تنفيذ جزء من حكم التحكيم قبول به
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدينا
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
قيام المحتكم بتنفيذ فقرة من حكم التحكيم يعد قبولاً بحكم التحكيم يمنع قبول دعواه ببطلان حكم التحكيم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 20-2-2013م في الطعن رقم (50308)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فقد تبين أن الشعبة المدنية قد توصلت إلى أن الطاعن قد نفذ الفقرة الأولى من حكم التحكيم وذلك من خلال إقرار المدعى عليه بالبطلان المطعون ضده حالياً بإستلامه ثمن أربع لبن من الطاعن وأنه لم يبق سوى تنفيذ الفقرة الأخيرة وهذا ما أكده المحكمان، وحيث أن تنفيذ الطاعن لفقرة من حكم التحكيم يعد قبولاً من الطاعن فيما قضى به في الفقرة الأخرى يترتب عليه عدم جواز الطعن عليه لقبوله بحكم التحكيم وتنفيذ جزء منه وفقاً للمادة (273) من قانون المرافعات))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :
قضى الحكم محل تعليقنا بأن تنفيذ جزء من الشئ المحكوم به في حكم التحكيم يمنع من تقديم دعوى بطلان حكم التحكيم، لان تنفيذ بعض حكم التحكيم يعد قبولاً من المحتكم بحكم التحكيم فلايجوز بعد ذلك للمحتكم ان يتقدم بدعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف، فيسري على حكم التحكيم في هذه الحالة مايسري على الحكم الذي يصدره ، وفي هذه الحالة فقد نصت المادة (273) من قانون المرافعات على أنه( لا يجوز أن يطعن في الأحكام إلا المحكوم عليهم ولا يجوز أن يطعن فيها من قبـل الحكم صراحة في محضر الجلسة أو في جلسة لا حقة أو ممن قام بتنفيذ الحكم من تلقاء نفسه خلال مدة الطعن ولا ممن حُكم له بكل طلباته.).
الوجه الثاني : ماهية القبول بالحكم :
القبول في اللغة هو الرضاء والتصديق، فيقال : قبل الشيء قبولا أي رضي به، و يقال : قبل فلان الخبر أي صدقه، وعلى هذا الأساس فإن القبول بالحكم رضاء المحكوم عليه بالحكم وعزوفه عن الطعن فيه ، فالقبول بالحكم نزول عن الطعن فيه كحق إجرائي، والقبول ينبغي أن يصدر من المحكوم عليه بينما النزول عن الحكم وهو نزول عن الحق الثابت به ـ لا يصدر إلا من المحكوم له باعتباره صاحب هذا الحق، كما أن القبول بالحكم يختلف عن النزول عن الطعن – المرفوع فعلا – وترك المرافعة فيه.
فقبول الحكم تصرف قانونى من جانب واحد، ولا يشترط فيه شكل خاص ، وباعتباره تصرفا قانونيا فلابد فيه من إرادة تصدر عن القابل تفيد النزول عن الحق في الطعن باعتباره سلطة منحها القانون للمحكوم عليه، ولابد أن تكون هذه الإرادة خالية من العيوب، فيجب ألا يشوبها غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال وإلا كان القبول قابلا للإبطال، كما يجب أن تصدر هذه الإرادة من ذي أهلية وتكفى فى هذا الشأن أهلية التصرف، كذلك يلزم أن يكون للقبول – كأي تصرف قانونى – محل يرد عليه ومحل القبول يتحدد بالحكم المطعون فيه دون سواه، وينبغي أن يكون للقبول سبب أي باعث دافع إليه ، فإن كان هذا الباعث مشروعا صح القبول وإلا وقع باطلا، وبإعتبار القبول بالحكم تصرفا بإرادة منفردة أي من جانب واحد هو المحكوم عليه فإنه لا يعلق على قبول المحكوم له، وباعتباره تصرفا رضائيا فلا يشترط فيه القانون شكلا خاصا، إذ يكفى لوقوعه أي مظهر من مظاهر التعبير عن الإرادة باتخاذ مسلك لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على إرادة قبول الحكم والتخلي عن الحق فى الطعن فيه، ويتساوى فى هذا المسلك أن يكون القبول قولا أو فعلا أو أمرا جری به عرف، طالما كان القبول قاطعا فى دلالته على تلك الإرادة دون لبس أو غموض ، إذ ليس لذلك حد مقرر في القانون .( القبول المانع من الطعن في الحكم القضائي، عبد العزيز حسين العمار ص2).
فقبول المحكوم عليه بالحكم المسقط لحقه في الطعن في الحكم: هو القبول الصريح بالحكم كتشريف الحكم والإلتزام بتنفيذه، أو القبول الضمني كتنفيذ بعض فقرات الحكم، والقبول كتصرف صادر من المحكوم عليه ينبغي ان تتوفر فيه الشروط الشرعية والقانونية المعتبرة في التصرف ، ومن أهم هذه الشروط رضاء القابل، أي أن يصدر القبول أو الموافقة من المحكوم عليه على الحكم برضاء وإختيار المحكوم عليه.
الوجه الثالث : القبول الصريح والضمني بالحكم :
الأصل في القبول أن يكون صريحا لا يفترض، بيد أنه ليس هناك مانع في القانون من أن يكون القبول ضمنيا، والأصل في القبول أن يكون لاحقا على صدور الحكم المطعون فيه إلا أن هناك حالات يصح فيها القبول السابق على صدور الحكم حسبما سيأتي بيانه ، والغالب أن يكون القبول منجزا إلا أنه يصح أيضا في حالة تعليقه على شرط، وكما يكون القبول كليا فقد يكون جزئيا، وبيان ذلك كما يأتي :
اولا : القبول الصريح بالحكم :
يقع القبول الصريح بالحكم بالقول أو الكتابة إذا دل أي منهما صراحة على الرضاء بالحكم وعلى العزوف عن الطعن فيه . ولا يشترط في الكتابة أن تفرغ في ورقة رسمية أو في شكل خاص، ويعد تشريف الحكم في اليمن قبول صريح بالحكم والتزام من المحكوم عليه المشرف بتنفيذ الحكم.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض المصرية بأنه( إذا كان الظاهر من المكاتبات المتبادلة بين المحكوم له والمحكوم عليه أن هذا الأخير قد أذعن لتنفيذ الحكم الصادر ضده، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه فاعتبر توفية المبالغ المحكوم بها تسوية نهائية للنزاع ، فهذا منه يدل على قبول الحكم ، ولا يكون له من بعد ذلك حق الطعن في الحكم بطريق النقض) نقض ١٢ / ١١ / ١٩٤٢ – مجموعة الخمسة وعشرين عاما بند ٢٦٣ ص ٥٧٤(.
كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه( إذا كان الثابت من المكاتيب المتبادلة بين المحكوم له والمحكوم عليه أن المحكوم عليه استمهل المحكوم له ورجاه في عدم اتخاذ إجراءات جبرية ضده ثم قام بتسديد المبلغ المحكوم عليه به كله على دفعات واستلم صورة الحكم التنفيذية مؤشرا عليها من المحكوم له بالتخالص، وأعطاه إيصالا باستلامها قرر فيه أنه دفع كل المبلغ المحكوم به من أصل وفائدة ومصاريف دون تحفظ، فذلك يدل على أن المحكوم عليه قد قبل الحكم الصادر ضده قبولا نهائيا ونفذه راضيا به وهذا القبول يمنعه من الطعن في هذا الحكم بطريق النقض) تقض ۱۹٣٥/١١/٧ – المجموعة السابقة – بند ٢٦٩ ص ٥٧٥
وكذا قضت محكمة النقض بأنه( إذا استأنف الخصم الحكم الصادر عليه وطلب إلغاءه بالنسبة لجزء منه وتأييده فيما عداه، ثم عدل عن موقفه فعمل على تنفيذ الحكم وطلب فى مذكرته الختامية تأييده بلا قيد ولا تحفظ وقضت المحكمة بالتأييد فلا يقبل من هذا الخصم طعنه في الحكم بطريق النقض) نقض ١٩٤٦/١٠/٣١ – المجموعة السابقة – بند ٢٦٤ ).( القبول المانع من الطعن في الحكم القضائي، عبد العزيز حسين عمار المحامي، ص11).
ثانياً : القبول الضمني بالحكم :
قبول الحكم لا يفترض ولا يؤخذ فيه بالظن ومن ثم فإنه عند الشك لا يكون هناك محل لتفسير إرادة المحكوم عليه بأنه قصد القبول ، وقضاء النقض مستقر على أنه أنه يشترط في القبول المانع من الطعن أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه به بما لايدع شكا أو تأويلا ولا يؤخذ بالظن.
والقبول الضمني يستفاد من كل قول أو فعل أو إجراء يدل دلالة واضحة على الرضاء بالحكم وترك الحق في الطعن فيه.
الوجه الرابع : متى يكون تنفيذ الحكم قبولا به؟ :
إلزام المحكوم عليه بتنفيذ الحكم يتنافى مع مفهوم القبول بالحكم
سبق القول أن القبول المعتبر من المحكوم عليه بالحكم هو الذي يصدر من المحكوم عليه بمحض إرادته وإختياره، وعلى هذا الأساس فإن إلزام المحكوم عليه بتنفيذ الحكم يتنافى مع ركن الرضا وبناءً على ذلك فإن إلزام المحكوم عليه بدفع الغرامة المحكوم بها لا يعد قبولاً أو موافقة من المحكوم عليه بتنفيذ الحكم، وتبعاً لذلك فإن هذا الإلزام لا يسقط حق المحكوم عليه بالطعن في الحكم، وتأسيسا على ذلك فإن التنفيذ الجبري لايدل على قبول المحكوم عليه بالحكم.
فيجب أن يكون القبول بالحكم صادرا من المحكوم عليه عن اختيار لا عن إلزام، وبالتالي فإنه لا يعتبر قبولا للحكم طبقا لما قضت به محكمة النقض : ( الإذعان لتنفيذ الأحكام الانتهائية لأنها واجبة التنفيذ بحكم القانون ولا الأحكام الابتدائية المشمولة بالنفاذ المعجل ، ولا التنازل عن طلب وقف التنفيذ.، وكذا لا يسقط حق المحكوم عليه في الطعن اذا قام بتنفيذ الأحكام غير المعجلة متى صرح المحكوم عليه عند تنفيذها بأنه متمسك بحقه في الطعن فيها ،( القبول المانع من الطعن في الحكم القضائي، عبد العزيز حسين عمار المحامي ص3).
الوجه الخامس : القبول بالحكم قبل صدوره :
ذهب رأى فى الفقه إلى أن القبول الصادر قبل صدور الحكم لا ينتج أثرا ولا يعتد به باعتبار أن القبول يعنى النزول عن الحق فى الطعن، وهذا الحق لا ينشأ إلا بعد صدور الحكم، فضلا عن أن حق الطعن يتعلق بالنظام العام، لأنه يعتبر من قبيل تنظيم الخصومة ومن ثم فإنه يخرج عن نطاق إرادة الخصوم، علاوة على أن الخصم لا يقدر توفر أو انعدام مصلحته فى الطعن على الحكم الصادر ضده إلا بعد صدوره، في حين ذهب رأى آخر إلى إمكان قبول الحكم قبل صدوره على سند من أن حق الطعن لا يتعلق بالنظام العام، وذهب فريق ثالث إلى التمييز بين القبول السابق المستفاد من صدور الحكم موافقا الطلبات الخصم، فاعتد به وأعمل أثره – وبين القبول المستفاد من اتفاق طرفي الخصومة على تنازل كل منهما مقدما عن الطعن في الحكم الذي يصدر فيها ، وقال إن مثل هذا الاتفاق يخالف النظام العام لأن حق الالتجاء إلى القضاء ومن باب أولى حق مباشرة الدعوى حق عام لا يجوز النزول عنه ولا يعتد بهذا النزول لأنه مخالف للنظام العام، فضلا عن أن النزول مقدما عن الطعن في الحكم بطرق الطعن المقررة هو نزول عن الوسيلة التي بمقتضاها يحمى الخصم حقه، وهذا لا يجوز لأنه لا يؤمن معه الاعتساف ، وفيه اعتداء على قواعد نظام القضاء ودرجاته التي يقصد بها استكمال حماية حقوق الأشخاص .
فالدعوى ليست هي سلطة الالتجاء إلى القضاء لحماية الحق فحسب وإنما هي سلطة الالتجاء إليه واستنفاذ جميع الوسائل المقررة قانونا لحمايته.( دكتور احمد ابو الوفا – المرافعات المدنية والتجارية – الطبعة ۱۲ ص ۷۰۷).
وقضاء محكمة النقض مستقر على أنه وإن كان الأصل في القبول المانع من الطعن أن يتم بعد صدور الحكم ، إلا أن قبول الحكم قد يكون سابقا على صدوره كما لو صدر موافقا لطلبات الخصم فيمنعه ذلك من الطعن فيه.( نقض ١٩٨٤/٢/٨ –الطعن ۱۲۲۸ لسنة ٥٠ ق /نقض ۱۹۷۷/۱۲/۲۱ – مجموعة المكتب الفني – السنة ٢٨ ص ١٨٥٩(.
ويري المستشار محمد وليد الجارحي – نائب رئيس محكمة النقض المصرية :
إنه وإن كان حق الطعن في الأحكام لا يتعلق بالنظام العام باعتبار أنه حق شخصي إرادى منحه القانون لشخص في مركز إجرائي معين هو من يحاج بالحكم – في مواجهة شخص أخر هو من يحتج بهذا الحكم دفاعا عن مصالحه هو لا عن مصلحة القانون. ولم يوجب عليه استعماله أو استنفاذ جميع الوسائل المقررة لحمايته
ومن ثم يكون له أن يستعمل ذلك الحق كما يجوز له أن يحجم عن استعماله، وإذا استعمله فليس هناك كقاعدة عامة – مانع يمنعه من عدم الاستمرار فيه، وهو من هذه الناحية يختلف عن حق الالتجاء إلى القضاء باعتباره من الحقوق العامة التي كفلها الدستور للكافة والذى لا تجوز مصادرته ولا النزول عنه – إلا أنه لما كان الأصل أن النزول عن الحق لا يكون له محل إلا بعد نشوء الحق ذاته، وإذ سلف القول بأن الحق في الطعن كحق إجرائي لا ينشأ إلا بعد صدور الحكم ، فإن النزول عنه قبل ذلك يكون واردا على غير محل ومن ثم لا ينتج أثرا .
ولا ينال من هذا الرأى ما نصت عليه المادة ۲/۲۱۹ من قانون المرافعات من جواز الاتفاق – ولو قبل رفع الدعوى – على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائيا ، فهذا استثناء من مبدأ التقاضي على درجتين والقاعدة أن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره لأنه على خلاف الأصل وإنما يتم إعماله فى حدود الضرورة التي دعت إليه .
كذلك فإن صدور الحكم موافقا لطلبات الخصم لا يعتبر قبولا للحكم مانعا من الطعن فيه – كما قالت محكمة النقض – وإنما مرد عدم القبول في هذه الحالة هو انتفاء مصلحة الطاعن بصدور الحكم محققا المقصودة.
الوجه السادس : هل طلب اليمين الحاسمة يعد قبولا بالحكم الذي سيصدر بناء عليها؟ :
المقرر في قضاء النقض أن الحكم الصادر بناء على حلف اليمين الحاسمة أو النكول عنها يكتسب قوة الأمر المقضى، فلا يجوز الطعن فيه، فالأمر في هذه المسألة مختلف عن مسألة القبول المانع من الطعن في الحكم وإنما هو إعمال لما نصت عليه المادة ۱۱۸ من قانون الإثبات من أن ( كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه ، وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه )
فلا يصح القول بأن طلب توجيه اليمين يعتبر قبولا سابقا على الحكم الذي سيصدر بناء عليها وإنما لايجوز له الطعن في الحكم لطبيعة اليمين الحاسمة والاثر المترتب على حلفها، حيث يترتب عليها أن يمتنع على من وجه اليمن الطعن في الحكم الذي صدر استنادا لها ليس هذا فحسب بل ان اليمين الحاسمة تبطل كل أدلة طالبها السابقة واللاحقة، لأن هذا هو مقتضى اليمين الحاسمة التي احتكم فيها الخصم إلى ضمير وديانة خصمه وعدل عن التمسك بادلته .
الوجه السابع : القبول بالحكم المعلق على شرط:
كما يكون قبول الحكم منجزا فإنه يصح ان يكون معلقا على شرط غير محقق الوقوع ولا مخالفة فيه للنظام العام أو الآداب، فإذا علق القبول على شرط مستحيل الوقوع كان باطلا ولا ينتح أثرا ، وإذا علق على شيء موجود فعلا كان قبولا منجزا يسقط الحق في الطعن على نحو بات، ولا يجوز العدول عنه ، أما إذا علق القبول على شيء أو أمر مستقبل فإن الحق في الطعن لا يسقط إلا إذا تحقق هذا الأمر.
الوجه الثامن : القبول الكلى والقبول الجزئي بالحكم :
إذا تعددت أجزاء الحكم فإنه يجوز للمحكوم عليه أن يطعن فيها جميعا، كما يجوز له أن يقصر طعنه على بعضها دون البعض الآخر ويعتبر عدم طعنه فيها قبولا لها ما لم يثبت أن هناك ارتباطا وثيقا بين أجزاء الحكم جميعا بحيث يكون بعضها مؤسسا على البعض الآخر فقبول جزء منها في هذه الحالة يمتد أثره إلى الجزء الآخر
في هذا المعنى دكتور احمد ابو الوفا – نظرية الاحكام – بند ٣٦٨ ص ٦٦٠
الوجه التاسع : ممن يصح القبول بالحكم؟ :
ينبغي أن يكون قبول الحكم ممن خوله القانون سلطة الطعن فيه سواء أكان هو المحكوم عليه أو المقضى برفض بعض طلباته مادامت له أهلية التصرف، فإذا لم تتوفر فيه هذه الأهلية فإن القبول يصح ممن ينوب عنه نيابة قانونية أو قضائية أو اتفاقية بشرط أن يكون مفوضا تقويضا خاصا في قبول الأحكام، إذ لا يصح النزول عن الحق ـ طبقا لقانون المرافعات – بغير تفويض خاص، ومن ثم فقد قضت محكمة النقض بأن قبول الأحكام الصادرة ضد الدولة منوط بالوزير المختص أو من يفوضه في ذلك تفويضا خاصا وبالتالي فإنه لا يعتد بقبول المحافظ أو وكيل الوزارة للحكم الصادر ضدها ما لم يكن لديه هذا التفويض
الخاص( طعن ٥/١١/ ۱۹۷۸ – الطعن ٥٠٨ لسنة ٤٥ ق).
ويدق الأمر في الحالات التي يتعدد فيها المفوضون تفويضا خاصا وتكون لكل منهم تلك السلطة على سبيل الانفراد فيقبل واحد الحكم ويطعن فيه آخر والذي تراه أنه إذا كان القبول سابقا على الطعن فإنه يكون مانعا منه وإذا كان لاحقا على رفع الطعن فإنه يكون نزولا عن خصومة الطعن ذاتها وتسرى عليه أحكام الترك.
الوجه العاشر: أثر القبول المانع من الطعن:
متى صدر القبول صحيحا فإنه يكون باتا لا يجوز الرجوع فيه، لأنه ينطوي على إسقاط للحق فى الطعن، والقاعدة أن الساقط لا يعود، فيكون للمطعون ضده والنيابة العامة الدفع بعدم قبول الطعن، كما يكون لمحكمة الطعن أن تقضى بذلك من تلقاء نفسها باعتبار أن هذا الدفع من النظام العام، وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الدفع مطروحا على محكمة الاستئناف فإن تقدير القبول المانع من الطعن يعتبر من أمور الواقع الداخلة في سلطتها كمحكمة موضوع متى كان حكمها في هذا الشأن مبنيا على أسباب سائغة – ومستمدا من أصل ثابت في الأوراق ومؤديا إلى النتيجة التي خلصت إليها.
الوجه الحادي عشر : نسبية أثر القبول بالحكم :
للقبول اثر نسبى سواء بالنسبة للخصوم أو بالنسبة لما يرد عليه هذا القبول، أما بالنسبة للخصوم فإنه لا ينتج أثرا إلا فيما يتعلق بمن قبل الحكم منهم ومن صدر لمصلحته هذا القبول ولو تساوت مراكزهم القانونية وأما بالنسبة لمحل القبول فهو لا ينتج أثرا إلا فيما يتعلق بالحكم المقبول وحده أو بجزء الحكم الذي تم قبوله منه إذا كان متعدد الأجزاء دون غيره من الأجزاء الأخرى، وفي هذا الشأن فقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد أنه :متى كانت الزوجة قد قررت بالطعن بالنقض في الحكم الصادر برفض دعوى رفعتها للمطالبة بميراثها عن زوجها قبل صدور حكمين برفض دعويين آخرين كانت قد رفعتهما للمطالبة بالنفقة وبمؤخر الصداق ولم يصدر منها بعد تقريرها بالطعن ما يمكن اعتباره تنازلا صريحا منها عن هذا الطعن يؤثر على قيامه أو يسقط حقها في الاستمرار فيه – فإنه لا اعتداد بالقول بأن قبول الطاعنة لحكمي رفض مؤخر الصداق والنفقة يجعل الطعن غير جائز لأن هذا القبول قاصر على هذين الحكمين لا يتعداهما ولا ينسحب أثره إلى الحكم المطعون فيه،) نقض ١٩٥٨/٦/١٩ – مجموعة الخمس سنوات – بند ٢٥١ ص ٣٦٢).
الوجه الثاني عشر :قبول الحكم الباطل او المبنى على إجراء باطل ذكرنا فيما سبق أن ذكرنا ان التحقق من استيفاء الطعن أوضاعه الشكلية أمر سابق على البحث في موضوع الطعن، كما ذكرنا إن الحكم الباطل والحكم المبني على إجراء باطل يظل منتجا لأثاره القانونية إلى أن يقضى ببطلانه فيزول ويعتبر كأن لم يكن، فهو من وجهة نظر القانون صحيح إلى أن يكشف عن بطلانه .
وترتيبا على ذلك فإن عدم استيفاء الطعن أوضاعه الشكلية ومنها ألا يكون الطاعن قد قبل الحكم المطعون فيه – مانع من التطرق إلى موضوع الطعن،ومن ثم فإن قبول الحكم المانع من الطعن فيه يعتد به وينتج أثره رغم وقوع ذلك البطلان هذا هو حكم القاعدة العامة التي التزمتها وهى فقط – بالقبول السابق على صدور الحكم والأمر يصدق أيضا في الحالة المنصوص عليها في المادة ۲/۲۱۹ من قانون المرافعات المصري حيث يجوز الاتفاق – ولو قبل رفع الدعوى – على أن يكون حكم محكمة الدرجة الأولى انتهائيا وذلك لاتحاد العلة وهي كون التحقق من شروط قبول الطعن سابق فى الترتيب على البحث في موضوعه، غاية ما في الأمر أنه إذا دفع الطاعن بأن رضاه بالحكم المطعون فيه عند صدور القبول كان معيبا بعيب من العيوب التى أسلفنا ذكرها ، فإن ذلك يوجب على محكمة الطعن أن تحقق هذا الدفع بلوغا إلى وجه الحق فيه، فإذا تبين لها صحته فإن قبول الحكم يكون باطلا ولا ينتج أثرا، ويصار عندئذ إلى البحث في مسألة البطلان المدعى به إذا كان الطعن قد استوفى باقى أوضاعه الشكلية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن قبول الحكم إعلان من القابل عن رغبته في وضع حد للنزاع الدائر بينه وبين خصمه، فإذا رأى أن له مصلحة في هذا القبول فلا أهمية لما إذا كان الحكم صحيحا أم باطلا ما دام البطلان غير متعلق بالنظام العام .
ومن ثم فإن التذرع بمثل هذا البطلان لا يعدو – في حقيقة الأمر – أن يكون تنصلا من قبول الحكم ، وسعيا من الطاعن في نقض ما تم من جهته ، والقاعدة أن من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه
الوجه الثالث عشر : قبول الحكم الذي يتردى في خطأ مادى:
سبق القول بإن: النعي على الحكم ترديه في خطأ مادى لا يصلح سببا للطعن على هذا الحكم بطريق النقض ، وإنما تتولى المحكمة التي أصدرته – طبقا للمادة لقانون المرافعات – تصحيح ما يقع فى حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب أحد الخصوم، ومن ثم فإن قبول مثل هذا الحكم يعتد به وينتج أثره متى صدر صحيحا ولو لم يلجأ القابل إلى المحكمة التي أصدرته ، ويطلب إليها تصحيح ما وقع في حكمها من أخطاء مادية
الوجه الرابع عشر : قبول الحكم عند تعدد المحكوم عليهم :
إذا تعدد المحكوم عليهم بحكم صدر في موضوع غير قابل للتجزئة أو في دعوى يوجب القانون فيها اختصام اشخاص معينين فيجوز لمن قبل الحكم أن يطعن في اثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من أحد زملائه منضما إليه في طلباته ، فإذا لم يفعل أمرت المحكمة الطاعن باختصامه في الطعن، ومؤدى هذا أنه يجوز لمن قبل الحكم من المحكوم عليهم المتعددين في الحالات الثلاث السالف ذكرها أن يعدل عن قبوله ويطعن في الحكم الذي سبق له قبوله طعنا انضماميا ينضم به إلى من أقام طعنا صحيحا من زملائه الذين تتساوى مراكزهم القانونية مع مركزه في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه حتى لا تكون هناك أحكام متعارضة في المسألة الواحدة بعينها والتي لا تحتمل إلا حلا واحدا، ويتساوى في هذا الصدد أن يكون من سبق له قبول الحكم قد تدخل فى الطعن الصحيح المرفوع من غيره من المحكوم عليهم مثله ، أو أدخل في هذا الطعن ولكن ليس له أن يقيم طعنا أصليا تكون له فيه طلبات مغايرة لطلبات راقع الطعن الذي استوفي شرائطه الشكلية.
الوجه الخامس عشر : حالات لا يعتد فيها بقبول الحكم فلا يعتبر مانعا من الطعن فيه في هذه الحالات :
ويمكن حصر الحالات التي لا ينتج فيها القبول الصحيح اثرا في خمس هي
(۱) المسائل المتعلقة بالنظام العام :
القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام ما يقع مخالفا لهذه القواعد لا تصححه إجازة ولا يرد عليه قبول ومن ثم فان الرضاء بالحكم – ولو وقع صحيحا – لا ينتج أثرا إذا خلاف مقتضيات النظام العام وهي كثيرة وذلك لأن هذه المقتضيات تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة تعلو في المرتبة على مصالح الأفراد فلا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات بينهم أو بإقرارات أو إسقاطات تصدر منهم
وقد قضت محكمة النقض لهذا الخصوص بان: قانون التأمينات الاجتماعية هو وحده الذي ينظم حالات المستحقين للمعاش ومدى استحقاقهم فيه باعتبار ان أحكام القانون في هذا الخصوص تتعلق بالنظام العام ، فلا يصح لن يجرى اتفاق بشأنها وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم قبول استئناف الطاعنة (هيئة التأمينات ). بمقولة أن ما قرره وكيلها أمام محكمة أول درجة من أنها لا تمانع في تسوية مستحقات المطعون ضده حسب الحكم الذي صدر في الدعوي يعتبر قبولا للحكم يمنع من الطعن فيه وفقا للمادة ۲۱۱ مرافعات، وصادر بذلك حق المستأنفة في الاستئناف فإنه يكون قد خالف القانون). نقض ١٩٨٠/١٢/١٤ – الطعن ١٥٣٣ لسنة ٤٩ ق.
۲ – طعن النائب العام لمصلحة القانون :
نظام الطعن من النائب العام المنصوص عليه في المادة ٢٥٠ من قانون التي قصمت يستهدف مصلحة عليا هي مصلحة القانون ، ويرمى إلى مواجهة صعوبات تعرض في العمل وتؤدى إلى تعارض أحكام القضاء في المسألة القانونية الواحدة. وإلى تطبيق المبادئ القانونية الصحيحة على أساس سليم حتى تتوحد أحكام القضاء فيها.
فالخصم الحقيقي في هذا الطعن هو الحكم المطعون فيه ذاته، ومن ثم فقد تنص التشريع على أن تنظر المحكمة الطعن في غرفة المشورة بغير دعوة الخصوم وعلى الا يفيد منه الخصوم .
وترتيبا على ذلك فإنه لا يجوز لمحكمة النقض أن تقضى بعدم قبول الطعن بدعوى أن المحكوم عليه قبل الحكم المطعون فيه لأن مثل هذا القبول معدوم الأثر قانونا وانيقة ملك ما جاء في نص المادة ٢/٢٥٠ مرافعات مصري من إجازة طعن النائب العام في الأحكام التي نزل فيها الخصوم عن الطعن
(۳) الاستئناف الفرعي
تنص المادة ٢٢٧ من قانون المرافعات المصري على أن :
( يجوز للمستأنف عليه إلى منا الكبير إقفال باب المرافعة أن يرفع استئنافا مقابلا بالإجراءات المعتادة أو بمذكرة مشتملة علي أسباب استئنافه فإذا رفع الاستئناف المقابل بعد مضى ميعاد الاستئناف أو بعد قبول الحكم قبل رفع الاستئناف الأصلي اعتبر استئنافا فرعيا يتبع الاستئناف الأصلى ويزول بزواله )
و مؤدى هذا النص – في خصوص القبول المانع من الطعن في الحكم – أن المشرع افترض – في الحالات التى يكون فيها الحكم مشتملا على قضاء لصالح كل من الخصمين وآخر ضده – أن قبول أي منهما للحكم فيما قضى به ضده يكون معلقا على قبول خصمه للحكم فيما قضى به عليه أيضا
بمعنى أنه قبول معلق على شرط رضاء الطرف الآخر بالحكم فإذا تخلف هذا الشرط انعدم القبول وجاز للقابل – إذا ما صدر قبوله قبل رفع طعن خصمه – أن يرفع استئنافا فرعيا دون أن يحاج بقبوله السابق ، أما إذا كان هذا القبول قد صدر منه بعد رفع الاستئناف الأصلي فإنه يكون مانعا من الطعن في الحكم بطريق الاستئناف
وقد ذهب رأى فى الفقه إلى تسرية حكم المادة ۲۳۷ مرافعات مصري على الطعن بالنقض لاتحاد العلة حيث يرى الفقيهان حامد , محمد حامد فهمى أنه :لا يمنع من إجراء هذا القياس ما جاء بالمذكرة الإيضاحية من أن المشرع لم ينص على النقض الفرعي ، إذ رأى انه ليس من المرغوب فيه أن تسهل للخصم الذي لم ير لزوما للطعن في الحكم من تلقاء نفسه طريقة الطعن فيه بمناسبة طعن غيره ، فإذا كان لذلك الخصم أسباب شخصية تحمله على الطعن في الحكم الاستئنافي فليرفع عنه نقضا بصفة اصلية، وهذا الطعن يضم بالضرورة إلى الطعن الأول جمعا لكل الإجراءات التي تنشأ عن قضية معينة وتوحيدا لها ، ويفصل فيه في الوقت الذي يفصل فيه الطعن الأول لا يمنعنا هذا الذي جاء في هذه المذكرة من القول بجواز الطعن في الحكم من الخصم الذي قبله متى رفع خصمه طعنه فيه، لأن الذى قصده الشارع إنما هو إبداء الخصم طعنه الفرعي بالجلسة أو بالمذكرات التي يقدمها كما يبدى الاستئناف الفرعي بنحو ذلك .
أما رفع الطعن الفرعي بمثل ما يرفع به الطعن الأصلى من التقرير به فى قلم الكتاب فلا يمنعه سبق قبول الحكم ، لأن هذا القبول مفروض تعليقه على قبول الخصم الآخر، فإن لم يقبل بطل التعليق ، وعاد القابل إلى اصل حقه في الطعن حتى بعد انقضاء الميعاد ، وذلك قياساً على ما هو مقرر في هذا الشأن في باب الاستئناف واعتبارا بأن تفويت الميعاد هو من قبيل الرضا بالحكم فيجب افتراض تعليقه على قبول الخصم الآخر .
اما المستشار محمد وليد الجارحي نائب رئيس محكمة النقض المصرية فهو لا يجزم بصحة هذا الرأى لقوله أن هذه استثناءات لا يجوز القياس عليها ولا التوسع في تفسيرها لما هو مقرر في قضاء محكمة النقض من أن الطعن الفرعي بالنقض أصبح غير جائز بعد إلغاء الرخصة التي كانت المادة ١٢ من القانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض يجيز للمطعون ضده أن يتمسك فى مذكرة دفاعه بالدفوع التي سبق له ابداؤها أمام محكمة الموضوع و قضت برفضها.
(٤) استئناف الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية :
استقر قضاء محكمة النقض على أن استئناف الأحكام الصادرة في قضايا الأحوال الشخصية التي كانت من اختصاص المحاكم الشرعية يخضع في إجراءاته المواد الخاصة به الواردة في المرسوم بقانون رقم ٧٨ لسنة ۱۹٣١ بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية اعتبارا بأنها الأصل الأصيل الذى يجب التزامه فيتعين الرجوع إليه في التعرف على أموال استئناف هذه الأحكام وضوابطه وإجراءاته، ورتبت المحكمة على ذلك أن قبول الأحكام الصادرة فى تلك القضايا من المحاكم الابتدائية لا يمنع من الطعن فيها بطريق الاستئناف لخلو اللائحة الشرعية من نص مماثل لنص المادة ۲۱۱ من قانون المرافعات المصري، ولأن نص المادتين ٢٠٤ ، ٣٠٨ / ١ من اللائحة يدل على أن المشرع أطلق حق المحكوم عليه في استئناف كل حكم أو قرار إلا ما استثنى بنص صريح ولم يجعل قبول الخصم للحكم قبل صدوره – كما أو سلم بطلبات خصمه أو أقر بالحق المرفوعة به الدعوى – مانعا له من الطعن عليه بالاستئناف). نقض ۱۹۸۲/۲/۲۳ – الطعن ۲ لسنة ٥١ ق . ونقض ١٩٨٤/٤/١٠ – الطعن ٣١ لسنة ٥٣ ق – أحوال شخصية).
وقد ساير رأى فى الفقه هذا الذى ذهبت إليه محكمة النقض فى حين خالفه رأى اخر ذهب إلى أن قبول الحكم الصادر فى مسألة من مسائل الأحوال الشخصية مانع من الطعن فيه بالاستئناف.
ويميل المستشار الجارحي نائب رئيس محكمة النقض إلى هذا الرأى الأخير
ذلك أن خلو اللائحة الشرعية من نص مماثل لنص المادة ۲۱۱ من قانون المرافعات وإطلاق حق المحكوم عليه في استئناف كل حكم أو قرار يصدر ضده لا يحول دون إعمال أصل عام مقرر هو أن الساقط لا يعود ، والقبول البات الصحيح إسقاط للحق في الطعن منتج لأثره في جميع الحالات عدا تلك التي يستثنيها المشرع بنص خاص فعندئذ فقط يجوز للساقط أن يعود ، ونص المادة ۲۱۱ من قانون المرافعات جرى بإعمال ذلك الأصل العام، بينما أوردت المادتان ۲/۲۱۹ ، ۲۳۷ منه استثنائيين عليه
فقد أجاز قانون تنظيم بعض اوضاع واجراءات التقاضي فى مسائل الاحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة ٢٠٠٠ الطعن بالاستئناف و بالتماس إعادة النظر فى الأحكام والقرارات الصادرة في مسائل الاحوال الشخصية ، ونص على اتباع القواعد والإجراءات المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية فيما لم ومن ثم زال الخلاف في هذه المسالة .
(٥) التماس إعادة النظر :
الرأي السائد فى الفقه أن قبول الحكم لا يمنع من الطعن فيه بالتماس إعادة النظر إذا تكشف سبب الالتماس بعد صدور الحكم بشرط ألا يكون الملتمس عالما بهذا السبب وإلا أنتج القبول أثره في منع الطعن .
ويري المستشار الجارحي أن القبول فى مثل هذه الحالة لا يكون خاليا من العيوب ومن ثم يقع باطلا ولا يعتد به.( القبول المانع من الطعن، عبد العزيز حسين عمار ص١٣).
الوجه السادس عشر : القبول المانع من الحكم في قضاء محكمة النقض المصرية :
هناك عدة مبادئ استقر عليها قضاء محكمة النقض المصرية بشأن القبول المانع من الطعن في الحكم منها ماياتي :
1-حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا بعدم جواز الاستئناف رقم 6232 سنة 98 ق استناداً للمادتين 221، 2/219 من قانون المرافعات لأن رافعه المطعون عليه الأول سبق له بتاريخ 1979/12/2 – وقبل صدور الحكم المستأنف – أن أبرم معهم صلحاً مصدقاً على توقيعاته تضمن قبولاً منه لذلك الحكم ونزولاً عن استئنافه وهو قبول مانع من الطعن، كما أنهم دفعوا بسقوط الحق في الاستئناف رقم 6990 سنة 98 ق تأسيساً على أن المطعون عليه الثاني رفعه بعد الميعاد المحدد في القانون غير أن الحكم المطعون فيه واجه الدفع الأول بما لا يصلح رداً عليه وقضى برفضه على سند من أن ما تضمنه الصلح المشار إليه يعد من قبيل ترك الخصومة وكان يتعين إبداؤه بإحدى الطرق المبينة حصراً بالمادة 141 من قانون المرافعات ومن ثم لا يحاج به المستأنف ويبقى استئنافه قائماً في حين أن الرضا بالحكم – صريحاً كان أن ضمنياً – يسقط الحق في الاستئناف كما قضى برفض الدفع الثاني تأسيساً على أن الحكم صادر في موضوع لا يقبل التجزئة وطالما أن المطعون عليه الأول استأنفه في الميعاد كان للمطعون عليه الثاني الذي فوت الميعاد أن يستأنفه هو الآخر ويكون استئنافه مقبولاً، في حين أن مجال إعمال هذه القاعدة هو الخصومة التي يتعدد الدائنون والمدينون فيها ولا يحتمل الفصل في النزاع فيها غير حل واحد بعينه الأمر الذي لم يتوافر في الدعوى إذ أن المطالب بالتسليم ليس هو المطعون عليه الأول وإنما هو المطعون عليه الثاني وحده باعتباره الحائز لعين النزاع دون غيره وإذ أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على خلاف هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن مفاد نص المادة 211 من قانون المرافعات أنه لا يجوز الطعن في الأحكام ممن قبل الحكم قبولاً صريحاً أو ضمنياً يفيد تنازله عن حق الطعن، ويشترط في القبول المانع من الطعن – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وترك الحق في الطعن فيه، ولئن كان الأصل في القبول المانع من الطعن أن يتم بعد صدور الحكم إلا أن النص في الفقرة الثانية من المادة 219 من قانون المرافعات على أنه “ويجوز الاتفاق ولو قبل رفع الدعوى على أن يكون حكم محكمة أول درجة انتهائياً” يدل على أنه يجوز الاتفاق مسبقاً على قبول الحكم وترك الحق في الطعن فيه والتنازل عن استئنافه – على ما أوردته المذكرة الإيضاحية – لما كان ذلك وكان الثابت من عقد الصلح المؤرخ 1979/12/2 والمصدق على التوقيعات به في 1979/12/3 بمحضر التصديق رقم 4928/ب الزيتون أن المطعون عليه الأول تصالح مع الطاعنين الخمسة الأول وتنازله عن كافة القضايا والمحاضر والشكاوى ضد الآخر وعن الأحكام الصادرة أو التي تصدر في هذه القضايا وعن أصل الحق مما مفاده قبوله المسبق للحكم المستأنف وترك الحق في استئنافه ولازم ذلك تنازل الطاعنين عن ذلك الحكم بالنسبة له والتالي فإن الحكم لم يعد له وجود فيما قضى به على المطعون عليه الأول وهو ما يعيده إلى المركز القانوني السابق على صدوره بما لا يجوز له معه أن يطعن عليه بالاستئناف عملاً بالمادة 211 من قانون المرافعات – إلا أنه وإن كان باب الطعن قد أوصد بالنسبة إليه بيد أنه يبقى مفتوحاً بالنسبة للمطعون عليه الثاني إن شاء استأنفه وحده بما ينبغي معه التعدد في المحكوم عليهم الذي يجيز الاستثناء المنصوص عليه في المادة 218 من قانون المرافعات وهو ما يعني أن الاستئناف رقم 6232 سنة 98 ق – الغير جائز – لا أثر له على الاستئناف رقم 6990 سنة 98 ق في خصوص ميعاد رفعه، وكان النص في المادة 213 من قانون المرافعات – على أن “يبدأ ميعاد الطعن في الحكم من تاريخ صدوره ما لم ينص القانون على غير ذلك. ويبدأ هذا الميعاد من تاريخ إعلان الحكم إلى المحكوم عليه في الأحوال التي يكون فيها قد تخلف عن الحضور في جميع الجلسات المحددة لنظر الدعوى ولم يقدم مذكرة بدفاعه وكذلك إذا تخلف المحكوم عليه عن الحضور وعن تقديم مذكرة في جميع الجلسات التالية لتعجيل الدعوى بعد وقف السير فيها لأي سبب من الأسباب …” يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أن المشرع قد جعل الأصل سريان مواعيد الطعن في الأحكام من تاريخ صدورها واستثنى من هذا الأصل الحالات المبينة في المادة المذكورة على سبيل الحصر والتي قدر فيها عدم علم المحكوم عليه بالخصومة وإجزاءاتها والحكم الصادر فيها فجعل مواعيد الطعن في الأحكام لا يسري إلا من تاريخ إعلانها، ولما كانت الثابت من الأوراق أن المطعون عليه الثاني (المدعى عليه الأول) مثل أمام المحكمة الابتدائية بوكيل عنه وأن تسلسل الجلسات لم ينقطع فإن ميعاد الطعن بالنسبة له يبدأ من تاريخ صدور الحكم – وإذا صدر الحكم الابتدائي في 81/6/30 ولم يرفع الاستئناف عنه إلا بتاريخ 1981/12/23 وبعد فوات ميعاده فإنه يكون غير مقبول لرفعه بعد الميعاد. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى برفض الدفعين سالفي الذكر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما تقدم فإنه يتعين القضاء بعدم جواز الاستئناف رقم 6232 سنة 98 ق القاهرة وبسقوط الحق في الاستئناف رقم 6990 سنة 98 ق القاهرة الطعن 1607 لسنة 53 ق جلسة 4 / 4 / 1993 مكتب فني 44 ج 2 ق 144 ص 3.
2-الحكم المانع من الطعن عليه. شرطه. أن يقع - صراحة أو ضمناً - قبل إقامة الطعن. قبول الحكم بعد رفع الطعن. اعتباره نزولاً عن الطعن.
3- القضاء للمطعون ضده بصحة ونفاذ عقد بيع أراضي النزاع الصادر له من الطاعن. اتخاذ الأخير إجراءات نزع ملكية تلك الأرض للمنفعة العامة بعد طعنه على هذا الحكم ببضع سنين. عدم اعتباره قبولاً مانعاً من الطعن ولا تنازلاً عنه.
4- القبول المانع من الطعن. شرطه. أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن.
5- قبول الطعن شرطه ألا يكون الطاعن قد قبل الحكم المطعون فيه م 211 مرافعات.
6- . جواز أن يكون قبول الحكم سابقاً على صدوره. م 219/ 2 مرافعات.
7- يشترط في القبول المانع من الطعن أن يكون دالاً على ترك الحق في الطعن دلالة واضحة لا تحتمل شكاً أو تأويلاً.
8-القبول المانع من الطعن في الحكم. شرطه. أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم والتخلي عن حق الطعن فيه.
9- عدم اعتراض الطاعن على مباشرة الخبير لمأمورية أو مناقشته لتقريره لا يعد رضاء بالحكم الصادر بندبه ولا بما ورد فيه من أسباب جواز الطعن عليه مع الطعن في الحكم المنهي للخصومة.
10 - تنفيذ المحكوم عليه حكماً واجب التنفيذ صادراً في دعوى مستعجلة. ليس دليلاً على ترك الحق في الطعن في الحكم الصادر في الموضوع.
11- تنفيذ المحكوم عليه الحكم الانتهائي اختياراً. لا يدل على ترك الحق في الطعن فيه.
12- . تخلف المحكوم عليه عن الحضور أو سكوته عن الرد على طلبات المحكوم له. لا يعد قبولاً.
13- يشترط في القبول المانع من الطعن في الحكم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه دون شك أو تأويل.
14- لما كان القبول المانع من الطعن في الحكم يجب أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه، وكانت الأوراق قد خلت من أي دليل يستفاد منه قبول الطاعنة للقرار المطعون فيه، فإن الدفع - بعدم جواز الطعن - يكون في غير محله.
16-. الحكم بقبول الطعن شكلاً ويندب خبير لفحص الاعتراضات. قيام الخصم بدفع الأمانة. عدم اعتباره قبولاً مانعاً من الطعن فيه .
17- القبول المانع من الطعن. شرطه أن يكون قاطع الدلالة على رضاء المحكوم عليه بالحكم وتركه الحق في الطعن فيه.
18- القبول المانع من الطعن يكون صريحا أو ضمنيا. استنباطه من كل فعل أو عمل قانونى ينافى الرغبة فى رفع الطعن. استخلاص ذلك القبول الضمنى - بأسباب سائغة - لمحكمة الموضوع دون رقابة لمحكمة النقض.
19- القبول المانع من الطعن في الحكم. وجوب دلالته بوضوح على ترك الحق في الطعن عن اختيار لا إلزام فيه. تنفيذ الخصم حكم الإحالة إلى التحقيق لا يعتبر قبولاً لقضائه برفض الدفع ببطلان صحيفة الدعوى لعدم التوقيع عليها من محام.
20- قبول الحكم المانع من استئنافه كما يكون صريحاً يكون ضمنياً يستفاد من كل قول أو فعل أو إجراء يدل دلالة واضحة على الرضاء بالحكم وترك الحق في الطعن فيه. الحكم باعتبار المدعي تاركاً لدعواه. عدم مبادرته إلى استئناف الحكم. رفعه دعوى جديدة بالطلبات عينها وعلى الخصوم أنفسهم. رفض دعواه هذه.
21-لا يعتبر رضاء بالحكم مانعاً من الطعن فيه بالنقض إعلان الطاعنة الحكم إلى المطعون عليها وتقدم وكيلها بطلب صرف المبلغ المحكوم به لها استئنافياً.
22- الرضاء بالحكم المانع من حق الطعن فيه يجب أن يكون صريحاً أو أن تكون تصرفات أو أقوال من ينسب إليه هذا الرضاء دالة بشكل واضح على حصوله. أما مناقشة آثار الحكم وبيان مدى حجيته فأمر لا يدل بذاته على الرضاء بالحكم .
23-عدم الطعن في الحكم بطريق المعارضة لا يعد قبولاً للحكم مانعاً من الطعن فيه بطريق النقض لأنه إذا صدر حكم غيابي فللمحكوم عليه أن يتجاوز عن حقه في الطعن بطريق المعارضة وأن يطعن فيه بطريق الاستئناف أو النقض مباشرة حسب الأحوال.( موسوعة الأحكام المصرية » محكمة النقض » كل مبادئ المحكمة » ح » حكم » الطعن في الحكم » القبول المانع من الطعن فيه »). والله اعلم.