المساواة بين الورثة في تكاليف الزواج والتعليم قبل القسمة

المساواة بين الورثة في تكاليف الزواج والتعليم قبل القسمة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

صرح قانون الأحوال الشخصية اليمني بأن تكاليف الزواج لمن لم يتزوج من أولاد المورث في حكم الوصية الواجبة ينبغي خصمها من رأس التركة قبل قسمتها بل قبل غيرها من الوصايا الاخرى،

حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-1-2012م في الطعن رقم (43376)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه:

(اما بخصوص ما اثاره المستأنف بشأن إحتساب مقابل الزواج للمقاسمين :فلان وفلان : فيرد على ذلك بأن التسوية بين الأولاد واجبة) ، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فقد تبين للدائرة أن نعي الطاعن قد ارتكز على وقائع النزاع وبعض إجراءات الحكم، وبمناقشة الدائرة لمناعي الطاعن فقد وجدت: أن تلك الوقائع متعلقة بموضوع النزاع وتختص بنظرها محكمة الموضوع، وقد توصلت محكمة الاستئناف إلى نتيجة موافقة للشرع والقانون مما يلزم طرح مناعي الطاعن)،

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تكاليف زواج أولاد المورث في قانون الأحوال الشخصية اليمني:

ضمن الفصل الخامس وعنوانه (الوصية الواجبة) نصت المادة (260) على إنه (تجب التسوية بين الأولاد في الزواج والتعليم، فإذا كان قد صرف أموالاً في تزويج وتعليم البعض فعليه تسوية الآخرين بهم فإن لم يفعل حتى مات ولم يوص بها سوى القاضي بينهم بإخراج القدر المساوي لهم مع وجوب التسوية بين الأولاد وبقية الورثة إن كانوا طبق طريقة المواريث).

ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أن تكاليف زواج الأولاد واجبة إذا كان الوالد قد سبق له أن دفع تكاليف الزواج لبعض أولاده، اما إذا لم يسبق له ذلك فلا تكون هذه التكاليف واجبة وإنما تقسم التركة بين الورثة ويقوم كل ولد بدفع تكاليف زواجه، وقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قضى بإستيفاء تكاليف زواج ولدين من راس التركة قبل قسمتها طالما إن الوالد كان قد سبق لنه ان قام أثناء حياته بدفع تكاليف زواج بعض أولاده أثناء حياته.

الوجه الثاني: شمول لفظ الأولاد في نص المادة (260) أحوال شخصية لبنات المورث:

من المعلوم في اللغة العربية والشريعة الإسلامية وكذا في القانون أن لفظ (الأولاد) يشمل البنات، وفي هذا المعنى قال الله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [ سورة النساء، من الآية: (11)]، وبناءً على ذلك فإن لفظ الأولاد الوارد في المادة (260) أحوال شخصية يشمل بنات المورث، إذ نصت المادة (260) على إنه (تجب التسوية بين الأولاد في الزواج والتعليم...إلخ)، وعلى هذا الأساس فإن البنت مثل الإبن تستحق تكاليف الزواج والتعليم، سيما إن نفقات زواج البنات في اليمن في العصر الحاضر أضعاف تكاليف زواج الأبناء بل أضعاف ذلك اضعافا مضاعفة.

الوجه الثالث: كيفية إحتساب تكاليف الزواج:

مناط إحتساب تكاليف الزواج بموجب نص المادة (260) أحوال شخصية السابق ذكرها مناط ذلك هو تسوية الأولاد غير المتزوجين باخوانهم الذين سبق للمورث تزويجهم ، فالمقصود إحتساب التكاليف المناسبة لغير المتزوجين، فليس المقصود بذلك ان يكون مبلغ التكاليف مثل المبالغ التي التي دفعها الوالد أثناء حياته عندما قام بتزويج اخوانهم السابقين ، وانما المقصود التكاليف التي تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف ،ومع ذلك ينبغي عند إحتساب تكاليف زواج غير المتزوجين مراعاة تحديد مكونات تكاليف الزواج التي سبق للوالد المورث دفعها عند تزويجه للسابقين ، فاذا كان الوالد قد سبق له ان دفع للسابقين كل تكاليف الزواج فيجب ان تحتسب لغير المتزوجين كافة تكاليف زواجهم، فإذا كان الوالد قد دفع المهر والشرط وتكاليف الوليمة فأنه ينبغي أن يتم إحتساب تكاليف غير المتزوجين على هذا الأساس ، وكذلك الحال إذا كان الوالد قد دفع تكاليف الوليمة فقط أو المهر فقط أو المهر والشرط فقط ،فأنه يتم إحتساب تكاليف من لم يتم تزويجه على هذا الأساس، غير انه يجب عند إحتساب تكاليف زواج غير المتزوجين مراعاة قيمة التركة كلها فلايقبل ان تبلغ تكاليف الزواج رفع نصيب الوارث من التركة ، وكذا ينبغي الاقتصار على التكاليف الشرعية التي تكون محل اتفاق على جوازها في الشريعة الاسلامية كالمهر والشرط والكسوة والوليمة ، فلاتدخل في ذلك تكاليف قاعات الافراح الفخمة باهضة الاجرة ولاتدخل اجور الفنانين والفنانات ولاباس في اجرة النشاد ، كما لايتم إحتساب تكاليف القات والسجائر.

الوجه الرابع: كيفية إستخراج تكاليف الزواج من التركة:

سبق أن ذكرنا أن قانون الأحوال الشخصية قد نظم التسوية بين الأولاد في الزواج نظمها ضمن أحكام الوصية الواجبة إضافة إلى أن نص المادة (260) أحوال شخصية صريح في وجوب التسوية بين الأولاد في تكاليف الزواج، وبما أن تكاليف الزواج في حكم الوصية الواجبة فإنها تسري عليها أحكام إستخراج الوصية الواجبة، ومن المعلوم أن الوصية الواجبة يتم إستخراجها من وعاء التركة قبل قسمة التركة بل إنه يتم إخراجها قبل غيرها من الوصايا الاخرى، وفي هذا المعنى نصت المادة (259) أحوال شخصية في نهايتها على إنه (وتقدم هذه الوصية على غيرها من الوصايا التبرعية)، والمقصود بهذا النص الوصية الواجبة التي تندرج ضمنها تكاليف الزواج والتعليم.

الوجه الخامس: التسوية في تكاليف الزواج شاملة للورثة جميعا وليست قاصرة على الأولاد:

نصت المادة (260) احوال شخصية على إنه (تجب التسوية بين الأولاد في الزواج والتعليم، فإذا كان قد صرف أموالاً في تزويج وتعليم البعض فعليه تسوية الآخرين بهم فإن لم يفعل حتى مات ولم يوص بها سوى القاضي بينهم بإخراج القدر المساوي لهم مع وجوب التسوية بين الأولاد وبقية الورثة إن كانوا طبق طريقة المواريث).

فقد صرحت هذه المادة في نهايتها على أن التسوية في تكاليف الزواج والتعليم شاملة لكافة الورثة ، فاذا قام المورث اثناء حياته بتعليم أو زواج احد اخوته الوارثين له أو احد احفاده الوارثين له ، فيسري على كافة الورثة حكم المساواة بين الاولاد السابق تناوله في هذا التعليق، والله اعلم.

المساواة بين الورثة في تكاليف الزواج والتعليم قبل القسمة
المساواة بين الورثة في تكاليف الزواج والتعليم قبل القسمة.

مقال ذات صلة:

مقابل التسوية بين الورثة قبل إجراء القسمة