مقابل التسوية بين الورثة قبل إجراء القسمة
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
مصطلح (السواية)
مصطلح شعبي يمني متداول في مناطق كثيرة من اليمن ويقصد به أنه إذا كان بعض الورثة
أو الشركاء قد استهلكوا او اخذوا مالاً من
التركة أو الشراكة أو كان المورث قد اعطى بعضهم مالا او منفعة في اثناء حياته
فالواجب أن يعطى للآخرين بدلا أو مقابلا أو عوضا يساوي ذلك المبلغ أو الشيء الذي
استهلكه الشريك أو الوراث من التركة أو الشراكة قبل قسمتها باعتبار تلك الأشياء
التزامات قائمة على التركة أو الشراكة يجب الوفاء بها قبل القسمة التي ستحدد نصيب
وفصل كل واحد من الشركاء أو الورثة، ومقابل التسوية أو ما يسمى (السواية) وإن كان
أمر مشروع إلا أنه في بعض الأحيان لا يخلو من الحيلة أو المغالطة فضلاً عن أنه
يثير إشكاليات عدة عند تطبيقه، ولذلك ينبغي التوعية بهذا الموضوع ولفت الأنظار
إليه وذلك بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا
في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/5/2011م في الطعن الشخصي رقم (43149) لسنة 1432ه
وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن ثلاثة أخوة ورثوا تركة شائعة ؛ وفي
أثناء شراكتهم الفعلية في التركة الشائعة تزوج أحدهما بثلاث زوجات وتزوج الثاني
بزوجتين وتزوج الثالث بزوجة واحدة فقط، وعندما أراد الأخوة الشركاء قسمة التركة
الشائعة رضائياً اختاروا قساماً لهذه الغاية، فطلب الأخ الذي تزوج بزوجة واحدة فقط
بحق (السواية) قبل إجراء القسمة حسبما هو متبع حيث طالب بأن يقوم القسام باخراج
سوايته في حق الزواج من مال تاشركة قبل إجراء القسمة فأجاب عليه القسام
(بأنه سيعقب من المال ما يحقق تسويته
باخوانه الذبن تزوجوا اموال التركة) أي ان القسام وعده بانه سوف يخرج الأموال المناسبة
مقابل سويته باخوانه وبالفعل أخرج القسام
جزءا قليلا من الأموال مقابل السوية وبعدها جرت القسمة بين الأخوة، وبعد حين طلب
الأخوان الآخران من اخيهم الذي تم منحه بعض المال مقابل سوايته طلب منه قسمة ذلك المال الذي تم اخراجه
مقابل سوايته، فقام الأخ الذي لم يتزوج إلا بزوجة واحدة قام برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية طلب فيها
إلزام اخوته بمحاسبته بحق السواية مالاً أو نقداً فاجاب الأخوان المدعى عليهما بأن
المدعي قد أخذ سوايته بنفسه وهي الديوان
وهواه في الطابق الثاني من البيت وكذا
عرصة شمال البيت مع الديم الواقعة يمين البيت وعشرة أقداح حب ودخن فهذه
الأشياء هي سويته وذكر المدعى عليهم بان المدعي قد قنع بذلك وجرت القسمة بعد ذلك ؛
وقد سارت المحكمة في إجراءاتها حتى توصلت إلى الحكم (بقبول الدعوى المرفوعة من
المدعي ولزوم تسوية المدعى بأخويه المدعى عليهما بما يساوي أربعمائة وخمسين ريالاً
فرنصاً ويكون إخراج ذلك من المعقبات (اي الامواا المجنبة التي لم تتم قسمتها ) على
ان بتم اخراج حق السوية بواسطة عدليين خبيرين يختارهما طرفا القضية وذلك لتسوية
المدعى بأخويه المدعى عليهما مقابل زواجهما أكثر من زوجة) وقد ورد ضمن أسباب الحكم
الابتدائي (تبين للمحكمة من خلال الدعوى والأدلة صحة الدعوى ولذلك يلزم المدعى
عليهما إخراج التسوية للمدعى عيناً او نقدا من المعقبات بما يساوي قيمة أربعمائة
وخمسين ريالا فضيا فرانصيا مساواة لللمدعى بأخويه مقابل زواجهما كما هو مذكور في عقود
زواجهما أما بخصوص ما ذكره المدعى عليهما بأن مقابل التسوية قد تم إخراجه عند
القسمة فقد أطلعت المحكمة على فصول القسمة فلم تجد لها أي ذكر ؛ فالظاهر أن الحق
مع المدعي فيلزم المدعى عليهما تسويته
مقابل حق الزواج)؛ فقام احد الاخوين
باستئناف الحكم إلا أن محكمة الاستئناف رفضت استئنافه وأيدت الحكم
الابتدائي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي (فقد ذكر المستئانف أن المستئانف
ضده قد أخذ حقه في التسوية المشار إليها وتم إخراجها باسم سعاية فلم يرد دليل يؤكد
ذلك حيث تبين من أقوال الشاهد وهو القسام بأن القسمة وقعت منذ أكثر من خمسة وثلاثين
سنة فالقسمة لا خلاف عليها لذلك يتضح أنه لا يوجد دليل كاف على ما ورد في عريضة
الاستئناف ) فلم يقبل المستئانف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن
المحكمة العليا رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة
العليا (أما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة ما أثاره الطاعن في عريضة الطعن من
أسباب فوجدت أن أسباب الطعن متعلقة بوقائع النزاع الموضوعية التي قامت محكمة الموضوع بمناقشتها وفي ضوء ذلك
توصلت محكمة الاستئناف في حكمها إلى نتيجة صحيحة وموافقة للشرع والقانون) وسيكون
تعليقنا على هذا الحكم حسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: وجوب التسوية بين الورثة أو الشركاء قبل إجراء القسمة:
من المقرر شرعاً وقانوناً وجوب التسوية بين الشركاء أو الورثة فيما يستهلكونه اوياخذونه من اموال التركة أو الشراكة قبل قسمتها وكذا فيما يعطيهم مورثهم قبل موته، فقد أجمع الفقه الإسلامي على وجوب أن يساوى الوالد أو من في حكمه في عطيته، لذلك إذا أعطى المورث لأحد الورثة البالغين المكلفين مالاً بأية صفة أو كيفية فأنه يجب عليه أن يساوي بين بقية الورثة وأن يعطيهم مالاً أو مقابلاً مساوياً لذلك فإذا لم يقم المورث بذلك في أثناء حياته فأن حكم وجوب المساواة يظل قائماً في تركة المتوفى فيستحق الورثة أو الوارث الذي لم يتم إعطائه مقابلاً مساوياً للعطية التي أعطاها مورثه لغيره من الورثة، وقد أخذ القانون اليمني بهذا الحكم الشرعي حيث نصت المادة (183) أحوال شخصية على أنه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) وهذا النص واضح بالإضافة إلى أنه صرح بكيفية المساواة وأنها تكون بحسب الفرائض الشرعية للذكر مثل حظ الانثيين، وعلى هذا الأساس فإذا قام المورث بالإنفاق على تعليم بعض الورثة أو زواجهم أو تقديم مبالغ مالية لهم أو شراء سيارات أو جنابي أو فتح أرصدة لهم أو مساعدتهم في بناء بيوتهم أو غيره، فأنه يجب قبل إجراء القسمة منحهم مقابل التسوية الذي يكون مساوياً لتلك الأموال التي أعطاها مورثهم لهم أو بعضهم؛ لأن التركة تكون مثقلة بهذا الواجب الشرعي والقانوني وهو المساواة فيكون هذا الواجب بمثابة دين على التركة يجب الوفاء به قبل قسمتها، وكذلك الحال بالنسبة للشركاء في الشركات الفعلية والنظامية فالشركاء فيها متساوون بحسب الحصص والأنصبة لكل واحد منهم فإذا اختص أي منهم بمال أو منفعة أو ميزة أو غير ذلك فالواجب ان يتم يحتسب للشركاء الأخرين مقابل لذلك ومساوياً له، فإذا صارت التركة إلى التصفية فيحق للشريك أن يطلب مقابل تسويته أو المساواة حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: ماهية مقابل التسوية ومسمياته:
تطلق على مقابل التسوية في اليمن مسميات عدة متقاربة فيسمى هذا المقابل (سواية،
تسوية، مساواة، بدل التسوية، عوض التسوية) وهذه المسميات وأن تعددت إلا أن معناها
واحد، فمقابل التسوية هو:حق الوارث أو الشريك في المطالبة بمساواته بالمال أو
المنفعة التي حصل عليها غيره من الورثة أو الشركاء، حيث يتم تقييم الشيء الذي
انفرد به أحد الشركاء أو بعضهم على أساس سعر يوم حصوله على المال أو الميزة أو
المنفعة وفي ضوء ذلك يتم تحديد (السواية، بدل التسوية) مثلما قضى الحكم محل
تعليقنا حيث رجعت المحكمة إلى عقود الزواج التي ورد فيها المهر وتكاليف الزواج وتم تحديد مقابل التسوية على أساس المهر
المدفوع وتكاليف الزواج بالريال الفرنصي (ريال ماريا تريزا) فلم يحدده الحكم
بالريال اليمني الورقي وتم تحديد ذلك على اساس قيمة وتكاليف الزواج في وقته.
الوجه الثالث: أهمية مقابل التسوية أو عوضها وبدلها:
تتمثل هذه الأهمية في ان مقابل التسوية واجب شرعي وقانوني يجب الوفاء به حتى لا يكون المتسبب في عدمه اثماً مستوجباً للعذاب في الدنيا والآخرة وحتى لا يكون عرضة للمسائلة القانونية سواء أكان قاسماً أو مقاسماً او وراثاً او شريكاً، كما أن عدم تطبيق مقابل التسوية أو عوض التسوية يكون سبباً في نقض القسمة، خاصة أن هذا المقابل أو الحق لا يسقط بالتقادم فقد لاحظنا أن المدعي المحكوم له بالحكم محل تعليقنا قد طالب بحقه في السواية بعد مضي أكثر من خمسة وثلاثين فحكمت له المحكمة بذلك ؛علاوة على ان تطبيق حق التسوية على النحو السابق بيانه يؤلف بين قلوب الورثة او الشركاء ويحقق في نفوسهم الشعور بعدالة القسمة وان كل واحد قد استوفى حقه الشرعي والقانوني، والله اعلم.