المسكن المستقل للزوجة

المسكن المستقل للزوجة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

وفقاً لقانون الأحوال الشخصية اليمني فأنه يجب على الزوج توفير المسكن المناسب للزوجة الذي تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها واطفالها، وتستطيع الزوجة أن تقوم بواجباتها الزوجية حيال زوجها وتختلي فيه بزوجها.

وفي الفقه الإسلامي والقانون اليمني تتفاوت شروط السكن الشرعي للزوجة بحسب الحالة المالية للزوجين وبحسب المركز الاجتماعي والمالي لهما وبحسب العرف السائد في البلدة أو المنطقة الا ان الاصل هو المسكن المستقل للزوجة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-2-2012م في الطعن رقم (48334)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (كون الثابت أن سبب مغادرة المرأة لبيت زوجها هو ان ذلك البيت مختلط بين الزوج واخوانه واخواته، فقد كان ذلك سبب عدم إستقرار الزوجة نفسياً بين ابويه واخوانه وأخواته ،ومطالبتها بالسكن المنفرد، وذلك من حقها شرعياً كي تأمن على نفسها ومالها وأولادها، فاللازم على الزوج إعداد مسكن مستقل)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (وبالرجوع والتأمل في أسباب ومنطوق الحكم الاستئنافي ومقارنتها بالطلبات المدونة في الحكم الابتدائي فقد تبين: عدم صحة ما ورد في عريضة الطعن، وإن الحكم الاستئنافي موافق للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن موضوعاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السكن المستقل للزوجة في الفقه الإسلامي:

قال تعالى مخاطباً الأزواج {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، فالزوج هو المأمور شرعاً بالإنفاق على زوجته ولو كانت موسرة، والإنفاق على الزوجة هو قيام الزوج بتوفير الغذاء والكسوة والسكن والعلاج والأخدام بحسب القدرة المالية للزوج والمركز الاجتماعي والمالي للزوجين معا ، وبحسب المعتاد والمتعارف عليه في البلدة او المدينة او المنطقة.

وبناءً على ذلك فأنه يجب في الشريعة الإسلامية على الزوج أن يوفر لزوجته السكن الشرعي الذي يتناسب مع قدرته المالية والمركز الاجتماعي والمالي للزوجين معا وبحسب المسكن الشرعي الذي يعده الازواج الاخرون المماثلون للزوج في المركز المالي والاجتماعي في المدينة او البلدة التي يقيم فيها الزوجان .

ومن عظمة الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل الناس في أي زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها من عظمة هذه الشريعة الخالدة التالدة انها قررت فقط الشروط التي يجب توفرها في المسكن الشرعي التي تمثل الحد الأدنى للسكن الشرعي وتركت الشريعة تفاصيل المسكن الشرعي ومكوناته لامكانيات وقدرات الازواج المتفاوتة بحسب تفاوت الامكنة والازمنة، فقد قرر الفقه الإسلامي الشروط الآتية في المسكن الشرعي:

1- ان يكون مسكن الزوجة آمناً: ولا يكون المسكن كذلك إلا إذا أمنت الزوجة في المسكن على نفسها وأطفالها وملابسها وأموالها وحاجياتها، فقد ذهب الفقه الإسلامي إلى إنه يجب أن يكون المسكن الشرعي في منطقة العمران أي في منطقة عامرة بالمساكن والسكان تأمن فيها الزوجة على نفسها وأطفالها وحاجياتها ، فلا يجوز في الفقه الإسلامي أن يكون المسكن الشرعي للزوجة في المناطق النائية غير العامرة بالمساكن والسكان ولا في أطراف المدن والبلدات التي يقصدها الأشرار والفساق والعصاة ،والتي لا تصل إليها قبضة الدولة وسلطات الأمن.

وعلى هذا الأساس فإذا قام الزوج بإسكان زوجته في مسكن مشترك مع اخوانه واخواته المعروفين بالشر والفسوق والعصيان وأرباب السوابق والمعاصي فإن الزوجة لا تكون آمنة على نفسها في هذا المسكن وان كان عامرا بالسكان، لأن الشر والخوف ياتيها من داخل المسكن وليس من خارجه، والخوف من سكان المسكن الأشرار اخطر من الخوف من الشر القادم من خارج المسكن، ففي هذه الحالة يتخلف شرط من أهم شروط السكن الشرعي في الفقه الإسلامي بل أن هذا الشرط هو الأهم.

2- ان يكون سكن الزوجة متناسباً مع حال الزوج والزوجة معا: فهذا الشرط مستفاد من قوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: (7)]، والمقصود بحال الزوج وحال الزوجة في هذا الشرط الحالة المالية او القدرة المالية والمركز او المكانة الاجتماعية للزوجين بين أفراد المجتمع وامثال الزوجين في المجتمع، ولذلك يتفاوت السكن الشرعي بحسب هذا الشرط ، فقد يكون المسكن الشرعي قصراً إذا كانت الزوجة من بنات الملوك والسلاطين والأثرياء والواجهات الاجتماعية، وقد يكون المسكن الشرعي فيلا او شقة او غرفة نوم وحمام في منزل وهو الحد الأدنى للسكن الشرعي، وبحسب ما تقدم في هذا الشرط فإن مفهوم إستقلال السكن الشرعي للزوجة مفهوم متفاوت في الشريعة والفقه الإسلامي بحسب تفاوت القدرة المالية للازواج وبحسب تفاوت المراكز الاجتماعية للازواج وبحسب اختلاف المناطق والاعراف والعادات السائدة في المناطق المختلفة.

3- ان يكون المسكن الشرعي للزوجة مماثلا لمساكن الازواج الاخرين المماثلين للزوج في المركزين المالي والاجتماعي في البلدة او المدينة أو المنطقة.

4- ان يكون المسكن الشرعي للزوجة متناسباً مع عرف البلدة الموجود فيها المسكن ، ولاريب أن السكن الشرعي يختلف بإختلاف الازمنة والأمكنة، بحسب المساكن المتعارف عليها في الأزمنة والأمكنة المختلفة، فالسكن الشرعي قبل أربعين عاماً مثلاً يختلف عن المسكن الشرعي عام 2025م، كما أن المسكن الشرعي في اليمن يختلف عن المسكن الشرعي في الخليج، كما أن المسكن الشرعي في المدينة يختلف عن المسكن الشرعي في البادية.

5- أن لا يترتب على المسكن الإضرار بالزوجة: وهذا الشرط في حقيقة الأمر شرط عام يجمع شروط المسكن الشرعي جميعها فهو ضابط لكل شروط المسكن الشرعي، فإذا ترتب على الزوجة الضرر في المسكن الذي اعده الزوج لها فقد تخلف شرط المسكن الشرعي ، فمثلاً إذا كان المسكن بين جيران من أهل الشر والفسوق فلا يكون شرعاً ، لأن الزوجة تتضرر من جيران السوء، كذلك لايكون المسكن شرعيا إذا كان المسكن في منطقة ينتشر فيها الوباء لأن الزوجة تتضرر من ذلك، وكذا لايكون المسكن شرعيا إذا كان المسكن مع اخوان الزوج واخواته الأشرار او مع أولاده الأشرار من زوجة أخرى ، وكذلك الحال إذا كان المسكن يجمع بين الزوجتين الضرتين فلا يكون المسكن شرعياً، لأن الزوجتين تتضررا من جمعهن في دار واحدة، فاسم الضرة يعني كثيرة الضرر الذي يصدر منها على ضرتها الاخرى. (الوجيز في أحكام الأسرة، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص60).

الوجه الثاني: المسكن المستقل للزوجة في قانون الأحوال الشخصية اليمني:

اشترطت المادة (40) أحوال شخصية على الزوجة أن تنتقل إلى منزل الزوجية الذي يعده زوجها مالم تكن قد اشترطت على الزوج في العقد البقاء في دارها او دار أهلها، واوجبت المادة (41) أحوال شخصية على الزوج ان يعد لزوجته سكناً شرعياً يليق بمثله من مثله أي يجب أن يكون المسكن الشرعي لائقاً بالنظر إلى المركز المالي والاجتماعي للزوج نفسه او بأمثاله من الأزواج في المنطقة او البلدة المساوين له في المركزين الاجتماعي والمالي.

اما المادة (42) أحوال شخصية فقد جمعت الشروط الواجب توفرها في المسكن الشرعي، فقد نصت هذه المادة على ان (1- يشترط في المسكن الشرعي أن يكون مستقلاً تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها ، ويعتبر في ذلك حال الزوج ومسكن امثاله وعرف البلد وعدم مضارة الزوجة، وللزوج ان يسكن مع زوجته أولاده منها ومن غيرها ولو كانوا بالغين وابويه ومحارمه من النساء إذا كان إسكانهم واجباً عليه بشرط إتساع المسكن لسكناهم وعدم مضارة الزوجة ، وان لا تكون قد اشترطت غير ذلك عند العقد -2- لا يحق للزوج أن يسكن مع زوجته ضرة لها في مسكن واحد إلا إذا رضيتا بذلك ويحق لها العدول متى شاءت).

 وقد سبق لنا ان شرحنا بإيجاز في الوجه السابق شروط المسكن الشرعي للزوجة في الفقه الاسلامي ، وهذه الشروط هي ذاتها التي وردت في قانون الاحوال الشخصية اليمني ، لانه قد اخذ هذه الشروط من معين الفقه الاسلامي ، ولذلك لاحاجة لإعادة شرح شروط المسكن الشرعي للزوجة في القانون خشية الاطالة والتكرار، والله اعلم.

المسكن المستقل للزوجة
المسكن المستقل للزوجة

مقالات ذات صلة