إذا بطلت القسمة لزمت الغلة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
القسمة خارج القضاء تكون على ضربين الضرب الأول: قسمة إختيارية: يقوم فيها الورثة بإختيار قسام لاجراء القسمة بينهم، اما الضرب الثاني فهي: قسمة التراضي: وهي القسمة التي تتم بين الورثة انفسهم من غير ان يختاروا قساما يتولى ذلك ، فقسمة التراضي تتم عن طريق الايجاب والقبول بين الورثة أنفسهم حسبما هو مقرر في المادة (1211) من القانون المدني اليمني ، وبحسب هذا المفهوم فان قسمة التراضي عقد له أركان وشروط ، فاذا تخلف ركن من أركان عقد قسمة التراضي انعدم العقد ، واذا تخلف شرط من الشروط بطل العقد ،فإذا صدر الحكم بإبطال القسمة فإن ذلك نقض عقد القسمة من أساسه ، ومعني ذلك التراد أي رد المتقاسمين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل عقد القسمة الرضائية ،لأن حكم القضاء بإبطال القسمة يعني نقض عقد القسمة وإعادة للمتقاسمين إلى حالة الشيوع التي موجودة قبل عقد القسمة ، ومن مقتضيات ذلك إعادة قسمة الغلات الزائد التي تحصل عليها الورثة بموجب القسمة التي تم إبطالها وتوزيع تلك الغلة بحسب الفرائض الشرعية؛
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-12-2011م في الطعن رقم (43349)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه:
(فقد تبين للدائرة من أسباب الحكم الاستئنافي إنه قد قضى ببطلان القسمة التي دفع الطاعن بوجودها ، فقد تاكد لمحكمة الاستئناف صحة طلب المطعون ضدها إبطال القسمة المدفوع بها وإجراء القسمة، غير أن محكمة الاستئناف اغفلت الحكم للمطعون ضدها بنصيبها من الغلول خلال الفترة السابقة، وحيث أن الطعن للمرة الثانية فإن الدائرة: تقضي بإلزام الطاعن بدفع الغلة بحسب ما يقدره عدلان)،
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: قسمة التراضي التي تتم بنظر الورثة أنفسهم:
اجاز القانون المدني اليمني في المادة (1211) اجاز للورثة أنفسهم أن يقوموا بانفسهم بإجراء القسمة ، فقد ورد ضمن المادة المشار إليها (ولهم أن يقسموا بأنفسهم) ، ومؤدى ذلك إنه يجوز للورثة أن يقوموا بأنفسهم بإجراء القسمة من غير أن يختاروا قسام لإجراء القسمة، حيث يقوم أحد الورثة أو بعضهم بإستخراج شهادة وفاة مورثهم ثم الحصول على حكم إنحصار الورثة ثم حصر التركة القابلة للقسمة وإستخراج مخاريج الموت والإلتزامات والديون القائمة على التركة ، وكذا إستخراج وصايا المورث ثم تحرير وثيقة التركيز، وبعد ذلك يتم تحرير فصول القسمة، وعند تحرير وثائق القسمة يستعين الورثة بالأمين الشرعي المختص لتحرير التركيز وفصول القسمة، وتتم كافة إجراءات قسمة التراضي برضاء وقبول وموافقة جميع الورثة على كافة إجراءات القسمة، إذ يلزم أن يقوم جميع الورثة بالتوقيع على جميع وثائق القسمة للتدليل على إقرارهم وقبولهم بما ورد في تلك الوثائق.
الوجه الثاني: التكييف القانوني لقسمة التراضي التي تتم بالتراضي فيما بين الورثة انفسهم من غير قسام مختار:
من المعروف ان القسمة الرضائية التي تتم خارج القضاء تنقسم إلى قسمين القسم الاول قسمة إختيارية: تقع عن طريق إختيار الورثة المتقاسمين لقسام للقيام باجراء القسمة ، وهذا القسم ليس موضع تعليقنا ، والقسم الثاني : هو قسمة التراضي وهي محل تعليقنا ، ولاريب أن (قسمة التراضي) التي يقوم بها الورثة انفسهم برضاهم جميعاً وقبولهم بها عقد بين الورثة الذين تولوا القسمة بأنفسهم من غير أن يختاروا قسام لهذا الغرض، وفي هذا المعنى نصت المادة (1200) مدني على أن (القسمة عقد لازم لجميع الشركاء فلا يجوز لأحدهم الرجوع فيه إلا برضاء سائر الشركاء أو بحكم القضاء).
ومعنى أن القسمة عقد فهي مثل غيرها من العقود تسري عليها أحكام العقود من حيث أركان العقد وشروطه فإذا تخلف ركن من أركان عقد القسمة انعدم العقد وإذا تخلف شرط من شروط عقد القسمة بطلت القسمة.
الوجه الثالث: أركان عقد قسمة التراضي وشروطه:
لعقد قسمة التراضي ثلاثة أركان ويجب أن تتوفر في كل ركن منها مجموعة من الشروط، وبيان ذلك كما يأتي:
الركن الأول: صيغة عقد القسمة: وهي الإيجاب والقبول المتطابقين المنجزين، وتتحقق هذه الصيغة في الإيجاب والقبول المتبادل بين الورثة في كل إجراءات القسمة، حيث يقر كل وارث بصحة إجراءات القسمة ويكون في الوقت ذاته شاهداً على غيره من الورثة بقبولهم القسمة.
الركن الثاني: المتعاقدون في عقد القسمة: وهم الورثة الشرعيون المتقاسمون الذين تثبت وراثتهم لمورثهم عن طريق شهادة وفاة المؤرث التي تدل على تحقق موته وكذا حكم إنحصار الورثة الذي يحدد الورثة الشرعيين للميت المورث الذين يستحقوا تركة مورثهم، ويشترط في المتعاقدين في عقد قسمة التراضي أن يكون جميع الورثة بالغين عاقلين ليس فيهم قاصرا أو غائبا، كما يشترط أن تتم إجراءات القسمة برضاء وإختيار جميع الورثة المتقاسمين من غير إكراه أو إحراج.
الركن الثالث: محل عقد القسمة: وهو اموال التركة أي أموال المورث التي تركها لورثته بعد تحقق وفاته، ويشترط في محل القسمة أن يتم التحقق والتثبت من أن أموال التركة كانت ملكاً شرعياً صحيحاً للمورث قبل موته، ويشترط أن تكون تلك الأموال مشروعة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، فلا تجوز قسمة الأموال المسروقة أو المنهوبة أو المغصوبة أو المحرمة كالخمور والمعازف أو الأموال التي تحصلها المورث بطرق غير مشروعة كالأموال التي سرقها المورث أو اختلسها أو أستولى عليها أو حصل عليها عن طريق الرشوة أو تلك التي تحصلها عن طريق الغناء، كما يشترط أن يتم قسمة أموال التركة على الورثة بحسب الأنصبة الشرعية المقررة في الشريعة الإسلامية ، فلا تجوز الزيادة أو النقصان فيها ، لأن الله سبحانه وتعالى قد افترضها من عنده.
الوجه الرابع: عقد القسمة بين الإنعدام والبطلان:
سبق أن ذكرنا في الوجه الثالث: أركان عقد القسمة والشروط المقررة في كل ركن من تلك الأركان، فإذا تخلف أي ركن من أركان القسمة انعدم عقد القسمة، لأن العقد في الشريعة والقانون لا تقوم له قائمة إذا تخلف ركن من أركانه ،فالركن جزءاً من ماهية العقد، في حين يكون عقد القسمة باطلاً إذا تخلف شرط من شروطه.
الوجه الخامس: تحصن عقد قسمة التراضي الباطل بمضي المدة ، وعدم تحصن عقد قسمة التراضي المنعدم:
اذا انعدم عقد قسمة التراضي فأنه لا يتحصن بمضي المدة ، لأنه لا وجود له في نظر الشرع والقانون، أما إذا كان عقد القسمة باطلاً فأنه يتحسن بمضي المدة، وفي هذا الشأن نصت المادة (202) مدني على إنه (إذا لم يتمسك أحد ببطلان العقد الباطل أصلاً ولم تحكم المحكمة ببطلانه وبقى المتعاقدان عليه لمدة خمس وعشرين سنة مع عدم المانع وكان محله مالاً أو منفعة فلا تسمع الدعوى ببطلانه مالم يكن العقد محرماً شرعاً)، وبموجب هذا النص فإن عقد القسمة الذي تتوفر أركانه السابق ذكرها ولكن تخلفت شروطه فانه يكون محصنا من الإبطأل بمضي المدة المشار إليها ، إلا إذا كانت الأموال التي تمت قسمتها غير مشروعة كالأموال المغصوبة أو المسروقة...إلخ.
الوجه السادس: بطلان عقد قسمة التراضي بسبب عيوب الإرادة:
سبق أن ذكرنا انه يشترط في الورثة المتقاسمين أن تتوفر فيهم الإرادة لإبرام عقد القسمة، ومعنى ذلك أن لا يشوب إرادتهم أي عيب من عيوب الإرادة كالغلط والإكراه والغبن والتدليس، ومن مظاهر خصوصية عقد القسمة التي تميزه عن غيره من العقود إنه لا يجوز عقد القسمة إذا كان من ضمن الورثة قاصراً أو غائباً، وقد قرر القانون المدني اليمني انه إذا شاب العقد بصفة عامة أي عيب من عيوب الإرادة قرر لها القانون حكماً خاصاً من حيث المدة التي يتحصن فيها العقد من البطلان، فقد نصت المادة (200) مدني على إنه (لا تسمع الدعوى بطلب إبطال العقد أو نقضه بعد مضي ثلاث سنوات مع عدم مانع أو جهل يسبب البطلان، وتبدأ المدة بالنسبة للصغير من يوم بلوغه رشيداً وبالنسبة لناقص الأهلية غير الصغير من يوم زوال سبب ذلك، وفي حالتي الغلط والتدليس (التغرير) من اليوم الذي ينكشف فيه).
الوجه السابع: قابلية عقد قسمة التراضي الباطل للتصحيح بخلاف المنعدم:
إذا انعدم عقد قسمة التراضي فلا يقبل التصحيح لعدم وجود هذا العقد في نظر الشرع والقانون وإن كان موجوداً في الواقع، أما عقد قسمة التراضي الباطل بسبب تخلف شرط من شروطه فأنه يكون قابلاً للتصحيح عن طريق تصحيح الإجراء الباطل فقط فيكون عقد القسمة صحيحاً، وفي هذا المعنى نصت المادة (204) مدني على إنه (إذا كان العقد غير صحيح في بعضه مميز منه فهذا البعض وحده هو الذي يبطل إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير البعض الذي ثبت عدم صحته فيبطل العقد كله).
الوجه الثامن: إبطال عقد القسمة وأثره على الغلة السابقة للتركة:
إذا تخلف أي من شروط عقد القسمة فيجوز لأي من الورثة أن يطلب من القضاء الحكم بإبطال عقد القسمة شريطة أن يتم ذلك قبل مضي المدتين السابق ذكرهما (ثلاث سنوات بالنسبة لعيوب الإرادة وفي غير ذلك 25 سنة).
ويتم رفع الدعوى أمام قاضي الأحوال الشخصية بالطرق المعتادة لرفع الدعوى فإذا حكم القاضي بإبطال عقد القسمة فإن الورثة المتقاسمين يردوا إلى حالة الشيوع التي كانوا عليها قبل عقد القسمة الباطل، أي انه يجب على كل وارث أن أن يعيد الغلة الزائدة التي تحصلها من تلك الأموال التي وقعت بيده بموجب قسمة التراضي المحكوم ببطلانها، وفي هذا المعنى نصت المادة (203) مدني على إنه (إذا كان العقد غير صحيح وترافع المتعاقدان فيعادان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل، ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا ابطل العقد لنقص أهليته برد غير ما بقى لديه وما استعاض به شيئاً باقياً)، ومقتضى هذا النص انه يجب إلزام الورثة برد الغلات الزائدة عن انصبتهم الشرعية التي تحصلوا عليها بموجب القسمة المحكوم ببطلانها ثم إعادة تقسيم هذه الزيادة بحسب الأنصبة الشرعية، ويكون الحكم بإعادة الغلة الزائدة تبعاً للحكم بإعادة القسمة الباطلة.
الوجه التاسع: نسبية حجية عقد القسمة:
إذا كان عقد القسمة صحيحاً تحققت فيه اركان وشروط عقد القسمة، فإن حجيته تكون قاصرة على الورثة المتقاسمين فقط عملا بمبدا نسبية اثار العقد، وتطبيقا لذلك ، لا يكون عقد القسمة حجة في مواجهة غير الورثة المتقاسمين، ومؤدى ذلك أن القسمة لا تكون حجة في مواجهة ملاك الأموال المسروقة أو المغصوبة التي يقوم الورثة بتقسيمها فيما بينهم، كما لا يكون عقد القسمة حجة في مواجهة الوقف إذا قام الورثة بقسمة ملكية أموال الوقف وليس منفعتها بينهم، كما لا يكون عقد القسمة حجة في مواجهة الدولة اذا قام الورثة بقسمة الأموال غير المشروعة إذا أرادات ملاحقة ورثة الفاسد الذين تقاسموا أمواله التي سرقها أو اختلسها أو استولى عليها، فلا يجوز في الشريعة والقانون أن تتحول القسمة إلى غسل أموال قذرة أي غير مشروعة.
الوجه العاشر: لماذا يلزم إعادة قسمة الغلة إذا بطلت القسمة؟:
ذكرنا فيما سبق أن مقتضيات الحكم بإبطال القسمة إعادة الورثة إلى حالة الشيوع التي كانوا عليها قبل إبرام عقد القسمة، ومؤدى ذلك وجوب قيام الورثة المتعاقدين بإعادة الغلات الزائدة التي تحصلوا عليها نتيجة القسمة المحكوم ببطلانها، ومعنى ذلك عدم صحة تحصيل الورثة للغلات الزائدة السابقة التي تحصلوا عليها بموجب عقد القسمة المحكوم ببطلانه، بإعتبار تلك الغلات أثر من آثار عقد القسمة المحكوم ببطلانه، والله اعلم.
![]() |
إذا بطلت القسمة لزمت الغلة. |
مقالات ذات صلة:
1- تقدير الغلة بنظر خبيرين لا يكون تعليقاً للحكم
2- الحكم بإبطال القسمة من غير دعوى
3- عدم تمثيل الوارث في القسمة الرضائية الشفهية يبطلها - في القانون اليمني