حكم الهبة وماشابهها للوارث

حكم الهبة وماشابهها للوارث

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

 الهبة من المورث لوارثه حكمها حكم الوصية للوارث التي لاتصح الا اذا اجازها الورثة بعد وفاة مورثهم الموصي ، وتاخذ هذا الحكم ايضا التصرفات المشابهة للهبة التي تصدر من المورث لورثته مثل الهدية والنذر والعمرى والرقبى ، وفي هذا المعنى نصت المادة (186) من قانون الأحوال الشخصية اليمني على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً مع مراعاة أحكام المادة (183) )، في حين نصت المادة (183) على إنه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) ، وفي سياق تنظيم القانون للتصرفات المشتبهات بالهبة تناول القانون الهدية والصدقة والنذر والعمري والرقبى، ووفقا لنص المادة (183) السابق ذكرها فانه يجب على الشخص اثناء حياته ان يستوي بين الورثة عندما يباشر أي تصرف من تلك التصرفات.

ومن المعروف أن الفرق بين الوصية والهبة والتصرفات المشابهة لها: أن الهبة والتصرفات المشابهة لها يتم تنفيذها أثناء حياة المورث الواهب بخلاف الوصية التي تكون تصرف إلى ما بعد موت المورث الموصي، فلا تنفذ الوصية إلا بعد موت الموصي المورث، ومع هذا الفرق بين الوصية والهبة والتصرفات المشابهة لها إلا ان الهبة والتصرفات المشابهة إذا كانت لوارث أو وراث الوارث فانها تاخذ حكم الوصية لوارث،

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-1-2012م في الطعن رقم (43424)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأن 

(ما ذهبت إليه محكمة الموضوع في قضائها بأنه لا تجوز الهبة لوارث كان صحيحا،لأن الهبة يكون حكمها حكم الوصية لوارث) ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فقد تبين للدائرة: أن الطعنين غير مؤثرين في الحكم الاستئنافي المطعون فيه لخلو الطعنين من أسباب الطعن المقررة في المادة (292) مرافعات، فما ورد في الطعنين عبارة عن وقائع موضوعية ناقشتها محكمة الموضوع في حكمها وتوصلت إلى نتيجة موافقة لصحيح الشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعنين)

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية ومشتبهاتها من المورث للوارث ووارثه:

الهبة: تصرف يصدر من المورث أثناء حياته يتضمن تمليك أحد أولاده أو ورثته مال من أمواله أو منفعة ذلك المال، وقد تكون الهبة تبرعية أي بدون أي مقابل يتقاضاه المورث من وارثه أو وارث وارثه، كما قد تكون الهبة بمقابل يدفعه الوارث إلى مورثه، سواءً أكان هذا المقابل مالاً أم منفعة قام بها الوارث لحساب المورث مثل : الخدمة غير العادية للمورث قبل موته كأن يكون المورث عاجزاً عن الحركة طريح الفراش لمدة طويلة فتلازمه زوجته أو إحدى بناته أو زوجه إبنه...إلخ للقيام بامره والعناية به، فتكون الهبة في هذه الحالة كاجرة لمن قام بالخدمة ، اما كانت الخدمة التي قام بها الوارث لحساب مورثه عادية أو معتادة كصنع الطعام وتنظيف الملابس والفراش والقيام بالاعمال المنزلية المعتادة فلا تصلح هذه الخدمة مقابلا للهبة من الوارث.

كما قد يكون مقابل الهبة قيام أحد الورثة بالإنفاق على مورثه أو علاجه ، فيقوم المورث بهبة الوارث مالا نظير المبالغ التي دفعها الوارث في سبيل الإنفاق على المورث أو علاجه ، فتكون هبة المورث لوارثه في هذه الحالة عبارة عن قيام المورث بقضاء الدين الذي بذمته للوارث.

اما إذا كانت الهبة الصادرة من المورث لوارثه تبرعية أي بدون مقابل فأنه يجب على المورث أن يساوي بين أولاده وورثته في هذه الحالة ، فإذا وهب أو أعطى أحد أولاده سيارة أو قطعة أرض أو محل تجاري أو نقود فأنه يجب على المورث في هذه الحالة أن يهب أو يعطي أولاده الآخرين وورثته الآخرين مالا مساويا لما سبق له ان اعطاه أو وهبه للسابقين من ورثته، على ان تتم المساواة بين الورثة جميعا بحسب الفريضة الشرعية لكل وارث من الورثة، ويسري حكم المساواة بين الورثة في الهبة على التصرفات المشابهة للهبة كالهدية والنذر والعمرى والرقبى ، وفي هذا المعنى نصت المادة (183) احوال شخصية على أنه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية).

 وكذا تجب المساواة في الصدقة التي يقدمها المورث إلى ورثته إذا كانت ظروفهم متساوية من حيث الاحتياج للصدقة اما إذا تفاوت إحتياج الورثة للصدقة فلاتشترط المساواة بينهم بل تكون الصدقة بقدر إحتياج كل واحد منهم، واذا كان احد الورثة غير محتاج للصدقة فلاتعطى له .

اما إذا وهب المورث أثناء حياته احد ورثته بهبة دون غيره من الورثة الاخرين واثناء حياة المورث قام الوارث الموهوب له باستهلاك المال الموهوب حقيقة او حكما اثناء حياة المورث فلاتشترط مساواة الورثة الآخرين في الهبة ، وفي هذا الشان نصت المادة (186) من قانون الأحوال الشخصية على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً مع مراعاة أحكام المادة (183) )، فهذا النص صرح بأن الهبة للوارث ووارثه يكون حكمها حكم الوصية للوارث ووارثه أي انها تكون غير جائزة الا بإجازة الورثة بعد وفاة مورثهم الموصي، غير ان النص القانوني السابق صرح بأن الوارث الموهوب له إذا قبض هبة المورث له واستهلكها حقيقة أو حكماً أثناء حياة المورث الواهب فلا تشترط المساواة بين الورثة في هذه الحالة، كما لو أعطى المورث وارثه أثناء حياته أي حياة المورث أعطاه سيارة فأستعملها حتى عطلت أو أعطاه جنبية فضاعت، ففي هذه الاحوال لاتشترط المساواة ، لأن المال الموهوب لم يعد موجودا ، فلايجوز لبقية الورثة أن يطالبوا بالمساواة، وهناك فريق من الفقه الإسلامي يتوسع في مفهوم استهلاك الوارث للهبة أثناء حياة المورث، فيذهب هذا الفريق إلى القول بأن: الإستهلاك الحقيقي للهبة: هو ذهاب أصلها كإستهلاك الوارث للنقود بأن أنفقها، والإستهلاك الحكمي: أن يتعلق بالمال الموهوب حق للغير كأن يهب الوالد لولده قطعة أرض فيجعلها الولد مهراً لزوجته فقد تعلق بالهبة حق للغير، أو يهب المورث لوارثه قطعة أرض فيبيعها إلى الغير فقد تعلق بها حق المشتري (الوجيز في شرح أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص132).

الوجه الثاني: معنى أن الهبة لوارث تأخذ حكم الوصية للوارث حسبما ورد في المادة (186) أحوال شخصية:

نصت المادة (186) أحوال شخصية على إنه (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً مع مراعاة أحكام المادة (183))، ويظهر من هذا النص أنه قد صرح بأن الهبة لوارث أو وارث الوارث تأخذ حكم الوصية، ومؤدى ذلك أن أحكام الوصية لوارث تسري على الهبة لوارث، ومن أهم هذه الاحكام أن الهبة لوارث أو وارث الوارث غير جائزة إلا بإجازة الورثة عملاً بالمادة (224) أحوال شخصية التي نصت على إنه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة) وإجازة الورثة لا تكون إلا بعد وفاة المورث الموصي حسبما هو مقرر في المادة (227) أحوال شخصية التي نصت على إنه (لا تصح إجازة الوصية إلا من بالغ عاقل مختار بعد وفاة الموصي).

غير أن إجازة الورثة للهبة الصادرة من المورث أثناء حياته لأحد الورثة من غير مساواة بغيره لا تكون الإجازة في هذه الحالة إلا إذا كانت الهبة لازالت موجودة بعينها بعد وفاة الواهب، أما إذا استهلكها الموهوب له أثناء حياة الواهب فقد سبق بيان حكمها، ومن المعروف أن الهبات المتساوية التي يهبها المورث أثناء حياته لورثته جميعاً بحسب انصبتهم الشرعية لا تحتاج إلى إجازة عملاً بالمادة (183) أحوال شخصية التي سبق بيانها.

الوجه الثالث: معنى وارث الوارث الذي تأخذ الهبة له حكم الوصية:

وارث الوارث: هو من يندرج ضمن الورثة المحتملين للوارث الأصلي، مثل: أن يهب المورث هبة لإبن إبنه أو لإبن زوجته من زوج سابق...إلخ، فكل من يرث من الوارث الأصلي هو وارث وارث.

وقد صرحت المادة (186) أحوال شخصية بأن الهبة لوارث الوارث تأخذ حكم الوصية للوارث، وقد سبق أن ذكرنا في الوجه السابق أن الوصية لوارث الوارث لا تصح إلا إذا اجازها الورثة بعد وفاة مؤرثهم الموصي، غير إنه يستثنى من ذلك إذا كان وارث الوارث معوّقاً كالأعمى والمشلول والمجنون...إلخ فتجوز له الوصية والهبة والتصرفات المشابهة لها، عملاً بالمادة (236) أحوال شخصية التي نصت على إنه (لا تصح الوصية لوارث الوارث في حياة مورثه إلا لمبرر يعوقه عن التكسب كالأعمى والأشل وامثالهما مع الفقر).

الوجه الرابع: معنى العمرى والرقبى من الوارث لمورثه وحكمهما :

 سبق القول ان العمرى والرقبى من التصرفات المشابهة للهبة التي يكون حكمها حكم الوصية للوارث ووارثه والتي لاتجوز الا اذا اجازها الورثة او ساوى المورث فيها بين ورثته، واكمالا للفائدة نجد انه من اللازم التعريف بالعمرى والرقبى وبيان حكمهما ، وذلك على النحو الاتي :

أولاً: تعريف العمرى من المورث للوارث وبيان حكمه:

تعريف الْعُمْرَى:الْعُمْرَى في اللغة: مأخوذة من العُمر؛ وهو الحياة، أما الْعُمْرَى في الفقه فهو : جعل المالك شيئًا يملكه لشخص آخر عمر أحدهما، فاذا جعل المورث لوارثه قطعة ارض أو منزلا طوال حياة المورث أو طوال حياة الوارث فان ذلك يكون من قبيل العمرى.

وَصُورَةُ الْعُمْرَى أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَعْمَرْتُك دَارِي هَذِهِ، أَوْ هِيَ لَك عُمُرِي، أَوْ مَا عَاشَتْ، أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِك، أَوْ مَا حَيِيت، أَوْ نَحْوَ هَذَا. سُمِّيَتْ عُمْرَى؛ لِتَقْيِيدِهَا بِالْعُمُرِ، وهي نوعٌ مِن الهبة؛ (المغني لابن قدامة، جـ8، صـ282).

ثانياً: تعريف الرُّقْبَى من المورث لوارثه :

الرُّقْبَى في اللغة: المراقبة والانتظار، أما الرُّقْبَى في الفقه فهي : أَنْ يَقُولَ المورث لوارثه ُ: أَرْقَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ هِيَ لَك حَيَاتَك، عَلَى أَنَّك إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك فَهِيَ لَك وَلِعَقِبِك، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: هِيَ لِآخِرِنَا مَوْتًا، وَ سُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ (ينتظر) مَوْتَ صَاحِبِهِ؛ (المغني لابن قدامة، جـ8، صـ282).

الْعُمْرَى والرُّقْبَى مشروعتان بدليل سُنَّة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهما نوع مِنَ الهبة، لكنهما يفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات مِن الإيجاب والقبول والقبض، أو ما يقوم مقام ذلك؛ (المغني لابن قدامة، جـ8، صـ282:281).

 وروى ابنُ ماجهة عن جابر بن عبدالله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا، والرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا"؛

 وروى مسلمٌ عن جابر بن عبدالله، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وصحبه وَسَلَّمَ: "أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ"؛ (مسلم، كتاب الفرائض، حديث 26)،وان كان العمرى والرقبى جائزا على النحو السابق بيانه بيد انه يجب على المورث ان يساوي بين ورثته في العمرى أو الرقبى ،لان المادة (183) من قانون الاحوال الشخصية قد نصت صراحة على انه يجب على المورث ان يساوي بين ورثته في الهبة ومشتبهاتها ، ومن مشتبهات الهبة العمرى والرقبى، كما انه لايجوز إفراد بعض الورثة او أحدهم بالعمرى او الرقبى الا اذا اجاز الورثة ذلك ، والله اعلم.

حكم الهبة وماشابهها للوارث
حكم الهبة وماشابهها للوارث.

مقالات ذات صلة:

1- الهبة مقابل الخدمة والانفاق

2- رجوع الوالد عن الهبة التبرعية لولده

3- النذر لفرع وارث

4- القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية يجوز الرجوع عنها

5- تنازل الزوج عن نصف بيته لزوجته