حجية وثيقة الإنفصال بين الورثة

حجية وثيقة الإنفصال بين الورثة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

وثيقة الإنفصال بين الورثة هي محرر كتابي يصرح فيه الورثة الحاضرون البالغون الذكور بأن القسمة قد تمت بينهم بالتراضي وان كل واحد منهم قد استلم واستوفى نصيبه من تركة مورثهم، ويتضمن رقم الإنفصال او وثيقة الإنفصال الإشارة إلى انه قد تم تحرير الوثيقة بعد أن تمت إجراءات القسمة الرضائية بموافقة جميع الورثة، وتفيد وثيقة أو رقم الإنفصال بين الورثة الإقرار بأن كل وارث قد استلم نصيبه من تركة مورثه.

ويدل رقم الإنفصال على أن القسمة قد تمت صحيحة وان حالة الشيوع في التركة قد انتهت بإنفصال كل وارث بنصيبه، حسبما اشار الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-10-2012م في الطعن رقم (45740)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه إنه: (من خلال مطالعة المحكمة لمستند الدفع فقد وجدت محرر الإنفصال المؤرخ..... الذي جاء فيه إنه وقع التراضي والإنفصال بين...... وبين...... الحاضر عن نفسه وعن أولاده و...... و.......، وانهم قد اقروا بالإنفصال بعد قسمة متروك الحرة....... المتوفاة عن والدتها....... وعن زوجها...... وولديها.......) ، وبناءً على ذلك فقد قضت المحكمة الابتدائية بعدم قبول دعوى القسمة، وقد قضى الحكم الاستئنافي بإلغاء الحكم الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي إنه: (أن الحكم الابتدائي لم يوافق الصواب عندما قضى بعدم سماع الدعوى، لأن رقم الإنفصال الحاكي الإنفصال بين.... وبين..... وبين...... لا يكفي للجزم بعدم سماع دعوى المدعي)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا إنه: (بالمطالعة والتأمل لأسباب الحكم الاستئنافي المطعون فيه فقد تبين: أن الحكم الاستئنافي قد ناقش أدلة الطاعنين واعتبرها غير صحيحة، وقد وجدت الدائرة: أن أسباب الطعن قد تعلقت بموضوع النزاع الذي يدخل في إختصاص محكمة الموضوع، وبناءً على ذلك فقد توصل الحكم الاستئنافي إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى وثيقة الإنفصال:

وثيقة الإنفصال أو (رقم الإنفصال) في بعض لهجات اليمن عبارة عن: وثيقة يقر فيها الورثة ويتصادقوا بأنهم قد قاموا بقسمة تركة مورثهم بالتراضي فيما بينهم، وان إجراءات القسمة قد تمت بنظرهم وبموافقتهم وأنهم قد استلموا انصبتهم الشرعية من تركة مورثهم ، وإنه لم يعد لهم أي حق أو دعوى أو طلب بشأن أموال التركة التي تمت قسمتها.

وتسمى هذه الوثيقة: وثيقة إنفصال أو رقم إنفصال: لأن مفادها أن حالة الشيوع في تركة المورث قد زالت بقسمة التركة الشائعة وحصول كل وارث على نصيبه الشرعي ، وان الورثة قد انفصل كل واحد منهم عن غيره فيما يتعلق بأموال التركة المقسومة ، ويتم التوقيع على الوثيقة من قبل جميع الورثة.

الوجه الثاني: التكييف الشرعي والقانوني لوثيقة الإنفصال بين الورثة:

من خلال ما ورد في الوجه الأول من هذا التعليق يظهر أن الوثيقة المشار إليها هي عبارة عن إقرار من قبل كل وارث بأن إجراءات القسمة السابقة على تحرير الوثيقة قد تمت صحيحة وبموافقته وإنه قد استلم نصيبه من التركة وإنه لم يعد له أي حق أو دعوى بشأن أموال التركة التي سبقت قسمتها.

 ومن جانب آخر فإن ماورد في هذه الوثيقة يعد مصادقة من كل وارث على غيره بأنه قد اقر بصحة إجراءات القسمة وان كل وارث قد استلم نصيبه، فبموجب هذه الوثيقة فإن كل وارث يقر عن نفسه ويصادق على غيره من الورثة.

الوجه الثالث: دلالة وثيقة إنفصال الورثة عن بعضهم:

من خلال ما سبق في الوجه الأول يظهر أن وثيقة الإنفصال تدل على تمام إجراءات القسمة السابقة على تحريرها، وان إجراءات القسمة قد تمت بالتراضي وان كل وارث قد استلم نصيبه من التركة، وان حالة الشيوع في أموال التركة قد انتهت بالقسمة واستلام كل وارث لنصيبه.

الوجه الرابع: حجية وثيقة الإنفصال بين الورثة:

تقتصر حجية هذه الوثيقة على الورثة دون غيرهم، لأن الورثة وحدهم الموقعون على تلك الوثيقة والمصادقون على صحتها وصحة ما ورد فيها، فتكون هذه الوثيقة حجة للورثة على بعضهم، كما أنها في الوقت ذاته تكون حجة للغير في مواجهة الورثة، لأن الوثيقة بمثابة إقرار ومصادقة من الورثة على ما ورد فيها.

الوجه الخامس: شروط صحة وثيقة الإنفصال بين الورثة:

سبق القول: بأن وثيقة الإنفصال عبارة عن مخالصة نهائية بين الورثة وإقرار منهم ومصادقة على إنتهاء إجراءات القسمة وإستلام كل وارث لحقه، وإنه لم يعد لأي من الورثة أي حق أو دعوى أو طلب بشأن أموال التركة المقسومة، وبناءً على ذلك فإن وثيقة الإنفصال لها آثارها البالغة الخطورة مما يعني وجوب توفر الشروط اللازمة حتى تكون هذه الوثيقة صحيحة لها حجيتها الشرعية والقانونية، ومن أهم هذه الشروط ما يأتي:

1- الأهلية: يشترط أن يكون الوارث الموقع والمصادق على وثيقة الإنفصال بالغاً عاقلاً حراً مختاراً عالماً بمضمون وثيقة الإنفصال والآثار المترتبة عليها.

2- أن يكون الوارث الموقع على وثيقة الإنفصال حاضرا بنفسه، لأن القسمة الرضائية لا تصح إذا كان من ضمن الورثة صغيراً أو قاصراً أو غائباً.

3- أن يثبت فعلاً تمام القسمة وإستلام كل وارث لنصيبه وإلا فإن الوثيقة تكون صورية، وقد كان سبب إلغاء الحكم محل تعليقنا للحكم الابتدائي أن هذا الحكم كان قد اعتمد على وثيقة الإنفصال من غير أن يتثبت من تمام اجراءات القسمة وإستلام كل وارث لنصيبه الشرعي من خلال الوثائق التي تدل على ذلك، والله اعلم.

حجية وثيقة الإنفصال بين الورثة
حجية وثيقة الإنفصال بين الورثة

مقالات أخرى: