلى عقد الزواج على هذا الأساس عند فسخ هذا العقد، ولذلك ينص القانون المدني اليمني المستفاد من الشريعة الإسلامية على أن فسخ الزواج يخضع لاحكام القانون اليمني، وفي السياق ذاته اشترط قانون المرافعات اليمني صراحة لتنفيذ الحكم الاجنبي في اليمن أن لايكون الحكم الاجنبي قد صدر في مسألة من مسائل الاحوال الشخصية ، وكذلك صرح قانون المرافعات على ان تختص المحاكم اليمنية بنظر دعوى فسخ الزواج ولو كان زوج اليمنية أجنبياً، لأن دعوى فسخ الزواج من مسائل الأحوال الشخصية.
فضلا عن ان طبيعة المجتمع اليمني الطارد للسكان تقتضي توسل بعض الأشخاص إلى الحصول على (فيزا) أو إذن الدخول والإقامة والعمل في بعض الدول الغنية، ولذلك ظهرت إشكالية (زواج الفيزا) الذي يكون الغرض منه الحصول على (الفيزا) وليس تحصين الفروج وحفظ النسل وإقامة أسرة قوامها حُسن العشرة، ولذلك يتم الإتفاق المسبق على إنهاء هذا الزواج بمجرد حصول الزوج على (الفيزا) حيث ينتهي الزواج غالبا بالطلاق دون أن يعاشر الزوج الزوجة بل قبل أن يعرفها الزوج، ولاعدة في هذا النوع من الزواج لانه لادخول فيه ولاخلوة ، فبمجرد طلاق الزواج الأول للمراة يتم الترتيب لعقد زواجها من اخر وبنفس الطريقة وللغاية ذاتها ، وقد اخبرني احد الاخوة الموثوق بكلامهم ان احد الاباء زوج ابته التي تحمل الجنسية الاجنبية زوجها عدة مرات وقد تحصل الأب من هذه الزيجات على اكثر من اربعمائة وعشرين الف دولار دون ان يمسها احد من ازواجها المتعاقبين ، وان ذلك الاب قال له ان ابنته ذات الجنسية الاجنبية ثروة!!! ومن ان الطريف ان احد الاخوة سالني بواسطة الهاتف عن حكم زواج الفيزا ، فقلت له ; انه حرام لتخلف الحكمة الشرعية فيه ،فرد علي السائل الكريم بامتعاض :لماذا أنتم تدافعون عن الكفار فنحن نغاط الكفار وليس المسلمين !!!.
ومن المعلوم ان زواج الفيزا يتم مقابل مبالغ باهظة يتقاضاها والد البنت تصل هذه المبالغ إلى عشرات آلاف من الدولارات أو الجنيهات الإسترلينية في عقد الزواج الواحد ، بيد انه في بعض الحالات يرفض الزوج الطلاق بعد حصوله على الفيزا ، اذ يرفض الزوج تنفيذ وعده المسبق بطلاق الزوجة بعد حصوله علي الفيزا ، ويهدف الزوج من رفضه إستعادة بعض المبالغ الباهظة التي سبق ان دفعها في زواج لم يتمكن فيه حتى من رؤية زوجته ، لأن المسألة من بدايتها مغالطة في مغالطة، وفي هذه الحالة تلجأ الزوجة في (زواج الفيزا) تلجأ إلى القضاء الأجنبي لرفع دعوى فسخ عقد زواجها خوفا من معرفة الناس في اليمن بهذه التجارة الرائجة.
ولأن الدعاوى المتعلقة بالطلاق والزواج والفسخ تتعامل معها غالبية دول العالم على أن احكامها أحكاما (ملية) أي تتعلق بملة أو ديانة أطراف العلاقة الزوجية، لذلك تسمح هذه الدول لأطراف العلاقة الزوجية بحسم دعاوى الفسخ عن طريق (المراكز الإسلامية) في بعض المدن الأجنبية، بيد أنه من الحالات النادرة أن تلجأ الزوجة (بالفيزا) إلى محاكم الدول الأجنبية خوفا ايضا من إطلاع اليمنيين في تلك الدول على هذا الموضوع، فإذا قامت المحكمة الأجنبية بالحكم بفسخ عقد الزواج في هذه الحالة فان هذا الحكم لا يكون قابلاً للتنفيذ في اليمن ، لأن الفسخ من مسائل الاحوال الشخصية التي صرح قانون المرافعات اليمني أن الإختصاص بنظرها يكون معقودا بالقضاء اليمني وحده، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-4-2017م في الطعن رقم (59048)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة تفاصيل ما ورد في عريضة الطعن وما ورد في عريضة الرد عليه، وبعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تعقبه لدى محكمة الاستئناف، فقد ذكرت الطاعنة: ان العبرة بما قضى به ذلك الحكم وانه يتم الطعن فيه من قبل الزوج، ولذلك فقد اصبح ذلك الحكم حائزاً لحجية الأمر المقضي به في حدود ما فصل فيه، كما أن المطعون ضده لا ينكر حضوره إجراءات المحاكمة أمام محكمة مقاطعة (...) حسبما ذكرت الطاعنة في عريضة الطعن، غير ان الدائرة وجدت : أن محكمة الاستئناف قد اغفلت العمل بالمادتين (491 و 494) مرافعات حيث اعتبر الحكم الاستئنافي حكم الفسخ الأجنبي سند تنفيذياً لحل العقد بين طرفي الخصومة التي مثلا فيها تمثيلاً صحيحاً، لذلك يتعين قبول الطعن موضوعاً لعدم موافقة حكم الاستئناف للشرع والقانون بشأن السندات التنفيذية الأجنبية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: حكم تنازع الإختصاص القانوني في فسخ الزواج
من حيث تنازع الإختصاص القانوني المكاني بين القانون اليمني وغيره من القوانين الاجنبية بشأن فسخ الزواج، فإن قانون الأحوال الشخصية اليمني هو الواجب التطبيق على دعوى فسخ الزواج، وفي هذا الشأن نصت المادة (25) من القانون المدني اليمني على أن (يرجع في الزواج والطلاق والفسخ والنفقات إلى القانون اليمني للأحوال الشخصية عند المرافعة)، والظاهر من هذا النص أنه نص آمر واجب التطبيق.
الوجه الثاني: حكم تنازع الإختصاص القضائي بنظر دعوى فسخ الزواج
يختص القضاء اليمني بنظر دعوى فسخ الزواج إذا كان زوج اليمنية يمنياً حتى لو كان الزوج اليمني مقيماً أو يعمل خارج اليمن، لأن دعوى الفسخ ليست متعلقة بعقار، وفي هذا المعنى نصت المادة (78) من قانون المرافعات اليمني على أن (تختص المحاكم اليمنية بالدعاوى المرفوعة على اليمني ولو لم يكن له موطن ومحل إقامة في اليمن ما عدا الدعاوى المتعلقة بعقار واقع في الخارج) ، كما تختص المحاكم اليمنية بنظر دعوى فسخ الزواج ولو كان زوج اليمنية أجنبياً، لأن دعوى فسخ الزواج من مسائل الأحوال الشخصية، وفي هذا المعنى نصت المادة (80) مرافعات على أن (تختص المحاكم اليمنية بنظر الدعاوى المرفوعة على الأجنبي الذي ليس له موطن في اليمن، وذلك في الحالات الآتية: -5- إذا كانت متعلقة بمسألة من مسائل الاحوال الشخصية، وكان القانون اليمني هو الواجب التطبيق في الدعوى)، وقد سبق أن عرضنا المادة (25) من القانون المدني التي صرحت بأن دعاوى الفسخ يطبق بشأنها قانون الأحوال الشخصية اليمني، وعلى هذا الأساس فإن المحاكم اليمنية تختص بنظر دعوى فسخ الزواج ، ولو كان الزوج أجنبياً خارج اليمن.
الوجه الثالث: حجية الحكم الصادر من محكمة أجنبية بفسخ زواج اليمنية
من خلال ما تقدم في الوجهين الأول والثاني من هذا التعليق يظهر لنا أن الحكم الصادر من محكمة أجنبية بفسخ زواج اليمنية لا يكتسب الحجية القانونية في اليمن، لأنه صدر خلافاً لقواعد الإختصاص القانوني والقضائي اليمني السابق عرضها في الوجهين السابقين، لأن تلك القواعد من النظام العام حسبما ألمح الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: مدى قابلية الحكم الأجنبي بفسخ زواج اليمنية للتنفيذ في اليمن
سبق القول في الوجه الثالث أن الحكم الأجنبي بفسخ زواج اليمنية يخالف قواعد الإختصاص القضائي والقانوني المقررة في القانون اليمني، وإن هذه القواعد من النظام العام حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وعلى ذلك فإن الحكم الأجنبي بفسخ زواج اليمنية لا يقبل تنفيذه في اليمن عملاً بالمادة (494) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه (يشترط لتنفيذ السند التنفيذي الأجنبي ما يأتي: -1- ألا يخالف السند التنفيذي الأجنبي أحكام الشريعة الإسلامية أو الآداب العامة أو قواعد النظام العام في اليمن -2- أن تكون المحاكم اليمنية غير مختصة بنظر النزاع الذي صدر فيه السند التنفيذي الأجنبي وإن كانت المحكمة الأجنبية التي اصدرته مختصة به طبقاً لقواعد الإختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها)، وقد سبق أن ذكرنا في الوجه الثاني أن المحاكم اليمنية هي المختصة بنظر دعوى فسخ زواج اليمنية، وان القواعد القانونية الامرة في القانون اليمني تنص على أن قانون الاحوال الشخصية اليمني هو الذي يجب تطبيقه على دعوى فسخ الزواج ، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز تنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من محكمة مقاطعة (...) بفسخ زواج اليمنية، والله اعلم.
![]() |
فسخ زواج اليمنية من محكمة أجنبية |