إثبات عقد السمسرة في القانون اليمني
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
مع أن
القانون التجاري اليمني قد صرح بأن السمسرة (السعاية) من ضمن الأعمال التجارية بقطع
النظر عن صفة القائم بها أو نيته حسبما ورد في الفقرة (4) من المادة (10) من
القانون، ومع أن القانون ذاته قد نظم عقد السمسرة في المواد (من 326 إلى 342) ومع انه
من المقرر في القانون التجاري ان السمسار لايكتسب صفة التاجر الا اذا أتخذ السمسرة
حرفة معتادة يتكسب ويتربح منها إلا أن
مهنة السمسرة والسماسرة لازالت في اليمن من المهن العشوائية التي لم يتم تنظيمها
من حيث تحديد الأشخاص الذين يقومون بها والشروط والواجبات الذي يجب توفرها فيهم
وغير ذلك من المسائل التنظيمية لمهنة السمسرة(السعاية )، ولذلك تحدث نزاعات
وخلافات بشأن أعمال السمسرة والسماسرة،
وبما أن القانون قد نظم عقد السمسرة فإن إثبات قيام السمسار بالسمسرة والتوفيق بين
البائع والمشتري يخضع للقواعد العامة في الإثبات، فعقد السمسرة ليس من العقود
الشكلية حتى يشترط القانون إثبات السمسرة بوسيلة معينة، لذلك يجوز إثبات عقد السمسرة
وأعمال السمسرة بأية طريقة من طرق الإثبات،
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة
بتاريخ 14-11-2018م في الطعن رقم (60285)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى بأن
(الثابت للمحكمة من تصرفات الأطراف أن عقد السمسرة قائم بين المدعي والمدعى عليه،
لأن قيام عقد السمسرة قد يكون باللفظ الصريح وقد يكون بالكتابة، كما قد يكون
بالفعل، ومن ثم لا يشترط لإثبات عقد السمسرة الكتابة بل يجوز إثباته بكافة طرق
الإثبات بما فيها القرائن والشهود، فلا يلزم لإنعقاده شكلاً معيناً، فالبين
للمحكمة من بصيرة الشراء للعقار أن المدعي الساعي (السمسار) قد ورد اسمه في
البصيرة كشاهد وساعي فيما شراه المدعى عليه، وقد أكد كاتب البصيرة المشار إليها
أمام المحكمة أن المدعي والمدعى عليه قاما بإستدعائه لتحرير بصيرة الشراء للعقار
وأنهم جميعاً ذهبوا إلى مقر البائع للعقار وتم هناك إبرام عقد بيع العقار وقد
استمرت المفاوضات بين البائع والمشتري خمسة أيام بحضور المدعي الساعي حتى تم إبرام
العقد وتحرير بصيرة الشراء، وتم توصيف العمل الذي قام به المدعي (كساعي) في متن
البصيرة بناءً على طلب المدعى عليه وبحضوره دون إعتراض منه الأمر الذي تستخلص منه
المحكمة قرينة أن المدعي الساعي كان مكلفاً من المدعى عليه لإتمام صفقة شراء
العقار، لأن ما ذكره كاتب البصيرة في شهادته التي ذكر فيها أعمال السعاية التي قام
بها المدعي وكذا ما ورد في شهادات الشهود الآخرين التي أكدت أن المدعي الساعي كان
يتردد على مقري البائع والمشتري مراراً للوساطة بين الطرفين حتى تم إبرام عقد
البيع وكذا إستلام الساعي لمفاتيح العقار بعد أن تم شراؤه وقيام الساعي بالإشراف
على حراسة العقار المبيع وسفر المدعي والمدعى عليه معاً لغرض إستكمال إجراءات
البيع، وكل هذه الأدلة والقرائن تدل على قيام عقد السمسرة، اما بشأن تقدير السعاية
فإن العرف لم يستقر على تحديدها بنسبة معينة، ولذلك فإن تقديرها يخضع لتقدير
المحكمة)، وقد أيدت الشعبة الاستئنافية التجارية الحكم الابتدائي، وعند الطعن في
الحكم الاستئنافي اقرته الدائرة التجارية، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا:
((اما نعي الطاعن بأن هناك قصور في تسبيب الحكم المطعون فيه فذلك مردود عليه بأن
الظاهر أن الحكم الاستئنافي قد ناقش أسباب الاستئناف الواردة في العريضة مؤكداً
بأنها لم تتضمن أي جديد، وأن تسبيب الحكم الابتدائي مستساغ وكافٍ لإثبات قيام
المدعي بالسعاية مما يوجب تأييد الحكم الابتدائي، ولذلك فلا صحة لما نعاه الطاعن
بالقصور في التسبيب مما يتعين رفض الطعن موضوعاً))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم
حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية السمسرة:
مصطلح (السمسرة) في اليمن مصطلح مذموم يستنكف
منه غالبية اليمنيين لأن هذا يترتبط باذهان اليمنيين السمسرة وهي الخان الذي كان
يأوي اليه المسافرون، وعند بعض اليمنيين فإن مصطلح السمسرة يوحي بمهنة يانف منها غالبية
اليمنيين،ولذلك فإنه عند تعديل القوانين اليمنية يطرح بقوة تعديل هذا المصطلح
إلى مصطلح الوسيط.
وقد عرفت المادة (326) من القانون التجاري
اليمني عرفت السمسرة بأنها (السمسرة عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف
ثان لإبرام عقد معين في مقابل أجر)، ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان السمسرة عقد يلتزم به طرف يدعي بالسمسار بأن يرشد الطرف
الآخر ويدله إلى إبرام عقد اوصفقة ما أو أن يكون وسيطاً له في مفاوضات التعاقد مع
طرف اخر وذلك مقابل أجر.
فالسمسرة عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف
ثان لابرام عقد معين والتوسط لابرامه في مقابل أجر، ويقتصر عمل السمسار على
التقريب بين شخصين لابرام الصفقة دون أن
يكون وكيلا او طرفا في العقد فهو لا يمثل أحد المتعاقدين في إبرام العقد بوصفه
طرفا في العقد .
فعقد السمسرة يكون بين طرفين فأكثر، يفوض
أحدهم (العميل) الطرف الآخر ويسمى السمسار لأن يرشده ويدله أو يتوسط له في إبرام عقد
أو صفقة ، أويكون وسيطاً ببين طرفين لمساعدتهما على إبرام صفقة أو تصرف قانوني
والتوفيق بين وجهات نظر المتعاقدين المتضاربة مقابل أتعاب تتناسب مع الجهد والوقت المبذول
من السمسار .
والسمسار: شخص مفوض من قبل طرف أو أطراف العقد
لآجل التوسط بينهم أو للتوسط أمام طرف ثانٍ لإتمام صفقة أو تسهيل عقد الصفقات
التجارية بين أشخاص لا تربطهم علاقة سابقة وإرشاد من تعاقد معه إلى صفقة رابحة أو
يكون وسيطاً في مفاوضات بين مصدر الأمر وما يلائمه للوصول لحل وسطي، لإبرام هذا
العقد فينشأ له بشكل صريح أو ضمني أن يقبض أجراً بسبب طبيعة عمله، عند نجاح وساطته
بإبرام الصفقة على يديه دون أن يتحمل أي أثر ناتج عن هذا العقد.
وبما أن السمسمرة عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص
بالبحث عن طرف ثاني لإبرام عقد معين والتوسط في إبرامه، فالسمسار ليس وكيلا، فهو
لا يتفاوض ولا يبرم العقد، فيقتصر جهده على مجرد إيجاد طرف آخر لسمسرة عمل تجاري
أيا كان محلها.(عقد السمسرة بين الواقع والقانون، غادة غالب، ص13).
الوجه الثاني: الأعمال التي يقوم بها السمسار والتزاماته:
تتلخص الأعمال التي يقوم بها السمسار والتزاماته
فيما يأتي:
1- إرشاد العميل لصفقة رابحة وتقديم ما في خبرته من معلومات تسهم في إبرام التصرف.
2- التوسط في مفاوضات العقد ومحاولة إقناع الأطراف والتوصل لحلول وسطية مرضية.
3- تنفيذ الالتزامات بما يعود بالنفع الأكثر على المتعاقد الذي كلف السمسار، وان يقوم السمسار بانجاز المهمة في المدة المحددة إن وجدت، وإن لم تحدد المدة فيكون له إنجازها في وقت غير محدد شريطة ألا يتضرر المتعاقدون من ذلك .
4- البحث عن متعاقد يرتضي بالتعاقد والتفاوض مع هذا المتعاقد.
5- يلتزم السمسار بأداء ما تم تكليفه به بنفسه، فلا يحق له أن ينيب أحدا دون موافقة العميل.
6- ضمان عدم تضارب المصالح وبقاء السمسار مستقلاً .
7- تقديم حساب كامل بكافة المصروفات والنفقات المبذولة في سبيل تحقيق ما تم تكليفه به.
8- مراعاة الأمانة والاهتمام وعدم التقصير.
9- النصيحة لطرفى العقد، فالسمسار في الأصل يستأجره احد أطراف العقد وأن لجأ له الطرفان فكلاهما يبرم معه عقد سمسرة، وعلى السمسار ولو لم يكن مكلفا إلا من أحد طرفي العقد أن يعرض الصفقة على الطرفين وان يبين لهما جميع الظروف والبيانات والخبرات التي يعلمها عن الصفقة المزمع عقدها.
10- على السمسار تنفيذ أعمال السمسرة بنفسه دون إنابة غيره لوجود اعتبار شخصي في تكليفه بهذه المهمة ،فأذا أناب السمسار غيره عنه دون إذن من الأصيل يكون السمسار مسئولا عن أعمال هذا الغير كأنها صدرت منه شخصيا، اما اذا إذن الأصيل للسمسار بإنابة غيره ففي هذه الحالة يكون السمسار مسئولا عن خطائه في اختيار هذا الغير.
الوجه الثالث: الوضعية القانونية للسمسار:
صرح القانون التجاري اليمني بأن عقد السمسرة من
ضمن الأعمال التجارية وفقا للمادة (10)
التي نصت على أنه (تعد أعمالاً تجارية الأعمال المتعلقة بالأمور التالية بقطع النظر عن صفة القائم بها أو نيته:4-
السمسرة والوكالة بالعمولة)، ومع ان القانون التجاري قد صرح بأن السمسرة من
الأعمال التجارية بصرف النظر عن صفة الشخص
الذي يقوم بالسمسرة اي سواء أكان تاجراً ام غير تاجر حسبما ورد في النص القانوني السابق الا ان السمسار لايعد تاجراً ولا يكتسب صفة التاجر الا اذا كان قد بلغ سن
الأهلية التجارية المحددة في القانون التجاري اليمني وهي 18 سنة واذا كان يزاول اعمال السمسرة على وجه الاحتراف
باسمه وحسابه اي انه يتخذها حرفة ومهنة
يتكسب منها بصفة معتادة .
ويجوز ان تزاول اعمال السمسرة كل شركة تتخذ أحد
الأشكال النصوص عليها في قانون الشركات إذا
كانت إعمال السمسرة من ضمن أغراضها المنصوص عليها في قرار انشاء الشركة أو نظامها الأساسي،
وفي هذا المعنى نصت المادة (18) تجاري على أن (كل من اشتغل باسمه في معاملات
تجارية وهو حائز للأهلية الواجبة واتخذ هذه المعاملات حرفة له يكون تاجراً، وكذلك
يعتبر تاجراً كل شركة تجارية وكل شركة تتخذ الشكل التجاري، ولو كانت تزاول أعمالاً
غير تجارية.).
فإذا أتخذ الشخص الطبيعي السمسرة حرفة له وهي عمل تجاري حسبما ورد في المادة (10) السابق ذكرها فأنه يكتسب صفة التاجر إذا كان قد بلغ سن الأهلية التجارية وهي 18 سنة، وكذا يكتسب السمسار صفة التاجر إذا قام بالإعلان عن محله الذي يستخدمه في أعمال السمسرة، وفي هذا الشأن نصت المادة (19): تجاري على أن (كل من أعلن للجمهور عن طريق الصحف أو النشرات أو بأية طريقة أخرى عن محل أسسه للتجارة يعد تاجراً وان لم يتخذ التجارة حرفة مألوفة له، وتثبت صفة التاجر لكل من احترف التجارة باسم مستعار- أو مستتر وراء شخص آخر فضلاً عن ثبوتها للشخص الظاهر وإذا زاول التجارة أحد الأشخاص المحظور عليهم الاتجار بموجب قوانين أو أنظمة خاصة عد تاجراً وسرت عليه أحكام هذا القانون)، وعلى أساس ماتقدم فإن الأشخاص الذين الذين لايتخذوا السمسرة حرفة لهم ولا يقوموا بالإعلان عن محلاتهم الخاصة بأعمال السمسرة لايكتسبوا صفة التاجر، بيد ان السمسار لايكون تاجراً الا اذا كان قد أتخذ السمسرة حرفة له يتكسب منها بصفة، اما اذا قام بأعمال السمسرة بصفة عارضة فلايكون عمله في هذه الحالة عملا تجاريا وفقا للمادة (20) تجاري التي نصت على أنه (لا يعد تاجراً من قام بمعاملة تجارية عارضة دون أن يتخذ التجارة حرفة له ومع ذلك تخضع المعاملة التجارية التي يقوم بها لأحكام قانون التجارة)، فالسمسار يكتسب صفة التاجر لأنه يقوم بأعمال السمسمرة كمهنة وحرفة له، فهو أثناء قيامه بعمله هذا لا يكون تابعاً لأحد الطرفين الذي يقوم بالتوسط بينهما، فالسمسار التاجر يمارس مهنة السمسرة على وجه الاستغلال والتربح، فالسمسرة تساهم في تداول الأموال ولذلك فإن عمل السمسار يعد عملا تجاري، وهناك من يذهب إلى أن عمل السمسار لا يكون تجاريا إذا تعلق بأعمال تجارية أما إذا تعلق بعمل مدني فان عمله يعد مدنيا،ولكن هذا التخريج غير مقبول في القانون التجاري اليمني، لأن المادة (10) من القانون التجاري اليمني صريحة، فقد اعتبرت عمل السمسار أيا كان عملا تجاريا دون تميز بين الصفقات التي يبرمها تجارية كانت أم مدنية .
وبما أن السمسرة عملا تجاريا بصرف النظر عن صفة القائم بها حسبما سبق بيانه
في المادة (10) تجاري السابق ذكرها فإن
القضاء التجاري يختص بنظر المنازعة بشانها حتى لو لم يكتسب السمسار صفة التاجر، فقد
لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد صدر من القضاء التجاري مع ان السمسار في القضية التي تناولها الحكم لم يكتسب صفة التاجر.
الوجه الرابع: تقدير أجرة السمسار:
غالبية القوانين العربية لا تحدد اجرة السمسار، وإنما
تنص على أنه يتم تحديد الأجرة في عقد السمسرة ذاته فإن لم يتم تحديده في عقد
السمسرة فيقوم القضاء بتقديره في ضوء الجهد الذي بذله السمسار والوقت الذي صرفه في
سبيل إنجاز المهمة وفي ضوء العرف السائد المستقر، بحسب ماورد في الحكم محل تعليقنا،
وفي هذا المعنى نصت المادة (327) من القانون التجاري اليمني على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في
الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف، فإذا لم يوجد
عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في
القيام بالعمل المكلف به)، وكذا أشار
القانون المدني في المادة (٨٥٥ ) إلى اجرة السمسرة أو السعاية
فقد نصت تلك المادة على ان (أجرة الدلال أن باع العين بنفسه وبإذن صاحبها
على البائع، ويعتبر العرف أن سعى بين البائع والمشتري وباع المالك بنفسه).
ولا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت
وساطته إلي إبرام العقد، ويستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد طالما وقد تحققت الغاية من العقد، اما إذا
كان العقد معلقا علي شرط واقف فلا يستحق السمسار الأجرة الا اذا تحقق الشرط حسبما ورد
في المادة (328) تجاري التي نصت على أنه (لا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته
إلى إبرام العقد ولو لم ينفذ كله أو بعضه وإذا كان العقد معلقاً على شرط واقف لم
يستحق السمسار أجره إلا إذا تحقق الشرط).
ويتم في عقد السمسرة تحديد الطرف الذي يدفع اجرة
السمسار، فإذا لم يتضمن عقد السمسرة ذلك فإن الطرف الذي يجب عليه دفع الأجرة هو
الطرف الذي قام بتكليف السمسار بحسب ماورد في المادة (329) تجاري التي نصت
على أنه (إذا كان السمسار مفوضاً من طرفي العقد، استحق أجراً من كل منهما ويكون كل
من العاقدين مسئولاً تجاه السمسار بغير تضامن بينهما عن دفع الأجر المستحق عليه
ولو اتفقا على أن يتحمل أحدهما جميع نفقات السمسرة).
الوجه الخامس: تقدير اجرة السمسار بحسب قواعد العرف السائد:
بما أن القانون التجاري اليمني وغيره من القوانين
العربية لم يحدد أجرة السمسار وأحال تحديدها إلى الاتفاقات الثنائية
والقواعد العرفية، إضافة إلى سلطة القاضي في تقديرها بحسب العرف السائد والجهد المبذول
من قبل السمسار، لذلك ينبغي الإشارة إيجار إلى دور العرف في تحديد اجرة السمسار،
سيما ان الحكم محل تعليقنا قد صرح بأنه لايتم العمل بالعرف في تحديد اجرة السمسار الا
اذا كان العرف قد استقر على تحديد اجرة السمسار، ولذلك من المناسب الإشارة بايجاز
إلى دور العرف في هذا الشأن .
فالعرف مصدر أساسي تستمد منه الكثير من المعاملات
أساسها، ويظهر دور العرف في بعض المجالات
والتعاملات أكثر من غيرها لقدمها أو لكثرة
تعامل أفراد المجتمعبها، فنتيجة لذلك نشأت قواعد عرفية تعارف افراد المجتمع عليها وشعروا بإلزاميتها اتجاهه، ويعرف
بعض الفقه العرف أنه درج الناس– عامة أو فئة منهم- على إتباع سلوك معين بصدد
مسألة معينة لمدة طويلة مع رسوخ الاعتقاد لديهم بإلزام هذا السلوك، وبأن مخالفته
تستتبع توقيع جزاء مادي.
وبشأن أجرة السمسار،فقد صرح القانون التجاري
بإحالة تقديرها إلى القواعد العرفية ، لأن القانون ذاته لم يحدد اجرة السمسار ولم
يبين طرق احتسابها، فأحال إلى العرف الذي وجب على القاضي في حالة النزاع الحكم
وفقه، وهنا نقول أنه في حالة عدم نشوء النزاع واتفاق الأطراف على الأجرة المحددة
عرفا، أو عدم اتفاقهم ولكن قبول المتعاقد لمبلغ الأجرة الذي يطلبه السمسار ، ففي
هذه الحالة فلامشكة ، لكن الإشكال يظهر عندما ينازع الطرف المتعاقد في الأجرة التي
يطلبها السمسار ، فيتم رفع النزاع إلى القاضي للبت فيه، فعندئذٍ يجب على القاضي عند
تحديده لاجرة السمسار بحسب قواعد العرف يجب القاضي الانطلاق من قواعد أساسية تحكم
العرف ، أولها قاعدة أن من يدعي وجود عرف يجب عليه إثباته، فكما هو معروف أن
قواعد العرف هي قواعد معنوية غير مكتوبة في وثائق رسمية كما هو الحال بالنسبة
للقوانين والنظم ، وتبعا لذلك يمكن لأي شخص الادعاء بأن العرف يحدد اجرة السمسار
بنسبة معينة مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ، لأجل ذلك يجب
على كل من يدعي العرف أن يثبت وجوده أمام المحكمة ووجود شروط العرف الشرعية
والقانونية ، وفي الحكم محل تعليقنا كان القاضي قد ألزم السمسار
بإثبات العرف ومن خلال محاولة السمسار إثبات العرف وجدت المحكمة أن العرف المدعى
به غير مستقر أو ثابت، و إثبات العرف مسألة صعبة، وفي بعض الأحيان يتم الاعتماد
على الخبراء من اهل الحرفة للشهادة على
اجرة السمسار بحسب ماهو متبع في العرف.
كما أنه يجب على القاضي العلم بالعرف، فادعاء السمسار بأن اجرته مبلغ
معين أو نسبة معينة ، فعندئذٍ يجب على القاضي أن لا يمتنع عن البت في النزاع ، بعلة عدم معرفة
العرف والعلم به ، وإلا كان القاضي منكرا للعدالة، وهذه المسألة عمليا صعبة على
القاضي، فكيف له أن يعرف كل القواعد العرفية وشعبها واختلافها ، لكن القاضي يستعين بذوي الخبرة في مجال السمسرة ، وأساس
ذلك المادة (327) من القانون التجاري اليمني
التي احالت إلى القاضي إلى العرف. (أجرة السمسار بين القواعد العرفية والتدخلات – دراسة في ضوء أبرز النسب العرفية وأحدث
التوجهات القضائية غير المنشورة، د. معاذ فخصي، ص3).
وبما أن المادة (327) من القانون التجاري اليمني قد
نصت على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في
القانون أو في الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد
عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في
القيام بالعمل المكلف به)، وبما انه قد سبقت الإشارة إلى النصوص الشرعية
والقانونية التي تقرر أن يتم تقدير إجرة السمسار على أساس الجهد الذي بذله السمسار وهي
نصوص صريحة لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير الا أن ثقافة الفساد في اليمن أبت الا ان
تخالف تلك النصوص وان تقرر نسبة مبالغ فيها من قيمة المبيع كإجرة السمسار وقد
أشارت إلى هذه النسبة المذكرات المقدمة من السمسار المشار إليها في الحكم محل
تعليقنا التي اوصلها السمسار إلى 10٪ من
قيمة المبيع، مع النسب المعمول بها في بعض الدول العربية لاتزيد على 2،5٪ كالمغرب،
وتقدير اجرة السمسار ب10٪ ونسبة هذا التقدير إلى العرف يخالف الشريعة والقانون -
حيث أن العرف المخالف للشريعة والقانون لاعتبار له على أساس انه عرف فاسد حسبما
يقرر علماء الأصول ولذلك فقد التفت الحكم محل تعليقنا عن الأخذ بهذه النسبة التي طلبها السمسار وقد ذكر الحكم محل تعليقنا ان العرف غير مستقر
على تحديد اجرة السمسرة بنسبة 101 ٪ من قيمة الصفقة محل عقد البيع حيث قام الحكم بتقديرها على أساس الجهد الذي
بذله الساعي والجهد الذي صرفه في سبيل إنجاز المهمة حسبما هو مذكور في الحكم محل
تعليقنا .
ولذلك فنحن نوصي بتعديل المادة (327) من القانون
التجاري اليمني حتى يتم تقدير السمسرة على أساس الجهد المبذول من السمسار والوقت
الذي صرفه وليس بحسب العرف حسبما ورد في
المادة (327)
تجاري التي نصت على أنه (إذا لم يعين أجر
السمسار في القانون أو في الاتفاق عين وفقا لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد عرف
قدره القاضي تبعا لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل
المكلف به) لذلك فإننا نوصي بحذف عبارة (عين وفقا لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد
عرف) من النص القانوني السابق فيتم
الاقتصار على تقدير اجور السمسار عند عدم الاتفاق على تقدير القاضي لها بحسب جهد
السمسار والوقت الذي صرفه في إنجاز المهمة التي تم تكليفه بها.
الوجه السادس: شروط استحقاق السمسار للاجرة:
عقد السمسرة من عقود المعاوضة ، وعلى هذا الأساس فمتى كان على السمسار
القيام بالمهمة المنوطة به لأجل إيجاد طرف متعاقد فإن من حقوقه أخذ مقابل عن تلك
المهمة واستحقاق أجر عنها ، وهذا الأجر إما أن يكون نسبة مئوية متفق عليها بينه
وبين الشخص الذي قام بتوكيله أو مبلغا
محددا يتم الاتفاق عليه ، على أنه إذا لم يتم تعيين الأجرة في عقد السمسرة، فإن
السمسار يستحق أجره بحسب الجهد الذي بذله
والوقت الذي صرفه أو بحسب العرف الجاري به العمل في مهنة السمسرة وإذا لم يوجد عرف
ترك ذلك للقضاء لتعيين هذا الأجر.
على أن السمسار أو الوسيط لكي يستحق الأجر يتعين
عليه أن ينجز التعاقد بين الطرفين الأصليين ، أما في حالة إذا لم يتم العقد فإنه لا يستحق الأجر حسبما هو مقرر
في القانون اليمني ، اما في القانون المغربي فإن السمسار يستحق أجراً ولو لم يبرم العقد الذي
توسط فيه وإنما فقط نتيجة للمعلومات التي قدمها للأطراف.
وهناك من يذهب إلى توجه القانون المغربي توجها
محموداً يتوافق وما تتطلبه مهنة السمسرة من خبرة وحنكة، والتي تشجع السمسار بضرورة
إحاطة المتعاقدين بكل المعلومات الدقيقة التي تخص موضوع التعاقد حتى يكونوا على
بينة من الأمر ، وحتى لا يبقى الهاجس الأكبر أمام السمسار هو إبرام العقد من أجل
الحصول على الأجر وبالتالي كتم مجموعة من الأسرار والمعلومات التي تهم محل العقد
والتي قد يكون لها أثراً كبيراً على أحد المتعاقدين، وقد جاء في إحدى قرارات محكمة
النقض المغربية عدد 1202 المؤرخ في 3 / 11 / 2004 ملف تجاري رقم 1067 / 3 / 1 /
2002 ” أجرة السمسار قد يكون مبلغا معينا ، وقد يكون نسبة معينة من الصفقة التي
تقع على يد السمسار ، وإذا لم يقع الاتفاق على تعيين الأجر ، فعلى القاضي أن يحدده
مستعينا في ذلك بالعرف ، فإن لم يجد قام بتقديره حسب ما بذله السمسار من جهد ووقت
لإبرام الصفقة ”، وهو ما سارت عليه محاكم الموضوع ، حيث جاء في أحد قرارات محكمة
الإستئناف التجارية بفاس ما يلي :” وحيث إنه لما كانت حقوق والتزامات الوسيط محددة
بنص القانون المومأ إليه أعلاه ، إلا أنه يبقى الأجر الذي يستحقه مقابل الأعمال
والمجهودات التي قام بها وكذا المعلومات التي قدمها للأطراف والكل من أجل التوفيق
بين الإرادتين لإحداث أثر قانوني ، طالما لم يثبت من الاتفاق ولا من العرف تحديده
– المادة 419 من مدونة التجارة – أن يوكل للمحكمة هذا الأمر وأنها بما لها من سلطة
تقديرية في ملائمة الأجر المستحق للوسيط مقابل الجهود المبذولة من طرفه ترى تحديده
في مبلغ 40000 درهم ” (قرار رقم 259 الصادر في الملف عدد 1793 /07 بتاريخ 14
فبراير 2008 (قرار غير منشور ) ).
وفي قرار آخر صادر عن المحكمة ذاتها جاء فيه :” لكن حيث إن ظهير 12/
1/ 1945 الصادر بشأن مهنة الوسطاء لم يحدد أجرة السمسار عند المنازعة ، وإنما أسند
الفصل الأخير منه أمر تحديدها إلى مرسوم سيصدر فيما بعد ، ولم يصدر هذا المرسوم
إلى الآن . لذلك يرجع في تحديدها إلى تقدير المحكمة طبقا للمادة 419 من مدونة
التجارة ويقضي بها طبقا للفصل 510 من ق ل ع، وحيث إن محكمة الإستئناف وبما لها من
سلطة تقديرية في هذا الصدد ومراعاة منها لظروف العملية الخاصة التي قام بها
السمسار والوقت الذي تطلبه وطبيعة الخدمة التي قام بها لفائدة بائع العقار ، ارتأت
أن الحكم المستأنف بتحديده الأجرة في 10000 درهم قد علل تعليلا كافيا وصادف الصواب
، الأمر الذي ينبغي معه تأييده، وحيث يتعين تحميل كل مستأنف مصاريف استئنافه ”
(قرار رقم 280 الصادر في الملف عدد 119 / 99 بتاريخ 26 / 4 / 1999 (قرار غير
منشور) ).
وهذا هو التوجه
ذاته الذي أكدته المحكمة التجارية بمراكش
في قرار لها جاء فيه : “وحيث إن الوساطة من أجل القيام بشراء منزل للمستأنف ثابتة
من خلال رسالته الجوابية الموجهة إلى دفاع المستأنف عليه لذلك فإن المستأنف يكون
محقا في المطالبة بأجرة وساطته ، إلا أنه في غياب ما يفيد تحديد الأجرة باتفاق أو
عرف فإنه يبقى من حقه تقديرها في إطار سلطتها التقديرية طبقا للفصل 419 من مدونة
التجارة …” (قرار رقم 253 صادر بتاريخ 9 / 3 / 2004 (قرار غير منشور)
وعلى هذا الأساس
فإن استحقاق السمسار للأجر يستوجب توافر شرطين أساسيين :
” إن العقد المبرم بتاريخ 16 يناير 1964
يتضمن شرط واقف وهو أن العمولة تؤدى للسمسار يوم إمضاء رسم البيع، وحيث إن محكمة
الإستئناف أبعدت تطبيق هذا الشرط لعلة أنه أضيف إلى العقد تعسفيا ودون موافقة
السمسار دون أن تبين الأسباب والمستندات التي اعتمدتها لتكوين اقتناعها هذا، الأمر
الذي يجعل قرارها غير معلل تعليلا كافيا” (قرار رقم 201 الصادر في الملف المدني
عدد 29678 بتاريخ 20 ماي 1977 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 25 الإصدار
الرقمي 2000 ، ص 94 ) .
3 – ضرورة وجود تفويض من قبل المتعاقد الذي قام بتوسيط السمسار : فقد ذهب القضاء المغربي إلى ضرورة توفر هذا
الشرط لاستحقاق السمسار للأجر، بالإضافة إلى شرطي قيام السمسار بمهمته وأن ينعقد
العقد نتيجة سعي السمسار ، وقد اعتبرها شروطا ضرورية ومتلازمة يترتب على تخلفها
حرمان السمسار من الأجر لكن يحق له المطالبة بالتعويض عما بدله من جهد إذا كان
لهذا الجهد أثر في التعاقد .
ونشير إلى أنه يمكن أن يتفق الطرفان على أداء اجور
السمسار حسبما هو مقرر في المادة (329) تجاري يمني التي نصت على أنه )إذا كان
السمسار مفوضاً من طرفي العقد، استحق أجراً من كل منهما ويكون كل من العاقدين
مسئولاً تجاه السمسار بغير تضامن بينهما عن دفع الأجر المستحق عليه ولو اتفقا على
أن يتحمل أحدهما جميع نفقات السمسرة)،. (حق السمسار في الأجرة والإشكالات
المرتبطة بها،
دراسة عملية، الأستاذ عبدالقادر بنعدو، قاض بالمحكمة التجارية بفاس بالمغرب،
ص3).
الوجه السابع: حق السمسار في استرداد المصاريف والمطالبة بالتعويض:
أولا : حق السمسار في استرداد المصاريف : اما
مصير المصاريف التي سبق للسمسار ان دفعها في سبيل إنجاز الصفقة أو العقد فقد بينت
ذلك المادة (330) تجاري يمني التي نصت على أنه (لا يجوز للسمسار استرداد المصروفات
التي تحملها في تنفيذ العمل المكلف به إلا إذا تم الاتفاق على ذلك، وفي هذه الحالة
تستحق المصروفات ولو لم يبرم العقد).
فيلتزم المتعاقد الذي كلف السمسار ان برد كل
المصاريف الضرورية التي أنفقها السمسار لمباشرة المهام الموكولة إليه بمقتضى عقد
السمسرة، غير أنه يجب التمييز بين المصاريف العادية وبين المصاريف غير العادية ،
فالأولى تعني تلك المصاريف التي يتطلبها عمل السمسرة دائما والتي يرد عليها
الاتفاق بينه وبين عميله، فالمصاريف العادية هي يتطلبها القيام بأعمال السمسرة ،
وبالتالي فالسمسار ملزم بنفقات السمسرة ويأخذها من الأجر الذي يحصل عليه في حالة
إبرام العقد وفي حالة عدم إبرامه فإنه لا يمكن مطالبة العميل بها لأنها تدخل في
المصاريف العادية ، إلا أنه في حالة ما إذا تم الاتفاق على ذلك فإنه يحق للسمسار
الرجوع على عميله بالمطالبة بالمصاريف غير العادية التي أنفقها ولو لم يتم إبرام
العقد.
في حين أن المصاريف غير العادية هي تلك المصاريف
التي أنفقها السمسار لأجل القيام بمهامه غير أن الاتفاق لا يشملها ، وفي هذه
الحالة إما أن يتم قبولها من لدن العميل ، وفي حالة العكس يسوغ للسمسار الرجوع على
هذا الأخير ومطالبته قضائيا .
ثانيا : حق السمسار في التعويض : إن إبرام
العقد الذي توسط فيه السمسار، أو بدل جهد ومساع على أحسن وجه من أجل التقريب بين
المتعاقدين ، حتى ولو لم يتم إبرام العقد المراد الوصول إليه يجعل لهذا الأخير
الحق في الأجر ، هذا على خلاف التشريع اليمني الذي اشترط تحقق النتيجة وهي إبرام
العقد لاستحقاق السمسار للأجر ، إلا أنه قد يؤدي السمسار المهمة الموكولة إليه دون
أن يتم إبرام العقد ويتكبد في سبيل إنجاح وساطته خسائر أو قد يتصرف الموسط الذي
كلفه بنحو قد يسبب له ضرر ، ففي هذه الحالة يحق له المطالبة بالتعويض. (حق
السمسار في الأجرة والإشكالات المرتبطة بها، دراسة عملية، الأستاذ عبدالقادر
بنعدو،
قاض بالمحكمة التجارية بفاس بالمغرب، ص3).
الوجه الثامن: تعديل أجر السمسار:
ولا يجوز للقاضي تعديل اجرة السمسار الا اذا تم
تقدير الأجرة بعد قيام السمسار بانجاز المهمة أو الصفقة، حيث يجوز تخفيض الأجور
وليس زيادتها، وفي هذا الشأن نصت المادة (333) تجاري يمني على أنه (لا يجوز للمحكمة
أن تخفض أجر السمسار إذا كان غير متناسب مع الخدمات التي أداها إلا إذا
تعين مقدار الأجر أو دفع الأجر المتفق عليه بعد إبرام العقد الذي توسط فيه السمسار).
وكذا القانون المغربي اجاز تخفيض أجرة السمسار ولم
يجز زيادتها فقد نصت المادة 415 من مدونة التجارة المغربية في فقرتها الثالثة على أنه : ” إذا كان
الأجر المتعهد به للسمسار يفوق ما تتطلبه الخدمة فيمكن طلب تخفيضه ما لم يكن الأجر
قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد”، فنجد أن النص القانوني قد أعطى للمحكمة حق
تخفيض أجر السمسار ، ولكنه أوقف ذلك على شرط وحيد ألا هو أن يكون الأجر يفوق ما
تتطلبه الخدمة .
ويلاحظ أن القانون المغربي لم يحددا معنى ما
تتطلبه الخدمة الواردة بالمادة 415 من مدونة التجارة ، ، مع العلم أنه أشار من
خلال المادة 419 من نفس المدونة عند تقدير المحكمة لأجر السمسار أن تراعي ظروف
العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة التي قام بها .
ومع ان القانون لم يكن صائباً في الجزء الأول من المادة المذكورة ، إلا أنه كان منصفا في الجزء الثاني بالنسبة للسمسار عندما نص على أنه إذا كان أجر السمسار المطالب تخفيضه قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد الذي توسط فيه فلا يجوز تخفيض الأجر، وفي صدد هذه الجزئية كان يحبذ ترك الحرية للقاضي في تقدير الحالات المستجدة التي قد تعرض عليه عند النظر في حالة المطالبة بتخفيض الأجر. (حق السمسار في الأجرة والإشكالات المرتبطة بها، دراسة عملية، الأستاذ عبدالقادر بنعدو، قاض بالمحكمة التجارية بفاس بالمغرب، ص3).
الوجه التاسع: مسئولية السمسار:
في حال تسبب السمسار بضرر لأحد أطراف الصفقة التي توسط فيها فيجب عليه الضمان والتعويض، وقد يلحق الضرر بـٍالطرف الذي فوض السمسار بهذا العمل ويخضع في تحمله الجزاء حال الإضرار للمسؤولية العقدية، وقد يلحق الضرر بالطرف الذي لم يفوض السمسار ويخضع في تحمله الجزاء للمسؤولية التقصيرية.
ويكون
السمسار مسئولا قبل الطرفين عما يصدر منه من غش أو خطأ جسيم ” فالخطأ العادي
البسيط لا يرتب مسئولية السمسار يلتزم بعدم التعاقد مه نفسه ويجوز له ذلك أن كان
مأذون له من الطرف الآخر في هذه الحالة لا يستحق أجرة .
وفي هذا
الشأن نصت المادة (334) تجاري يمني على أن (يكون السمسار مسئولاً عن الخطأ الذي
يرتكبه في تنفيذ العمل المكلف به)، وفي السياق ذاته نصت المادة (338) تجاري يمني على أنه (إذا أناب
السمسار غيره في تنفيذ العمل المكلف به دون أن يكون مرخصاً له في ذلك ، كان مسئولا
عن عمل النائب كما لو كان هذا العمل قد صدر منه هو ويكون السمسار أو نائبه
متضامنين في المسئولية. وإذا رخص للسمسار في إقامة نائب عنه دون أن يعين شخص
النائب لم يكن السمسار مسئولاً إلا عن خطئه في اختيار نائبه أو عن خطئه فيما أصدره
له من تعليمات وفي جميع الأحوال يجوز لمن تعاقد مع السمسار ونائب السمسار أن يرجع
على كل منهما).
الوجه العاشر: طرق إثبات عقد السمسرة:
ونبين طرق إثبات عقد السمسرة كما يأتي:
أولاً : شهادة الشهود:
وقد
اثبت الحكم محل تعليقنا عقد السمسرة عن طريق شهادة كاتب البصيرة وشهود البصيرة،
وذلك جائز طالما كان من الجائز إثبات عقد السمسرة بكافة طرق الإثبات، ومن ثم فيجوز
إثباته بالبينة (أي بشهادة الشهود)، لأن الشهادة في قانون الإثبات اليمني تحتل
المرتبة الأولى في مراتب طرق الإثبات حسبما هو مقرر في المادة حسبما هو مقرر في
المادة (13) من قانون الإثبات اليمني.
ثانيا: الإثبات بقرائن الأحوال:
ثالثا: إثبات عقد السمسرة بالكتابة:
لما كان ذلك، وكانت رسائل البريد الإلكتروني
الصادرة من ممثل الشركة المطعون ضدها تجعل الالتزام المُدعى والواقعة المراد
إثباتها “قريبة الاحتمال”، ومن ثم فيمكن اعتبار ذلك مبدأ ثبوت بالكتابة، وطالما
أكملته الشركة الطاعنة بقرائن الأحوال وشهادة الشهود على النحو السالف ذكره، فيكون
لهذا الدليل قوة الدليل الكتابي الكامل في الإثبات، ناهيك عن أن القانون لا يشترط
إثبات عقد السمسرة (بوصفة من العقود التجارية) بالكتابة أصلاً. وإن كان ذلك يعتبر
بمثابة دليل تكميلي يضاف إلى ما سبق التدليل به على صحة إدعاء الشركة الطاعنة في
دعواها.
(طرق اثبات عقد السمسرة كما حددها القانون
الكويتي، نشر بواسطة محاماة نت، ص10) .
الوجه الحادي عشر: موقف الشريعة الإسلامية من عقد السمسرة:
السمسرة في الشريعة الإسلامية هي السعاية، وهي
العمل الذي يقوم به الشخص ومن ذلك قوله تعالى (وان ليس للإنسان إلا ما سعى وان
سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى) وكذا قوله تعالى (وان سعيكم لشتى) وعلى
هذا فإن السعاية في مجال بيع وشراء العقارات وغيرها هي قيام الشخص بإعداد قاعدة
بيانات تتضمن البيانات والعناوين اللازمة للأراضي والعقارات المراد بيعها أو
شراؤها وعناوين الراغبين بالبيع والشراء وشروطهم ومتطلباتهم وتقديم الاستشارات
اللازمة لهم من حيث استكمال الوثائق و المستندات اللازمة لإتمام التصرفات في
العقارات وغيرها المراد التصرف فيها، كما أن الساعي يقوم بتنظيم وتنسيق المواعيد و
المقابلات فيما بين البائع والمشتري و
متابعتهما لهذه الغاية، كما أن الساعي يقوم بالتوفيق بين البائع و المشتري وتقريب
وجهات النظر مستفيدا من المعلومات والخبرات التي اكتسبها من خلال عمله في مجال
السمسرة حيث ان لديه البيانات اللازمة عن الأسعار ومتوسطها بحسب الزمان والمكان.
والسعاية في الشريعة الإسلامية يجب أن يتم
تقديرها على أساس الجهد و السعي الذي بذله الساعي فعلا عملا بقوله تعالى (وان ليس
للإنسان إلا ماسعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزى الجزاء الاوفى) فهذه الآية الكريمة
تقرر أن الأجر ينبغي أن يكون مساويا للسعي الذي يبذله الإنسان، كما أن الله تبارك
وتعالى يقرر أن مساعي الناس وجهودهم تختلف من حيث ثمارها وعائداتها ومقاديرها
واوقاتها وان الأجر ينبغي أن يكون متناسبا معها فقد قال تعالى (وان سعيكم لشتى)،
كما أنه قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (أجرك على قدر نصبك) اي ان
أجرها على قدر تعبها وجهدها كما أنه من الأصول المقررة في فقه الشريعة الإسلامية (التقابل أو المساواة بين الأجر
والعمل) اي انه ينبغي أن يكون العوض مساويا إلى حد ما لما يقابله، وقد خرج بعض
الفقهاء منها قاعدة (تقابل العوضين) بمعنى المساواة بينهما، والنصوص والقواعد في
هذا الباب كثيرة لايتسع المجال لمجرد الإشارة إليها في هذا التعليق الموجز، وبناء
على ذلك فإن تحديد نسبة معينة من قيمة المبيع تدفع للسعاة بصرف النظر عن الجهد
الذي قاموا به فعلا أمر غير مقبول في الشريعة الإسلامية،كما أن الشريعة الإسلامية ترفض بشده ان يكون ثمن كلمة
الساعي : (هذا البيت للبيع) ثمنها عشرة مليون ريال على افتراض أن قيمة البيت (٠٠٢) مليون، فوفقا لأحكام الشريعة الإسلامية
يجب على الساعي أن يثبت الجهد الذي قام به والوقت الذي أمضاه في سبيل التوفيق بين
البائع والمشتري وكذا المال الذي دفعه في سبيل التوفيق وفي ضوء ذلك يتم تقدير
السعاية التي يستحقها نظير سعيه كما فعل القاضي الشجاع في الحكم محل تعليقنا.
القواعد الشرعية والقانونية المعتبرة تشترط أن
تكون هناك مساواة فيما بين الالتزامات المتقابلة بمعنى ينبغي أن تكون هناك مساواة
فيما بين الجهد الذي يبذله الساعي وبين مبلغ السعاية المستحقة للساعي ولا بأس من
حدوث تفاوت يسير لا يزيد عن ٠١% حتى لايكون هناك غبن، لأن الغبن من عيوب
الإرادة.
ومن خلال دراسة النصوص والقواعد التي تناولت السعاية نجد أن هناك معايير لتقدير السعاية ومنها الجهد المبذول من الساعي المتمثل في حضوره إلى مقر البائع والمشتري واتصالاته ومتابعته لهما والأشخاص الذين استعان بهم والخدمات والاستشارات التي قدمها للبائع والمشتري والنتيجة التي توصل إليها في سعيه والوقت الذي استغرقه في التوفيق بين البائع والمشتري ومساعيه للتوفيق بينهما عند اختلافهما في مسائل وتفاصيل البيع وكذا المبالغ التي صرفها خلال الفترة التي امضاها في سبيل التوفيق بين البائع والمشتري، وتبعا لذلك قد تزيد أو تنقص السعاية بحسب السعي فلا تكون مبلغا معلوما او نسبة محددة من قيمة المبيع حسبما هو مقرر في العرف الفاسد المخالف للشريعة والقانون، والله أعلم.
![]() |
إثبات عقد السمسرة في القانون اليمني |