وجوب وفاء الزوج بالتزاماته الخطية

  

وجوب وفاء الزوج بالتزاماته الخطية

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يقوم الزوج بتحرير وثأئق تتضمن إقراره بانه ملتزم بالقيام ببعض الاعمال سداد دين للزوجة أو لأهلها أو يعيد ذهبها او يسدد نفقتها السابقة وغير ذلك، فوفقاً للقواعد العامة للإثبات بالإقرار فانه يجب على الزوج الوفاء بالتزاماته التي تتضمنها تلك المحررات، وفي بعض هذه المحررات يقرر الزوج بانه يقبل بان لا تعود الزوجة إلى بيت الزوجية إلا اذا قام بالوفاء بالتزاماته الواردة في تلك المحررات، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب على الزوج احترام هذا الالتزام وعدم المطالبة بعودة الزوجة إلى بيت الزوجية طالما والزوج لم يقم بتنفيذ الشرط او الالتزام، والحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13/12/2009م الطعن رقم (40649) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الزوج قام بتحرير وثيقتين بعد زواجه وانجابه لابنة التزم في الوثيقة الأولى بدفع مهر الزوجة وفي الوقت ذاته قام الزوج بتحرير وثيقة أخرى التزم بموجبها بتوفير منزل مستقل للزوجة، وقد قام الزوج برفع دعوى ضد والد زوجته طلب فيها الزامه بإعادة زوجته إلى منزل الزوجية فقدمت الزوجة المحررين الصادرين من الزوج وطلبت الزام الزوج بالوفاء بما ورد فيهما، فقضت المحكمة الابتدائية بالزام الزوجة بالعودة إلى منزل  الزوجية والزام الزوج بدفع نفقة ابنته فقط، فقامت الزوجة باستئناف الحكم حيث قضت الشعبة الشخصية بتعديل الحكم الابتدائي حيث تضمن منطوق الحكم الاستئنافي الزام الزوج بسداد  المهر الذي اقر والتزم بدفعه وكذا  توفير  مسكن مستقل للزوجة بالإضافة إلى الزام الزوج بدفع نفقة الزوجة وابنته للفترة الماضية، واستند الحكم الاستئنافي في قضائه إلى المحررين الصادرين عن الزوج، فقام الزوج بالطعن بالنقض في الحكم، غير ان الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فان ما ورد في عريضة الطعن يدحضه الواقع حيث ان الشعبة طبقت الشرع والقانون بإصدار حكمها المطعون فيه الذي قضى بتعديل الحكم الاستئنافي على اساس تنفيذ التزامات الطاعن  الواردة في المحررين المحررالأول، وهو المحرر الذي التزم فيه الطاعن بإيجاد منزل منفرد لزوجته اسوة بزوجته الأولى وتضمن المحرر الثاني إقرارا من الطاعن بأن في ذمته لوالد زوجته مبلغ مائة وخمسين الف ريال مهراً لزوجته وانه  يقبل بان تبقى زوجته في منزل والدها وان لا تنتقل إلى منزل زوجها الطاعن إلا بعد تسليم المبلغ المذكور  فاالطاعن لاينكر المحررين المذكورين، فزوجته ملازمة لمنزل والدها دون نفقة ومصاريف الولادة، وهو مالم تناقشه محكمة أول درجة فما قامت به محكمة الاستئناف من صميم اختصاصها بتصحيح وإصلاح الحكم الابتدائي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الطبيعة القانونية للمحررين الصادرين من الزوج لصالح الزوجة :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان المحررين الصادرين من الزوج لصالح زوجته هما عبارة عن إقرار كتابي بخط الزوج مشهود عليه وبذلك تنطبق عليه أحكام الإقرار الكتابي المشهود عليه المذكور في قانون الإثبات الذي قرر حجية هذا الإقرار في الإثبات وانه يلزم المقر الوفاء بما اقره به، فضلاً عن ان الإقرار في هذه الحالة يجعل الشى المقر به خالياً من النزاع وواجب الوفاء، فلا يحق للمقر المنازعة فيما سبق له ان اقر به، ولذلك فقد إلزام الحكم محل تعليقنا الزوج بالوفاء بما اقر به في المحررين المشار اليهما فقد ذكر الحكم ان الزوج لا ينكر صدور المحررين منه ولذلك فلا يحق له المنازعة فيما اقر به.

الوجه الثاني : مدى شرعية مضمون المحررين الصادرين من الزوج :

تنفيذ الالتزامات او الاقرارات تستلزم الوقوف على الشيء المقر به وما اذا كان من الجائز للشخص ان يقر به أم لا، إذ لا يجوز للشخص ان يقر باشياء يمنعها الشرع اوالقانون، ويجوز له ان يلزم نفسه عن طريق الاقرار بالإشياء التي لا يلزمه بها الشرع والقانون، ويجب عليه الوفاء بالالتزامات التي يوجبها عليه الشرع والقانون حتى ولو لم يقر بها، وعند التأمل في المحررين الصادرين من الزوج نجد ان المحرر الأول التزم بموجبه بسداد مهر زوجته فالشرع والقانون يندبا تعجيل دفع المهر وبناءً على ذلك فان التزام الزوج بتعجيل المهر جائز كما ان هذا المحرر قد تضمن في الوقت ذاته بقاء الزوجة في بيت ابيها حتى يقوم الزوج بدفع مهرها وهذا امر لا تمنعه الشريعة او القانون، في حين كان المحرر الثاني الصادر من الزوج قد تضمن التزام الزوج بإعداد مسكن مستقل للزوجة الثانية وهذا الأمر جائز أيضاً وفقاً لأحكام الشريعة وقد صرح بذلك قانون الأحوال الشخصية، وعلى هذا الأساس فانه من الواجب حمل الزوج على الوفاء بالتزاماته الواردة في المحررين المشار اليهما، وعلى هذا الأساس أيضاً قضى الحكم محل تعليقنا بالزام الزوج بالوفاء بما ورد فيهما فلم يعتبر الحكم الزوجة ناشزاً في هذه الحالة وقضى لها الحكم بالنفقة ومصاريف الولادة.

الوجه الثالث : استحباب تعجيل المهر :

تعجيل المهر مستحب في كل الأحوال حتى لو ذكر عقد الزواج انه مؤجل، لان المهر مقابل البضع فيلزم الزوج تعجيل المهر طالما وقد استوفى البضع، ولذلك فانه من المستحب ان يعجل الزوج دفع المهر ولو كان مؤجلاً، ومما يلاحظ انه في حالات كثيرة ان المهر المؤجل لا يتم دفعه للزوجة نفسها وإنما يتم دفعه لورثتها بعد وفاتها مع انه مقابل البضع، وهذا الأمر يتنافى مع أحكام الشريعة في هذا الشأن، والله اعلم.