عدم الحيلة في تصرف المورث لوارثه

عدم الحيلة في تصرف المورث لوارثه

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

ينبغي التفرقة بين تصرفات المورث غير المنطوية على حيلة على الورثة الآخرين فهذه التصرفات جائزة وفقا للمادة (464) من القانون المدني اليمني، في حين ان تصرفات المورث لوارثه التي تنطوي على حيلة لاتصح الا إذا اجازها الورثة بعد وفاة مورثهم المتصرف ، ومن المقرر في الفقه الإسلامي وفي قانون الاحوال الشخصية اليمني عدم جواز الوصية للوارث أو وارثه الا إذا اجاز الورثة ذلك بعد وفاة مورثهم الموصي ، وكذلك لاتصح الهبة ومشتبهاتها كالهدية والصدقة والنذر والعمرى والرقبى من المورث لوارثه أو وارث وارثه الا إذا اجاز الورثة تلك التصرفات بعد وفاة المورث ، لان حكم هذه التصرفات حكم الوصية لوارث التي لاتصح الا إذا اجازها الورثة بعد وفاة مورثهم، وقد تناولنا هذا الموضوع في تعليق سابق، وكذا لا يجوز أي تصرف آخر من المورث لوارثه إذا أنطوى على حيلة كالبيع الصوري من المورث لوارثه، غير أن تصرف المورث إلى وارثه الذي لاينطوي على حيلة يكون صحيحاً،

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14-12-2011م في الطعن رقم (43471)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه:

(فقد كان الإطلاع على الحكم المطعون فيه فوجدناه: موافقاً من حيث النتيجة لأحكام الشرع والقانون فيما توصل إليه الحكم بصحة التصرف الحاصل من ورثة الطرفين لما أوضحه واستند إليه الحكم ، حيث لم يكن ذلك التصرف منطوياً على حيلة ، وإنما كان لتبرئة ذمة المورث من حقوق عليه لإبنته وزوجته، ومن ثم فلا تأثير لما اثير في الطعن بشأن ذلك )،

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: المقصود بتصرف المورث لوارثه الذي ينطوي على حيلة:

سبق القول أنه لا تصح وصية أو هبة او مشتبهاتها من المورث للوارث أو وارثه ، حسبما هو مقرر في المادة (186) أحوال شخصية إلا إذا أجاز الورثة ذلك بعد وفاة مورثهم، وتلحق بالهبة من حيث حكمها التصرفات المشابهة للهبة كهدية المورث لوارثه أو نذره للوارث أو صدقته للوارث الذي لايندرج ضمن المستحقين للصدقة أو مايعرف بالعمرى وهو ان يقول المورث لوارثه: ملكتك هذه المزرعة طول عمرك أو طول عمري ، وكذا مايعرف بالرقبى وهو ان يقول المورث لوارثه: ملكتك هذه الدار فان مت قبلي عادت الدار لي وان مت قبلك فهي لك ولذريتك من بعدك .

ومع ذلك يجوز للمورث أثناء حياته أن يهدي أو يهب أو ينذر لورثته أو يتصدق عليهم أو ينذر لهم أو يتصرف لهم بتصرف العمرى والرقبى السابق ذكرهما شريطة أن تكون التصرفات الصادرة من المورث قد قامت على المساواة بين الورثة بحسب الفريضة الشرعية لكل وارث ، ففي هذه الحالة لاتحتاج تصرفات المورث الى إجازة من الورثة طالما ان عماد هذه التصرفات المساواة بين الورثة.

وتكون تصرفات المورث المشار إليها وهي الهبة والهدية والصدقة والنذر والعمري والرقبى والوصية تكون من غير مقابل يتقاضاه المورث من وارثه أو وارث وارثه.

اما بيع المورث لوارثه أو وارث وارثه فأنه عقد معاوضة يكون بمقابل وهو الثمن الذي يقوم الوارث بدفعه إلى مورثه.

الوجه الثاني: الحيلة التي تبطل تصرف المورث إلى وارثه أو وارث وارثه:

نصت المادة (464) من القانون المدني اليمني على أنه (يصح بيع الوالد لولده المشمول بولايته، وبيعه مال احد الولدين للاخر بشرط القبول من منصوب القاضي الذي يقبل البيع عن الصغير ثم يسلمه بعد ذلك لوالده ليحفظه لولده، ويشترط أن لا يكون منطوياً على حيلة وحكم الوصي المختار حكم من اختاره).

ويظهر من هذا النص القانوني أنه قد اشترط لجواز تصرف المورث لوارثه أن لا يكون منطوياً على حيلة، بيد أن النص ذاته لم يشر إلى ماهية الحيلة، ولا عيب في ذلك، لأنه من المحال عرض أوجه أو امثلة على الحيلة في النص ، وانما يترك ذلك للفقه الذي يعرف الحيلة.

والحيلة في اللغة : مستفادة من الإحتيال ، ومعنى الحيلة في اللغة : الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف في الأمور والتخلص من الاعباء والإلتزامات، اما معنى الحيلة في الفقه الاسلامي فقد قال الامام الشاطبي ان الحيلة هي : القيام بعمل ظاهره الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر إلى حكم اخر، وجمهور الفقهاء يذهبوا إلى عدم جواز التوسل بالحيلة مطلقا سواء توسل بها الشخص المحتال إلى إحقاق حق أو إبطال باطل، في حين ذهب بعض الحنفية إلى جواز الحيلة إذا كان الغرض منها إحقاق حق أو إبطال باطل واطلق الحنفية على النوع من الحيل مصطلح (المخارج) ، اما اذا كان الغرض من الحيلة اسقاط الاحكام أو والتكاليف وحقوق الناس فان ذلك لا يجوز، (تفسير ايات واحاديث الاحكام، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، ص265).

 وبناء على ذلك فانه يترتب على حيلة المورث في تصرفاته إلى احد ورثته أو بعضهم دون الورثة الاخرين يترتب عليها التهرب من الحكم الشرعي وهو تعطيل احكام الميراث المقررة في القران الكريم ، وعلى هذا الاساس فان تصرفات المورث الى بعض ورثته دون الآخرين محرم في الشريعة الاسلامية.

و هناك مظاهر تدل على الحيلة في تصرف المورث لوارثه، ومن مظاهر الحيلة في تصرفات المورث لوارثه البيع الصوري كأن يقوم المورث ببيع ماله إلى وارثه من غير أن يقبض ثمن المبيع، فهذا التصرف في حقيقته هبة وليس بيعاً، أو يقوم المورث ببيع ماله إلى وارثه بثمن يقل عن ثمن مثل المال المبيع ، وعندئذٍ يكون هذا التصرف قد أنطوى على حيلة ، لأن المورث قد وهب وارثه جزءا من المال من غير ثمن وهو الفارق بين القيمة الحقيقية للمبيع وبين الثمن المدفوع فعلاً إلى المورث، ومثل التصرف المنطوي على حيلة أن لا يكون للوارث مصدر منظور أو ظاهر للثمن الذي دفعه ثمناً للمبيع كالطفل أو الزوجة التي لا مال لهما أو يكون العوض أو الثمن الذي دفعه الوارث زهيداً لا يتناسب معوالثمن الحقيقي للمبيع.

ومن التصرفات التي تنطوي على الحيلة أن يقوم الوارث ببيع المال إلى الوارث مقابل نفقة سابقة أو تكاليف علاج قدمها الوارث للمورث، في حين أنه لم يثبت أن الوارث قد انفق على مورثه أو لم يثبت أن الوارث قام بعلاج المورث أو كان مقدار النفقة أو العلاج يقل كثيراً عن ثمن المال المبيع.

ويندرج ضمن التصرفات المنطوية على حيلة قيام المورث ببيع ماله إلى الوارث مقابل خدمة عادية قام بها هذا الوارث ، كما لو قامت الزوجة بالخدمة المعتادة لزوجها كصنع الطعام وتنظيف الملابس والفراش أو قامت الزوجة بخدمة غير عادية لزوجها طريح الفراش لأيام أو شهر، وكذلك الحال بالنسبة لقيام البنت بالخدمة العادية أو غير العادية قصيرة الاجل مثلما ذكرناه بالنسبة للزوجة.

الوجه الثالث: تصرفات المورث لوارثه التي لا تنطوي على حيلة:

صرحت المادة (464) مدني على جواز بيع الوالد لماله إلى إبنه القاصر ، ومن باب أولى يجوز للمورث أن يبع ماله إلى ولده البالغ شريطة أن لا يكون هذا البيع منطوياً على الحيلة ، حسبما هو مقرر في المادة (464) مدني التي نصت على أنه (يصح بيع الوالد لولده المشمول بولايته، وبيعه مال احد الولدين للاخر بشرط القبول من منصوب القاضي الذي يقبل البيع عن الصغير ثم يسلمه بعد ذلك لوالده ليحفظه لولده، ويشترط أن لا يكون منطوياً على حيلة وحكم الوصي المختار حكم من اختاره).

 وحسبما سبق بيانه في الوجه الثاني فإن تصرف المورث لوارثه لا ينطوي على حيلة إذا كان البيع حقيقاً كما لو كان للابن أو البنت مالاً كافياً يناسب أن يكون ثمناً للمبيع ، وكان الثمن المدفوع الى المورث هو ثمن مثل المبيع ، وكان المورث قد قبض الثمن من الوارث حقيقة.

 وكذلك يكون بيع المورث لوارثه صحيحاً إذا كان ثمن المبيع هو اجرة خدمة غير عادية خاصة قام بها الوارث لمورثه المقعد أو العاجز عن القيام بأمره لسنوات، شريطة أن تكون إجرة الخدمة في هذه الحالة مساوية لثمن المبيع أو كانت مبالغ النفقة على المورث أو تكاليف علاجه مساوية للثمن الحقيقي المبيع ، وثبت قيام الوارث بدفعها للمورث شريطة أن تكون تلك المبالغ مساوية لثمن المبيع.

ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بصحة بيع الزوج المورث لوارثتيه، وهما زوجته وإبنته لقيامهما بخدمته خدمة خاصة غير عادية طويلة الاجل ، لأن المورث حينها كان طريح الفراش عاجزا عن القيام بامره لمدة طويلة، وكانت إجرة خدمتة الزوجة والبنت خلال فترة عجز المورث ومرضه مساوية لثمن المبيع، ولذلك فقد كان تصرف المورث لوارثه غير منطوياً على حيلة، وإنما أراد المورث بتصرفه إلى ابنته وزوجته تبرئة ذمته والوفاء باجرة الخدمة الخاصة أو غير العادية الطويلة المستحقة للزوجة والبنت، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.

عدم الحيلة في تصرف المورث لوارثه
عدم الحيلة في تصرف المورث لوارثه.

مقالات أخرى:

1- جواز بيع المورث إلى وارثه شريطة عدم الحيلة

2- الحيلة في عدم ذكر الثمن عند البيع لوارث

3- البيع حيلة لأحد الورثة