القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية يجوز الرجوع عنها

القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية يجوز الرجوع عنها

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

➖➖➖➖➖

▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن القسمة اثناء حياة المورث حكمها حكم الهبة التبرعية، فيجوز للواهب أن يرجع عنها اثناء حياته مثلها في ذلك مثل الهبة التبرعية حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-4-2018م في الطعن رقم (59419)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فإن الدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق المشتمل عليها ملف القضية وجدت أن المطعون ضده لم يرد على الطعن بشيء، وان الطاعنين قد بنوا طعنهم أمام المحكمة العليا على أن الحكم المطعون فيه مخالف للشرع والقانون، وان ما صدر لهم من ابيهم ليس هبة تبرعية وإنما شقية وسعاية، والدائرة تجد أن ذلك مردود، لأن قسمة الاب على أبنائه في حياته هبة تبرعية يجوز له الرجوع عنها بإلارادة المنفردة للواهب، وحيث أن المطعون ضده قد رجع عما وهبه، كما انه لم يثبت إستحقاق الطاعنين لتلك الهبة كسعاية أو شقية على ما اكتسبوه)) وقبل هذا الحكم كان الحكم الاستئنافي قد قضى بأنه: ((لا يخفى أن المادة (300) أحوال شخصية قد نصت على أنه: لا استحقاق لأحد في تركة المورث إلا بعد تحقق وفاته، كما أن المادة (196) من القانون ذاته قد بينت الحالات التي يجوز فيها الرجوع عن الهبة التبرعية، ومن تلك الحالات عندما يكون الواهب أباً وفي حالة أخرى عندما يكون للواهب عذر تحقق بعد الهبة بأن أصبح فقيراً عاجزاً عن الكسب، كما أن المادة (145) مدني قد عرفت العقد غير اللازم بأنه الذي يجوز لكل من طرفيه أو احدهما الرجوع فيه بإرادته المنفردة، وبينت المادة (301) مدني بأن الإلتزام بالإرادة المنفردة هو صدور إيجاب من الشخص لا يتوقف على قبول من آخر يلتزم به الموجب، فمن مجموع ما ورد في النصوص القانونية السابق ذكرها يتبين أن حق المستأنف ضده شرعاً وقانوناً في الرجوع عن تقسيم أمواله بين أولاده وصحة طلبه الحكم ببطلان تلك القسمة حيث كان اجراؤها في اثناء حياته، ولذلك فهي في حكم الهبة التي يجوز له الرجوع عنها لكون الذي اجراها هو الأب ولم يثبت الوفاء له من أولاده بالإنفاق عليه من غلة أمواله التي قسمها بنظر عدلين خبيرين بين أولاده، ولأن تلك القسمة عقد غير لازم فله الرجوع عنها بإرادته المنفردة، ولأن الإستحقاق في تركة المورث لا يتم إلا بعد تحقق وفاته وذلك مالم يكن في القسمة المحكوم ببطلانها ابتدائيا، فضلاً عن عجز المستأنفين أمام محكمتي أول درجة وثاني درجة عن إثبات استحقاقهم للسعاية أو شقية في مال ابيهم المستأنف ضده)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
➖➖➖➖➖

▪️الوجه الأول: تكييف القسمة اثناء حياة المورث من وجهة نظر الحكم محل تعليقنا:


➖➖➖➖➖

▪️كان من ضمن اهتماماتي البحثية البحث في موضوع القسمة اثناء حياة المورث باعتبار أن هذا البحث كان من أهم الابحاث التي قدمتها عام 2015 للتحكيم بقصد الترقية إلى درجة (أستاذ/ بروفيسور)، وفي اثناء إعداد ذلك البحث تابعت باهتمام الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا في اليمن فلم أجد حينها حكماً تناول تكييف القسمة اثناء حياة المورث، ومؤخراً عثرت على الحكم المطلوب وهو الحكم محل تعليقنا الذي وصف القسمة اثناء حياة المورث وصفاً يطابق الوصف والتسمية القانونية لهذه القسمة، حيث اعتبرها الحكم من قبيل الهبة التبرعية من الوالد لأولاده، فهذا التصرف بالفعل هبة (أو عطية من الوالد لأولاده/ أو نحلة )، وهذه المفاهيم متقاربة، فالقسمة اثناء حياة المورث لا تكون قسمة بالمعنى الشرعي، لأن القسمة شرعا وقانوناً تكون لتركة يتركها المتوفي، في حين ان القسمة اثناء الحياة ليست لتركة، لان مالكها مازال على قيد الحياة حسبما ذكر الحكم محل تعليقنا، وفي هذا المعنى نصت المادة (183) أحوال شخصية على أن: (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) حيث قرر هذا النص ان الهبة للأولاد ذكوراً وإناثاً يجب ان تكون على التساوي أي إذا افرد أولاده بالهبة من بعض ماله من غير ان يهب بقية الورثة، أما إذا قام بتقسيم جميع ماله على ورثته المحتملين بمن فيهم أولاده فيكون ذلك بحسب الفرائض الشرعية، وهذا النص هو الذي يفهم منه موقف القانون اليمني من القسمة في اثناء حياة المورث، وما ورد في المادة (183) السابق ذكرها حاكم ومقيد لما ورد في المادة (186) أحوال شخصية التي نصت على أن: (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً مع مراعاة احكام المادة [183]) ومعنى هذا النص ان الهبة في هذه الحالة يكون حكمها حكم الوصية لوارث التي لاتصح الا باجازة جميع الورثة بعد وفاة مورثهم الموصى على ان يراعى في تطبيق هذا النص (186) يراعى ماورد في المادة (183) السابق ذكرها التي اجازت القسمة اثناء الحياة على ان تكون بحسب الفرائض الشرعية ، ونخلص من هذا الوجه إلى القول: بأن القسمة اثناء حياة المورث تنطبق عليها أحكام أحكام المادة (183) السابق ذكرها التي نصت على ان هذه القسمة من قبيل الهبة التبرعية ولاتنطبق عليها أحكام الهبة التي تكون بمثابة وصية لوارث المبين حكمها في المادة (186) السابق ذكرها أيضا.

➖➖➖➖➖

▪️الوجه الثاني: القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية:

➖➖➖➖➖

▪️بعد أن قضى الحكم محل تعليقنا بأن القسمة اثناء حياة المورث صورة من صور الهبة التبرعية على النحو السابق بيانه في الوجه الأول اردف الحكم محل تعليقنا بأن القسمة اثناء حياة المورث من قبيل الهبة التبرعية، لان المورث عندما يهب أولاده أو ورثته المحتملين ماله اثناء حياته لا يتقاضى نظيراً ذلك مالاً، ولذلك فإن القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية، ولأن القسمة اثناء حياة المورث هبة تبرعية فأنه يجوز للمورث الرجوع عنها حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.