كيفية إنعقاد عقد السمسرة (السعاية)

من مظاهر الفساد في المجتمع اليمني الفهم المغلوط للسعاية (السمسرة) الذي يترتب عليه التطبيق المغلوط لأحكام السعاية والسمسرة، فالكثير يفهم أن السعاية هي مجرد قيام (الساعي) بإرسال رقم هاتف البائع إلى المشتري أو العكس أو مجرد حضور الساعي مجلس البيع والشراء وبعضهم يفهم ان السعاية مجرد علم الساعي بالبيع والشراء أو انه جار للعقار المبيع...الخ، وبناء على ذلك فانه لايتم النظر إلى عقد السمسرة أو السعاية على انه عقد بين البائع أو المشتري مع الساعي، وانه ينعقد بالإيجاب والقبول، وأن لهذا العقد أركان وشروط.

 ولذلك نجد أنه من الواجب التوعية باحكام السعاية او السمسرة ، وفي هذا السياق فقد سبق لنا التعليق على عدة احكام في هذا الشان ، ومن هذا المنطلق فانه من المناسب التوعية بأركان عقد السعاية أو السمسرة وشروطه، حسبما أشار الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-2-2010م في الطعن رقم (38848)، فقد ورد في أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف وجدت: أن الطاعن اقام السبب الأول على عدم إنعقاد عقد الدلالة بين الطرفين لعدم وجود عقد أصلاً، وهذا السبب مردود عليه ، لأن القانون لم يشترط لإنعقاد عقد السمسرة شكلاً معيناً، ووفقاً للمادة (148) مدني فأن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المفهمة والمتداولة عرفاً، كما يكون بإتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وعليه فأن الدائرة ترفض السبب الأول من أسباب الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

كيفية إنعقاد عقد السمسرة (السعاية)

الوجه الأول: تعريف عقد السمسرة

مصطلح ( السمسرة ) في اليمن مصطلح مذموم يستنكف منه غالبية اليمنيين لأن هذا المصطلح يترتبط باذهان اليمنيين بالسمسرة وهي الخان الذي كان يأوي اليه المسافرون، وعند بعض اليمنيين فإن مصطلح السمسرة يوحي بمهنة يانف منها غالبية اليمنيين، ولذلك فإنه عند تعديل القوانين اليمنية يطرح بقوة تعديل هذا المصطلح إلى مصطلح الوسيط.

وقد عرفت المادة (326) من القانون التجاري اليمني عرفت السمسرة بأنها (السمسرة عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لإبرام عقد معين في مقابل أجر).

 ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان السمسرة عقد يلتزم به طرف يدعي بالسمسار بأن يرشد الطرف الآخر ويدله إلى إبرام عقد اوصفقة ما أو أن يكون وسيطاً له في مفاوضات التعاقد مع طرف اخر وذلك مقابل أجر.

فالسمسرة عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لابرام عقد معين والتوسط لابرامه في مقابل أجر، ويقتصر عمل السمسار على التقريب بين شخصين لابرام الصفقة دون أن يكون وكيلا او طرفا في العقد فهو لا يمثل أحد المتعاقدين في إبرام العقد بوصفه طرفا في العقد .

فعقد السمسرة يكون بين طرفين فأكثر، فالطرف الاول هو البائع أو المشتري ، إذ يطلب البائع أو المشتري من الطرف الثاني وهو (الساعي) ويسمى السمسار يطلب منه أن يرشده ويدله أو يتوسط له في إبرام عقد أو صفقة ، فالساعي يكون وسيطاً بين طرفين للتوفيق بينهما لإبرام صفقة أو تصرف قانوني والتوفيق بين وجهات نظر المتعاقدين المتضاربة مقابل أتعاب تتناسب مع الجهد والوقت المبذول من السمسار .

والسمسار: شخص مكلف من قبل طرف أو أطراف العقد لآجل التوسط بينهم أو للتوسط أمام طرف ثانٍ لإتمام صفقة أو تسهيل عقد أو إبرام الصفقات التجارية بين أشخاص لا تربطهم علاقة سابقة ، فالساعي أو السمسار يتولى إرشاد من تعاقد معه إلى صفقة ، فيكون الساعي وسيطاً في مفاوضات بين الشخص الذي طلب منه ذلك وبين الطرف الاخر لتقريب وجهات النظر بينهما للوصول إلى إبرام العقد أو الصفقة ، فينشأ للساعي بشكل صريح أو ضمني الحق في أن يقبض أجراً نظير العمل الذي قام به عند نجاح وساطته بإبرام الصفقة على يديه دون أن يتحمل الساعي أي أثر ناتج عن هذا العقد.

وبما أن السمسرة عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثاني لإبرام عقد معين والتوسط في إبرام العقد، فالسمسار ليس وكيلا أو نائبا، فهو لا يفاوض ولا يبرم العقد بصفته وكيلا أو نائبا، فيقتصر جهد الساعي على مجرد البحث لإيجاد طرف آخر او إقناع الطرف الاخر بإجراء البيع أو إبرام العقد، ووفقا لأحكام القانون التجاري فأن السمسرة عمل تجاري أيا كان محلها. (عقد السمسرة بين الواقع والقانون، غادة غالب، رسالة ماجستير جامعة النجاح فلسطين ٢٠٠٨، ص13).

الوجه الثاني: أركان عقد السعاية أو السمسرة وشروطه

أركان عقد السعاية أو السمسرة هي ثلاثة اركان :

 الركن الأول: صيغة العقد: وهي الإيجاب والقبول ويشترط ان يكونا متوافقين ومنجزين.

  والركن الثاني : العاقدان: وهما الساعي والبائع أو المشتري بحسب الذي يطلب من الساعي أن يسعى، ويشترط ان يكون المتعاقدان في عقد السعاية بالغين عاقلين راشدين، وان تتوفر في الساعي الاهلية التجارية ، وهي بلوغ الساعي سن الثامنة عشرة سنة ، لأن السعاية او السمسرة من الأعمال التجارية وفقا للقانون التجاري اليمني.

الركن الثالث : محل العقد: وهو العمل المطلوب من الساعي إنجازه والأجرة التي يستحقها الساعي مقابل عمله، ويشترط أن يكون العمل الذي يقوم به الساعي مشروعاً وأن تكون أجرته معلومة.

الوجه الثالث: الصيغة التي ينعقد بها عقد السعاية أو السمسرة

أهم ركن من أركان عقد السعاية أو السمسرة: هو الصيغة أي صيغة العقد، وهذه الصيغة هي الإيجاب والقبول المتوافقين الصادرين من بالغين عاقلين راشدين، وتتحقق صيغة الإيجاب والقبول بكل ما يدل على إرادة الطرفين، ويكون ذلك باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المفهمة أو المعاطاة (التسليم)، بيد أنه يجب أن يكون التعبير عن الإرادة صريحاً وواضحاً سواءً أكان التعبير باللفظ أو الكتابة أو بالإشارة مالم يشترط القانون أو الإتفاق على خلاف ذلك.

والإيجاب: هو عبارة عن عرض أو طلب من البائع أو المشتري على السمسار (الساعي) لتقديم خدمة السعاية أو السمسرة وهي التوسط فيما بينه وبين الطرف الآخر كالتوسط في بيع عقار أو البحث عن مشتري للعقار، أما القبول فهو موافقة السمسار أو الساعي على طلب أو عرض البائع أو المشتري.

ولا يشترط في عقد السعاية أو السمسرة صيغة معينة بل يكفي التعبير عن الإرادة باللفظ كأن يقول البائع للعقار أو المشتري للساعي: أريد منك أن تتوسط في بيع منزلي وسأدفع لك مبلغ كذا، ويرد عليه الساعي بقوله: قبلت ذلك أو ما يعبر عن موافقته.

ويتم التعبير عن الإرادة في عقد السعاية او السمسرة بالوسائل الآتية:

- الكتابة: فيمكن التعبير عن الإيجاب والقبول كتابةً في عقد مكتوب أو رسالة أو أية وسيلة كتابية أخرى.

- الإشارة المفهومة: فقد تكون الإشارة المفهومة كافية في التعبير عن الإرادة مثل أن يرفع الساعي يده أو يهز رأسه علامة على قبوله لطلب البائع أو المشتري.

- المعاطاة (التسليم): في بعض الحالات قد يتم التعبير عن القبول بتسليم شيء ما كأن يسلم البائع إلى المشتري وثائق ملكية العقار أو مفتاح الدار كي يقوم الساعي بالبحث عن المشتري. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء ٢٠٢١، ص١٦٧).

الوجه الرابع: محل عقد السمسرة أو السعاية

ومن المعروف أن محل عقد السمسرة (السعاية) يشمل العمل الذي يقوم به السمسار (الساعي) والمقابل الذي يتقاضاه الساعي نظير قيامه بالسعي أو السمسرة.، إذ يتم تحديد العمل او الأعمال التي يلتزم الساعي بالقيام بها وكذا تحديد أتعاب الساعي أو السمسار وذلك في عقد السمسرة أو السعاية، وعندئذٍ يجب على الطرفين المتعاقدين تنفيذ إلتزاماتهما العقدية.

فمحل عقد السمسرة هو العمل الذي يقوم به السمسار والأجرة التي المتفق عليها التي يستحقها السمسار أو الساعي مقابل قيامه بالسعاية أو قيامه بأعمال السمسرة ، وبما أن محل عقد السعاية او السمسرة هو العمل الذي يقوم به الساعي والاجرة التي يستحقها السمسار فنين ذلك على النحو الاتي :

أولا : العمل الذي يقوم به الساعي او السمسار: يتحدد العمل الذي يقوم به الساعي او السمسار بموجب عقد السمسرة أو السعاية ، كأن يطلب البائع من الساعي أو السمسار البحث عن مشتري للأرض أو العقار أو المال ويحدد البائع للسمسار الثمن الذي يريده، وقد يطلب البائع من السمسار ليس البحث فقط عن مشتري وإنما التوسط فيما بينه وبين المشتري، وبناءً على ذلك فأن نطاق إلتزام السمسار (الساعي) يتحدد بحدود العمل الذي طلبه منه البائع القيام به ، وكذلك الحال عندما يتعاقد المشتري مع السمسار أو الساعي.

 ويمكن تلخيص الأعمال التي يقوم بها الساعي او السمسار فيما يأتي :

1- إرشاد البائع أو المشتري الذي تعاقد مع الساعي او يدله لصفقة رابحة وتقديم ما في خبرته من معلومات تسهم في إبرام التصرف.

2- التوسط في المفاوضات تمهيدا لإبرام العقد ومحاولة إقناع الأطراف والتوصل لحلول وسطية مرضية.

3- تنفيذ الإلتزامات بما يعود بالنفع على المتعاقد الذي كلف السمسار بالعمل، وان يقوم السمسار بانجاز المهمة في المدة المحددة إن وجدت، وإن لم تحدد المدة فيكون له إنجازها في وقت غير محدد شريطة ألا يتضرر المتعاقدون من ذلك .

4- البحث عن متعاقد بقصد بالتعاقد مع المتعاقد الذي طلب من الساعي التوسط.

5- يلتزم السمسار بأداء ما تم تكليفه به بنفسه، فلا يحق له أن ينيب أحدا دون موافقة العميل.

6- ضمان عدم تضارب المصالح وبقاء السمسار مستقلاً .

7- تقديم حساب كامل بكافة المصروفات والنفقات المبذولة في سبيل تحقيق الساعي لما تم تكليفه به.

8- مراعاة الأمانة والاهتمام وعدم التقصير.

9- النصيحة لطرفى العقد، فالسمسار في الأصل يستأجره احد أطراف العقد وأن لجأ له الطرفان فكلاهما يبرم معه عقد سمسرة، وعلى السمسار ولو لم يكن مكلفا إلا من أحد طرفي العقد أن يعرض الصفقة على الطرفين وان يبين لهما جميع الظروف والبيانات والخبرات التي يعلمها عن الصفقة المزمع عقدها.

على السمسار تنفيذ أعمال السمسرة بنفسه دون إنابة غيره لوجود اعتبار شخصي في تكليفه بهذه المهمة ،فإذا أناب السمسار غيره عنه دون إذن من الأصيل يكون السمسار مسئولا عن أعمال هذا الغير كأنها صدرت منه شخصيا، اما اذا ٱذن الأصيل للسمسار بإنابة غيره ففي هذه الحالة يكون السمسار مسئولا عن خطائه في اختيار هذا الغير.

ثانيا: أجرة الساعي او السمسار : يتم تحديد اجرة الساعي او السمسار في عقد السمسرة ، بإعتبار الأجرة هي المقابل الذي يتقاضاه الساعي مقابل سعيه أو عمله.

وواذا لم يتم يتم تحديد اجرة الساعي في عقد السعاية او السمسرة فيتم الرجوع الى القانون ، بيد أن غالبية القوانين العربية لاتحدد اجرة السمسار، وإنما تنص على أنه يتم تحديد الأجرة في عقد السمسرة ذاته فإن لم يتم تحديده في عقد السمسرة فيقوم القضاء بتقديره في ضوء الجهد الذي بذله السمسار والوقت الذي صرفه في سبيل إنجاز المهمة وفي ضوء العرف السائد المستقر، وفي هذا المعنى نصت المادة (327) من القانون التجاري اليمني على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف، فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل المكلف به)، وكذا أشار القانون المدني في المادة (٨٥٥ ) إلى اجرة السمسرة أو السعاية فقد نصت تلك المادة على ان (أجرة الدلال أن باع العين بنفسه وبإذن صاحبها على البائع، ويعتبر العرف أن سعى بين البائع والمشتري وباع المالك بنفسه).

ولا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته إلي إبرام العقد، ويستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد طالما قد تحققت الغاية من العقد، اما إذا كان العقد معلقا علي شرط واقف فلا يستحق السمسار الأجرة الا اذا تحقق الشرط حسبما ورد في المادة(328) تجاري التي نصت على أنه (لا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته إلى إبرام العقد ولو لم ينفذ كله أو بعضه وإذا كان العقد معلقاً على شرط واقف لم يستحق السمسار أجره إلا إذا تحقق الشرط).

و يتم في عقد السمسرة تحديد الطرف الذي يدفع اجرة السمسار، فإذا لم يتضمن عقد السمسرة ذلك فإن الطرف الذي يجب عليه دفع الأجرة هو الطرف الذي قام بتكليف السمسار بحسب ماورد في المادة (329) تجاري التي نصت على أنه (إذا كان السمسار مفوضاً من طرفي العقد، استحق أجراً من كل منهما ويكون كل من العاقدين مسئولاً تجاه السمسار بغير تضامن بينهما عن دفع الأجر المستحق عليه ولو اتفقا على أن يتحمل أحدهما جميع نفقات السمسرة). والله أعلم.

مقالات ذات صلة: