إحتمال الزيادة والنقصان في قياس الذراع
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
الذراع: هو يد الإنسان البالغ مكتمل البلوغ ، وذلك من المرفق إلى نهاية الأصبع الوسطى للكف، والذراع من ضمن أدوات المساحة الشائعة في بعض مناطق اليمن قبل استعمال مقياس (المتر)، فقد كان يتم إستعمال الذراع في الماضي في مساحة بعض الأراضي في مناطق كثيرة في اليمن .
ولأن مساحة الذراع تختلف من شخص إلى آخر، لذلك فإن المساحة التي يتم قياسها بالذراع تحتمل الزيادة والنقصان، ولمعالجة هذه المسألة في العصور القديمة فقد كانت بعض المناطق اليمنية تعتمد ذراع شخص معين اشهرها ذراع الامام الهادي ، وكانت تستخدم الحبال لتحديد الذراع أو القصبة أو اللبنة على أساس ان الحبل يشتمل على عدة ذراعات أو غيرها ، فيتم مساحة الارض عن طريق هذا الحبل ، وكذلك الحال عند مساحة الارض عن طريق مقياس القصبة واللبنة وغيرها ، وكان المساحون في كل منطقة يحتفظوا بهذه الحبال، ويتم توارث هذه الحبال جيل بعد جيل ، وفي بعض الحالات كانت تتم مساحة الارض عن طريق ذراع شخص معين في المنطقة من غير إستعمال الحبل المشار اليه ، يقوم أي شخص بهذه المهمة ، وفي كل الاحوال تكون المساحة بهذه الوسائل أو الطرق البدائية في الوقت الحاضر غير دقيقة ، حيث يوجد في المنطقة الواحدة اكثر من حبل واكثر من مساح ، ولذلك يظهر التفاوت والاختلاف بين حبل واخر وبين ذراع مساح واخر ، وبسبب ذلك تظهر الفروق والتفاوت في المساحة بتلك الطرق البدائية سيما عند تطبيق المستندات القديمة في الوقت الحاضر على الاراضي المتنازع عليها، ولهذا السبب تقع الخلافات والخصومات بين الجيران، ولذلك عند إعادة مساحة الارض في الوقت الحاضر تظهر الزيادة والنقص في مساحة الارض ، فمثلا عند تسجيل الأرض في السجل العقاري تسبق ذلك قيام المختصين بإعادة مساحة الارض المطلوب تسجيلها فعندئذ تظهر الزيادة والنقص ، فلاتخلوا أرض في اليمن من الزيادة او النقصان ، وهذا الامر معلوم للكافة ، وقد كان المتقدمون من اليمنيين يتسامحوا في الزيادة اوالنقص اليسير،وعلى ذلك يجب أن تكون هذه المسألة حاضرة في الاذهان عند إعادة مساحة الارض التي سبقت مساحتها بالذراع او اللبنة أو القصبة في الوقت الحاضر، كما يجب على الجهة المختصة قانونا ان تضع المعالجة القانونية لهذه الاشكالية ، وبيان مايعادل وحدات القياس القديمة كاللبنة والذراع والقصبة والشكلة بوحدة المتر باعتباره وحدة القياس بالمتر هي المتبعة في العصر الحاضر؛
وقد أشار الى هذه المسالة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26-8-2015م في الطعن رقم (56870)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى بأنه
(اما نعي المستأنف على الحكم الابتدائي أنه قضى على المستأنف في الفقرة (1) من المنطوق برفع يده عن الأربعة المذارع (الذراع) التي ظهرت زيادة عما في بصيرة شرائه ، ،فهذا النعي في محله ، لأن الذرع بواسطة اليد يحتمل الزيادة والنقص في حدود هذا القدر الضئيل ، الأمر الذي يستوجب الغاء هذه الفقرة)
وقد أقرت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا:
(فقد وجدت الدائرة: أن الطعن في غير محله، كون البين للمحكمة العليا بعد رجوعها إلى ما قضت به الشعبة في منطوق حكمها بتأييد الحكم الابتدائي بجميع فقراته بإستثناء ما اضيف في الفقرة الأولى بخصوص إلزام المستأنف برفع يده عن الأربعة المذارع الزيادة عما في بصيرته فتلغى هذه الإضافة حسبما قضى به منطوق حكم الشعبة للأسباب التي استندت إليها في حيثيات حكمها ، ولذلك فإن ما قضت به الشعبة هو عين الصواب)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: مساحة الأرض عن طريق الذراع في بعض مناطق اليمن:
الذراع وحدة مساحة كانت في الماضي معتمدة في مناطق كثيرة في اليمن ، والذراع في غالب المناطق اليمنية هو : المسافة ما بين نهاية الأصبع الوسطى في كف اليد إلى نهاية مرفق اليد ذاتها، وكانت هذه الطريقة شائعة في مناطق يمنية كثيرة حسبما يظهر من مطالعة مستندات الملكية القديمة، ومازالت هذه الطريقة متبعة في بعض المناطق وإن كانت قد تقلصت هذه الطريقة بعد إستعمال طريقة المساحة أو القياس عن طريق وحدة (المتر) التي باتت هي المستعملة في العصر الحاضر، وقد تعارف الناس في اليمن في الوقت الحاضر على تحويل وحدات القياس المحلية القديمة كالذراع واللبنةإ والقصبة تحويلها الى مايقابلها بالمتر ، مثل تحويل القصبة واللبنة والشكلة وغيرها إلى مايقابلها بالمتر، وكان الواجب ان يتم معالجةهذه المسألة في القانون الخاص بذلك وهو قانون المقاييس والمكاييل والاوزان أو قانون البناء أوقانون التخطيط العمراني بدلا من تركه للاجتهادات التي تثير الخلافات.
وتقلص إستعمال طريقة المساحة بالذراع لا يعني إنتهاء أمرها وإشكالياتها، فهناك مستندات ملكية قديمة كثيرة تحكي أن قياس المسافات المذكورة فيها قد كانت بالذراع، وعند النزاع في الوقت الحاضر بين الملاك الذين يستندوا إلى تلك المستندات تظهر الحاجة الماسة إلى الإلمام بأحكام قياس المسافات عن طريق الذراع وكيفية معالجته ، مثلما ثار الخلاف بين الطاعن والمطعون ضده بشأن مساحة الأربع الأذرع حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: تفاوت مسافة الذراع من شخص إلى آخر:
من المؤكد أن مسافة الذراع تختلف من شخص إلى آخر، ومؤدى ذلك أن قياس المسافات بهذه الطريقة غير منضبط، بسبب تفاوت الذراع من شخص إلى آخر، وبسبب ذلك تظهر الزيادة والنقص في المسافات التي يتم قياسها عن طريق الذراع سواء تم إستعمال الحبل المشتمل على عدة ذراعات أو تم إستعمال الذراع مباشرة، ولتلافي ذلك في العصور السابقة فقد كان في كثير من القرى والمحلات والبلدات في اليمن يتم اعتماد ذراع معين كذراع الامام الهادي أو اعتماد ذراع شخص معين من العدول فيكون ذراعه هو المعتمد في المساحة، ولكن عند الخلاف في الوقت الحاضر وتطبيق المستندات القديمة المذكور فيها الذراع يظهر التفاوت ، مما يجعل الإحتمال قائما بشأن الزيادة والنقصان في المسافات والمساحات بسبب عدم إنضباط قياس المساحة عن طريق الذراع أو غيره من وحدات القياس القديمة، مما يستدعي التسامح والتساهل والتجاوز في المسافات والمساحات إلى حدود أربعة ذراعات حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، وقد كان المجتمع اليمني المتسامح يقبل طريقة المساحة بالذراع ، وبالمقابل كان التسامح يعالج هذا التفاوت، وقد ارشد الحكم محل تعليقنا إلى أنه ينبغي التسامح في الزيادة والنقصان إلى حد أربعة ذراعات إذا كان الذراع هو الذي تم إستعماله في المساحة.
ولأن مساحة الذراع تختلف من شخص إلى آخر فإن المساحة التي يتم قياسها بالذراع تحتمل الزيادة والنقصان، ولمعالجة هذه المسألة في العصور القديمة فقد كانت بعض المناطق اليمنية تعتمد ذراع شخص معين اشهرها ذراع الامام الهادي ، وكانت تستخدم الحبال لتحديد الذراع أو القصبة أو اللبنة على أساس ان الحبل يشتمل على عدة ذراعات أو غيرها ، فيتم مساحة الارض عن طريق هذا الحبل ، وكذلك الحال عند مساحة الارض عن طريق مقياس القصبة واللبنة وغيرها ، وكان المساحون في كل منطقة يحتفظوا بهذه الحبال، ويتم توارث هذه الحبال جيل بعد جيل ، وفي بعض الحالات كانت تتم مساحة الارض عن طريق ذراع شخص معين في المنطقة من غير إستعمال الحبل المشار اليه ، يقوم أي شخص بهذه المهمة ، وفي كل الاحوال تكون المساحة بهذه الوسائل أو الطرق البدائية في الوقت الحاضر غير دقيقة ، حيث يوجد في المنطقة الواحدة اكثر من حبل واكثر من مساح ، ولذلك يظهر التفاوت والاختلاف بين حبل واخر وبين ذراع مساح واخر ، وبسبب ذلك تظهر الفروق والتفاوت في المساحة بتلك الطرق البدائية سيما عند تطبيق المستندات القديمة في الوقت الحاضر على الاراضي المتنازع عليها، ولهذا السبب تقع الخلافات والخصومات بين الجيران، ولذلك عند إعادة مساحة الارض في الوقت الحاضر تظهر الزيادة والنقص في مساحة الارض ، فمثلا عند تسجيل الأرض في السجل العقاري تسبق ذلك قيام المختصين بإعادة مساحة الارض المطلوب تسجيلها فعندئذ تظهر الزيادة والنقص ، فلاتخلوا أرض في اليمن من الزيادة او النقصان ، وهذا الامر معلوم للكافة ، وقد كان المتقدمون من اليمنيين يتسامحوا في الزيادة اوالنقص اليسير،وعلى ذلك يجب أن تكون هذه المسألة حاضرة في الاذهان عند إعادة مساحة الارض التي سبقت مساحتها بالذراع او اللبنة أو القصبة في الوقت الحاضر، كما يجب على الجهة المختصة قانونا ان تضع المعالجة القانونية لهذه الاشكالية ، وبيان مايعادل وحدات القياس القديمة كاللبنة والذراع والقصبة والشكلة بوحدة المتر باعتباره وحدة القياس بالمتر هي المتبعة في العصر الحاضر
الوجه الثالث: توصية بشان معالجة وتحديد وحدة قياس واحدة (المتر) لمعادلة وحدات القياس التي كان يتم إتباعها في الماضي:
تحدث خلافات كثيرة بشأن تطبيق المستندات القديمة التي تتضمن وحدات قياس قديمة كالذراع وغيره ، وقد ظهرت في الوقت الحاضر إجتهادات شخصية أو عرفية في معادلة وحدات القياس القديمة كالذراع التي كانت تستعمل في الماضي وبيان مايعادلها بالمتر ، ولكن هذه الاجتهادات العرفية والشخصية ليست رسمية، ولذلك فقد كان الواجب ان ينظم هذه المعالجة القانون الخاص بذلك كقانون البناء أو التخطيط العمراني أو قانون المقاييس والمكاييل والاوزان، ولذلك فإننا نوصي بمعالجة هذه الإشكالية وتحديد مايقابل وحدات القياس القديمة (بالمتر) بما في ذلك الذراع ،قطعاً للنزاع، والله اعلم.
![]() |
إحتمال الزيادة والنقصان في قياس الذراع. |