الزام المحكوم عليه بدفع الغرامة لا يعد قبولاً بالحكم
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
الأصل
أنه لا يقبل الطعن ممن قبل الحكم صراحة أو ضمناً، بيد أن إلزام المحكوم عليه بدفع
الغرامة أو ما في حكمها لا يكون قبولاً من المحكوم عليه بالحكم، ولا يسقط حق
المحكوم عليه في إستئناف الحكم، لأن الإلزام ليس قبولاً، فالالزام يتنافى مع
القبول الذي عماده الرضا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة
العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-10-2014م في الطعن رقم (55467)، الذي ورد ضمن
أسبابه: ((وبعد التأمل فيما سبق، وما اشتملت عليه أوراق القضية نجد أنه بالنسبة
لاستئناف المتهم فقد اهدرت الشعبة إستئنافه بحجة تنفيذه للحكم، مع أن إيداعه لمبلغ
الغرامة تم بعد إلزامه بذلك من قبل النيابة عملاً بنص المادة (470) إجراءات،
فالنيابة قامت بواجبها، ومن ثم فإن إيداعه للمبلغ لا يعد تنفيذاً للحكم، ومن ثم لا
يعد تنازلاً عن حقه في إستئناف الحكم، ولذلك فإن الشعبة قد اخطأت في قضائها برفض
إستئناف الطاعن حالياً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه
الأتية:
الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعلينقا:
أستند
الحكم محل تعليقنا في قضائه بأن إلزام المحكوم عليه بدفع الغرامة المحكوم بها لا
يسقط حق المحكوم عليه في الطعن في الحكم، استند الحكم في ذلك إلى المادة (470)
إجراءات التي نصت على أنه (فيما عدا حالات القصاص والدية والأرش يكون تنفيذ
الأحكام الجزائية فور صدورها بواسطة النيابة العامة مالم يوقف تنفيذها من المحكمة
الأعلى درجة، ويستثنى من ذلك أحكام الإعدام والحدود فلا تنفذ إلا وفق القواعد
المنصوص عليها في الباب الخاص بها من هذا القانون..)، فهذا النص قد اوجب على
النيابة العامة المبادرة إلى تنفيذ الأحكام الجزائية فور صدورها بإستثناء أحكام
الإعدام والحدود، ولذلك فإن النيابة عندما
تلزم المحكوم عليه بدفع الغرامة تقوم بواجبها القانوني،وبناء على ذلك اذا
قام المحكوم عليه بدفع الغرامة المحكوم بها فإن ذلك لا يكون قبولاً بالحكم، لان المحكوم عليه
لم يدفع الغرامة طواعية واختيارا وإنما جبرا.
الوجه الثاني: القبول بالحكم المسقط لحق المحكوم عليه بالطعن:
قبول
المحكوم عليه بالحكم المسقط لحقه في الطعن في الحكم: هو القبول الصريح بالحكم
كتشريف الحكم اوالإلتزام بتنفيذه، أو القبول الضمني كتنفيذ بعض فقرات الحكم، والقبول كتصرف صادر من
المحكوم عليه ينبغي ان تتوفر فيه الشروط الشرعية والقانونية المعتبرة في التصرف ، ومن
أهم هذه الشروط رضاء القابل، أي أن تصدر القبول أو الموافقة من المحكوم عليه على
الحكم برضاء وإختيار المحكوم عليه.
الوجه الثالث: إلزام المحكوم عليه بتنفيذ الحكم يتنافى مع مفهوم القبول بالحكم:
سبق
القول في الوجه السابق أن القبول المعتبر من المحكوم عليه بالحكم هو الذي يصدر من
المحكوم عليه بمحض إرادته وإختياره، وعلى هذا الأساس فإن إلزام المحكوم عليه
بتنفيذ الحكم يتنافى مع ركن الرضا، وبناءً على ذلك فإن إلزام المحكوم عليه بدفع
الغرامة المحكوم بها لا يعد قبولاً أو موافقة من المحكوم عليه بتنفيذ الحكم،
وتبعاً لذلك فإن هذا الإلزام لا يسقط حق المحكوم عليه بالطعن في الحكم، حسبما قضى
الحكم محل تعليقنا (المرصفاوي في قانون الإجراءات الجزائية، أستاذنا المرحوم
الأستاذ الدكتور حسن صادق المرصفاوي، ص1432)، والله اعلم .