وضعية المقعدين عند قسمة التركة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
الإقعاد: هو تصريح المورث أثناء حياته بأنه قد اقعد أولاد وارثه المتوفي بمقعد والدهم او إنه قد اقام أولاد وارثه المتوفي مقام والدهم حتى يصير لهم ما كان سيرثه والدهم لو لم يمت.
والإقعاد يعد وصية أي تصرف لما بعد الموت، ولذلك لا يصح الإقعاد إلا إذا كان اولاد الوارث المتوفى ليسوا من ورثة الشخص الذي اقعدهم ، فلا يجوز الإقعاد لوارث او وارث الوارث، لان الإقعاد يكون بمثابة وصية اختيارية لغير الورثة من أولاد وارثه المتوفي أثناء حياته، ومن المعلوم إنه (لا وصية لوارث او وارث الوارث) الا اذا اجاز الورثة ذلك بعد وفاة المورث الذي قام بالاقعاد.
وبناءً على ذلك فإن المقعدين هم أولاد الوارث المتوفي أثناء حياة مورثه الذين ليسوا من ضمن ورثة الشخص الذي اقعدهم، وعلى هذا المعنى فإن المقعدين في حكم الموصى لهم، ومن هذه الناحية تسري عليهم أحكام الوصية وليس أحكام الميراث، بيد أن الإقعاد وإن كان وصية إختيارية غير إنه وصية لها طبيعتها الخاصة من جهة الموصي الذي اقعدهم ، فقد اتجهت ارادته ومشيئته إلى إنزال المقعدين في منزلة والدهم الوارث على إفتراض إنه لم يمت حتى يستحق المقعدون ما كان سيصير لوالدهم لو لم يمت قبل مورثه الذي اقعد المقعدين، ومؤدى ذلك أن معرفة ما سيؤول إلى المقعدين بموجب الإقعاد لا يمكن معرفة مقداره ان صفته أو مكانه إلا إذا تم إدخال المقعدين عند اجراء قسمة تركة من اقعدهم إدخالهم في إجراءات القسمة في مكان أو مقعد والدهم المتوفي ضمن إجراءات القسمة كما لو انه على قيد الحياة بقصد معرفة ما كان سيرثه والدهم لو لم يمت حتى يتم تحديد وإخراج حصة المقعدين، وأثناء إجراءات القسمة التي يكون من ضمنها المقعدين بمقعد والدهم يتم التعامل مع المقعدين ككتلة واحدة أو جماعة واحدة، وبعد إستلام المقعدين لفصلهم وتمييز الاموال المذكورة في فصلهم تنتهي علاقة المقعدين بالقسمة وعندما يكون الاقعاد قد تم تنفيذه ، وبعد ذلك يتم تقسيم الأموال المذكورة في فصل المقعدين بينهم على اساس الفرائض الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين، وهذه هي وضعية المقعدين ، وقد اشار إلى هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-6-2012م في الطعن رقم (45123)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى: (ثانياً: ثبوت إقعاد.... من جده.... ومن جدته.... مقام والده، وعلى المدعى عليه التوقف عن المعارضة للإقعاد –ثالثاً: تتم قسمة الأموال المتروكة التي لم تدخل في القسمة المؤرخة... بين المدعين والمدعى عليه من مخلف .... ومخلف فلانة.... بين الورثة بمن فيهم المقعد)، وقد قضى الحكم الاستئنافي بتأييد الحكم الابتدائي، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي اقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة أسباب الطعن وما ورد بإجابة المطعون ضده ، ومن خلال ذلك فقد تبين للدائرة: أن تلك الأسباب متعلقة بوقائع النزاع ، وقد ناقشتها محكمة الموضوع في حكمها، وتوصلت إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الوضعية الواقعية للمقعدين:
في بعض الحالات يتوفى الله الوارث المحتمل أثناء حياة مورثه ويكون للمتوفى اولاد، وفي غالب الحالات يكون من المحتمل أيضاً أن لا يرث أولاد المتوفي أثناء حياة مورثه، ولذلك يقوم المورث أثناء حياته بإقعاد أولاد وارثه المتوفي في مقعد والدهم حتى يصير لهم بعد وفاة المقعد ما كان سيصير لوالدهم لو لم يمت أثناء حياة مورثه، فالمقعدين لا يكونوا ورثة للشخص الذي اقعدهم ، لأنهم لو كانوا من الورثة فلا يجوز إقعادهم ، لأن الإقعاد بمثابة الوصية ، والوصية لا تكون جائزة لوارث او لوارث الوارث إلا إذا اجازها الورثة بعد وفاة المورث.
الوجه الثاني: الوضعية الشرعية للمقعدين:
الإقعاد جائز في الشريعة الإسلامية بل إنه مندوب، إذا كان أولاد الوارث المتوفي أثناء حياة مورثه لا يرثون من مورث مورثهم، لأن المقعدين في هذه الحالة ليسوا من ورثة من قام بإقعادهم، فالإقعاد في هذه الحالة وصية لغير وارث ، فهي جائزة في الشريعة الإسلامية ومندوبة ، فهي صدقة لذوي قربى، فيكون للشخص الذي اقعدهم اجر عظيم، غير ان الإقعاد لا يجوز لوارث او لوارث الوارث إلا إذا اجاز الورثة ذلك أو كان الشخص المقعد عاجزا عن الكسب كالمشلول والأعمى.
الوجه الثالث: الوضعية القانونية للمقعدين:
لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية اليمني للإقعاد بصفة صريحة، الا ان الإقعاد بمثابة وصية صحيحة إذا كانت لغير وارث ، ولذلك فإن أحكام الوصية في القانون اليمني تنطبق على الإقعاد، ومن هذا المنطلق لم ينظم المقنن اليمني الإقعاد بنصوص مستقلة.
الوجه الرابع: وضعية المقعدين عند قسمة تركة الشخص الذي اقعدهم:
في تعليق سابق ذكرنا أن الإقعاد وصية لغير وارث لاتكون نافذة الا بعد وفاة الشخص الذي قام بالاقعاد ، بيد ان وصية الاقعاد ليست مقدرة بمقدار معين او مال معين مثل غيرها من الوصايا ، وإنما يكون مقدار ألإقعاد أو المال الذي سيؤول إلى المقعدين بعد وفاة من اقعدهم مجهولاً، ولذلك فإن حصة المقعدين لا يمكن تحديدها أو معرفة مقدارها ونوعها واماكنها إلا إذا تم إدخال المقعدين عند اجراء قسمة تركة من اقعدهم إدخالهم في إجراءات القسمة في مكان أو مقعد والدهم المتوفي ضمن إجراءات القسمة كما لو انه على قيد الحياة بقصد معرفة ما كان سيرثه والدهم لو لم يمت حتى يتم تحديد وإخراج حصة المقعدين، وأثناء إجراءات القسمة التي يكون من ضمنها المقعدين بمقعد والدهم يتم التعامل مع المقعدين ككتلة واحدة أو جماعة واحدة عن طريق حلولهم محل والدهم في كافة اجراءات القسمة ولكن ككتلة واحدة ويكون لهم جميعا فصلا واحدا هو الفصل الذي كان من المقرر ان يكون لوالدهم ، وبعد إستلام المقعدين لفصلهم وتمييز الاموال المذكورة في فصلهم تنتهي علاقة المقعدين بالقسمة، وعندما يكون الاقعاد قد تم تنفيذه ، وبعد ذلك يتم تقسيم الأموال المذكورة في فصل المقعدين بينهم على اساس الفرائض الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين، وهذه هي وضعية المقعدين عند قسمة التركة التي تم إقعادهم فيها.
الوجه الخامس: الاقعاد العام والاقعاد الخاص:
كان المقعد في الحكم محل تعليقنا شخصا واجدا ، الإقعاد وصية وليس ميراثا حسبما سبق بيانه ، ولذلك فان الشخص الذي يقوم بالاقعاد يستطيع ان يجعل الاقعاد عاما يشمل كافة ورثة وارثه المتوفى ، كما ان الشخص الذي يقوم بالاقعاد يستطيع حصر الاقعاد على بعض ورثة وارثه المتوفي ، فيكون الاقعاد في هذه الحالة خاصا ببعض ورثة المتوفي، غير ان الاقعاد لبعض ورثة المتوفي فقط إذا كانت ظروفهم وإمكانياتهم متساوية يورث الوحشة والنفور والحسد والتباغض في نفوس ورثة المتوفى، ولذلك يكون مكروه، والله اعلم.
![]() |
وضعية المقعدين عند قسمة التركة |
مقال آخر
حماية الأطفال من أخطار المنازعات المسلحة