نفقة المطلقة الحامل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
المطلقة الحامل تستحق نفقتها من مطلقها حتى لو كان الطلاق بائناً بينونة كبرى، لأن المطلقة الحامل في هذه الحالة مثقلة بحملها بسبب زوجها الذي طلقها ولاجله، فمولودها منسوب إلى ابيه ويحفظ نسله، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 21-12-2012م في الطعن رقم (47640)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي ورد ضمن أسبابه: (فالمدعية تستحق نفقة الحمل من المدعى عليه على الرغم من أن الطلقة كانت الثالثة وصار الطلاق بائناً بينونة كبرى، ومع أن حكم الطلاق البائن عدم إستحقاق الزوجة للنفقة عملاً بالمادة (87) من قانون الأحوال الشخصية إلا أن المدعية حامل من المدعى عليه ،ولذلك فهو ملزم بالإنفاق عليها إلى أن تنتهي عدة الحامل ، حسبما هو مقرر في المادة (151) أحوال شخصية) ، وعند إستئناف الحكم الابتدائي قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين أن ما اثاره الطاعن في عريضة طعنه من الأسباب غير مؤثرة على الحكم المطعون فيه ، لأنها عبارة عن مجادلة في وقائع الموضوع التي سبق له طرحها أمام محكمتي أول درجة وثاني درجة فهي تكرار لها، ولذلك فان الطعن لا يوجد فيه أي مسوغ قانوني من المسوغات المقررة في المادة (292) مرافعات ، مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: نفقة المطلقة الحامل في قانون الاحوال الشخصية اليمني:
نصت المادة (151) أحوال شخصية التي استند إليها الحكم محل تعليقنا نصت على إنه (تجب على الزوج نفقة زوجته المطلقة منه رجعياً والحامل مطلقاً إلى أن تنتهي من العدة)، فقد صرح هذا النص على إستحقاق المطلقة الحامل للنفقة مطلقاً أي سواءً أكانت مطلقة طلاقاً رجعياً أم بائناً بينونة كبرى أو صغرى أو مفسوخ نكاحها طالما انها حامل، فهذا هو معنى جملة (والحامل مطلقاً) الواردة في النص القانوني السابق.
الوجه الثاني: بداية نفقة المطلقة الحامل:
من المعروف أن نفقة الزوجة الحامل قبل طلاقها تكون على زوجها بإعتبار إنه يجب على الزوج الإنفاق على زوجته بمقتضى أحكام الشرع والقانون سواءً أكانت حائلاً (غير حامل) او حاملاً، وكذلك المطلقة الحامل تستحق النفقة من تاريخ طلاقها إذا كانت علامات الحمل قد ادركتها ومنذ ذلك التاريخ يستمر واجب الانفاق قائما على مطلق الحامل حتى تاريخ وضع المطلقة لحملها وإنقطاع دم نفاسها، لأن دم النفاس وإن كان لا يمنع من زواج المطلقة بغير مطلقها ، لأن عدة الحامل تنتهي اصلا بعد وضع حملها مباشرة، ان دم النفاس يحوّل دون دخول الزوج الجديد بها فتكون أثناء نفاسها محبوسة عن الوطء بسبب مطلقها.
الوجه الثالث: مكونات نفقة المطلقة الحامل:
مكونات نفقة المطلقة الحامل مثل مكونات نفقة الزوجة غير المطلقة المقررة في المادة (150) أحوال شخصية التي نصت على إنه (تجب النفقة للزوجة كيف كانت على زوجها كيف كان من وقت العقد ان شرطت وإلا فمن تاريخ الزفاف غذاء وكساء ومسكناً وفراشاً ومعالجة وإخداماً، والعبرة بحال الزوج يسراً وعسراً ، وتقدم نفقة الزوجة على غيرها من النفقات)، ووفقاً لهذا النص فإنه يجب على المطلق أن يوفر لمطلقته الحامل الغذاء والملابس والمسكن وفراش المسكن ومصاريف علاجها والخادمات اللاتي يتولين خدمتها حتى تضع حملها وينقطع نفاسها.
وبناءً على ما ورد في النص القانوني السابق فإن مكونات نفقة المطلقة الحامل هي:
1- الغذاء: ويتكون من الوجبات الثلاث (الفطور والغداء والعشاء)، ويتم تحديد مكونات كل وجبة بإختلاف المناخ، فوجبات الصيف تختلف عن وجبات الشتاء، علاوة على إختلاف حالة المنفق من حيث الايسار والإعسار، ومراعاة حال الزوج في هذه الحالة هو الأولى من حال المطلقة، بمعنى انه إذا كانت المطلقة من اسرة غنية معتادة على الغذاء الباهض الثمن في الوجبات الثلاث فإن المعتبر هو حال الرجل المطلق عملاً بقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، اما إذا كان الزوج غنياً او مؤسراً فإن الغذاء يتم تقديره بحسب الظروف المالية للزوجة وبما يلبي إحتياج المطلقة التي تنتمي الى اسرة مؤسرة.
2- الكساء: وهو كسوة المطلقة الحامل اثناء فترة حملها حتى إنقطاع نفاسها، وأقل الكسوة عند الفقهاء كسوتان كسوة للصيف وكسوة للشتاء وكسوة العيدين الأضحى والفطر، ويتم تقدير الكسوة بالنظر إلى حال الزوج أولاً ثم حال الزوجة على النحو السابق بيانه عندما اشرنا إلى الغذاء أي بحسب ماهو معتاد في المدينة أو المنطقة أو البلدة.
3- المسكن: إذ يجب على المطلق ان يوفر لمطلقته الحامل السكن المناسب لوضعه المالي والمناسب للمكانة او المركز الإجتماعي والمالي للمطلقة، وقد يكون السكن مملوكاً للرجل المطلق ، وقد يقوم المطلق بإستئجاره لمطلقته الحامل، ويجب على القاضي عند تقدير نفقة سكن المطلقة الحامل أن يراعي العرف المعتاد في المنطقة وحال الرجل المنفق وحال المطلقة.
4- الفراش: أي فراش المسكن الذي تسكنه المطلقة الحامل، ويجب عند تقديره مراعاة الحالة المالية للرجل المأمور بالإنفاق وحال الزوجة ومركزها الاجتماعي إضافة إلى العرف المعتاد في المنطقة او البلدة وظروف المناخ والطقس كالشتاء والصيف.
5- العلاج: وهو الدواء الذي تتعالج به المطلقة من أمراضها القديمة او الأمراض التي تصيبها بعد الطلاق أثناء حملها بما في ذلك نفقات المعاينة والفحوصات والتحاليل والكشوف الطبية وتكاليف العمليات الجراحية وتكاليف وضع الحمل في المستشفى او اجور القابلة خارج المستشفى، ونفقات العلاج هي نفقة ضرورية ولذلك يجب على الرجل المطلق دفعها لمطلقته، فلا تخضع مصاريف العلاج للتقدير لأنها مقدرة أصلاً.
6- الأخدام: وهن ما يسمى بالشغالة او الشغالات او المرأة التي تقوم بخدمة ورعاية المطلقة الحامل اثناء حملها وفي فترة وضع الحمل والنفاس حتى انقطاعه، ويتم تقدير نفقة الاخدام بالنظر إلى حال الرجل المطلق أولاً ثم حال المرأة المطلقة بالإضافة إلى مراعاة ما جرى عليه العرف.
7- اجور رضاعة المطلقة لوليدها: من المعلوم أن الوليد او المولود يحتاج بعد وضعه إلى رضاعة اقلها ثلاثة أيام حتى يرضع ما يسميه الفقهاء (باللباء) ، وتمتد فترة الرضاعة حتى بلوغ المولود سن العامين، وخلال هذه الفترة فإن المطلقة تستحق اجور الرضاعة عملاً بالمادة (137) أحوال شخصية التي نصت على إن (تستحق الأم المرضعة رزقها وكسوة مثلها من مثله بالمعروف لمدة لا تزيد على عامين من وقت الولادة وتكون ديناً لا يسقط بالتقادم)، ومعنى هذا النص أن المرأة المطلقة بعد وضعها لحملها تستحق نفقة الرضاعة لمدة سنتين ، ومن الملاحظ أن نفقة المطلقة قبل وضع الحمل تكون أكثر من حيث مكوناتها (كالسكن والعلاج والاخدام) كما يلاحظ أن نفقة المطلقة أثناء نفاسها تتداخل مع نفقتها أثناء الرضاعة ، بمعنى إنه لا يحتسب للمرأة المطلقة أثناء النفاس إلا نفقة غذاء وكسوة واحدة فقط بمعنى إنه لا يتكرر إستحقاق المطلقة للغذاء والكسوة بوصفها حامل مع نفقة الغذاء والكسوة بوصفها مرضعة، فلا تستحق المطلقة إلا نفقة غذاء وكسوة واحدة.
الوجه الرابع: موجبات إستحقاق المطلقة الحامل للنفقة:
من المعلوم أن المرأة المطلقة طلاقاً رجعيا مازالت زوجة حكمية لمطلقها، ولذلك فإنها تستحق نفقتها من زوجها على هذا الأساس، غير ان المطلقة طلاقاً بائناً بينونة صغرى تعتبر أجنبية عن مطلقها فلا يجوز لمطلقها العودة إليها إلا بعقد جديد غير انه إذا كانت حاملا فانها تستحق النفقة من مطلقها حتى تضع حملها وينقطع نفاسها ، اما المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى فتصير أجنبية كما، فلا يجوز لمطلقها العودة إليها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره فيطلقها الزوج الأخير، وعلى هذا الأساس فإن المطلقة طلاقاً بائناً لم تعد زوجة حقيقة أو حكماً إلا إنه إذا كانت هذه المطلقة حاملاً فأنها تستحق النفقة الشرعية خلال فترة حملها حتى تضع حملها وينقطع نفاسها بحسب ما سبق بيانه، والسبب الموجب لذلك أن المطلقة الحامل مشغولة بحملها ونفاسها بسبب مطلقها ولأجل المولود الذي ينسب إلى مطلقها ويدعى إليه ويحفظ نسله، والله اعلم.
![]() |
نفقة المطلقة الحامل |
مقالات ذات صلة