وضع المقاسم يده على أموال المقاسمين الآخرين

 

وضع المقاسم يده على أموال المقاسمين الآخرين

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

من الإشكاليات العملية كثيرة  الوقوع سوء فهم الأفراد لأحكام الحيازة والثبوت وشيوع ثقافة المغالطة والنظر الى أكل أموال الناس على أنه نوع من الشطارة والمهارة والذكاء، ومن مظاهر هذه الثقافة المدمرة ان يستولي المقاسم على أموال غيره من المقاسمين التي صارت لهم بموجب فصول القسمة التي بأيديهم التي تحدد الأموال التي صارت لهم بموجب القسمة، ولتبرير إستيلاء المقاسم على الأموال المحددة لغيره من المقاسمين، فإن المقاسم يتمسك في مواجهتهم بأحكام الثبوت والحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية،  فيبرر هولاء تمسكهم بالحيازة على أساس ان القسمة قد انهت الشيوع بين المتقاسمين وان المتقاسمين بعد القسمة لم يعودوا ورثة  ولذلك يجوز لهم التمسك بالحيازة في مواجهة بعضهم، لان الوراثة لاتكون مانعة من الحيازة والثبوت الا قبل إجراء القسمة اما بعد القسمة فيجوز إستيلاء المقاسم على أموال غيره من المتقاسمين والتمسك في مواجهتهم بالحيازة والثبوت ، وقد  قضى الحكم محل تعليقنا بأن إستيلاء المقاسم على أموال غيره من المقاسمين عمل غير مشروع (غصب)، وإن هذا العمل ليس من قبيل الحيازة، وأنه لا يجوز للمقاسم ان يتمسك في مواجهة المقاسمين الآخرين بالحيازة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-3-2013م في الطعن رقم (47867)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (وحيث ان ماهو لورثة... بموجب القسمة سالفة الذكر قد ذكر اسمه وقدره في الفروز كلٍ فيما يخصه، ولذلك فان وضع يد المقاسم...  على تلك الأموال ليس له سند شرعي، فوضع المذكور يده على أموال مذكورة في فرز غيره من المتقاسمين لايجيز له التمسك بالحيازة في مواجهة أصحاب هذه الأموال )، وقد أقرت الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: ((وحيث ان الحكم الاستئنافي جاء في نتيجته موافقاً للشرع والقانون لما علل به وأستند إليه لقضائه بإلغاء الحكم الابتدائي والحكم حسب التفصيل الوارد في منطوق الحكم الاستئنافي))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: القسمة تزيل الشيوع بين المتقاسمين:

وفقاً لأحكام القسمة المقررة في القانون المدني فإن القسمة: عبارة عن تحديد وفرز  وتعيين نصيب كل وارث أو شريك في الأموال المشتركة الشائعة، وفي هذا المعنى نصت المادة (1197) على أن (القسمة هي معرفة مقدار ما لكل شريك في المال وافرازه بعد موازاة السهام في المثليات وتعديلها في القيميات)، حيث يتم تحرير الفصول أو الفروز التي تبين حصة كل مقاسم من الأموال المشتركة، وبعد تحرير الفصول وتسليم كل فصل إلى صاحبه يتم تنفيذ ما ورد في الفصول على أرض الواقع حيث يتم تمييز حصة كل مقاسم من الاموال المشتركة وتسليمها لصاحب الفصل وبحسب ما ورد في الفصل، غير أنه في بعض الحالات يتم تحرير الفصول وتسليمها للمتقاسمين، ولكن لا يتم تمييز الفصول أو تنفيذها على أرض الواقع حيث تبقى الأموال المقسومة تحت ايدي بعض الورثة من غير تمييز مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث تمسك المقاسم بالثبوت في مواجهة المقاسمين الآخرين بالنسبة للمال الذي بقي تحت يده، مع ان هذا المال لم يذكر في فصل الحائز للمال وإنما ورد ذكره في فصول المتقاسمين الآخرين.

الوجه الثاني: تمييز الأموال المقسومة بين الورثة أو الشركاء:

تتضمن فصول القسمة حصة كل شريك على حدة من أموال التركة أو الأموال المشتركة، وبعد  تحرير الفصول يتم تنفيذ هذه الفصول وتطبيقها في الواقع عن طريق وضع علامات تفصل الأموال التي صارت لكل وارث أو شريك بموجب الفصل المحدد له، ويكون هذا التمييز بمثابة تسليم كل وارث أو مقاسم ما يخصه من الأموال التي كانت مشتركة حسبما سبق بيانه في تعليق سابق، ومن جانب آخر فقد يتم تقسيم الأموال في فصول المتقاسمين غير أنه لا يتم تمييزها على أرض الواقع.

الوجه الثالث: لا يحق للمقاسم التمسك بالحيازة في مواجهة المتقاسمين الآخرين :

إذا قام المقاسم بوضع يده على حصص المتقاسمين الآخرين بعد إجراء القسمة وتحرير الفصول، فلا يحق للمقاسم الذي يضع يده على أموال غيره من المتقاسمين لا يحق له ان يتمسك بالحيازة في مواجهة الورثة الآخرين بإعتبارهم أقارب له عملاً بالمادة (1118) مدني التي نصت على أنه (لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة...إلخ)، فهذا النص يمنع القريب من التمسك بالحيازة والثبوت في مواجهة اقاربه الورثة الآخرين مطلقاً سواء تم تمييز الحصص أم لا – وكذلك لا يجوز للمقاسم التمسك بالحيازة في مواجهة المقاسمين الآخرين إذا كانت الأموال قد تم تقسميها في فصول الورثة غير أنه لم يتم تمييزها، لأن الأموال التي لم يتم تمييزها تظل مختلطة بين الورثة المتقاسمين، وفي هذه الحالة لا يجوز للمقاسم التمسك بالحيازة في مواجهة المتقاسمين الآخرين عملاً بنص المادة (1104) مدني التي نصت على أنه (يشترط في حيازة الملك ما يأتي: -4- ان لا يكون الحائز خليطاً للمالك)، ففي هذه الحالة لا يكون للحائز ان يتمسك بالحيازة في مواجهة الورثة أو الشركاء الآخرين التي ما زالت أموالهم مخالطة لأموال الورثة الآخرين التي لم يتم تمييزها بعد، والله اعلم .