استحقاق الزوجة للسكن المستقل
أ.د / عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة
صنعاء
من الإشكاليات الواقعية العملية ماهية المسكن
المستقل للزوجة هل هو غرفة نوم أم فيلا ام شقة ام عشة ، وماهي المعايير والضوابط
التي ينبغي مراعاتها عند تحديد السكن الشرعي للزوجة ، هذه الاشكاليات ربما تكون سهلة عندما تكون هناك زوجة واحدة لكنها
تتعقد حينما يكون للزوج أكثر من زوجة حيث يقرر الشرع والقانون للزوجة الثانية ان تطالب بمسكن مستقل لها ، وهذه الاشكاليات
كثيرة الوقوع ونرى انها تحتاج الى التوعية بشأنها ولفت الانظار اليها ، ولذلك
اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها
المنعقدة بتاريخ 17/10/2010م في الطعن الشخصي رقم (43906) لسنة 1431هـ وتتلخص
وقائع هذه القضية ان رجلاً تزوج زوجة ثانية واسكنها في منزله مع زوجته الأولى وبعد
مدة ذهبت الزوجة الثانية الى بيت والدها ورفضت العودة الى منزل زوجها للسكن مع
الزوجة الأولى واثناء بقاء الزوجة الثانية في منزل والدها وضعت مولودتها الأولى
وبعد مضي تسعة اشهر من الولادة تقدم الزوج بدعوى امام المحكمة المختصة أدعى فيها
نشوز الزوجة الثانية وعدم تمكينه من رؤية طفلته وانه لم يراها قط منذ ولادتها ،
وحينما حضرت الزوجة الثانية الى المحكمة ردت على دعوى زوجها وتقدمت بدعوى مقابلة
طلبت فيها الزام الزوج بدفع نفقتها المالية وتكاليف علاجها وولادتها واعداد مسكن
شرعي مستقل لها حتى تتمكن من العودة اليه مع طفلتها الى منزل الزوجية، وقد سارت
المحكمة الابتدائية في اجراءاتها حتى توصلت الى الحكم (بالزام الزوج باعداد مسكن
شرعي لزوجته مستقلاً عن زوجته الأولى والزام الزوجة بالرجوع الى سكن الزوجية
والزامهما بالعشرة الحسنة بما يحقق مصلحة الاسرة وقضت المحكمة برفض دعوى النفقة
المقدمة من الزوجة ومصاريف الولادة لثبوت استلام والد المدعية لتلك النفقة
والمصاريف والزام الزوج بتسليم نفقة طفلته للفترة الماضية من تاريخ ولادتها ويتحمل
كل طرف مصاريف التقاضي ، فلم تقبل الزوجة بالحكم الابتدائي فقامت باستئناف الحكم
حيث استجابت محكمة الاستئناف فقبلت
استئنافها الجزئي فيما يتعلق بالنفقة والتكاليف حيث قضى الحكم الاستئنافي بالغاء
الفقرة في منطوق الحكم الابتدائي التي كانت تنص على رفض دعوى الزوجة التي طلبت
فيها النفقة ومصاريف العلاج والولادة وبدلاً عن هذه الفقرة قضى الحكم الاستئنافي
(الزام الزوج بتسليم مبلغ ثلاثة وخمسين الف ريال لزوجته ثمن العلاجات والعملية
القيصرية وكذا الزام الزوج بتسليم خمسين الف ريال لزوجته نفقتها المادية وبالنسبة
لطلب الزوجة بالذهب الذي بذمة زوجها فهذه دعوى جديدة لم يسبق لها طلبها امام
المحكمة الابتدائية) فلم يقبل الزوج بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن بالنقض في
الحكم الا ان المحكمة العليا رفضت الطعن واقرت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن
اسباب حكم المحكمة العليا ( فمن خلال الاطلاع فقد وجدت الدائرة ان ما نعاه الطاعن
من مخالفة الحكم المطعون فيه لاحكام الشرع والقانون عندما حكم بالنفقة من دون مسوغ قانوني وتجاهل
الحكم نشوز المطعون ضدها وقد ردت الزوجة
على الطعن بان النشوز لا يكون الا اذا كان الزوج قد قام بتوفير المسكن
الشرعي ونفقتها ، وبعد الدراسة والمداولة فقد تبين للدائرة ان الحكم المطعون فيه
حينما قضى بالزام الزوج بالنفقة الواجبة عليه للزوجة وتوفير مسكن شرعي مستقل عن
زوجته الأولى والزام الزوجة بالعودة الى سكن الزوجية جاء موافقاً للشرع والقانون
استناداً الى المادتين (149 ، 150) احوال شخصية ولذلك فان ما ورد في الطعن من
اسباب ليس لها محل لعدم توفر اية حالة من حالات الطعن بالنقض
المنصوص عليها في المادة (292) مرافعات مما يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على
هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : وجوب النفقة على الزوجة وأنواعها وضوابطها :
وفقاً لاحكام الشريعة والقانون فان الزوج
ملزم بالانفاق على زوجته لانها مامورة بالقرار في دارها وتتكون النفقة من السكن
والغذاء والكساء والدواء ولذلك نجد الحكم
محل تعليقنا قد قضى بالزام الزوج بتوفير السكن ودفع تكاليف النفقة السابقة ونفقات
علاجها وولادتها ، واستند الحكم في ذلك الى المادة (150) احوال شخصية التي قررت وجوب نفقة الزوجة على زوجها وحددت مكونات
هذه النفقة وانواعها وبعض ضوابطها حيث نصت هذه المادة على انه (تجب النفقة للزوجة
كيف كانت على زوجها كيف كان من وقت العقد ان شرطت والا فمن تاريخ الزفاف غذاء
وكساء ومسكناً وفراشاً ومعالجة والعبرة بحال الزوج يسراً أو عسراً وتقدم نفقة
الزوجة على غيرها من النفقات) ونلاحظ من صيغة النص ان النفقة واجبة ولذلك فان
الزوج اثم شرعاً اذا قصر في ذلك لانه قد عطل ً ما أمر الله به كما انه يستوجب
اقتضاء النفقة منه جبراً فضلاً عن
معاقبته اذا كان موسراً ولذلك فان امتناع
الزوج عن دفع النفقة المحكوم بها لزوجته يعد جريمة في كثير من الدول ، كما ان هذا
النص قد عدد انواع النفقة بما فيها السكن والعلاج التي اشار اليها الحكم محل
تعليقنا ، اضافة الى ان النص قد قرر ان المعتبر في تقدير النفقة حال الزوج من حيث
ايساره واعساره وان كان حال الزوجة معتبر من حيث اعتيادها في دار اهلها للنفقة حيث
ينبغي على الزوج ان يراعي حالة الزوجة
المعيشية وعاداتها في هذا الشأن في دار اهلها وكذا مثيلاتها في المستوى الاجتماعي
والثقافي والاقتصادي فلايحق للزوج الانقاص من نفقتها عما كانت عليه بين أهلها
وقريباتها الا ان ذلك يكون بحسب حال الزوج من حيث الايسار والاعسار لانه المأمور
بالانفاق بحسب طاقته واستطاعته عملاً بقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}.
الوجه الثاني : شروط وضوابط السكن والنفقة الشرعية للزوجة :
بعد ان أوجب
القانون للزوجة النفقة على زوجها بكل انواعها بما في ذلك السكن الشرعي والنفقة
حسبما ورد في المادة (150) احوال شخصية السابق ذكرها في الوجه الأول قرر القانون
صراحة في المادة (41) احوال شخصية على انه يجب على الزوج ان يوفر لزوجته السكن
الشرعي حيث نصت المادة (41) احوال شخصية على انه يجب على الزوج لزوجته ما يلي :-
1- اعداد سكن شرعي مما يليق مثله من مثله 2- نفقة وكسوة مثله من مثله 3- العدل بينها
وبين سائر زوجاته اذا كان للزوج اكثر من زوجة 4- عدم التعرض لأموالها الخاصة 5-
عدم اضرارها مادياً ومعنوياً) وهذا النص يؤكد حقوق الزوجة في النفقة والسكن الا
انه تضمن ضوابط ذلك ومن هذه الضوابط ضابط ( ما يليق مثله من مثله) والمقصود بذلك
ان يكون السكن والنفقة لائقين مثل السكن
والنفقة التي يقدمها امثال الزوج في اليسار والحالة الاجتماعية والاقتصادية لان
ذلك ظاهر في كلمة (يليق) واذا تعدد امثال الزوج فيؤخذ بأوسطهم ، كما ان من ضوابط
النفقة المذكورة في النص السابق ( العدل بين الزوجات) وهذا يقتضي المساواة بين
الزوجات في السكن والنفقة فاذا كانت يسكن احدى زوجاته في فيلا فيجب عليه ان يسكن
الاخرى في فيلا مماثلة وكذلك الحال بالنسبة للنفقة على انه ينبغي مراعاة ان
المقصود بالعدل بين الزوجات الزوجات انفسهن وليس اولادهن لان الزوجة التي لها
اولاد اكثر تحتاج الى نفقة يومية اكثر من تلك التي لا اولاد لها أو لها اولاد اقل
وكذا بالنسبة لغرف المسكن ، ومن الضوابط والاشكاليات أيضاً (ضابط حال الزوجة) أي
ينبغي على الزوج ان يراعي حال الزوجة من حيث مكانتها الاجتماعية والثقافية
والاقتصادية بين مثيلاتها من قريباتها لان حال الزوجة معتبر في تقدير نفقتها سواء
في الشريعة ام القانون حسبما ورد في
المادة (150) احوال شخصية السابق ذكرها التي نصت على انه ( تجب النفقة للزوجة كيف
كانت على زوجها كيف كان) وهذا الضابط يعد مشكلة حقيقية عندما يكون الزوج متزوجاً
من زوجات متفاوتات في احوالهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية – فكيف يوفق الزوج
او القاضي بين هذا الضابط وضابط وجوب العدالة بين الزوجات: ومن وجهة نظرنا: انه
ينبغي على الزوج او القاضي تغليب ضابط العدالة على ضابط حال الزوجة لتلافي الضغائن
والاحقاد بين الزوجات الضرات التي سوف تسري العداوة فيما بينهن الى اولادهن ،
اضافة الى الضوابط السابقة فهناك شروط في المسكن الشرعي للزوجة حيث نصت المادة
(42) احوال شخصية على ان يشترط في المسكن الشرعي ان يكون مستقلاً تأمن فيه الزوجة
على نفسها ومالها ويعتبر في ذلك حال الزوج ومسكن امثاله وعرف البلد وعدم مضارة
الزوجة ويجوز له ان يسكن مع زوجته
أولاده منها اومن غيرها ولو كانوا بالغين
وابويه ومحارمه من النساء اذا كان اسكانهم واجباً عليه بشرط اتساع السكن لسكناهم
وعدم مضارة الزوجة وان لا تكون قد اشترطت غير ذلك عند العقد) حيث اكد هذا النص على
ان المعتبر في تقدير النفقة وسكن الزوجة
حال الزوج وامثاله في القرابة والمستوى الاقتصادي والاجتماعي وعرف البلاد ومناخها
وعدم الاضرار بالزوجة ، وقد اضاف هذا النص الضابط الامني لسكن الزوجة أي انه يجب
يكون المسكن امناً فلا يكون في اطراف المدن او في احياء مشهورة بالعصابات والفساق
، كما ان هذا النص قد ذكر ضابط (استقلال المسكن) واقل هذا المسكن المستقل ان يكون
لها غرفة يكون مفتاحها بيد الزوجة تضع
فيها مالها واحتياجاتها وتختلي بزوجها
فيها هذا اذا كان الزوج معسراً اما اذا كان ذلك فان السكن يكون مثل سكن امثاله في
المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فقد يكون قصرا او فيلا.
الوجه الثالث : سكن الزوجة الثانية :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد
قضى بحق الزوجة الثانية بسكن مستقل عن زوجته الأولى؛ وسند الحكم في ذلك المادة
(42) احوال شخصية السابق ذكرها التي اشترطت في السكن ان لايكون فيه مضارة بالزوجة فالزوجة تتضرر كثيراً من سكنها
مع ضرتها ولذلك اطلقوا عليهن الضرات من اضرارهن ببعضهن خاصة في العصر الحاضر ، كما
ان المادة (42) قد قررت في الفقرة (2) بانه (لا يحق للزوج ان يسكن مع زوجته ضرة
لها في سكن واحد الا اذا رضيا بذلك ويحق لها العدول متى شاءت) فعلى هذا الاساس فان
المادة (42) قد منعت المضارة بالزوجة وقررت ان اسكانها مع غيرها من الزوجات فيه
اضرار بها ينبغي منعه.
الوجه
الرابع : لا يحكم للزوجة باكثر من نفقة سنة سابقة وتوصيتنا للمقنن اليمني :
من الملاحظ ان الحكم محل تعليقنا قد قضى للزوجة بنفقة سنة سابقة فقط عملاً بالمادة (156) احوال شخصية التي نصت على انه (لا يحكم للزوجة باكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية مالم يتفق الزوجان على خلاف ذلك) التي كانت نافذة قبل عام 2003 حيث تم تعديل القانون والغاء هذه المادة التي كانت تتضمن ظلم عظيم للزوجات الصابرات القابعات في منازل اهلهن لسنوات طويلة ليس بسبب نشوزهن وانما بسبب فساد بعض الازواج ومعاملتهم السيئة التي اجبرت تلك الزوجات على مغادرة بيوت الزوجية اضطرارا وليس نشوزاً؛ والله اعلم.