ضوابط تجديد عقد إيجار الوقف

 

ضوابط تجديد عقد إيجار الوقف

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

لأموال الوقف خصوصيتها التي تميزها عن غيرها من الأموال، ومن مظاهر هذه الخصوصية وجوب توفر شروط معينة في المنتفعين بأموال الوقف أو المستأجرين لها، ويتفرع من ذلك الطبيعة الخاصة لتجديد عقد ايجار الوقف ؛لاسيما ان مسالة تجديد عقد ايجارالوقف تثير في الواقع العملي اشكاليات كثيرة فغالبية النزاعات على أموال الوقف تكون بسبب تزاحم وتنافس المستأجرين أو طالبي الإيجار، ولأهمية هذا الموضوع وبقصد لفت الانظار اليه والتوعية بشأنه فقد أخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12/1/2010م في الطعن الشخصي رقم (36635) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان شخصاً من ذرية الواقف اراد ان يستأجر  موضعا من أموال الواقف التي أوقفها جده على المسجد فذهب إلى متولي الوقف فطلب منه تأجيره ذلك الموضع لان المستأجر الحالي قد انتهى عقد تأجيره وثبت خيانته للوقف حينما أدعى ملكيته للرهق التابع لمال الوقف وكانت مساحة هذا الرهق شاسعة جداً (جبل) ويبدو ان متولي الأوقاف كان يعاني من تصرفات وخيانات المستأجر الحالي فقام متولي الأوقاف بتأجير الشخص الذي من ذرية الواقف ذلك الموضع محل النزاع فطلب المستأجر الثاني من المستأجر الأول اطلاق الموضع محل النزاع فرفض المستاجر الاول فقام المستأجر الثاني برفع دعوى أمام المحكمة المختصة طلب فيهاً الزام المستأجر الأول باطلاق الموضع لان عقد ايجاره قد انتهى إضافة الى ثبوت خيانة المستأجر الأول للوقف فضلاً عن ان المستأجر أولى باستئجار الموضع لأنه من ذرية الواقف، فسارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر القضية حتى انتهت إلى الحكم ( بالزام متولي الوقف بتجديد الاجارة للمستأجر الأول والزام المستأجر الأول بالمحافظة على عين الوقف وتسديد مستحقاته للمتولي في مواعيدها المحددة والوفاء بكافة شروط الايجار وقضى الحكم برجوع المستأجر الثاني على متولي الوقف بالمبالغ والمخاسير التي تكبدها مقابل قيام متولي الوقف بتأجيره الأرض) وقد ورد ضمن اسباب الحكم الابتدائي انه لا برهان على خيانة المستأجر الأول كما ان مصلحة الوقف تقتضي التأجير للمستأجر الأول كما ان المستأجر الأول هو الأولى بتجديد الإجاره معه) فلم يقبل متولي الوقف أو المستأجر الثاني بالحكم الابتدائي فقاما باستئنافه فقبلت الشعبة الاستئنافية استئنافهما وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي وانتهاء اجارة المستأجر الأول والزامه بإخلاء العين وتسليمها لمتولي الوقف لتأجيرها لمن يراه محققاً مصلحة الوقف، وقد ورد ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (ان المادة (36) من لائحة تنظيم تأجير أعيان الوقف تنص على ان ينتهي عقد الايجار بانتهاء المدة المعينة فيه وفقاً للنصوص الواردة في القانون المدني كما ان المادة (37) من اللائحة ذاتها ذكرت ضوابط وشروط تجديد عقد ايجار الوقف ومنها تحقق مصلحة الوقف في التجديد) فلم يقبل المستأجر الأول بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن فيه بالنقض الأ ان الدائرة الشخصية رفضت طعنه وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (كان الاطلاع على تفاصيل ما جاء في الطعن والرد عليه حيث تبين للدائرة ان استناد الحكم الاستئنافي إلى احكام المادتين  36و  37 من لائحة تنظيم تأجير اعيان الوقف موافق من حيث النتيجة للأحكام الواردة في المادتين المذكورتين) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : انتهاء ايجار الوقف :

من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الخلاف كان بشأن انتهاء عقد الايجار وامكانية تجديده، حيث استند الحكم بشأن انتهاء مدة الايجار الى المادة (36) من لائحة تنظيم اجراءات تأجير عقارات الوقف التي نصت على ان (ينتهي عقد الايجار بانتهاء المدة المحددة في العقد؛ وبشأن مدة ايجار الوقف فقد نصت المادة (776) مدني على انه (على متولي الوقف تجديد الايجار كل ثلاث سنوات مع مراعاة اجرة المثل عند التجديد ) كما ينتهي عقد الايجار بالفسخ وفقاً للنصوص الواردة في القانون المدني) فعقد ايجار الوقف مثل غيره من العقود ينتهي بانتهاء مدته لان محله المنفعة وليس الرقبة ولذلك فانه محدد المدة ينتهي بانتهاء المدة المذكورة في العقد باعتباره شريعة المتعاقدين، كما ان النص السابق قد صرح بان عقد ايجار الوقف ينتهي بالفسخ اذا تحققت اية حالة من حالات الفسخ المحددة في لائحة تأجير اموال الوقف والقانون المدني ومن ذلك فسخ العقد اذا قام المستأجر بالتنازل عن العين المؤجرة للغير أو قام بتأجيرها من الباطن حسبما ورد في (24) من اللائحة وكذا ينفسخ عقد ايجار الوقف اذا اخل المستأجر بأي من التزاماته المحددة في عقد الايجار حسبما ورد في المادة (25) من اللائحة ومن الحالات التي يجوز للاوقاف فسخ العقد اهمال المستأجر وعدم استغلاله للعين أو خيانته وتفريطه في حقوق الوقف أو تغيير الغرض من الايجار أو مماطلته وعدم الالتزام بتسديد الايجارات أو غلول الوقف وقتها أو احداث تغييرات في العين أو احداث أية تلفيات أو اضرار بالعين أو استعمالها استعمالاً يتنافى مع احكام الشريعة والقانون ؛ وبما ان حالات فسخ عقد إيجار الوقف قد تم تحديدها في اللائحة على النحو السابق بيانه فان الفسخ يقع بمجرد وقوع سببه دون حاجة الى أي اجراء فيكون اخطار المستأجر بالفسخ أو الحكم بفسخ العقد كاشفاً لحكم القانون بالفسخ وليس منشأً للفسخ.

الوجه الثاني : تجديد عقد إيجار الوقف :

نصت المادة (776) مدني على انه (على متولي الوقف تجديد عقد الايجار كل ثلاث سنوات مع مراعاة اجرة المثل عند التجديد) أما المادة (37) من لائحة تأجير أموال الوقف فقد نصت على انه (اذا انتهى عقد الايجار بمضي المدة المعينة فيه ورغب المستأجر في تجديده فله الحق باستئجار عين الوقف اذا كانت لاتزال معدة للإيجار على ان يراعي عند تجديد العقد الاتي : -1- تحقق مصلحة الوقف من التجديد -2- ان يكون المستأجر ملتزماً بشروط التأجير والتزاماته بما في ذلك المحافظة على العين وتسديد مستحقات الوقف في مواعيدها المحددة -3- معاينة العين المؤجرة ومعرفة أي تغيرات طرأت عليها وتدوين ذلك بصورة رسمية -4- اعادة تقييم القيمة الإيجارية للمعمور بحسب تطور الزمان والمكان وايجار المثل الحر -5- اعادة تقدير العائد المنصف للوقف عن غلات الاراضي الزراعية وايجارات الاراضي المعدة للبناء حسب الاسس والمعايير المقرة وتطور الزمان والمكان) ومن خلال استقراء النصين السابقين نجد انه من الواجب تجديد عقد ايجار الاوقاف كل ثلاث سنوات لتقييم العلاقة الإيجارية بين الطرفين  فيما بين الوقف والمستأجر للتأكد من التزام المستأجر خلال الفترة السابقة بالالتزامات والواجبات المقررة عليه في عقد الايجار وفي قانون الوقف ولائحة التأجير والتأكد ان في تجديد العقد مصلحة الوقف كما اننا نلاحظ ان المادة (37) من لائحة تأجير أموال الوقف قد تضمنت ضوابط واجراءات تجديد العقد بما يكفل المحافظة على العين المؤجرة وتحقيق مصلحة الوقف، والتكييف القانوني لتجديد العقد هو انه  يكون بمثابة تعاقد جديد للمدة التالية بحسب ما تضمنه عقد الايجار السابق من التزامات أو بعد تعديل بعض بنود العقد، ومع ان قانون تنظيم العلاقة بشان تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر قد اجاز التجديد الضمني بعقد الايجار الا انه بالنسبة لعقود ايجار الوقف فانها لا تتجدد ضمنياً لان القانون أوجب مراجعتها كل ثلاث سنوات وحددت اللائحة اجراءات التجديد وضوابطه ، وفي هذه المسألة يختلف تجديد عقد ايجار الوقف عن عقد ايجار الأموال الخاصة بالأفراد الذي يجوز فيها التجديد الضمني.

الوجه الثالث : تجديد عقد الايجار ليس ملزماً للأوقاف الا اذا كانت هناك مصلحة للوقف :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد رفض طلب المستأجر تجديد عقد ايجاره وقضى بانتهاء عقد الايجار وانه يحق للأوقاف تأجير العين لمن تراه يحقق مصلحة الوقف فلا أولوية للمستأجر الأول الا اذا كان ذلك يحقق مصلحة الوقف، فمصلحة الوقف هي البوصلة التي تحدد الاحق والاولى باستئجار ارض الوقف ؛ومصلحة الوقف لها صور عدة منها القيمة الإيجارية ومحافظة المستأجر على العين وعدم خيانته أو تفريطه بالعين الموقوفة، ولذلك نجد ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بانتهاء عقد الايجار مع المستأجر الاول  وعدم تجديد العقد معه لانه كان يدعي بان الرهق التابع للعين ملك حر له وهذا دليل على تطلعه للاستيلاء على الوقف وتهوره وعدم ورعه وان الضرر سيلحق مربع نص: الأسعدي للطباعة / ت 772877717بالعين اذا تم تجديد العقد معه وان ذلك يهدد مصلحة الوقف، والله اعلم.