التمييز والتسليم بعد قسمة التركات
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من الإشكاليات الواقعية انه في حالات كثيرة تتم قسمة التركات ويتم تحرير الفصول أو الفروز وتسليمها إلى الورثة المتقاسمين إلا أنه لا يتم تمييز الانصبة عن بعضها والتسليم الفعلي للانصبة إلى الورثة، وتترتب على ذلك إشكاليات اخرى مثل تحديد تاريخ بدء احتساب ميعاد تقادم القسمة الصحيحة، وقد اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه المسألة، وهو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/7/2018م في الطعن رقم (606760)،وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان القسمة الرضائية تمت بين الورثة وقام القسام المختار بتسليم كل وارث الفصل الخاص به المتضمن ما آل اليه من التركة إلا أنه لم يتم تمييز نصيب كل وارث بحسب الفصل حيث ظلت الأموال بيد الأخ الذي رفض لاحقاً تمييز ما يخص اخواته مما اضطرهن إلى اللجوء إلى المحكمة الابتدائية ومطالبتها بالزامه بتمييز نصيب كل واحدة منهن وتسليمهن انصبتهن الشرعية بحسب ماورد في فصولهن،وأمام المحكمة الابتدائية ادعى الأخ المدعى عليه انه الذي قام بإصلاح وغرس الاراضي المطلوب تمييزها، وطالب بشقيته، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم على الأخ المدعي عليه بتسليم ما يخص اخواته وتكليف عدول لتمييز ما يخص اخواته وتسليمهن انصبتهم والزام الأخ بدفع الغلول عن الفترات الماضية منذ تحرير الفصول، وقد ايدت الشعبة الاستئنافية الحكم الابتدائي وسببت حكمها: بان تنفيذ عقد القسمة يقتضي التسليم الفعلي للأنصبة الذي لا يتم الا بتمييز الانصبة وتسليم كل وارث نصيبه، فلم يقنع الأخ المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض غير ان الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة تفاصيل ما ورد في عريضة الطعن والرد عليها وبعد الاطلاع على أوراق القضية ومنها الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي وعند تأمل الدائرة فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي قد جاء موافقاً للشرع والقانون لقضائه بتأييد الحكم الابتدائي لما علل به واستند اليه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : تحرير الفصول (الفروز) :
هي مرحلة تأتي بعد حصر التركة وتحرير الأمية الجامعة المتضمنة كل أموال التركة، حيث يتم تحرير الفصول التي تتضمن ما تحدد لكل وارث على حدة في وثيقة واحدة تسمى الفصل وفي بعض المناطق كتعز تسمى (الفرز)، ووثيقة الفصل عبارة عن وثيقة إثبات ما تحدد لكل وارث من أموال التركة، والفصل هو عبارة عن ناتج عقد القسمة بين الورثة ولذلك يكون الفصل بمثابة عقد بين المتقاسمين لانه نتاج عقد القسمة، وبناءً على ذلك يحرص بعض القسامين على الزام الورثة بالتوقيع في نهاية الفصل للتأكيد على موافقتهم ورضاهم بما تعين لكل وارث على حدة، ولذلك فانه من المقرر ان حجية الفصول حجية قاصرة على الورثة (قسمة الأملاك الشائعة، د.احمد فراج حسين، صـ129) ومن الملاحظ ان الفصول في بعض الاحيان لا يتم تسليمها لأصحابها وعندئذ لا يكون الفصل حجة عليه مالم يكن قد سبق عليه التوقيع على الأمية (وثيقة القسمة الجامعة) وكذا التوقيع على الفصل، ومن وجهة نظرنا انه يلزم توقيع الورثة على الفصول للدلالة على رضاهم وموافقتهم على ما تعين لكل وراث وحسماً لأي نزاع قد يحدث مستقبلا بينهم في هذا الشأن، ومما يجدر ذكره ان تسليم الوارث فصله المتضمن ما تحدد له من تركة مورثه لا يعني انه قد تسلم بالفعل الأموال المذكورة في الفصل حيث يجب ان يتم تطبيق ما ورد في وثيقة الفصل على الواقع وهو ما سنذكره في الوجه الثاني.
الوجه الثاني : تمييز ما يخص كل وراث بحسب ما ورد في الفصل :
في ضوء ما ورد في الفصل يتم تمييز ما يخص كل وراث من الأراضي الزراعية اذا كانت انصبة الورثة او بعضهم قد تم تحديدها في أرض واحدة قابلة للقسمة حيث يتم تمييز ما يخص كل وراث من الأرض عن طريق علامات ثابتة قد تكون موجودة في الأرض قبل تمييزها كشجرة معمرة أو أو صخرة عظيمة...الخ وقد يتم استعمال العلامات السابق وحدها في الارض ذاتها وقد يتم وضع علامات جديدة لتمييز ما يخص كل وارث أما إذا تم تحديد نصيب كل وارث بارض مستقلة فلاحاجة عندئذ للتمييز، وينبغي ان يكون التمييز مطابقا لما ورد في الفصول ولذلك كان بعض القسامين المتقدمين يحرصون على التمييز بموجب الأمية المتضمنة موجودات التركة وقرينها نصيب كل وارث في كل أموال التركة فكانوا يقومون بالتمييز في ضوء ما ورد في الأمية قبل تحرير الفصول حتى تكون الفصول مطابقة للواقع، لانه عند التمييز ووضع العلامات التي تحدد نصيب كل وارث تحدث خلافات بين الورثة في غالب الأحيان، ويكون التمييز في الأراضي بمثابة تسليم وإستلام لما تعين لكل وارث، اما في المنقولات فيتم تسليمها إلى الورثة بموجب وثائق استلام مع تسليم الوثائق الأصلية لملكيتها.
الوجه الثالث : التمييز والاستلام وإثبات تمام القسمة وا حتساب ميعاد تقادم القسمة:
التمييز والاستلام هو إجراء تنفيذي لماورد في عقد القسمة حيث يتم تسليم كل وارث ما يخصه من تركة مورثه بحسب ما ورد في فصله، وبناء على ذلك فان عدم التمييز والاستلام لا يعني ان القسمة لم تتم، لان القسمة كما هو مقرر في الشريعة والقانون عبارة عن عقد يتم بالتوقيع على وثيقة الأمية التي تتضمن كل أموال التركة مقسمة على جميع الورثة، وعلى هذا الأساس فان تحرير الفصول وتمييز ما يخص كل وارث من الورثة ماهو إلا أثر اجرائي من اثار عقد القسمة يجب على القسام القيام به ويجوز للورثة مطالبة القضاء بتنفيذه جبراً مثلما قضى الحكم محل تعليقنا،وعلى هذا الاساس فان إحتساب ميعاد تقادم القسمة الصحيحة يبدأ من تاريخ توقيع الورثة على عقد القسمة أو ما يسمى بالامية وليس من تاريخ تسليم الفصول او تمييز الانصبة وتسليمها للورثة ، والله اعلم.
الاسعدي للطباعة : 772877717