حكم دعوى النقص او الزيادة في المبيع
أ.د.عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون
جامعة صنعاء
الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة
العليا في جلستها بتاريخ 25/7/1999م في الطعن المدني رقم 752 لسنه 1418ه وخلاصة
هذا الحكم انه (بعد الاطلاع على كافة أوراق القضية وامعان النظر فيها وجدت الدائرة
ان الطعن بالنقض من المدعي عليه ينصب على ان محكمتي الموضوع قد قبلتا دعوى المدعي
في نقص المبيع عما تحكيه بصيرة شراء اسلافه من اسلاف المدعى عليه في موضع
...ومقدار النقص مساحة تسع وثلاثين لبنة وذلك بعد مضي ست وسبعين سنة,وبعد التامل
في الطعن واوراق القضية وجدت الدائرة ان الاحكام تحكي ان بصائر المدعي بما فيها
بصيرة شراء اسلاف المدعي من اسلاف المدعى عليه قد مضى عليها اكثر من سبعين عاما
ولذلك فإن الطعن يعتبر سديدا ومقبولا طبقا لنص المادة (531) مدني والمادة (18)
إثبات وكذا المادة (550) من القانون المدني التي تنص على انه لا تسمع دعوى المشتري
او دعوى البائع بسبب نقص او زيادة في المبيع اذا ما انقضت سنة من وقت تسليم المبيع
للمشتري تسليما فعليا مع عدم وجود مانع ،ولذلك فقد قررت الدائرة :ارجاع القضية إلى
محكمة الاستئناف لإحالتها الى المحكمة الابتدائية لتطبيق نصوص القانون).
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الاتية:
الوجه الأول: اظهر الحكم ورسخ الرقابة القانونية للمحكمة العليا باعتبارها محكمة قانون:
فمن اهم وظائف المحكمة العليا (النقض- التمييز –التعقيب )هو بسط
رقابتها على الاحكام القضائية الموضوعية للتأكد من استنادها الى نصوص القانون وعدم
الخطأ في تطبيقه او تأويله او فهمه, ولذلك كانت الحالة الأولى من حالات الطعن
بالنقض هي (اذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة الشرع والقانون او أخطأ
في تطبيق أي منها أو تاويله او لم يبين الأساس الذي بني عليه) حسبما ورد في المادة
(292) مرافعات.
الوجه الثاني: مخالفة حكمي محكمتي الموضوع للمادتين (248و550مدني ):
صرح حكم المحكمة العليا محل تعليقنا على ان الحكم الابتدائي ومن بعده
الحكم الاستئنافي قد خالفا القانون حينما قبلا دعوى النقص في المبيع بعد مضي المدة
المحددة قانوناً لرفع هذه الدعوى ، حيث أشار الحكم محل تعليقنا إلى النصوص
القانونية التي خالفها الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي ومن هذه النصوص المادة
(550) مدني التي نصت على انه (مع مراعاة ما جاء في المادة (248)لا تسمع الدعوى بضمان ترتب على
فوات وصف او ظهور عيب في المبيع بعد مضي سنة من العلم بالعيب مالم يتفق المتعاقدان
على مدة ضمان اطول) والمادة (248) نصت على انه (اذا كان المتعاقد قد قبل العيب بعد
العقد
أو علم به وسكت عنه ولم يخبر به العاقد الاخر في مدة معقولة سقط حقه
في الخيار به ويعتبر العاقد عالماً بالعيب إذا كان مما يظهر عند الفحص المعتاد
وتسلم الشيء بدون أن يخبر بالعيب على الفور أما إذا كان مما يحتاج ظهوره إلى فحص
غير معتاد فلا يسقط حق الخيار به إلا بمضي مدة يمكن فيها الفحص غايتها سنه من تاريخ
القبض وان كان العيب مما لا يظهره الفحص أصلا فلا يسقط الخيار به مطلقا )ومعلوم ان
النقص في مساحة الأرض عيب وان المساحة المدعي بنقصها في الحكمين الابتدائي
والاستئنافي وهي تسع وثلاثون لبنه وهي مساحة كبيرة كان بوسع المشتري ادراك نقصها
عند استلامه للأرض التي اشتراها وليس بعد سنة من استلامه لها،ولذلك فان استناد
الحكم محل تعليقنا الى المادتين 248,550مدني استناد صحيح وتبعا لذلك فان تقرير حكم
المحكمة العليا بمخالفة الحكمين الابتدائي والاستئنافي تقرير صحيح يوافق القانون.
الوجه الثالث: مخالفة الحكمين الابتدائي والاستئنافي للمادة (531) مدني:
حيث صرح حكم المحكمة العليا بأن الحكمين الابتدائي والاستئنافي قد
خالفا المادة (531) مدني حينما قبلا دعوى نقص المبيع بعد مضي المدة المحددة قانوناً,
وهذا التصريح صحيح حيث نصت المادة (531) مدني على انه (لا تسمع دعوى المشتري او
دعوى البائع بسبب نقص أو زيادة في المبيع اذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع
للمشتري تسليماً فعليا مع العلم بذلك وعدم وجود مانع سدا للذريعة ) وحيث ان الحكم الابتدائي
ومن بعده الحكم الاستئنافي قد قبلا دعوى النقص في المبيع بعد مضي المدة المحددة في
هذا النص مع عدم وجود مانع يحول دون قيام المدعي بالنقص بالإخبار عن النقص ومقداره
حينما تسليم المبيع او خلال سنه من تاريخ تسلمه الفعلي للمبيع.
الوجه الرابع: مخالفة الحكمين الابتدائي والإستئنافي للمادة (18)
إثبات:
حيث قبل الحكمان الابتدائي والاستئنافي
دعوى نقص المبيع مع انه قد مضت ست وسبعون سنة على استلام اسلاف المدعي بالنقص للأرض
وهذا المسلك يخالف المادة (18) اثبات التي نصت على انه (لا تسمع الدعوى من حاضر
بحق في عقار مضى عليه ثلاثون سنه من يوم وضع اليد من شخص يتصرف فيه تصرف المالك
بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف
غير عادية تسود فيها الفوضى أو التغلب ويتعذر فيها الوصول الى الحق ويستثنى الميراث والوقف والشركة فلا تحدد بمدة)فالحكم الابتدائي
ومن بعده الاستئنافي قبلا الدعوى بعد مضي ست وسبعين سنة على استلام المدعي بالنقص
للأرض ، ودعوى النقص دعوى بحق متعلق بعقار، أما الحيازة والثبوت والغصب على
الأراضي فلا يسرى عليه هذا النص لأن المادة (1114) مدني قد صرحت بأنه (تسمع دعوى
الملك على ذي اليد الثابتة مطلقاً).
الوجه الخامس: مدى جوار الدفع بعدم سماع دعوى نقص المبيع امام المحكمة العليا:
سبق ان ذكرنا في الوجه الأول ان المحكمة العليا محكمة قانون تتولى
الرقابة على قانونية احكام محكمة الموضوع، كما انه من المسلم به عدم جواز رفع
الدعاوي او الدفوع بداية امام المحكمة العليا مع وجود بعض الاستثناءات فيما يتعلق
بالدعاوي الدستورية وغيرها إلا أن الدفوع المتعلقة بالنظام العام يجوز إثارتها أمام
المحكمة العليا طالما وهي متعلقة بالنظام العام الذي تحرسه المحكمة العليا وتسهر
على اقامته، ولكن عند النظر في الدفع بعدم سماع دعوى النقص في المبيع المشار اليها
في المحكمة محل تعليقنا نجد إنها ليست من النظام العام من وجهة نظر الكثير من رجال
القانون لأن لم يرد ذكره في المادة (186) مرافعات التي حددت بعض الدفوع المتعلقة
بالنظام العام حيث صرحت بأن ما ورد في تلك المادة ماهو إلاعلى سبيل المثال لا
الحصر بدليل أن المادة نصت في بدايتها على انه(تعتبر من النظام العام الدفوع
التالية) فهذا يعني ان هناك دفوع متعلقة بالنظام العلم غير ما تم ذكره في المادة
(186) مرافعات ، إضافة الى أن الحق الذي يحميه الدفع بعدم سماع دعوى النقص في
المبيع ليس متعلقا بمصلحة عامة فضلا عن أن هذا الدفع لم يتم تقريره لمصلحة النظام
العام القضائي فليس لهذا الدفع علاقة بالنظام العام إلامن حيث استقرار المركر
القانونية ، وهناك من يذهب الى ان هذا الدفع من النظام العام :لأن الدفوع المذكورة
في المادة (186) مرافعات هي على سبيل المثال وليس الحصر حسبما سبق بيانه، كما ان
النصوص القانونية التي قررت عدم جواز سماع هذه الدعوى قد وردت ضمن نصوص امرة لا
يجوز مخالفتها وما كان كذلك فهو من النظام العام, ومن خلال دراسة الحكم محل
تعليقنا نجد ان الطاعن تمسك بالنصوص القانونية التي خالفها الحكم الابتدائي ومن
بعده الحكم الاستئنافي واثبت امام المحكمة العليا انه قد اثار هذه النصوص وتمسك
بها امام محكمتي الموضوع اللتين لم تلتفتا إلى ذلك , ولذلك قضت المحكمة العليا
بنقض الحكم الموضوعي برمته.
الوجه السادس: إحالة الحكم المنقوض الى المحكمة الابتدائية وليس
الاستئنافية:
عند التأمل في حكم المحكمة
العليا محل تعليقنا نجد انه قد نقض الحكم الاستئنافي كلية وليس جزئيا حيث ان
مخالفة الحكم الاستئنافي للقانون كانت
مؤثرة على الحكم كلية مما يستوجب نقضه كلية, وحتى لايتم هدر مبدأ التقاضي على
درجتين وحتى تفصل محكمة الموضوع في القضية بداية ومن جديد فقد احالت المحكمة العليا
القضية الى المحكمة الاستئنافية لإعادتها الى المحكمة الابتدائية لإعادة النظر
فيها في ضوء النصوص القانونية الناظمة لها التي أشار اليها الحكم محل تعليقنا,
وذلك يوجب على المحكمة الابتدائية مراعاة تلك النصوص عند الفصل في القضية من جديد
,ولو كان النقص للحكم الاستنئافي جزئيا لقضى حكم المحكمة العليا محل تعليقنا
بإحالة القضية الى المحكمة الاستئنافية للفصل في المسائل التي نقضها حكم المحكمة
العليا إضافة إلى أن الإحالة إلى المحكمة الإستئنافية في مثل هذه القضية سوف يترتب
عليه إهدار مبدأ التقاضي على درجتين ، والأمانة العلمية تقتضي القول بأن المحكمة
العليا لاتحيل إلى محكمة الإستئناف إلا إذا كان الأمر يتعلق بإستيفاء بعض
الإجراءات القانونية اليسيرة حرصاً من المحكمة العليا على سرعة الفصل في القضايا
وعدم إطالة إجراءات التقاضي .
الوجه السابع: مدى الزامية توجيه المحكمة العليا لمحكمة الموضوع:
تقترن هذا الإلزامية بمدى صراحة النصوص القانونية ، فاذا كان توجيه
المحكمة العليا يستند الى نصوص صريحة قاطعة في دلالتها فعندئذ يتوجب على محكمة
الموضوع الالتزام بتوجيه المحكمة العليا و إرشاداتها ,إذ أن التزام قاضٍ
الموضوع بالقانون[W1] واجب عملا بمبدأ الفصل بين السلطات، فلا يجوز للقاضي ان يجتهد على
خلاف النصوص الصريحة في دلالتها ,اما اذا كان ارشاد المحكمة العليا يستند الى
اجتهادات في فهم النصوص القانونية او استقراء هذه النصوص واستخلاص النتائج منها فعندئذ
قد تلتزم محكمة الموضوع بإجتهاد المحكمة العليا فتعمل به ، كما انه ليس من النادر
في اليمن ان تقضي محكمة الموضوع على خلاف ارشاد المحكمة العليا المتضمن
اجتهادها,في حين انه من النادر في دول غير اليمن ان تخالف محكمة الموضوع اجتهاد المحكمة العليا بإعتباره اجتهاداً ملزماً ادبياً لمحاكم الموضوع بإعتبار
ان قضاة المحكمة العليا او النقض من اكبر القضاة علماً واجتهاداً وخبرة فضلا عن انه
يتوجب احترام الاجتهاد الجماعي لدوائر المحكمة العليا الذي يصدر عن خمسة قضاة
علماء تتكون منهم كل دائرة من دوائر المحكمة العليا فعدد أعضاء الدائرة وخبرتهم
وعلمهم اكثر من عدد وعلم وخبرة أعضاء شعبة الاستئناف وبالطبع اكثر من القاضي
الابتدائي الفرد.
الوجه الثامن: تنحي قاضي الموضوع المصدر للحكم المنقوض:
عندما تقوم المحكمة العليا بنقض الحكم الموضوعي كليا او جزئيا فعندئذ
ينبغي على قاض الموضوع او القضاة الذين شاركوا في اصدار الحكم المنقوض ان يتنحوا
عن النظر في القضية من جديد حيث ان لديهم قناعات ورؤى سابقة بشأن موضوع النزاع
وذلك يؤثر على وجهة القاضي في الحكم الجديد هذا من جهة ومن جهة ثانية فان التنحي في هذه الحالة يدل على احترام القاضي
لاجتهاده السابق الذي افرغه في الحكم المنقوض الذي سبق للقاضي المتنحي ان أصدرته
بناء على قناعته , كما ان صدور حكمين متناقضين او اجتهادين متناقضين من قاض واحد
او هيئة واحدة مضر للغاية بالعدالة ,فضلا عن ان المحكوم عليه في الحكم المنقوض ينظر بعين الريبة والخوف
الى القاضي او الهيئة التي سبق لها ان حكمت عليه بالحكم المنقوض, كما ان الانسان
عادة معجب برأيه فهو يدافع عن وجهات نظره واجتهاداته ، فقد قال الفيلسوف الإنجليزي
برناردشو: الأفكار بنات العقول ولذلك يحب الانسان أفكاره كما يحب ابناءه ولذلك فان
الاصوب ان يتنحى القاضي الذي اصدر الحكم المنقوض عن نظر القضية حتى ولو لم ينص حكم
المحكمة العليا على ذلك.
الوجه التاسع: تأثير النقض الكلي الحكم على الإجراءات والمذكرات التي
استند اليها الحكم المنقوض:
لاريب ان لقرار المحكمة العليا بنقض الحكم الموضوعي أسباب يستند اليها ويتأسس عليها حكم المحكمة العليا ,ومن هذا المنطلق فان الإجراءات والأدلة التي نص منطوق وأسباب حكم العليا على بطلانها هي وحدها التي تهدر اما بقية الإجراءات والأدلة التي لم ينص عليها حكم المحكمة العليا فلا يؤثر عليها النقض الكلي للحكم الموضوعي ,ولذلك ينبغي على محكمة الإحالة التي تنظر القضية من جديد إدارة القضية بحيث يتم تصحيح الإجراءات التي قضى حكم المحكمة العليا ببطلانها او أشار اليها في أسبابه ,فهذا الفهم هو الذي يوافق مبدا عدم الهدر الإجرائي ومبدا الإقتصاد في إجراءات التقاضي، والله اعلم.