تحديد الواقف لإمام المسجد
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
المعتاد في الوقفيات (وثائق الوقف) أن يحدد الواقف فيها متولي الوقف الذي يتولى إدارة العين الموقوفة والمحافظة عليها والدفاع عنها، ويقوم بالاشراف على تنفيذ الوقفية، وكذا يحدد الواقف في الوقفية الجهة او الأشخاص الموقوف عليهم الذين تصرف عليهم عائدات العين الموقوفة.
لأن الغرض من الوقف هو تقرب الواقف إلى الله سبحانه تعالى، فتكون العين الموقوفة محبوسة عن التصرف فيها بأي نوع من التصرفات الناقلة لملكيتها، في حين تصرف عائداتها في الأغراض التي حددها الواقف ، فهذا هو الوقف بمفهومه الشرعي والقانوني.
وتطبيقا لذلك فانه اذا كان الواقف قد أوقف ماله لمسجد فمن حق الواقف أن يحدد في الوقفية المتولي على الوقف الذي يتولى إدارة العين الموقوفة وصرف عائداتها في المسجد الموقوف عليه ، ومن حق الواقف إذا كان هو الذي قام ببناء المسجد وأوقف عليه أمواله فمن حقه في هذه الحالة أن يشترط تحقق الشروط الشرعية في إمام المصلين في المسجد الذي يتولى إمامة المصلين في المسجد والخطابة فيها او التدريس الشرعي في ذلك المسجد كأن يشترط الواقف في الإمام أن يكون قارئا مجوّداً حافظاً من أهل التقوى والصلاح...إلخ، بيد إنه لا يجوز للواقف في هذه الحالة أن يشترط أن يكون إمام المسجد شخصاً بعينه او أن يذكر الواقف أن لفلان أن يختار الإمام الذي يريده للمسجد، لان شروط امامة المصلين حددتها الشريعة الاسلامية وحددت مراتب إمام المصلين حسبما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي اخرجه مسلم من طريق ابي مسعود الأنصاري الذي قال: أن رسول الله قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاقدمهم سنا ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)، فلايصح للواقف ان يحدد شخصا بعينه لامامة المصلين أو يخوله حق تعيين من يراه لتولى إمامة المصلين بصرف النظر عن توفر شروط الامامة فيه، لأن الامامة تكون لمن تتحقق فيه الشروط المقررة شرعا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-5-2012م في الطعن رقم (44780)، فقد ورد ضمن أسباب هذا الحكم: (بعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تبعه لدى محكمة إستئناف... ودراستهما، فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف هو الموافق من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون، لما استند إليه وعلل به عدا ما قضى به في الجزئية الأولى من الفقرة الثانية منه فلا سند لها من الشرع والقانون، الأمر الذي يتعين معه نقضها، وإقرار باقي فقرات الحكم الاستئنافي، لأن ما يسعى إليه (فلان بن فلان) من جعل نفسه ناظراً وإماماً لمسجد (...) لا يندرج ضمن أحكام الوقف الأهلي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الشروط الشرعية في إمام صلاة الجماعة:
تتقارب شروط إمام المصلين في صلاة الجماعة في المذاهب الفقهية المختلفة ،لأن أساس هذه الشروط هو حديث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي اخرجه مسلم عن أبي مسعود الأنصاري الذي قال: أن رسول الله قال (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فاقدمهم سنا ، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ).
وقد توصل الفقهاء من خلال فهمهم لهذا الحديث الشريف إلى ترتيب شروط إمام المصلين على النحو الآتي:
1- أولى الناس بالإمامة الأفقه ، وهو العالم بأحكام الفقه القادر على إستنباط الأحكام الفقهية من أدلتها الإجمالية، والمقصود بالأفقه هنا هو الأفقه بالأحكام الفقهية الخاصة بالصلاة.
-2- الأقرا: والأقرا يلي الأفقه في المرتبة، والأقرا هو الذي يجيد قراءة القرآن وتجويده .
-3- الاحفظ: وهو أكثر المصلين الموجودين في الصلاة حفظا لسور أو ايات القرآن الكريم.
-4- الأورع: والأورع يلي الأقرا في المرتبة، والمقصود بالأورع هو الذي يتقي الوقوع في المعاصي والمنكرات والمفسقات.
-5- الأقدم هجرة، وقد كان هذا الشرط معمول به في المدينة المنورة بعد الهجرة من مكة إلى المدينة.
-6- الأسن: والأسن يلي الأقدم هجرة، والمقصود بالأسن: المسلم الكبير بالسن.
-7- النسيب: ويلي النسيب الأسن، والمقصود بالنسيب هو ذو النسب الشريف، فيقدم النسب الهاشمي ثم النسب بحسب مراتبه بين بطون قريش ثم نسب القبائل العربية بحسب ترتيبها المبسوط في كتب الفقه سيما كتب الشافعية.
-8- الأحسن سيرة : ويلي الأحسن سيرة يليه النسيب، والمقصود بالأحسن سيرة هو المسلم حسن السلوك بين الناس.
-9- الأحسن ذكراً، ويلي الأحسن ذكراً الأحسن سيرة، والمقصود بالأحسن ذكرا، الشخص الذي يذكره الناس في احاديثهم بخير أو يذكره الناس بالخير عند سؤالهم عنه.
-10- الأحسن صوتاً، ويلي الأحسن ذكراً، والمقصود بالأحسن صوتاً، صاحب الصوت الحسن الذي يحب المصلون سماعه ويحبب المصلين إلى سماع القرآن عند تلاوته .
-11- الأحسن صورة: ويلي الأحسن صوتاً في المرتبة، ويقصد بالأحسن صورة هو الشخص الذي تقاسيم وجهه جميلة طويل القامة والحسن اللباس والهيئة، فإن اجتمعت هذه الشروط في شخص فيكون إماماً للمصلين وإن تفاوت فتكون الأقدمية لمن تحققت فيه غالب هذه الصفات او الشروط فإن تساوى الأشخاص فتتم القرعة بينهم، وإن توفر بعضها في شخص وانعدمت عند البقية يتم تقديم من تحققت فيه بعض تلك الصفات. (مغني المحتاج 1/486).
وعلى أساس ما تقدم في هذا الوجه من شروط ومراتب في إمام المصلين فلا يجوز للواقف أن يحدد شخصاً بعينه إماماً للمصلين دون أن تتوفر فيه شروط الإمامة في الصلاة، سيما ان شروط ومراتب امام المصلين تختلف باختلاف المصلين في كل صلاة وبإختلاف الاوقات وإختلاف الأشخاص، فلاينبغي حصرها في شخص بعينه وبذريته من بعده سيما ان الوقف خالد ودائم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
الوجه الثاني: إشراف هيئة الأوقاف أو وزارة الأوقاف على إمام المسجد:
كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا يدور بشأن إشراف وزارة الأوقاف بإعتبارها صاحبة الولاية العامة على المساجد وعلى إمام المسجد، فقد كان إمام المسجد الذي سماه الواقف في الوقفية إماماً للمسجد كان يناقش بأن عبارة الواقف كنص الشارع وإنه يجب إحترام عبارة الواقف الواردة في متن (الوقفية) أي وثيقة الوقف التي صرحت بانه إمام المسجد المعين من الواقف، في حين كان ممثل مكتب وزارة الأوقاف يناقش في أن وزارة الأوقاف هي المعنية بتعيين ائمة وخطباء المساجد وإنها المعنية بالتحقق من توافر الشروط الشرعية في إمام المصلين، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بصحة موقف وزارة الأوقاف في هذا الشأن، وإن إجتماع شروط إمام المسجد المشار إليها في الشخص الذي يعينه الواقف محل نظر، لأنه قد يكون من بين المصلين من هو أحق بإمامة المصلين من الإمام الذي عينه الواقف، وهذا يقع كثيراً سيما في المساجد العامرة بالمصلين مثلما كان الحال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، فقد كان المسجد عامرا بالمصلين لانه يقع في مدينة كبيرة وعامرة، والله اعلم.
![]() |
تحديد الواقف لإمام المسجد |