إثبات القسمة الشفهية بالشهادة

إثبات القسمة الشفهية بالشهادة

الأولى والأفضل أن تتم قسمة التركة كتابة وإثبات إجراءات القسمة عن طريق الكتابة سيما إذا كانت أموال القسمة كثيرة ، وتشتمل على عقارات وأسهم في شركات غير قابلة للتداول حتى يستطيع الورثة بعد القسمة التصرف بالعقارت التي صارت لهم بموجب القسمة،لان التصرف في العقارات يتطلب إثبات ملكية المتصرف للعقار كتابة، بيد أن غالب الناس فقراء ، فغالب الاشخاص لا يترك بعد موته شيئاً أو يترك منقولات زهيدة الثمن أو عقارا يقوم الورثة بتوكيل أحدهم أو غيره ببيعه بعد وفاة مورثهم وتقسيم ثمنه بينهم بحسب الفرائض الشرعية ،وعندئذٍ تنتهي إجراءات القسمة عند هذا المستوى، فلا يلزم تحرير التركيز أو تحرير فصول لعدم وجود ما يحتاج إلى ذلك أو سبق قيام الورثة بتقاسم أموال التركة المنقولة أو سبق بيع الورثة العقارات وتقاسم ثمنها بحسب الفرائض الشرعية.

بل انه في بعض التركات الكبيرة يقوم الورثة قبل إعداد التركيز وبعد حصر التركة يقوم الورثة بتوكيل أحدهم أو غيره ببيع بعض أموال التركة قبل قسمتها لتوفير السيولة المناسبة للورتة حتى تتم اجراءات التخارج بين الورثة بعدل وسهولة، اذ تتوفر السيولة لدى جميع الورثة ، فيكون الورثة جميعا قادرين على سداد الفوارق لبعضهم عند التخارج ، ويطلق القسامون على هذا الاجراء (التسييل) ، ويتم هذا الاجراء قبل إعداد التركيز، ويندرج التسييل ضمن القسمة الشفهية.

فالقسمة الشفهية ليس فيها تركيز أو فصول أو تمييز او تنفيذ لفصول القسمة، وهذا النوع من القسمة جائز في الشريعة والقانون ، لان قسمة التراضي عقد بين الورثة له اركانه وشروطه وليس من بينها الكتابة، ويتم إثبات القسمة الشفهية بطرق الإثبات العادية، ومن ذلك شهادة الشهود فلا يلزم إثبات القسمة الشفهية بالكتابة لأنها لم تتم اصلا كتابة،

حسبما أشار إلى ذلك الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-12-2012م في الطعن رقم (43655) المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه:

(فقد أحضر المدعى عليه أمام محكمة أول درجة الشهود الذين شهدوا على ثبوت وقوع القسمة وحصول البيع من و الدة المستأنفين في موضع...)، 

وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا:

(فقد ناقشت الدائرة ما اثاره الطاعن من أسباب الطعن، وعلى ضوء إجابة المطعون ضده فقد تبين: إنما تضمنته عريضة الطعن متعلقة بوقائع النزاع ووزن الأدلة ، وتلك أمور متعلقة بمحكمة الموضوع)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: كيفية تعامل الورثة عند وفاة الشخص الذي لاتركة له أو لم يترك مالا:

أغلب الناس فقراء ،فعند موتهم لا يخلفون لورثتهم شيئاً أو يخلفوا أموال زهيدة الثمن يستنكف الورثة عن ذكرها أو المطالبة بقسمتها، ومع ذلك فإن الواجب الشرعي والقانوني يقتضي أن يتم حصر الأموال وإن كانت زهيدة وإثبات مصيرها بعد حصرها ، فقد يتراضى الورثة على تركها لأحدهم أو بيعها وتقسيم ثمنها أو التصدق بها إلى روح المتوفى، غير أنه يجب حصر وإثبات الأموال التي تركها المتوفي مهما كانت، بل أنه يجب الإثبات الكتابي لمصادقة الورثة على ان مورثهم لم يترك شيئاً أو ترك اموالا زهيدة يتم ذكرها في هذه المصادقة حتى لا يدعي بعض الورثة او خلفهم لاحقاً بأن مورثهم أو والد مورثهم كانت له أموال جليلة، وهذه الدعاوى ليست نادرة سيما إذا قام بعض ورثة المورث الفقير بالسعى في الارض وكسب الأموال ، فعندئذ يتحرك الحسد في نفوس الاشقياء من الورثة للادعاء بأن مورثهم أو جدهم (الفقير اصلا) كانت له تركة كبيرة ، وبحسب إطلاعنا فهناك قضايا كثيرة في هذا الشان منظورة امام القضاء والمحكمين.

وللتدليل على حرص اسلافنا على اثبات عدم وجود تركة أو وجود تركة زهيدة فقد طالعت وثائق قديمة وردت فيها مصادقات من الورثة بأن مورثهم لم يترك شيئاً أو ترك أموالاً زهيدة ، وكانت هذه الوثائق دليل قاطع في مواجهة إدعاءات الأجيال اللاحقة لأولئك المورثين الذين ماتوا فقراء ،فقد ورد في بعض الوثائق القديمة أن فلان توفاه الله وليس له إلا (جبح نوب) أي خلية نحل، وفلان مات وليس له إلا ثور وفلان مات وليس له إلا داره وهكذا، وفي العصر الحاضر فقد لاحظت بعض الأمناء يقوم بإثبات مصادقة الورثة بأن مورثهم لم يترك شيئا او عبارة (ليس له إلا المعاش) الذي يتم صرفه على من كان يعوّلهم أثناء حياته وهكذا، فهذه الوثائق التي تثبت مصادقة الورثة على عدم وجود تركة أو وجود تركة زهيدة الثمن هذه الوثائق مفيدة في قطع إدعاءات الأجيال اللاحقة الذين قد يدعون بوجود أموال وفيرة لأجدادهم.

الوجه الثاني: القسمة الشفهية وحالات اللجوء إليها:

مع تأكيدنا على ضرورة الإثبات الكتابي لما تركه المورث مهما كان زهيداً بل إثبات أن المورث لم يترك شيئاً حسبما سبق بيانه في الوجه الأول، ومع ذلك فأنه قد يتم اللجوء إلى القسمة الشفهية عندما تكون الأموال التي تركها المورث قليلة وزهيدة فيقوم الورثة بتقاسمها بينهم بالتراضي عن طريق إستلام كل وارث لنصيبه عيناً كما قد يتم بيعها وتسليم كل وارث نصبه الشرعي من قيمتها شفاهة، كما تتم القسمة شفاهة إذا كان للمورث مال أو أموال معينة فقد يكون له بيت فيتراضى الورثة على بيع البيت وتقسيم قيمته بينهم بحسب الفرائض الشرعية أو قد يكون للمورث بيت وسيارة...إلخ فيتراضى الورثة على بيع تلك الأموال وتقسيم ثمنها بين الورثة بحسب الأنصبة الشرعية، ففي هذه الأحوال لا يحتاج الورثة إلى إجراءات القسمة كالتثمين وإعداد التركيز وتحرير الفصول وتمييز الأنصبة، ففي هذه الحالة يقوم الورثة بتوكيل أحدهم أو غيره للقيام ببيع المال أو الأموال وتقسيم ثمنها بحسب الفرائض الشرعية.

 بل انه في بعض التركات الكبيرة يقوم الورثة قبل إعداد التركيز وبعد حصر التركة يقوم الورثة بتوكيل أحدهم أو غيره ببيع بعض أموال التركة قبل قسمتها في التركيز لتوفير السيولة المناسبة للورتة حتى تتم اجراءات التخارج بين الورثة بعدل وسهولة، اذ تتوفر السيولة لدى جميع الورثة ، فيكون الورثة جميعا قادرين على سداد الفوارق لبعضهم البعض عند التخارج ، ويطلق القسامون على هذا الاجراء (التسييل) ، ويتم هذا الاجراء قبل إعداد التركيز، ويندرج التسييل ضمن القسمة الشفهية.

وفي بعض الحالات قد يتراضى الورثة فيما بينهم على تقسيم تركة مورثهم عيناً بحسب الفرائض الشرعية ، كأن يتراضى الورثة على أن يكون لكل واحد منهم شقة أو طابق في العمارة أو يتراضى الورثة على أن يكون لكل واحد منهم حقلاً أو جربة، وقد يكون هذا التراضي الشفهي على أن لكل واحد منهم ما تحت يده شريطة أن يكون ماتحت يده يساوي نصيبه الشرعي، ويتم التراضي على ذلك على أساس أن ذلك قسمة رضائية نهائية وليست قسمة إنتفاع أو (مهايأة)، ومع ذلك فان الافضل هو ان تتم القسمة كتابة باستثناء التسييل الذي تقتضيه اجراءات القسمة الشرعية العادلة.

الوجه الثالث: مدى جواز القسمة الشفهية:

لاريب أن الأولى والافضل أن تتم القسمة كتابة على النحو السابق بيانه في الوجه الأول عدا مايسمى بالتسييل لبعض اموال التركة حسبما سبق بيانه، إلا أن القسمة الشفهية جائزة في الشريعة والقانون ،ً فقد اجازت المادة (1211) من القانون المدني اليمني اجازت للورثة أن يقوموا بقسمة التركة بأنفسهم أو عن طريق عدول مختارين من قبلهم، فعماد القسمة الشرعية أن تكون بحسب الفرائض الشرعية، فلم يشترط الشرع أو القانون أن تكون القسمة مكتوبة، لأن الكتابة وسيلة لإثبات عقد القسمة (قسمة التراضي)، فليست الكتابة ركناً أو شرطاً في عقد القسمة سيما إن المادة (1200) مدني قد صرحت بان قسمة التراضي عقد لازم على الورثة المتقاسمين.

الوجه الرابع: إثبات القسمة الشفهية:

سبق القول أن قسمة التراضي عقد وفقاً لاحكام الشريعة الاسلامية والقانون المدني اليمني ، وإن هذا العقد يتم بالإيجاب والقبول من قبل الورثة المتقاسمين البالغين العاقلين على قسمة التركة الشرعية لمورثهم بحسب الفرائض الشرعية ، وبناءً على ذلك فإن الكتابة ليست ركناً أو شرطاً في عقد القسمة الرضائية وإنما هي وسيلة لإثباته، وعلى هذا الأساس فأنه يحق للورثة إثبات القسمة الشفهية بأية طريقة من طرق الإثبات الشرعية كالإقرار والشهادة، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بإثبات القسمة الشفهية عن طريق الشهادة.

الوجه الخامس: إثبات القسمة الشفهية السابقة عن طريق المصادقة عليها امام الموثق:

 اذا سبق للورثة إجراء القسمة الشفهية على النحو السابق بيانه ، فانه من الممكن إذا كان الورثة احياء ان يحضر الورثة امام قلم التوثيق المختص ويقروا امام الموثق أنهم قد تراضوا على قسمة مخلف مورثهم ،فيقوم الموثق بإثبات القسمة الرضائية الشفهية كتابة لدى الموثق، فتكون وثيقة القسمة الموثقة محررا رسميا وفقا لقانون التوثيق وقانون الإثبات ، وعندئذ تكون هذه القسمة أفضل من القسمة التي يقوم بها القسام ، فليس في هذه الطريقة نسبة ربع العشر التي يطلبها القسامون وليس في هذه الطريقة إطالة اجراءات القسمة التي يتعمدها بعض القسامين لحلب القبائل التي تجعل الورثة فقراء بسبب مطالبات وابتزاز القسامين الطيبين جدا، كما أنه قد سبق لنا ان نصحنا بعض اصحاب التركات الكبيرة باتباع هذه الطريقة السهلة والسريعة وغير المكلفة، فنجحت هذه الطريقة في كل القسمات التي تمت بهذه الطريقة ، حيث يتفق الورثة على اجراءات القسمة المعروفة ويقوم الورثة انفسهم بتحرير وثائق القسمة عن طريق الاستعانة بكاتب ، وتتم هذه الاجراءات على النحو المقرر في الشريعة واجراءات القسمة المقررة في القانون المدني ، وبعد ذلك يتم ثوثيقها لدى قلم التوثيق ، والتمس العفو والمسامحة من القاسمين حتى لا يفهموا من هذا التعليق انه دعوة لقطع ارزاقهم، فالارزاق بيد الله تعالى القوي المتين ، والله اعلم.

إثبات القسمة الشفهية بالشهادة
إثبات القسمة الشفهية بالشهادة

مقالات ذات صلة: