*قبول الأصيل للحكم دليل على صحة التوكيل*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
➖➖➖➖➖
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن قبول الأصيل للحكم دليل على صحة التوكيل الصادر منه لوكيله الذي قام نيابة عن الأصيل بإختيار هيئة التحكيم والترافع أمامها نيابة عن الأصيل حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-8-2016م في الطعن رقم (58211)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((وعليه وبالرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف فقد وجدت الدائرة ان الطاعن ينعي في السبب الأول خطأ الحكم محل الطعن حينما ذكرالحكم الاستئنافي: ان حكم التحكيم بني على القول بإنعدام التفويض الصادر من الطاعن حالياً لإنعدام الوكالة منه حيث توصل الحكم المطعون فيه إلى ان ما ذكره المطعون ضده وجيه، مع ان هناك وكالة سبق أن صدرت من الطاعن في هذا الشأن ، والدائرة تجد ان هذا النعي في محله، فالمطلع على ملف القضية يجد أن المطعون ضده بالنقض هو من قام أولاً بالحضور إلى مكتب الجمعية اليمنية الامريكية لولاية نيويورك بتاريخ.... حيث قام بتحكيم وتفويض رئيس الجالية اليمنية الامريكية والشيخ.... وذلك بحل الخلاف بينه وبين شريكه..... على المحل الكائن في نيويورك، وتم الاشهاد على ذلك التحكيم والتفويض من قبل الشهود ....و....و....، وتمت المصادقة عليه من الجمعية اليمنية الأمريكية، ثم تلا ذلك التفويض والاختيار للمحكمين المذكورين من قبل وكيل الطاعن بموجب الوكالة له الصادرة من الطاعن المشهود عليها من قبل الشهود ....و....،: ومن ثم فإن الدائرة لا تدري كيف توصلت الشعبة إلى وجاهة السبب الأول من أسباب دعوى البطلان بإنعدام التفويض الصادر من وكيل المدعى عليه بالبطلان مع ان الطاعن الصادر منه التوكيل بالتفويض لا ينكره ومصر على صحته حتى هذه اللحظة، ومعنى هذا أنه ليس من حق المطعون ضده ان ينكر ما صدر من توكيل من قبل الطاعن لوكيله، فقبول الطاعن للحكم يعني بقاؤه على صحة التوكيل المحرر منه لمن حضر وكيلاً عنه أمام المحكمين، وبهذا تقرر الدائرة قبول هذا النعي وخطأ الحكم فيما توصل إليه في هذا السبب)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: إنعدام التوكيل وعدم صحة التوكيل:*
➖➖➖➖➖
*▪️من خلال المطالعة لأسباب الحكم محل تعليقنا نجد أن الحكم الاستئنافي كان قد ابطل حكم التحكيم بذريعة إنعدام التوكيل الصادر من الطاعن للوكيل الذي قام نيابة عن الطاعن بإختيار هيئة التحكيم والترافع نيابة عن الطاعن أمامها ، أما حكم المحكمة العليا محل تعليقنا فقد قضى بنقض الحكم الاستئنافي، لان التوكيل من الطاعن كان موجودا وكان مشاراً إليه في مدونة الحكم الاستئنافي ذاته، وان كانت قد اعترت التوكيل بعض المطاعن لكن التوكيل كان موجوداً، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن قبول الشخص بحكم التحكيم دليل على صحة التوكيل الصادر منه لوكيله الذي اختار هيئة التحكيم نيابة عنه وترافع أمامها، لان قبول الطاعن لحكم التحكيم يصحح التوكيل بخلاف الحال فيما لو كان التوكيل منعدماً لا وجود له ، فقبول حكم التحكيم لا يصحح التوكيل المنعدم لعدم وجوده اصلا، فالتصحيح لا يكون لشيء قد وجد ولكنه غير صحيح، أما المنعدم فلا وجود له فهو والعدم سواء، فمن المتعذر القول: بان قبول الحكم يصحح تصرف لا وجود له أصلاً.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: قبول الخصم لحكم التحكيم والإجازة اللاحقة للوكيل:*
➖➖➖➖➖
*▪️نصت المادة (909) مدني على أن: (الإجازة اللاحقة لتصرف سابق في حكم الوكالة السابقة) فمعنى هذا النص ان الشخص الأصيل إذا اجاز تصرف الفضولي فإن تصرف الفضولي يكون صحيحاً منذ إبرامه، كما لو ان الوكالة كانت قد صدرت له من الأصيل قبل قيامه بالتصرف لحساب الأصيل، وهذا المفهوم صحيح فيما يتعلق بكافة التصرفات بإستثناء التوكيل بالخصومة ، فهذه القاعدة لا تسري بالنسبة للتوكيل في الخصومة، فإذا لم يكن هناك توكيل سابق بالخصومة، فلا مجال للقول بأن الاجازة اللاحقة كالاذن السابق، لان التوكيل بالخصومة متصل بصفة الخصم عندما يكون وكيلاً، فعندئذ يجب ان تكون صفة الوكيل بالخصومة متوفرة قبل رفع الدعوى، لان الصفة من شروط قبول الدعوى، فالصفة والمصلحة يجب ان تتحقق قبل رفع الدعوى، وفي هذا المعنى نصت المادة (74) مرافعات على أنه: (لا يتنصب أحداً خصماً عن غيره بصفته ممثلاً له في الدعاوى التي تقام إلا بوكالة أو ولاية أو وصاية) فيجب ان تكون الصفة متحققة قبل رفع الدعوى او الطعن، فلا تقبل الدعوى، لان شرط الصفة من شروط قبولها، فالصفة والمصلحة من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته، وفي هذا المعنى نصت المادة (76) مرافعات على أن: (تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى أو الطلب أو الدفع إذا تبينت ولو من تلقاء نفسها ان لا صفة أو مصلحة فيها في أي مرحلة من مراحل الدعوى) وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق فأنه لا مجال لتطبيق قاعدة (الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة) بالنسبة للتوكيل بالخصومة، أما إذا كان هناك توكيل سابق غير مستوفيا إجراءاته فإن قبول الأصيل بالحكم دليل على اجازته لذلك التوكيل المعيب، وفي القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان هناك توكيل معيب، ولذلك فقد اعتبر الحكم محل تعليقنا قبول الأصيل بحكم التحكيم الذي مثله فيه وكيل لم يستوف إجراءات الوكالة اعتبر الحكم ذلك اجازة لوكيله، واعتبر الحكم هذا القبول من الأصيل تصحيحاً للوكالة التي كانت معيبة ببعض العيوب، أما لو لم يوجد تفويض أصلاً فلن يصحح ذلك القبول بالحكم، فالإجازة الصحيحة لا ترد إلا على توكيل كان موجودا، أما إذا لم يكن موجوداً فلا تصححه الإجازة اللاحقة.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: مدى جواز تمسك الخصم بعدم صحة التوكيل الصادر لخصمه:*
➖➖➖➖➖
*▪️نص قانون المرافعات على أنه: لا يجوز للخصم نفسه ان يتمسك بالبطلان إذا كان هو الذي تسبب بحدوثه، وكذا نص قانون المرافعات على أنه: لا يجوز التمسك بالبطلان إلا ممن شرط البطلان لمصلحته حسبما نصت المادة (55) مرافعات، وعلى هذا الأساس يجوز للخصم في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ان يتمسك بالبطلان الذي شاب التوكيل الصادر من خصمه لو كان البطلان متعلقا بالنظام العام ، إلا أن البطلان الذي شاب التوكيل لم يكن جوهرياً ولم يكن متعلقاً بالنظام العام، ولذلك فقد رفض الحكم محل تعليقنا تمسك الخصم بالبطلان الذي شاب التوكيل الصادر من خصمه، والله اعلم.*