إثبات القبول بالحكم

إثبات القبول بالحكم

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

قبول الخصم بالحكم قد يكون صريحاً عن طريق تصريح الخصم بلفظه، كما قد يكون القبول بالحكم ضمنياً عن طريق قيام الخصم بتنفيذ الحكم إختيارياً، وقد اشترطت المادة (273) من قانون المرافعات اليمني اشترطت أن يتم إثبات القبول الصريح بالحكم في محضر جلسة الحكم أو في محضر جلسة لاحقة، أما بالنسبة للقبول الضمني بالحكم عن طريق تنفيذه إختيارا فإن إثباته لا يتم بمحضر الجلسة وإنما يتم إثباته عن طريق وسائل الإثبات المقررة في قانون الإثبات؛

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-9-2015م في الطعن رقم (56795)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: 

(أما ما ناقش به محامي الطاعنة عدم صحة الدفع بعدم قبول طعنه مستندا إلى المادة (273) مرافعات التي نصت على أنه (لا يجوز أن يطعن في الاحكام إلا المحكوم عليهم، ولا يجوز أن يطعن فيها من قبل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لاحقه أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن...إلخ)، فالدائرة تجد: أن ما ذكره محامي الطاعنة بلزوم أن يكون القبول بالحكم صريحاً وأن يتم في محضر الجلسة وأن الدافعين لم يقدموا ما يثبت حصول تنفيذ الحكم إختيارياً من قبل الطاعنة خلال مدة الطعن وهي ستون يوماً تبدأ من تاريخ إستلام الحكم، فالدائرة تجد: أن تفسير محامي الطاعنة لا يتفق مع النص بل انه إنكار لما هو ثابت وواقع، كون النص السابق تعلق بالقبول الصريح بالحكم في محضر جلسة النطق بالحكم أو في جلسة لاحقة خلال فترة الطعن، وشرط ذلك أن يتم اثباته في محضر الجلسة ، أما قيام المحكوم عليه بتنفيذ الحكم خلال فترة الطعن فلا يشترط القانون إثباته في محضر جلسة ، وإنما يتم إثباته بالطرق العادية)

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: إثبات القبول الصريح بالحكم (القبول باللفظ):

القبول الصريح بالحكم مانع من الطعن في الحكم، ولذلك يجب على الخصم إثبات ذلك في محضر جلسة النطق بالحكم أي بعد قيام القاضي بتلاوة منطوق الحكم، فعندها يصرح الخصم بأنه قد قبل الحكم أو أنه (مشرف) للحكم في مصطلح بعض اليمنيين، وفي هذه الحالة قد يكون القبول باللفظ من قبل الخصم، وقد يكون كتابة عن طريق مذكرة يقدمها الخصم إلى المحكمة بعد النطق بالحكم ، وينبغي ان يقوم الخصم الذي قبل بالحكم بالتوقيع على محضر الجلسة الذي تضمن قبوله، وإثبات القبول الصريح في جلسة النطق بالحكم لا تثير أية إشكاليات بخلاف إثبات القبول الصريح بالحكم في (جلسة لاحقة) أي في جلسة تكون بعد جلسة النطق بالحكم ، فإن هذا الأمر يثير عدة إشكاليات من أهمها: أن المحكمة التي نطقت بالحكم لا تملك أن تعقد جلسة للقضية بعد نطقها بالحكم ، نظراً لأن المحكمة تستنفد ولايتها بمجرد النطق بالحكم، ولذلك فإن المقصود بالجلسة اللاحقة في النص السابق : هي الجلسة التي تقوم بعقدها محكمة الاستنئناف بعد رفع القضية إليها، ومن المعلوم أن محكمة الاستنئناف لا تتصل بالحكم المطعون فيه إلا عن طريق الطعن فيه ، وعلى هذا الأساس فإن قبول الطاعن بالحكم المطعون فيه امام محكمة الاستنئناف يكون تنازلاً عن الطعن في الحكم ولا يكون قبولاً بالحكم المطعون فيه، وعلى ذلك لم يبق إلا النظر في أمر المطعون ضده الذي يحق له أن يقدم طعناً مقابلاً إذا كان ميعاد الطعن لازال قائماً أو يقدم طعناً فرعياً خلال مدة (15) يوماً من تاريخ علمه بالاستئناف الأصلي، وعلى ذلك فإن المعني بقبول الحكم في جلسة لاحقة للنطق هو المطعون ضده الاصلي الذي يحق له تقديم الاستئناف المقابل خلال ميعاد الطعن، فللمطعون ضده بموجب نص المادة (273) مرافعات السابق ذكرها للمطعون ضده القبول بالحكم في جلسة لاحقة لجلسة النطق بالحكم إذا كان ميعاد الطعن لازال قائماً ، فبدلاً من أن يقوم المطعون ضده بالرد على الاستئناف الاصلي أو يقدم إستئنافاً مقابلاً يقوم بالتصريح بقبوله بالحكم المطعون فيه وذلك في أول جلسة تعقدها محكمة الاستئناف لنظر الاستئناف الأصلي، وقد اشترطت المادة (273) مرافعات إثبات القبول الصريح بالحكم في محضر جلسة لاحقة لجلسة النطق ، لأن الخصم قد لا يكون حاضراً في جلسة النطق بالحكم، لأن القبول بالحكم بعد النطق به لا يكون إلا من الخصم نفسه وليس من قبل محاميه أو وكيله.

ومن خلال إستقراء نص المادة (273) مرافعات السابق ذكرها يظهر أنه اشترط أن يتم إثبات القبول الصريح بالحكم في محضر الجلسة على النحو السابق بيانه، غير أن النص ذاته لم يشترط طريقة معينة للقبول غير أنه اشترط ان يكون صريحاً يصرح فيه الخصم أنه قبل بالحكم، وعلى الخصم في هذه الحالة أن يذكر أهم بيانات الحكم الذي قبل به، كما قد يحضر الخصم في الجلسة ويصرح شفاهة بقبوله بالحكم ، كما قد يقوم الخصم بالإقرار كتابة بقبوله بالحكم لدى القنصلية اليمنية في الخارج أو لدى قلم التوثيق داخل اليمن ويتم تقديم المحرر الكتابي في الجلسة.

الوجه الثاني: إثبات القبول الضمني للحكم عن طريق قيام الخصم بالتنفيذ الإختياري للحكم:

من المعلوم أن التنفيذ الجبري للحكم لا يمنع الخصم من الطعن في الحكم الذي سبق له أن قام بتنفيذه جبراً، وقد تناولنا ذلك في تعليق سابق، وعلى ذلك فإن التنفيذ الذي يمنع الخصم من الطعن في الحكم هو التنفيذ الإختياري سواءً أكان هذا التنفيذ جزئياً أو كلياً ، فإذا قام الخصم بالتنفيذ الإختياري للحكم سقط حقه في الطعن في الحكم، وإثبات التنفيذ الإختياري في هذه الحالة يخضع للقواعد العامة للإثبات، فيجوز إثبات ذلك بأي طريقة من طرق الإثبات المقررة في القانون كالشهادات والكتابة والمعاينة وغير ذلك، فلم تشترط المادة (273) مرافعات أن يتم إثبات التنفيذ في جلسة النطق أو في جلسة لاحقة لها، فالتنفيذ الإختياري عبارة عن وقائع مادية تتم غالباً خارج جلسة المحكمة كتسليم أرض أو تسليم مبلغ أو تسليم سيارة أو تسليم بضاعة...إلخ.

والتنفيذ الإختياري يعد قبولاً ضمنياً بالحكم ، لأن المحكوم عليه حينما يقوم بتنفيذ الحكم إختياراً فإن ذلك يدل قطعاً على قبوله بالحكم، والله اعلم.

إثبات القبول بالحكم
إثبات القبول بالحكم

مقالات ذات صلة:

1. أثر القبول بحكم التحكيم المخالف لقواعد قانون المرافعات 

3. الزام المحكوم عليه بدفع الغرامة لا يعد قبولاً بالحكم

4. قبول الأصيل للحكم دليل على صحة التوكيل