إثبات القسمة الشفهية للأموال المشتركة

 

 إثبات القسمة الشفهية للأموال المشتركة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء                      

 في حالات كثيرة يتفق الورثة شفاهة على تقسيم تركة مورثهم ويتم تقسيمها حيث يقبض كل متقاسم مايخصه فيكون تحت يده من أن ان يكون هناك عقد قسمة مكتوب أو فصول مكتوبة، وفي حالات اخرى يكتسب الاخوة أو الاقارب أموالاً نتيجة سعيهم فيقوم بعضهم بشراء الأموال باسمه، وتكون هذه الأموال تحت يده، ولاحقا تحدث الخلافات بين الاخوة أو الاقارب، فيدعي بعضهم بأن القسمة قد تمت شفاهة وبموجبها تم تحديد نصيب كل شريك أو ساعي بما هو تحت يده ، ولاشك ان هناك إشكاليات تثيرها القسمة الشفهية واثباتها سيما إذا كان الأموال محل القسمة عقارات، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/12/2012م في الطعن رقم (41382)، فقد ورد في الحكم الاستئنافي: (فالثابت في الأوراق صحة ما ورد في عريضة الطعن  أن الأموال المدعى إكتسابها  قد تم اكتسابها من قبل الجميع،  وأنها ما زالت مشتركة بينهم جميعا من خلال أقوال الخصوم أمام المحكمة الابتدائية، اما إستناد المحكمة الابتدائية إلى القول،:أنه سبق القسمة والانفصال، فالقول بأنه سبق إتفاق الشركاء شفاهة على القسمة لا دليل عليه ،  ويؤيد ذلك عدم وجود رقم أو مستند يدل على وقوع القسمة، فليس من المعقول قسمة عقارات وبيوت كثيرة شفاهة وبدون أوراق أو مستندات، لذلك فإن إستناد المحكمة الابتدائية في حكمها إلى شهادات متناقضة ومعلولة حسب ما ورد في حيثيات الحكم الابتدائي غير سديد، ولذلك ينبغي ان تحصر الأموال المكتسبة من قبلهم وان تقسم بينهم كلٍ حسب سعيه بواسطة عدول)، وقد أقر حكم المحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((فقد تبين ان ما توصل إليه الحكم  الاستئنافي  موافق للشرع والقانون لما أستند إليه وعلل به من أسباب قانونية صحيحة ))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: ماهية القسمة الشفهية بين الشركاء:

القسمة الشفهية: هي إتفاق الشركاء أو الورثة شفاهة من غير كتابة على قسمة الأموال المشتركة وتوزيعها بينهم بحسب الفرائض الشرعية أو بحسب سعي كل شريك إذا كانت الشراكة بينهم عرفية أو فعلية، والقانون المدني لم يشترط في القسمة ان تكون كتابة، لأن القسمة عقد مثل غيره من العقود، فالكتابة لا تكون ركناً ا وشرطاً في العقد وإنما وسيلة لإثبات العقد، ولذلك لم يشترط القانون المدني في القسمة الرضائية ان تكون مكتوبة، وفي هذا المعنى نصت المادة (1211) مدني على أنه (للشركاء البالغين ان يقسموا المال المشترك بينهم اختياريا بالطريقة التي يرتضونها ويجوز فيها جمع الاشياء المتماثلة والمختلفة, كما يجوز فيها جمع نصيب اثنين او اكثر في قسم واحد, ولهم ان يقسموا بانفسهم او بواسطة عدلين، كما يحق لهم تعديل الحصص بالنقد, ولا تسمع من حاضر دعوى غبن في القسمة الا لأمر قطعي، ولا تجوز قسمة اختيارية فيها قاصر او مجنون او غائب.)، علماً بأن هناك قسمات لتركات كثيرة  تتم شفاهة بين الورثة أو الشركاء من غير ان يتم إثباتها كتابة، حيث يكتفي المتقاسمون بقبض كل مقاسم لنصيبه من غير ان يكون هناك حصر او تثمين لأموال التركة أو فصول مكتوبة.

الوجه الثاني: الفرق بين قسمة المنافع والقسمة الشفهية:

قسمة المنافع هي قسمة مؤقتة يتفق فيها المتقاسمون على تقاسم الإنتفاع بأموال الشراكة أو التركة أو تناوبهم الإنتفاع بالمال المشترك ، وقد تتم قسمة المنافع شفاهة أو كتابة، ولكنها في الحالتين تكون قسمة مؤقتة لمدة معينة، ويجب على المتقاسمين الإلتزام بها وتنفيذها، وإذا لم يتفقوا على مدة معينة تكون مدة القسمة سنة قابلة للتجديد، وقد اجاز القانون للمتقاسم في قسمة المنافع ان يطلب من بقية المتقاسمين إجراء القسمة النهائية فإن رفضوا ذلك فيحق له اللجوء إلى القضاء لمطالبته بإجراء القسمة النهائية ، وفي هذا المعنى نصت المادة (1220) مدني على أن (قسمة المنافع نوعان: الاول : ان يختص كل من الشركاء بمنفعة جزء من المال المشترك يوازي حصته فيه متنازلا لشركائه في مقابل ذلك عن الانتفاع بباقي الاجزاء. الثاني: ان يتناوب الشركاء الانتفاع بجميع المال المشترك كل منهم لمدة تتناسب مع حصته فيه مهاياة بينهم.)، وفي السياق ذاته نصت المادة (1221) مدني على أنه (اذا اتفق الشركاء على قسمة المنافع بينهم لمدة معينة لزمتهم القسمة المدة المتفق عليها, واذا لم يتفقوا على مدة معينة لزمتهم القسمة لمدة سنة تتجدد بنفس الشروط لسنة اخرى وهكذا ما لم يطلب احد الشركاء انهائها قبل انقضاء السنة الاخيرة بشهرين على الاقل او يطلب اجراء قسمة نهائية مطلقا, وتبقى قسمة المنافع قائمة اثناء اجراءات القسمة النهائية ولحين تمامها.)، وكذا نصت المادة (1222) مدني على أنه (اذا لم تطلب القسمة النهائية ورغب احد الشركاء في قسمة المال المشترك قسمة انتفاع مؤقتة وتعذر رضاء باقي الشركاء كان له ان يلجا الى القضاء لاجرائها باحدى الطريقتين المنصوص عليها في المادة (1199) وتتبع اجراءات القسمة النهائية المنصوص عليها في الفرع الثالث.).

الوجه الثالث: إشكالية إثبات القسمة الشفهية التي تشمل العقارات:

القسمة الشفهية للأموال   المشتركة المنقولة لاتثير أية إشكالية من حيث إثباتها بخلاف القسمة الشفهية للعقارات ، لان الحيازة في المنقول سند الملكية، وقد تناول الحكم محل تعليقنا إشكاليات إثبات القسمة الشفهية إذا كان محلها العقارات المشتركة بين الورثة أو الشركاء، لأن قانون التوثيق وقانون السجل العقاري  نظما التصرفات الناقلة للعقارات واشترطا ان يتم إثبات التصرفات الناقلة للعقارات كتابة عن طريق وثيقة مكتوبة يتم تحريرها بنظر الأمين الشرعي، ويتم توثيقها لدى قلم التوثيق المختص، ويتم تسجيلها لدى السجل العقاري بالهيئة العامة للأراضي، وبما أن القسمة الشفهية للعقارات لا يتم إثباتها كتابة، فليس هناك فصول لدى المتقاسمين تدل على ان العقارات التي تحت ايديهم قد صارت  ملكا لهم بموجب القسمة الشفهية ،  لذلك فإن  استطاع المتقاسمون الإنتفاع بالعقارات التي تحت ايديهم غير أنهم لا يستطيعون التصرف فيها تصرفاً ناقل للملكية لعدم كتابة عقد القسمة الرضائية وعدم كتابة فصول المتقاسمين، لذلك يتم إثبات القسمة الرضائية الشفهية عن طريق وسائل الإثبات المقررة قانوناً سيما إقرار المتقاسمين أنفسهم إذا كانوا متوافقين على ذلك  حيث يتم تدوين هذا الإقرار عن طريق الأمين الشرعي، فبعد إقرار ومصادقة المتقاسمين على القسمة الشفهية يقوم الأمين الشرعي المختص بكتابة إقرار ومصادقة المتقاسمين على عقد القسمة، وفي ضوء ذلك يقوم الأمين بتحرير فصول المتقاسمين بحسب الإجراءات المعروفة، اما إذا كان المتقاسمون مختلفون بشأن وقوع القسمة الشفهية من عدمه فيتم إثبات القسمة الشفهية في هذه الحالة  عن طريق شهادات الشهود أمام القاضي أو المحكم، وفي هذه الحالة يكون الحكم مقرا  للقسمة الشفهية التي وقعت قبل صدور الحكم، ويتم تحرير الفصول تنفيذاً للحكم، وقد لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى ببطلان القسمة الشفهية ليس لأنها شفهية  وإنما لأن المدعين بوقوع القسمة الشفهية  قد عجزوا عن إثبات وقوع تلك القسمة بوسائل الإثبات الأخرى كالإقرار أو الشهادة(قسمة الاملاك المشتركة. د. أحمد فراج حسين ص176)، والله اعلم .