حق أغلبية الورثة في إدارة المال المشترك: في القانون اليمني
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
كل أموال التركة تكون مملوكة على الشيوع بين الورثة بحسب نصيب كل واحد منهم، ولأسباب عدة تظل غالبية التركات شائعة لمدة طويلة إضافة إلى إنه قد يتم تقسيم بعض أموال التركة الشائعة إلا أنه قد تظل بعض أموال التركة شائعة من غير قسمة.
وفي غالب الحالات يخالف احد الورثة او قلة من الورثة تخالف غالبية الورثة، وفي بعض الحالات يفضل بعض الورثة ان تبقى بعض اموال التركة عاطلة من غير إستغلال لها بما يعود بالنفع على كافة الورثة ، ومن جانب أخرى قد يقع الخلاف بين الورثة بشان اموال التركة الشائعة فتبقى لمدة طويلة عاطلة من غير إستغلال ، مع انه يحق شرعا وقانونا لاغلبية الورثة إدارة واستغلال اموال التركة الشائعة بما يعود بالنفع على الورثة جميعا كل واحد منهم بحسب نصيبه الشائع ،وبما يعود أيضا بالنفع على المجتمع باسره ، لأن الأموال الخاصة لها وظيفة إجتماعية تؤديها في المجتمع ، ومن مسائل الإدارة التي يجوز لغالبية الورثة الشركاء في المال الشائع ان يتصالحوا مع الغير بشان المسائل الادارية للمال الشائع ان المشترك مثل الصلح بشان إستغلال المال المشترك أو الشائع ، حسبما قضى الحكم الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/3/2014م في الطعن رقم (54330)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالدائرة تجد: أن نعي الطاعن جدير بالمناقشة ذلك أن الطاعن قدم امام الشعبة في جلسة.... إتفاقية صلح مؤرخة بتاريخ... بينه وبين ورثة أخيه اللاتي كن يطالبن بعدم تنفيذ حكم إخلاء العين المذكورة أعلاه عدا واحدة من الورثة وهي....، وجاء في بعض بنود الصلح موافقة الورثة على طلب الإخلاء، ولا تناكر بين الأطراف بشان وقوع الصلح المذكور كما جاء بمحضر الجلسة، ولذلك: فقد أضحى أغلبية عدد الشركاء الممثلين في هذه الخصومة موافقين على تنفيذ حكم الإخلاء، ومع ذلك اعتبرت الشعبة أن عدم موافقة أحد الشركاء يشكل مانعاً لتنفيذ حكم الإخلاء دون بيان سندها القانوني مما يصم الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق المادة (1186) مدني مما يستلزم نقض الحكم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الاتية:
الوجه الاول: نشوء الشركة الفعلية بين الورثة في التركة أو الأموال الشائعة قبل قسمتها:
بحكم الواقع أو الفعل تنشأ بين الورثة شركة فعلية أو شركة واقع بمجرد وفاة مورثهم ، وتظل هذه الشركة قائمة مادام اموال التركة أو أحد هذه الأموال لم تتم قسمتها ، وتستمد هذه الشركة اساسها من أحكام الشريعة الاسلامية التي قررت أن الأموال التي يتركها المتوفى تكون حقاك من بعده لورثته بحسب الفرائض الشرعية، فيحق لهم الانتفاع بتلك الأموال أو إستغلالها أو التصرف فيها بحسب الفرائض الشرعية ، فاذا لم تتم قسمة اموال التركة فان الورثة يكونوا شركاء في كل اموال التركة على الشيوع، وهذا هو المفهوم الشرعي لفكرة الشركة الفعلية أو شركة الواقع أو الشركة العرفية بين الورثة (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات الجزء الثاني، د.ا.عبد المؤمن شجاع الدين ، جولة جامعة صنعاء الجديدة 2024م، ص64).
الوجه الثاني: ماهية إدارة التركة الشائعة:
بينت المادة(1185) من القانون المدني اليمني ماهية اعمال إدارة التركة الشائعة أو أحد اموال التركة الشائعة ، اذ بينت هذه المادة الأعمال التي يقوم بها الشخص الذي يدير التركة الشائعة أو احد اموالها ، فقد نصت هذه المادة على أن ) :اعمال الادارة هي ما تعلق بصيانة المال وحفظه واستغلاله ويؤخذ فيها براي اغلبية الشركاء اذا كانت من الاعمال المعتادة, وتحسب الاغلبية على اساس الانصباء لا على اساس عدد الشركاء، وفي الاعمال غير المعتادة كاجراء تعديلات او تغييرات اساسية في المال المشترك او في الغرض الذي اعد له تلزم موافقة الشركاء جميعا).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر ان أعمال إدارة اموال التركة الشائعة أو احدها قاصرة على الاعمال المعتادة فيما يتعلق بصيانة المال وحفظه واستغلاله ، وهي تلك الأعمال التي يحق لاغلبية الورثة القيام من غير موافقة اقلية الورثة ،اما أعمال الإدارة غير المعتادة فتلزم موافقة جميع الورثة حسبما ورد في النص السابق.
الوجه الثالث: المقصود بالأعمال المعتادة في إدارة اموال التركة الشائعة أي صيانته وحفظه وإستغلاله:
صرحت المادة(1185)مدني لأنه يتم براي الاغلبية عند الخلاف بين الورثة بشان بالأعمال المعتادة في إدارة اموال التركة الشائعة ، وهي الأعمال المتعلقة بصيانة المال الشائعة المشترك بين الورثة وحفظ هذا المال واستغلاله.
والمقصود بأعمال الادارة المعتادة لاموال التركة الشائعة كما ياتي:
أولا: أعمال الصيانة المعتادة لمال الورثة المشترك:
صيانة المال هي القيام بالاعمال الضرورية التي من شانها بقاء المال أو العين وإستمرارها في اداء الغرض الذي تم تخصيصها لاجله، وتختلف أعمال الصيانة بإختلاف المال وإختلاف العرف والعادة في المناطق المختلفة، فمن امثلة الأعمال المعتادة في الصيانة إصلاح ماتهدم من المال كإعادة بناء الجدران والاسقف المهدمة وإستبدال الابواب والنوافذ المهشمة ، ووضع الحواجز التي تحول دون جرف السيول للمال....الخ، وغير ذلك من الاعمال المعتادة لصيانة المال بحسب نوع المال وعرف المنطقة .
ثانيا: أعمال الحفظ المعتادة لمال الورثة الشائع:
أعمال الحفظ المعتادة لمال التركة الشائع :هي تلك الأعمال التي تعارف الناس أو اعتادوا القيام بها لحفظ المال بحسب نوع المال ووظيفته أو الغرض منه ، وبحسب الشئ الذي يتم به حفظ المال ، ويدخل ضمن الأعمال المعتادة في هذا الشان المحافظة على المال كحراسته من السرقة أو إتخاذ الوسائل والاجراءات اللازمة لمنع تسرب المياه الى المال او جرفها للمال أو للحيولة دون سقوط اسقفها أو جدرانها أو ابوابها ونوافذها ، وإتخاذ الوسائل والاجراءات اللازمة الادارية والقضائية في مواجهة محاولات الغير الاستيلاء على المال أو الاعتداء عليه، وكذاك وتندرج ضمن أعمال حفظ المال الشائع : الترميم، ، ورفع دعاوى الحيازة، ونحوها.
ثالثا: أعمال الإستغلال المعتادة لمال الورثة الشائع:
تختلف أعمال الإستغلال لمال الورثة الشائع بإختلاف الغرض الذي اعدت العين لاجله وبإختلاف الإستغلال المعتاد للعين أو المال الشائع ، فإستغلال العين الزراعية يختلف عن استغلال المحلات التجارية اوالآلات والمعدات...الخ.
ويندرج ضمن مفهوم الإستغلال تاجير المال المشترك وذلك إلى الغير.
وقد صرحت المادة (1186) مدني بان القيام بالاعمال المعتادة لصيانة وحفظ واستغلال المال المشترك بين الورثة يخضع لإرادة أو قرار غالبية الورثة ، فلايلزم الغالبية في هذه الحالة الرجوع الى بقية الورثة لاخذ موافقتهم على القيام بها.
وإذا قامت الأغلبية بإيجار المال الشائع أو نحوه من التصرفات الإدارية فإن تصرفهم نافذ في حق الجميع.
الوجه الثالث: المقصود بالأعمال غير المعتادة التي ينبغي أن تحظى بموافقة جميع الورثة وليس غالبيتهم :
نصت المادة (1185) مدني على أن (اعمال الادارة هي ما تعلق بصيانة المال وحفظه واستغلاله ويؤخذ فيها براي اغلبية الشركاء اذا كانت من الاعمال المعتادة, وتحسب الاغلبية على اساس الانصباء لا على اساس عدد الشركاء، وفي الاعمال غير المعتادة كاجراء تعديلات او تغييرات اساسية في المال المشترك او في الغرض الذي اعد له تلزم موافقة الشركاء جميعا).
وبحسب ماورد في نهاية هذا النص يظهر ان غير المعتادة هي الاعمال الأخرى غير أعمال الصيانة والحفظ والإستغلال السابق بيانها في الوجه السابق ،مثل اجراء تعديلات او تغييرات اساسية في المال المشترك او في الغرض الذي اعد له المال : مثل تحويل المسكن الى محل تجاري او تحويل الارض الزراعية الى ارض بناء ...الخ، وقد اشترط هذا النص ان تكون التعديلات اوالتغييرات في المال المشترك اساسية أو جوهرية ، اما إذا لم تكن هذه التعديلات غير جوهرية فانها تندرج ضمن الاعمال المعتادة كالقيام بتغيير المستأجر للعين المشتركة او إدخال تحسينات في العين لزيادة منفعتها وزيادة اجرتها.
وقد حددت المادة (1186) مدني السابق الأعمال في المعتادة التي يجب جميع الورثة الموافقة على القيام بها ، فاذا لم يوافق جميع الورثة على ذلك ، فانه يحق لاي منهم اللجوء الى القضاء ، وفي هذا الشان نصت المادة(1187) مدني على انه (اذا اختلف على ادارة المال المشترك, وكانت موافقة الشركاء جميعا لازمة او لم :تتحقق الاغلبية في احوال الادارة المعتادة, كان لكل واحد من الشركاء ان يلجا الى القضاء ليامر بما يراه صالحا او بتعيين مدير للمال المشترك اذا دعت الحاجة الى ذلك)، ويسري هذا الحكم على الاعمال المعتادة إذا لم تتحقق الاغلبية.
أما المادة(1188) مدني فقد تناولت اجراءت لجوء الشريك الى القضاء في هذه الحالة ، إذا نصت هذه المادة على انه :(على الشريك الذي يرغب في اللجوء الى القضاء ان يعلن قراره الى شركاءه واذا كانت لدى الشركاء قرارات اخرى اعلنوه بها وتعرض القرارات المختلفة على القضاء ليامر بما يراه مناسبا من بينها مع اعطاء كفالات للمخالفين تضمن حقوقهم، ويؤخذ في الاعتبار ما اتفقت عليه اغلبية الشركاء او اكثريتهم وما عرض من كفالات). (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل القسمة الجزء الأول ، ا.د.عبدالمؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2023م، ص241).
وقد ورد في هذا النص مصطلح الاكثرية بالإضافة إلى مصطلح الاغلبية ، مما يدل على أن مفهوم الاغلبية مغاير لمفهوم الاكثرية، وقد سبق ان ذكرنا أن معنى اغلبية الورثة الشركاء هو الاغلبية النسبية لانصبة الورثة أي 51%من اجمالي الانصبة ، اما مفهوم الاكثرية فهو مصطلح غير دقيق قياسا بمصطلح الأغلبية وان كان مصطلح الاكثرية يدل على نسبة تزيد على نسبة ال51% المشار إليها.(بين مفهوم الاكثرية ومفهوم الاغلبية، الاستاذ المرحوم / رجائي عطية المحامي، نقيب المحامين المصريين السابق، جريدة الشروق المصرية الخميس 14/1/2021م).
الوجه الرابع: معنى اغلبية الورثة الشركاء في المال المشترك:
نصت المادة(1186)مدني على انه: (لأغلبية الشركاء اختيار مدير للمال المشترك من بين الشركاء او من غيرهم، ولها ان تضع شروطا لحسن الانتفاع بالمال واستغلاله ويسري النظام الذي تضعه الاغلبية على الشركاء وخلفائهم).
وقد قرر هذا النص حق اغلبية الورثة في المال المشترك في إدارة المال المشترك ، بيد ان هذا النص لم يبين معنى هذه الاغلبية ، وفي هذا الشان نصت المادة المادة(1185) مدني على أن )اعمال الادارة هي ما تعلق بصيانة المال وحفظه واستغلاله ويؤخذ فيها براي اغلبية الشركاء اذا كانت من الاعمال المعتادة, وتحسب الاغلبية على اساس الانصباء لا على اساس عدد الشركاء).
فقد حدد هذا النص كيفية تحديد اغلبية الورثة في المال المشترك ، فبموجب هذا النص تتحدد الأغلبية على أساس نسبة النصيب في المال المشترك وليس بحسب عدد الورثة ، ومؤدئ ذلك انه بلغ إجمالي انصبة الورثة 51% من اجمالي انصبة الورثة في المال المشترك فهولاء هم غالبة الورثة بصرف النظر عن عددهم.
الوجه الخامس: كيفية قيام اغلبية الورثة الشركاء بإدارة المال المشترك:
الاصل أن الحق في إدارة مال الورثة المشترك حق لجميع الورثة حسبما هو مقرر في المادة (1184) مدني التي نصت على أن: (ادارة المال المشترك حق للشركاء مجتمعين ما لم يوجد اتفاق بينهما على غير ذلك).
بيد انه في الغالب يتعذر على الورثة جميعا أو غالبيتهم يتعذر عليهم الادارة معا للمال المشترك فانه، ولهذه الغاية يختار الورثة من يقوم بذلك، وفي هذا المعنى نصت المادة (1186) مدني على انه: (لأغلبية الشركاء اختيار مدير للمال المشترك من بين الشركاء او من غيرهم ولها ان تضع شروطا لحسن الانتفاع بالمال واستغلاله ويسري النظام الذي تضعه الاغلبية على الشركاء وخلفائهم).
الوجه السادس: حق أحد الورثة بالقيام بأعمال الادارة المعتادة للمال المشترك بين الورثة:
ذكرنا فيما سبق حق اغلبية الورثة في القيام بالأعمال الإدارة المعتادة المال المشترك بين الورثة ، وهذه الأعمال هي أعمال الصيانة والمحافظة على المال أو إستغلاله.
ونظرا إلى أن هذه الأعمال ضرورية لبقاء المال المشترك فقد اجاز القانون لاي من الورثة القيام بها، بيد انه لايحق له في هذه الحالة مطالبة الورثة بنفقات هذه الأعمال الا اذا كان الورثة قد وافقوا على قيامه بتلك الأعمال ، حسبماهو مقرر في المادة (1188) مدني التي نصت على انه :( لكل شريك الحق في ان يقوم بالاعمال اللازمة لصيانة المال المشترك واعماره وحفظه, وليس له الرجوع على باقي الشركاء الا اذا حصل على موافقتهم او حصل على اذن من القضاء مقدما باجراء الاعمال اللازمة او كان العمل ضروريا لا يحتمل التاخير او ما جرى به العرف).
الوجه السابع: يتحمل جميع الورثة نفقات الأعمال المعتادة لادارة المال المشترك إذا قام بها اغلبية الورثة:
سبق القول أنه إذا قام احد الورثة بالأعمال المعتادة لادارة المال المشترك فانه لايحق له مطالبة النفقات الا من الورثة الموافقين على قيامه بالادارة ، اما إذا قام اغلبية الورثة الشركاء باعمال الادارة المعتادة فان جميع الورثة الشركاء يتحملوا تكاليف ذلك ، وفي هذا المعنى نصت المادة (1190) مدني على أن: (نفقات ادارة المال المشترك والضرائب والرسوم المفروضة عليه وكل التكاليف المقررة على المال المشترك وما يترتب على الشيوع من نفقات يتحملها الشركاء جميعا كل بقدر نصيبه في المال ما لم يوجد اتفاق او نص يقضي بغير ذلك ولكل من الشركاء في المال المشترك ولمديره المعين طبقا للاحكام المنصوص عليها في المادة(1186) اداؤها الرجوع بها على الشركاء كل بقدر حصته).
الوجه الثامن: مدى جواز تصالح غالبية الورثة بشان المال المشترك بين الورثة:
سبق ان ذكرنا في الاوجه السابقة انه يحق لأغلبية الورثة القيام بأعمال الادارة المعتادة للمال المشترك وهي الصيانة والمحافظة على المال وإستغلاله ، ومؤدئ ذلك انه يجوز لاغلبية الورثة عند إدارتهم للمال المشترك وفي حدود هذه الإدارة ان يتصالحوا مع الغير بشان هذه المسائل الادارية ، اما تصالحهم بشان اصل المال فلايجوز لهم ذلك إلا في حدود انصبتهم فقط، فلا يكون هذا الصلح ملزما لغير الاغلبية.
الوجه التاسع: وضعية ملكية الشيوع بين الورثة في بعض القوانين العربية:
نص القانون المدني المصري في مادته 825 ، وتبعته معظم القوانين العربية مثل : القانون المدني السوري في مادته 780، والليبي في مادته 834، والعراقي في مادته 1061/1 ، على أنه : (إذا ملك اثنان أو أكثر شيئاً غير مفرزة حصة كل واحد منهم فيه فهم شركاء على الشيوع، وتحسب الحصص متساوية إذا لم يقم دليل على غير ذلك)، وفي المال الشائع بين الورثة فان يكون لهم على الشيوع بحسب الانصبة الشرعية.
وقد كيّف الفقه المدني أن ملكية الشيوع تتوافر فيها عناصر حق الملكية من استعمال واستغلال وتصرف، وأنها ملكية وسط بين الملكية الفردية المفرزة، والملكية المشتركة (الجماعية)، يقول الأستاذ السنهوري: (فالحصة التي يملكها الشريك في الشيوع شائعة في كل المال لا تتركز في جانب منه بالذات، وهذا ما يميز الملكية الشائعة عن الملكية المفرزة، والشيء المملوك في الشيوع فيه، وهذا ما يميز الملكية عن الملكية المشتركة (الجماعية) وهي أن يكون المالك جماعة من الناس مجتمعين لا يتمتعون بالشخصية الاعتبارية ، وهي تختلف أيضاً عن ملكية الشخصية الاعتبارية لشيء، لأنها داخلة في الملكية الفردية).
و قد انتهى الأستاذ السنهوري إلى أن : ملكية الشيوع أحد نوعي الملكية الفردية (أي الشيوع ، والمفرز) (د. السنهوري : الوسيط ط. النهضة 8/800)
الوجه العاشر: التصرف في المال الشائع في الفقه الاسلامي:
تطرق فقهاؤنا إلى ملكية الشيوع تحت اسم (شركة الملك)، وصرحوا بأن المال الشائع ملك لجميع مالكيه الشركاء على الشيوع ملكية تامة، ولكنها مقيدة في التصرفات على رضا الشركاء، لذلك فإذا اتفقوا جميعاً على أيّ تصرف مشروع بالمهيأة ، أو بالبيع أو غيرهما فهو نافذ من حيث المبدأ إذا توافرت بقية الأركان والشروط، وذلك لأن المال المشاع قابل لتصرف من حيث المبدأ ، يقول المرغيناني : (لأن المشاع قابل لحكمه، وهو الملك فيكون محلاً له) يراجع: الهداية (3/223) ، وقال الكاساني : ( لأن الشياع لا يمنع حكم هذا التصرف، ولا شرط ،... والشياع لا يمنع الملك) يراجع : بدائع الصنائع (6/120) وقال الشيرازي : (وتجوز الوصية بالمشاع والمقسوم؛ لأنه تمليك جزء من ماله فجاز في المشاع والمقسوم) يراجع : المهذب (2/343) ويقول القرافي: (.. لا تنافي الإشاعة الملك) يراجع : الذخيرة (8/81) ويقول ابن تيمية : (ويجوز بيع المشاع باتفاق المسلمين كما مضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) . يراجع : مجموع الفتاوى (29/233).
هل يشترط إجماع الشركاء في صحة التصرفات؟
الذي يظهر من الفقه الإسلامي أن هناك حالتين:
الحالة الأولى : أن يتصرف الشريك في حصته فقط، فيبيعها، أو يهبها ، أو يرهنها أو نحو ذلك .
ففي هذه الحالة نجد تفصيلاً نلخصه فيما يأتي:
فذهب جماعة من فقهاء (الحنفية – فيما عدا مسألتين- والمالكية والشافعية والحنابلة)، إلى أن للشريك الحق في بيع حصته لمن يشاء، او هبتها أو نحو ذلك بدون الحاجة إلى موافقة بقية الشركاء أو علمهم بها، ولكن مع ثبوت حق الشفعة بضوابطها عند كل مذهب. يراجع: بداية المجتهد (2/329) وبلغة السالك (2/165، 213، 319، 320) ونهاية المحتاج (5/14، 184، 187) ومغني المحتاج (2/292-320) والمغني لابن قدامة (5/410) ومطالب أولى النهى (3/494) والموسوعة الفقهية الكويتية (26/22-23).
والمسألتان عند الحنفية، إحداهما: حالة بيعها لغير الشريك في المال المختلط دون شيوع حيث يشترط إذن الشريك لشريكه ليصح بيعه لغيره. يراجع: بدائع الصنائع (6/65) وحاشية ابن عابدين (31/343).
والثانية: تصرف الشريك في حصته بالهبة، حيث ذهب بعضهم إلى أنها فاسدة، وذهب أكثرهم إلى أنها صحيحة ولكن لا تنفذ إلاّ بعد الإفراز ثم التسليم، وهذا مبني على أن هبة المشاع موقوفة على الإفراز ، ثم التسليم. يراجع: حاشية ابن عابدين (3/343-346) وبدائع الصنائع (6/65).
في حين أن هبة المشاع سائغة وصحيحة ونافذة عند الآخرين. يراجع: المصادر السابقة.
وبعض الفقهاء اشترطوا الإذن في شركة الملك في الحيوان، قال القرافي: (إذا كانا شريكين في حيوان مثلاً بميراث ، او غيره لا يجوز لأحدهما أن يتصرف إلاّ بإذن شريكه). يراجع: تحفة ابن عاصم ، وحواشيها (2/216).
وهنا تفاصيل كثيرة لحالات الضرر في البناء والغراس، والثمر والزرع، وقضايا النفقة ، والدين المشترك، وقبضه ونحو ذلك، لا يسع المجال للخوض فيه. يراجع: المصادر الفقهية السابقة ، والموسوعة الفقهية الكويتية (26/23-32) .
وكذلك وقع الخلاف السابق في رهن الشريك حصته من المشاع، حيث أجازه الجمهور ومنعه الحنفية؛ لاستحالة القبض في نظرهم . يراجع: المصادر الفقهية السابقة .
الحالة الثانية: أن يتصرف الشريك في حصة شريكه دون موافقته وعلمه، والإشكالية هنا تأتي بشكل أكبر عندما يكون المال الشائع غير قابل للقسمة مثل السيارة، والحيوان، والحمام، ونحو ذلك ، وهذا يسمى في القانون : شيوعاً إجبارياً ، حيث ليس لأحد من الشركاء فيه الحق في المطالبة بالقسمة وحتى فيما يسمى بالشيوع الاختياري الذي يقبل القسمة قد نجد فيه صعوبات جمّة، إذ أن القسمة لن تتحقق بسهولة ، أو في وقت قصير حيث تحتاج إلى إصدار حكم قضائي قابل للاستئناف والنقض مما يستغرق وقتاً طويلاً يتضرر به بعض الشركاء.
وقد سبق الفقه الإسلامي القوانين الوضعية في هذه التسمية ، حيث يقول ابن قطلوبغا الحنفي في: (الشائع ينقسم إلى قسمين : شائع يحتمل القسمة كنصف الدار ...، وشائع لا يحتمل القسمة كنصف العبد، ونصف الحمام) يراجع: مجموعة رسائله ، بتحقيق عبدالحميد الدرويش ط. دار النوادر بدمشق 1434هـ . وهذه التسمية أفضل من التسمية القانونية .
الوجه الحادي عشر: الإدارة الاعتبارية للمال المشترك أو الشائع:
اجازت القوانين الوضعية الإدارة الاعتيادية لصاحب الأغلبية المطلقة (شخص واحد أو أكثر) أن يقوم بها ، ومنها الإجارة، وأما الإدارة غير المعتادة مثل البيع والرهن فلا بدّ من موافقة نسبة لا تقل عن 75%.
وهنا نستعرض رأي الفقه الإسلامي في التصرف في المال المشاع ، حيث يظهر لنا بوضوح، ما يأتي:
أولاً – تثبيت أن الأصل في التعامل في المال الشائع كله، أو ما يمسّ الآخر هو إجماع الشركاء على هذا التصرف، وهذا ما أكده فقهاء المذاهب ، قال الكاساني: ( فأما شركة الأملاك فحكمها في النوعين (أي الاختياري والإجباري) واحد ، وهو أن كل واحد من الشريكين كأنه أجنبي في نصيب صاحبه، لا يجوز له التصرف فيه بغير إذنه؛ لأن المطلق للتصرف الملك أو الولاية، ولا لكل واحد منهما في نصيب صاحبه ولاية بالوكالة أو القرابة، ولم يوجد شيء من ذلك..) يراجع: بدائع الصنائع (6/65) ويراجع: نهاية المطلب للجويني (7/380) وتحفة المحتاج (10/193) والذخيرة (8/66) وكشاف القناع (3/248)، ويراجع أيضاً : لبيض بوبكر: التصرف في المال الشائع ، دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير بجامعة وهران ، كلية العلوم الإنسانية ، والإسلامية سنة1435هـ .
وقد أكد هذا الحكم بقية المذاهب الفقهية الأربعة ولذلك صاغت مجلة الأحكام العدلية في مادتها 107 هذا الحكم : (كل واحد من الشركاء في شركة المالك أجنبي في حصة الآخر ، ولا يعتبر أحد وكيلاً عن الآخر، لذلك لا يجوز تصرف أحدهما في حصة الآخر بدون إذنه).
ونحن هنا نذكر آراء الفقهاء حول الحالات التي ذكروها:
الحالة الأولى: حالة الموافقة الصريحة من الشركاء ، فهذا جائز – كما سبق – بدون خلاف.
الحالة الثانية: تصرف شريك في حصته بالبيع ونحوه، ففي هذه الحالة التحقيق هو التفرقة بين صورتين:
أ- صورة ما إذا كان المال الشائع يقبل القسمة (أي الذي يسميه القانون بالشيوع الاختياري) فيكاد الاتفاق بين المذاهب الأربعة – حسب اطلاعنا- قائماً إلاّ لبعض حالات جزئية عند الحنفية – كما سبق - .
ب- صورة ما إذا كان المال الشائع غير قابل للقسمة، مثل الحيوان، فهذا لم يجزه جماعة من الفقهاء منهم المالكية – كما سبق- .
ولكن الراجح هو جواز التصرف للشريك في حصته – مع ترجيح حق الشفعة في المال الشائع مطلقاً- لأنه الشريك الآخر لا يتضرر به حيث له حق الشفعة في المال الشائع غير القابل للتجزأة، ولو كان منقولاً عند جماعة من الفقهاء وهو رأي وجيه في نظري في هذه الحالة . يراجع: مصطلح" الشفعة " في الموسوعة الفقهية الكويتية .
الحالة الثالثة: أن يتصرف أحدهم ، أو بعضهم تصرفاً بالبيع، أو الإجارة في المال المشاع كله، مع علم بقية الشركاء به، أو إعلامهم دون اعتراض.
فهنا اختلف الفقهاء على :
أ- فذهب جماعة منهم بعض فقهاء الحنفية، وبعض فقهاء المالكية ، وأحد قولي الشافعي ، وبعض الحنابلة إلى أن : هذا التصرف يصحّ بالنسبة لنصيبه ، وأن سكوت بقية الشركاء لا يُعدّ إذناً، بل يتوقف على إجازة الآخرين، ويستند هؤلاء في تصحيح التصرف في نصيبه على أنه تصرف واقع في نصيبه على أنه تصرف واقع في ملكه ، ثم إن التوقف على إجازة الآخرين مبني على عقد الفضولي الذي أجازه الحنفية، واعتمدوا في عدم نفاذه على أنه تصرف في مال غيره، وبالتالي تصرف وقع في غير محلة فيكون باطلاً. يراجع: حاشية ابن عابدين (1/247) الخرشي على مختصر خليل (5/240) المهذب (2/291) الشرح الكبير (4/38) (مبدأ الرضا في العقود، ا.د. علي قره داغي ، ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت ) .
ب- اعتبار سكوتهم هنا رضا وقبولاً ، لأنه في معرض الحاجة والاستبيان ، ولن سكوتهم هنا تعريض للمشتري بالدخول في التعاقد، فقد نقل عن الإمام مالك قوله: (إن من بنى في أرض بينه، وبين شريكه، وشريكه حاضر لا ينكر فهو كالإذن له) .
ج- وذهب جماعة، منهم الحنابلة في رواية ، والقول الثاني للشافعي ، وبعض المالكية منهم ابن رشد ، حيث نص على أنه إذا لم يتراضيا على القسم أو التصرف يرفع الأمر إلى القضاء حيث ذهبوا إلى أن التصرف باطل مطلقاً حتى في نسبته لأنه تصرف في نسب شائعة غير محددة فيبطل في الجميع، وبناء على هذا فقد جمعت الصفقة بين حلال وحرام، أو يما يملكه وما لا يملكه فيبطل فيهما في حين ذهب الفريق الثاني إلى أن العقد صحيح في نسبته ، وباطل في نسب الآخرين. يراجع: المصادر الفقهية السابقة في الفقه المالكي، والشرح الكبير (4/138، وكشاف القناع (3/177) والمذهب (2/91) .
ولكن هذا الرأي فيه تحكم ومخالف لما أقره الفقهاء من أن الأصل في العقود التصحيح ما أمكن، ومن تفريق الصفقة إذا لم يمكن التصحيح للجميع، ولذلك فالرأي الأول هو الأرجح.
الحالة الرابعة: تصرف أحد الشريكين أو الشركاء في المال الشائع بالبيع ونحوه دون موافقة الآخرين ، ولا علمهم فهذه الحالة تعبت في البحث عنها، فمن كتبوا في هذه المسألة – حسب علمي- ذكروا إجماع الفقهاء على المنع، وعدم صحة التصرف في حصص الشركاء ، وأما في حصته من تصرف فمحل خلاف – كما سبق-
وهناك نصوص عند المتأخرين من المالكية حول بيع الصفقة ، نذكرها ، مع بيان الذي يظهر لنا رجحانه .
بيع الصفقة لدى المتأخرين من المالكية:
وهو قيام أحد الشركاء ببيع العقار المشترك كله بما في ذلك حصته وحصة باقي الشراء دون استئذانهم في ذلك ابتداء ودون رفع الطلب إلى القاضي ليجبرهم على البيع .شرح العمل الفاسي للسجلماسي على نظم العمل لأبي زيد الفاسي ، ويراجع: بحث إدارة العقار المشاع بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ، المنشور 10 أغسطس 2010م بموقع الوظيفية العمومية بالمغرب.
وهذا البيع مختلف فيه بين متأخري المالكية وصورته كما ذكره الشيخ مياره : (أن تكون دار مثلاً .. بين رجلين أو أكثر ، ومدخلهم في ذلك واحد، بحيث كانوا قد ملكوا ذلك دفعة واحدة بشراء أو إرث، أو غير ذلك ، فيعمد أحدهم إلى ذلك الملك، ويبيع جميعه، ثم يكون لشريكه أو شركائه الخيار بين أن يكملوا البيع للمشتري ، وبين أن يضموا ذلك البيع لأنفسهم ، ويدفعوا للبائع مئاب حصته من الثمن الذي باع له). يراجع: البيان والتحصيل لابن رشد ط. دار الغرب الإسلامي، ويراجع: التعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي في ضوء الفقه والقضاء إعداد حامد الحرفي ، وسعيد الفكهاني، ط. الدار العربية للموسوعات / القاهرة 1992
وقال سيدي عبدالقادر الفاسي : ( هذا أصل اللفظ في اللغة، ثم صار في الغلبة على نوع خاص من البيع، وهو ما كان بالضمة والجبر، أي ما كان فيه بيع جميع الشيء المشترك صفقة واحدة جبراً على باقي الشركاء الذي يبقى لهم حق ممارسة ضم الصفقة ).يراجع: النوازل الجديدة الكبرى للمهدي الوزاني ط. وزارة الأوقاف المغربية 1419هـ.
قال الناظم للعمل الفاسي – يراجع: شرح نظم عمل فاس، ويراجع أيضاً: البهجة في شرح التحفة ط. دار المعرفة بدار البيضاء 1408هـ:
فإنما الصفقة بيع المشترك *** من كل أو بعض جميع ما ملك
ومدار صحة الصفقة على اتحاد المدخل سواء بيع جميع المشترك ، أو بعضه لقول صاحب العمل الفاسي:
وبيع ما المدخل فيه متحد *** طُرّاً بلا استثناء جزء قد عهد
وذهب الشيخ مياره إلى عدم صحته فقال : (إن مما جرى به العمل في الأزمنة الأخيرة في مدينة فاس مخالفة للنصوص في هذا البيع المسمى بيع الصفقة ) وخالفة آخرون وجرى به العمل في فاس ، وعليه العمل في القضاء بالمغرب. يراجع: المصادر السابقة ، وجنى الأس في شرح نظم عمل فاس، لعبدالصمد كنون، ط. الشرق /القاهرةص10 والتعليق على قانون الالتزامات والعقود المغربي في ضوء الفقه والقضاء لحامد الحرفي، ط. الدار العربية للموسوعات / القاهرة 1993 ، ونظام الملكية المشتركة ن ترجمة إدريس ملين ط. الرباط – غير مؤرخ.
والمحاكم المغربية تقرّ بيع الصفقة بشروطها بناء على رأي المتأخرين ، وتفرق بينها وبين بيع التبعيض، فقد صدر قرار من محكمة النقض المغربية في قرارها 502 في 12/4/1983م بالتفرقة بين بيع الصفقة، وبيع التبعيض ، نص على : (حقاً حيث يتجلى ان الدار المبيعة كانت على ملك الحاج محمد ابن الحاج بو عزة العيساوي وولديه الحاج الهاشمي ، والسيد محمد ...ثم إن هؤلاء الشركاء الثلاثة ماتوا تدريجياً ، وآلت واجباتهم لورثتهم المذكورين في الوثيقة المذكورة .
ثم إن الحاج عبدالله ابن الحاج محمد ابن بو عزة أحد ورثة الشريك الأول الأب باع جميع مثقال الدار صفقة عن جميع شركائه للطاعن وشريكه على ابن الحاج الهاشمي سوية بينهما، وبذلك يتضح أن هذا البيع لا يمكن اعتباره بيع صفقة، وإنما هو بيع تبعيض ، لأن الوارث البائع لم يتحد مدخله مع مدخل بقية الشركاء، باعتبار أن كل فريق من ورثة الشركاء الثلاثة الأولين ملك من جهة خاصة، مع العلم أنه يشترط في اتحاد المدخل أن يكون بالشخص ، لا بالجنس، وعليه فلا يصنف من ورث من جهة على من ورث من جهة أخرى ... وهو المفهوم من كلام الفقهاء كالسجلماسي، والشيخ مياره، وسيدي المهدي الوزاني، كما أن وجود مشتر شريك يجعل البيع الصادر له بيع تبعيض ، لا بيع صفقة، كما قال : وحيث لا كان البيع للشريك *** فهو تبعيض بل تشكيك.) ولذلك نقض القرار، الرأي الراجح: والذي ظهر مما سبق في هذه المسالة، ما يأتي:
أولاً – أن الأصل في المال الشائع اتفاق الشركاء على التصرفات الفعلية والقولية
ثانياً – وإذا تنازعوا فعليهم السعي للتوافق ، ثم الرفع إلى القضاء للقسمة، أو المهيأة ، وإذا لم يتحقق ذلك ، أو أنه يؤدي إلى نوع من الضرر بسبب تأخير الحكم أو نحوه .
ويلحق بهذه الحالة: حالة عدم معرفة بعض الشركاء، أو غيابهم مع صعوبة الوصول إليهم أو أن ذلك يؤدي إلى نوع من الإضرار .
ففي هذه الحالات فإن اللجوء إلى بيع الصفقة بشروطه عند متأخري المالكية مقبول، وله وجاهته، ومطابقته مع مقاصد الشريعة .
ثالثاً- وبناء على ما سبق فإن الراجح هو ما يأتي:
(أ) التصرف بالتأجير: لا مانع من قيام من يملك الأكثرية المطلقة أن يقوم بتأجير المال المشاع بالضوابط الآتية :
1- أن يسعى أولاً سعياً جاداً للحصول على موافقة بقية الشركاء ثم عندما يعجز عن ذلك لأي سبب معقول فله الحق في التأجير .
2- أن يكون التأجير بأجر المثل وليس بأقل منه .
3- أن يكون التأجير حقيقياً وليس صورياً .
4- أن تراعى مصالح الأقلية، وأن لا يظهر الأكثرية إرادة الإضرار بالشريك أو الشركاء الآخرين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار ).
5- ان يودع حصة الشريك أو الشركاء الآخرين من الأجرة لدى أمين ، أو في حساب خاص بالأمانات يضمن فيه حق هؤلاء الشركاء والحفاظ عليه.
ب- التصرف بالبيع والرهن .
والذي يظهر لي رجحانه أن بيع المال الشائع كله من قبل أحد الشركاء دون موافقة الآخرين غير جائز وغير صحيح ، حتى ولو كان يملك ثلاثة أرباعه ، لأن البيع ناقل للملكية ، والغالب يترتب عليه إضرار بالشريك الآخر.
فيجب الرجوع في البيع والرهن إلى القضاء ليفصل فيه ، فهو وليّ من لا وليّ له .
ولكن إذا لم يمكن اللجوء إلى القضاء فعلاً، وان الانتظار يضر بالجميع وحينئذ يكون أمامنا حلاّن:
الحل الأول: بيع الصفقة الذي ذكرة متأخرو المالكية بشروطه.
الحل الثاني : قيام الأكثرية بالبيع أصالة في نسبتهم ، وفضولياً في غيرها وهو بيع صحيح موقوف على إجازة من بيده الإجازة عند الحنفية والمالكية، والشافعي في قول، واحمد في رواية حيث عدّوا العقد الفضولي صحيحاً موقوفاً على إجازة من بيده الإجازة. يراجع: فتح القدير (5/184) وحاشية ابن عابدين (4/503) ومواهب الجليل (4/245) وفتح العزيز (8/121) والمغني لابن قدامة (4/226) .
وفي هذه الحالة يكون لهم في الإجازة أو الرفض إذا وصل إليهم الخبر، ويحتفظ بالثمن الذي يخصم في مكان أمين.
كما أن لهم الحق في الشفعة سواء كان المال الشائع عقاراً وهو محل إجماع بين الفقهاء، أو منقولاً كما هو رأي جماعة من فقهاء السلف وهو الراجح في المال الشائع لدرء الضرر.
ومن المعلوم أن القوانين عالجت هذه المسألة من خلال مبدأ استرداد الحصة الشائعة بشروطه وضوابطه، علماً بأن عقد الشفعة بهذا المعنى الواسع يغطي هذا الجانب بشكل أعمق.: (الوسيط للسنهوري (8/850-868) .( ضوابط التصرف في الملك المشاع من تأجير وبيع مِنْ قبل مَنْ يملك أكثره ، وإن لم يرض به الأقلية أ.د. علي محيى الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث)، والله أعلم.
