إطلاق المقاسم لأموال غيره

إطلاق المقاسم لأموال غيره

إطلاق المقاسم لأموال غيره
إطلاق المقاسم لأموال غيره.
بعد تمام القسمة بين الورثة وتحرير فصول القسمة (الفروز/ التخاريج) يجب على المقاسم أن يدفع أو يطلق الأموال التي تحت يده التي تحددت لغيره من المقاسمين بموجب عقد القسمة وبموجب فصول المتقاسمين ، بإعتبار أن دفع المقاسم الأموال التي تحت يده والتي تعينت لغيره من المتقاسمين الاخرين إنما يكون ذلك تنفيذا لعقد القسمة الذي سبق تمامه بين الورثة المتقاسمين وباعتبار إطلاق الأموال تنفيذا لفصول القسمة التي تحررت بين المتقاسمين، وبناءً على ذلك فأنه يتحتم على المقاسم أن يدفع الأموال التي تحت يده التي تعينت لغيره من المتقاسمين، فإطلاق المقاسم لتلك الأموال إلتزام يقع على عاتق المقاسم بموجب عقد القسمة السابق إبرامه بين الورثة المتقاسمين وبموجب تحرير فصول المتقاسمين التي تضمنت تحديد نصيب كل وارث على حدة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-10-2016م في الطعن رقم (58328)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى (بأن قسمة التراضي عقد لازم لجميع الورثة لا يجوز الرجوع عنه إلا برضاء سائر الشركاء أو بحكم القضاء وفقاً لنص المادة (1200) مدني، ولم يحصل الرضاء على بطلانها ، وإذا وجد شيء مما هو في فصل المستأنف من بعد والده تحت يد المدعى عليهم أو بعضهم فعليهم إطلاقه وتسليمه للمدعي المستأنف المذكور دون قيدٍ أو شرط)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الإستئنافي ، وقد ورد في حكم المحكمة العليا: (بعد الإطلاع على الحكم الابتدائي وما تبعه بمحكمة الاستئناف، وبعد تأمل الدائرة لذلك فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف بتأييد الحكم الابتدائي في قضائه بعدم قبول الدعوى هو الموافق للشرع والقانون لما علل به وأستند إليه ، ولا جدوى من الطعن فيه لعدم توفر أية حالة من حالات الطعن بالنقض)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: الإتفاق المسبق للمتقاسمين على تحديد اجراءات القسمة الرضائية:


تتضمن القسمة إتفاق الورثة الذي يتم في بداية القسمة والذي يتضمن تحديد إجراءات القسمة الواجب اتباعها أثناء سير اجراءات القسمة.

وبالاضافة إلى إتفاق القسمة فهناك عقد القسمة الذي يتم في نهاية إجراءات القسمة الذي يشتمل على حصر أموال التركة وتحديد اثمانها وتحديد نصيب كل وارث من كل صنف فيها.

وإتفاق الورثة على إجراءات القسمة هو إتفاق مسبق يتم قبل الشروع في إجراءات القسمة ، حيث يتضمن هذا الإتفاق تسمية القسام وتحديد إجراءات القسمة التي يجب على القسام إتباعها وتحديد اجرة القسام وكذا تحديد طريقة حصر أموال التركة وتسمية العدول وطريقة تثمين اموال التركة وطريقة التخارج بين الورثة...الخ.

ولإتفاق القسمة أهمية بالغة، إذ يعد خارطة طريق لإجراءات القسمة الرضائية، فهذا الإتفاق وسيلة للإسراع في إجراءات القسمة، إذ يحد هذا الإتفاق من الخلافات التي تقع بين الورثة بمناسبة كل إجراء من إجراءات القسمة فيعطلها.

وبالنسبة للتكييف الصحيح لإتفاق القسمة فهو عبارة عن: إيجاب وقبول متبادل بين الورثة المتقاسمين جميعاً ، وبناءً على ذلك فأنه يترتب على هذا الإتفاق أن الإلتزامات الواردة في هذا الإتفاق هي عبارة عن إلتزامات متبادلة بين الورثة بعضهم بعضاً ، فكل واحدٍ منهم ملتزم بتنفيذ البنود الواردة في وثيقة الإتفاق.

وهذا الإتفاق ملزم للورثة المتقاسمين جميعاً ، ولا يلزم الإشهاد عليه، لأن كل مقاسم مقر بما ورد في الإتفاق وفي الوقت ذاته فكل مقاسم شاهد على غيره من المتقاسمين الموقعين على الإتفاق المشار إليه.

الوجه الثاني: عقد القسمة الرضائية:


سبق القول أن من أهم وثائق القسمة الرضائية إتفاق القسمة المتضمن الإتفاق المسبق على إجراءات القسمة وكيفيتها والسابق تناوله في الوجه الأول، أما الوثيقة الثانية المهمة ضمن اجراءات القسمة فهي وثيقة عقد القسمة وهي: الوثيقة التي تتضمن حصر أموال التركة وتحديد نصيب كل وارث فيها ، ويتضمن عقد القسمة أيضاً أسماء الورثة المتقاسمين ودرجة قرابتهم للمورث وإقرارهم بان كل ما ورد في وثيقة عقد القسمة هو كل أموال التركة وأنه إذا ظهرت اموال اخرى لم يرد ذكرها في عقد فلها حكمها ، ويتضمن هذا العقد إقرار الورثة بصحة وسلامة التثمين لأموال التركة الواردة في الوثيقة وصحة إحتساب نصيب كل وارث والتصريح بان الورثة قد قبلوا وارتضوا بأن تتم القسمة وان يتم تحرير فصول القسمة بحسب البيانات الواردة في وثيقة عقد القسمة.

وتكتسب وثيقة عقد القسمة أهمية بالغة، إذ أن عقد القسمة هو أساس القسمة الرضائية وعماده، فمن خلال البيانات الواردة في عقد القسمة يتم تحرير الفصول لكل وارث على حدة.

الوجه الثالث: ماهية الفصل في القسمة الرضائية:


الفصل: هو وثيقة تتضمن فصل الاموال التي صارت لكل وارث من أموال التركة على حدة في وثيقة مستقلة تسمى الفصل، حيث يتم نقل الأموال التي صارت لكل وارث على حدة في وثيقة مستقلة تسمى الفصل، ويتم تحرير الفصول من واقع وثيقة عقد القسمة السابق بيانها في الوجه السابق.

والغالب أن يتم تحرير وثيقة الفصل بخط القسام الذي تولى القسمة، غير أنه يفضل أن يتولى تحرير عقد القسمة والفصول الأمين الشرعي المختص أو الموظف المختص بقلم التوثيق، والأولى أن يقوم المتقاسمون جميعا بالتوقيع على كل فصل من فصول القسمة للتدليل على قبولهم ورضائهم بما صار لكل وارث بحسب ما ورد بفصله، لأن الاكتفاء بتوقيع القسام أو الأمين الشرعي على عقد القسمة والفصول عبارة عن إخبار منه بأن الأموال المذكورة في الفصل قد صارت للوارث بموجب عقد القسمة الرضائية السابق بيانه.
وبعد تحرير الفصول وتسليم كل وارث الفصل الخاص به، بعد ذلك يتم تطبيق الفصول على أرض الواقع حيث يتم تسليم كل وارث الأموال الخاصة به المذكورة في فصله، فإذا كانت منقولات فيتم تسليمها بموجب محاضر تسليم وكذلك الحال إذا كان العقار قد آل كاملاً إلى المقاسم بموجب الفصل الخاص به، اما إذا كان نصيب المقاسم المذكور في فصله عبارة عن جزء من الأرض فيتم تسليم المقاسم نصيبه عن طريق محضر تمييز يحدد ما يخص المقاسم من العقار وهو ما يسمى بالتمييز لنصيب كل وارث على الواقع أو الطبيعة.

الوجه الرابع: المقصود بإطلاق المقاسم للأموال التي تحت يده التي تخص غيره من الورثة المتقاسمين:


قضى الحكم محل تعليقنا بانه يجب على المقاسم أن يطلق الاموال التي تحت يده التي تخص غيره من الورثة المتقاسمين، والمقصود بالأموال التي تحت يد المقاسم: هي الأموال التي تخص غيره من المتقاسمين المذكورة في فصولهم والتي لم يرد ذكرها في فصل المقاسم التي هي تحت يده.

ويتأسس قضاء الحكم محل تعليقنا بإلزام المقاسم بإطلاق أو دفع أو تسليم الاموال التي تحت يده إلى المتقاسمين الآخرين على أساس أن المقاسم الحائز لتلك الأموال ملتزم بموجب عقد القسمة الرضائية وبموجب أحكام القانون المدني بأن يحترم ويلتزم بما ورد في عقد القسمة الذي حدد نصيب كل وارث، فحيازته لتلك الأموال يخالف إلتزامه المقرر في عقد القسمة الذي حدد نصيب كل مقاسم.

ومن المعلوم أن معنى إطلاق المقاسم للأموال التي تحت يده: هو دفعها أو تسليمها إلى المقاسم الذي صارت من نصيبه بموجب عقد القسمة وفصول المتقاسمين، والله اعلم.

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء.

مقالات ذات صلة: