المطالبة بقسمة المؤخر إقرار بصحة القسمة السابقة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
مؤخر التركة: هي بعض أموال التركة التي تأخرت قسمتها عند إجراء القسمة الأولى لأموال التركة التي تمت بعد وفاة المورث، ويطلق على مؤخر التركة في بعض مناطق اليمن المتروك أو المترك.
ويتم تأجيل قسمة بعض أموال التركة عند إجراء القسمة الأولى لاسباب عدة ، فقد تكون بعض أموال التركة محل نزاع بين الورثة أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم أو لعدم وجود بعض اموال التركة عند إجراء القسمة الأصلية ، وقد يتفق الورثة عند إجراء القسمة الأصلية على تأجيل قسمة بعض الأموال لإعتبارات معينة، مثل تاجيل قسمة بيت العائلة حتى يبلغ القصار او تاجيل قسمة اسهم أو عقار يدر على الورثة عائد وفير.
فإذا قام الوارث بعد اجراء القسمة الاصلية الأولى بالمطالبة بقسمة المؤخر فإن ذلك إقرار ضمني منه بصحة القسمة الأصلية، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-1-2012م في الطعن رقم (43761)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه: (قد ثبت صحة القسمة السابقة بالإعتراف الضمني من المستأنفين الذي ظهر من خلال عدم معارضتهم للفقرة الثانية من الحكم الابتدائي التي قضت بقسمة المؤخر عن قسمة سنة..... ، وذلك بناءً على طلب المستأنفين)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما اثاره الطاعنون من أسباب في عريضة الطعن، ومن خلال ذلك فقد تبين للدائرة: أن تلك الأسباب تتعلق بموضوع النزاع، وقد تمت مناقشتها من قبل المحكمة الاستئنافية التي توصلت في حكمها إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية المؤخر أو المتروك من القسمة:
المؤخر هو: اموال التركة التي تاخرت قسمتها حين إجراء القسمة الأصلية الأولى، ويطلق على مؤخر القسمة في بعض مناطق اليمن مصطلح آخر وهو المتروك أو المترك أي أموال المؤرث التي ترك الورثة قسمتها حين اجراء القسمة الأصلية أو الأولى.
ومن النادر أن تتم قسمة كل أموال التركة بعد وفاة المورث، لأن هناك أموال للمورث لا تكون ظاهرة عند إجراء القسمة الأصلية أو القسمة الأولى ، كما قد تكون بعض أموال التركة مرهونة لدى الغير ، كما قد تكون بعض أموال التركة محل خلاف بين الورثة أنفسهم أو كانت أثناء حياة المورث محل خلاف بين المورث وبعض الورثة أو بين المورث وآخرين، وكذا قد تكون بعض أموال المورث مغصوبة لدى الغير، وقد تكون للمورث ديون وحقوق لدى الغير لم يحن ميعاد إستحقاقها عند إجراء القسمة الأصلية، علاوة على انه في بعض الحالات قد يتفق الورثة أنفسهم بعد وفاة مؤرثهم على تأجيل قسمة بعض الأموال لإعتبارات عدة مثل تأجيل قسمة منزل المورث حتى يبلغ القصار أو حتى يتزوجن البنات العازبات...إلخ.
فكل مال من أموال المورث لا تتم قسمته في القسمة الأصلية أو القسمة الأولى يندرج ضمن مفهوم مؤخر القسمة أو المتروك، وعلى أساس ما تقدم فإن مؤخر القسمة أو المتروك : هي أموال المؤرث التي لم تتم قسمتها في القسمة الأولى أو القسمة الأصلية.
الوجه الثاني: الوضعية القانونية لمؤخر القسمة:
من المعروف أن الهدف من قسمة تركة المورث هو إزالة الشيوع في التركة بعد موت المورث ، فعن طريق القسمة يتم تعيين وفرز نصيب كل وارث في كل أموال المورث، بيد أنه بالنسبة لأموال المورث التي تتأخر قسمتها عن القسمة الأصلية أو الأولى فإنها تظل شائعة بين الورثة وتكون مملوكة لهم جميعاً على الشيوع بحسب الفرائض الشرعية، فيكون لكل وارث حق التصرف في نصيبه الشائع بحسب الضوابط الشرعية والقانونية، كما يحق لكل وارث المطالبة بقسمة أموال المورث التي تأخرت قسمتها إذا زال سبب التأخير.
الوجه الثالث: إثبات المؤخر أو الأموال التي تأخرت قسمتها عند القسمة الأصلية:
يتم إثبات الاموال التي تأخرت قسمتها إذا كانت موجودة حين القسمة الأصلية يتم إثباتها عن طريق كشف حصر أموال المورث الذي يبين كافة الأموال التي تركها المورث أي الأموال التي كانت تحت يد المورث عند موته ووضعية هذه الأموال بما في ذلك بيان الأموال المملوكة للمورث والأموال المرهونة أو المودعة لديه والأموال المؤجرة منه وعليه والأموال القابلة للقسمة الفورية (الأصلية) والأموال المتنازع عليها والأموال التي اتفق الورثة على تأخير قسمتها أو عدم قسمتها في (القسمة الأصلية) أي انه يتم تدوين الأموال التي تأخرت قسمتها في كشف حصر التركة ويذكر امامها انها مؤخر أو سيتم تاخير قسمتها ، أما بالنسبة لاموال المورث التي لم تكن ظاهرة عند إجراء القسمة الأولى فيتم تدوين عبارة: (وماظهرت بعد إجراء القسمة من أموال للمورث أو حقوق فتتم قسمتها بين الورثة بحسب ما تم في هذه القسمة ) أي القسمة الأصلية، ويتم إدراج هذه العبارة أيضاً في نهاية كشف حصر التركة وكذا في نهاية كل فصل أو فرز من فروز المتقاسمين.
الوجه الرابع: مطالبة الوارث بقسمة المؤخر إقرار ضمني بتمام وصحة القسمة الأصلية:
إذا طالب الوارث بعد إجراء القسمة الأولى بقسمة المؤخر أو المتروك أو قبل بقسمة المؤخر فإن ذلك إقرار ضمني من الوارث بتمام القسمة الأصلية وصحتها، لأن مطالبة الوارث بقسمة المؤخر تدل على أن القسمة الأصلية السابقة قد تمت صحيحة حين إجرائها ، وأنه لم يتبق إلا قسمة أموال المورث التي تأخرت قسمتها، فمطالبة الوارث بقسمة المؤخر تدل على أن الوارث المطالب بقسمة المؤخر كان قابلاً وموافقاً على القسمة الأصلية وأنه يطالب فقط بقسمة الأموال التي تأخرت قسمتها.
الوجه الخامس: إجراءات قسمة المؤخر:
سبق القول أنه يتم التصريح في كشف حصر الأموال التي مات المورث وهي تحت يده ، وذلك بكتابة عبارة : تتم قسمة الأموال المتأخرة بحسب إجراءات القسمة الأصلية، ومؤدى ذلك أنه ينبغي عند قسمة المؤخر إتباع الإجراءات ذاتها التي تمت عند إجراء القسمة الأصلية ولكن في نطاق الأموال التي تأخرت قسمتها فقط مع الإشارة في وثائق قسمة الأموال المتأخرة أنه لا يترتب على هذه الإجراءات مناقضة ما ورد في القسمة الأصلية، بالإضافة إلى الإشارة إلى أنه إذا ظهرت أموال أخرى للمورث بعد قسمة المؤخر فتتم قسمتها بالطريقة ذاتها.
ولذلك فإن قسمة المؤخر قد تتم بمناسبة ظهور أي مال للمورث أو قابلية الأموال التي كانت محل نزاع للقسمة، فلا ضير من تعدد إجراءات قسمة المؤخر عند ظهور مال المورث او زوال السبب الذي حال دون قسمته في القسمة السابقة، ولاضرر من تعدد فصول المقاسم الواحد في التركة الواحدة طالما إن الفصول غير متناقضة وانها تتضمن الاشارة إلى الفصل الاصلي الذي تم تحريره بموجب القسمة الاصلية.
ويحجم بعض القسامين في اليمن عن إجراء القسمة الأصلية بذريعة التحري عن كافة أموال المورث وقابليتها للقسمة كي تتم قسمتها مرة واحدة ، لذلك تطول إجراءات القسمة، وعندما يتم نصحهم بقسمة الأموال القابلة للقسمة الفورية وترك الأموال المتنازع عليها فتتم قسمتها مع المؤخر يتعلل هؤلاء القسامون بأنه ممنوع عندهم تعدد فصول الوارث المقاسم الواحد في التركة الواحدة، حتى لايتم الاستغلال السئ لتعدد الفصول ولانه يترتب على تعدد فصول الوارث في التركة الواحدة التلاعب بالفصول وعدم معرفة نصيب الوارث الواحد في التركة الواحدة، لان معرفة ذلك لايتم الا بوثيقة واحدة وهي الفصل الواحد ، علاوة على أن اية قسمة أخرى تالية للقسمة الاولى تستتبع اجراءات اخرى مماثلة لاجراءات القسمة السابقة، وهذا التعليل غير سديد، فقد وجدنا في قسمة التركات القديمة التي تولها علماء اليمن المتقدمين عدة فصول للوارث المقاسم الواحد في تركة واحدة، فقد كان يتم تحرير فصل لكل مقاسم في القسمة الاولى ثم يتم تحرير فصل اخر للمقاسم نفسه في اموال المؤخر التي صارت له،ويمكن تلافي مخاطر تعدد فصول الوراث الواحد في التركة الواحدة عن طريق الاشارة في فصول القسمات التالية للقسمة الاولى ان هذه الفصول هي اكمال للقسمة السابقة وانها لا تناقض القسمة السابقة ، والله اعلم.
![]() |
المطالبة بقسمة المؤخر إقرار بصحة القسمة السابقة |