سقوط الخصومة يقع من غير طلب من الخصم
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
صرحت المادة (216) من قانون المرافعات اليمني النافذ على أنه إذا توقف سير الخصومة لمدة سنة ونصف من تاريخ آخر إجراء صحيح سقطت الخصومة بقوة القانون ، هذا النص بحسب تعديل (2021م)، وقبل ذلك كانت هذه المدة ثلاث سنوات ، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، وفي كل الأحوال فإن هذا النص يصرح بأنه إذا انقضت المدة المشار إليها فإن الخصومة تسقط بقوة القانون حسبما ورد في النص، ومؤدى ذلك أن سقوط الخصومة في هذه الحالة من النظام العام، إذ يجب على المحكمة تطبيقا لهذا النص أن تقوم من تلقاء ذاتها بتطبيق حكم القانون أو قوة القانون في سقوط الخصومة، ومقتضى ذلك أن تقوم المحكمة بالتاشير في ملف القضية وفي سجلات القضايا بسقوط الخصومة في هذه الحالة حتى لو لم يطلب أي من الخصوم ذلك من المحكمة؛
حسبما قضى الحكم محل تعليقنا الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9-8-2015م في الطعن رقم (56914)، وقد ورد ضمن أسباب ذلك الحكم:
(فقد تبين للدائرة: عدم صحة نعي الطاعن وفقاً للمادة (216) مرافعات، لأن توقف سير الخصومة قد كان قبل أكثر من ثلاث سنوات دون إنقطاع أو وقف، وذلك يقتضي لزوم الحكم بسقوط الخصومة دون حاجة إلى طلب من الخصم وفقاً لنص المادة (216) مرافعات، لتعلق ذلك بالنظام العام، ولا يؤثر في ذلك إستناد الشعبة إلى أحكام المادة (115) ، الذي يستلزم إعمالها طلب الخصم، لأن الحكم المطعون فيه قد تضمن في حيثياته الإشارة إلى تخلف الطاعنة أكثر من أربع سنوات، وهو ما يقتضي وجوب العمل بالمادة (216) مرافعات وتعلق ذلك بالنظام العام)
وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: سقوط الخصومة بقوة القانون بمضي ثلاث سنوات من تاريخ آخر إجراء صحيح:
نصت المادة (216) مرافعات على أنه (إذا توقف سير الخصومة لمدة ثلاث سنوات من تاريخ آخر إجراء صحيح تم فيها سقطت الخصومة بقوة القانون...إلخ)، وفي تعديل (2021م) صارت مدة سقوط الخصومة سنة ونصف بدلاً من ثلاث سنوات.
وسقوط الخصومة على هذا النحو جزاء إجرائي قرره القانون على المدعي الذي يمتنع عن الحضور امام المحكمة لموالاة نظر دعواه التي سبق له ان قام برفعها فيتسبب في تعطيل سير إجراءات نظر الدعوى، فاذا انقضت المدة المقررة لسقوط الدعوى فانها تسقط بقوة القانون ، وتختلف مدة السقوط من دولة إلى دولة بل تختلف في الدولة الواحدة من فترة إلى أخرى، فمثلا كانت مدة السقوط في اليمن ثلاث سنوات ثم صارت سنة ونصف ، وفي بعض الدول تنص قوانينها على أن مدة السقوط ستة أشهر فقط وفي قوانين أخرى سنتان.
ومناط جزاء سقوط الخصومة هو إهمال المدعي أو تراخيه أو إمتناعه عن السير في إجراءات نظر دعواه.
الوجه الثاني: المقصود بآخر إجراء صحيح الذي تحتسب منه مدة سقوط الخصومة:
المقصود بذلك أي إجراء من إجراءات المحكمة كالاعلان اوعقد المحكمة لجلسة من جلسات المحاكمة أو إستبعاد المحكمة للخصومة أو شطبها أو غير ذلك من الإجراءات.
وقد تضمنت المادة (215) مرافعات كيفية إحتساب بداية مدة سقوط الخصومة بصفة عامة، فقد نصت هذه المادة على أنه: (اذا توقف السير في الخصومة بفعل المدعي أو امتناعه وانقضت سنة من تاريخ أخـر إجـراء صـحيح فيهـا سقطت الخصومة، ولاتسري مدة السقوط في حالات الانقطاع المتعلقة بالمدعي إلا من تاريخ إعلان من قام مقامه بوجود الخصومة المترددة بين الطرفين، وفي حالة الوقف الجزائي تبدأ مدة السقوط من تاريخ انتهاء مدة الوقف ويتقـرر السـقوط بحكم بناء على طلب من الخصم موجه لجميىع المدعين أو المستأنفين بالطريقـة المعتـادة لرفـع الدعوى أو فـي مـواجهتهم في الجلسة عند استئناف السير في الدعوى بعد انقضاء ميعاد سقوط الخصومة فيها).
الوجه الثالث: المقصود بالسقوط بقوة القانون:
المقصود بذلك أن سقوط الخصومة في هذه الحالة يقع بقوة القانون من غير حاجة إلى طلب من المدعى عليه، فهذا السقوط يقع بمجرد مضي المدة المحددة في المادة (216) مرافعات، ولكن الخلاف يثور بشأن طريقة أو كيفية تطبيق حكم القانون بسقوط الخصومة، حيث يذهب اتجاه إلى أن السقوط لا يستدعي صدور قرار من المحكمة بذلك وإنما يتم التأشير في سجل القضايا بأن الخصومة قد سقطت بحكم القانون بسبب مضي المدة المقررة قانوناً، وكذا يتم التأشير في المحضر الذي تم فيه إثبات آخر إجراء صحيح في الخصومة بأنها قد سقطت بقوة القانون بسبب مضي المدة المشار إليها، وهذه الطريقة لا تمكن المدعي المكايد من الطعن في هذا الإجراء، في حين يذهب اتجاه آخر إلى أنه ينبغي صدور قرار من المحكمة يتضمن سقوط الخصومة بقوة القانون بسبب مضي المدة، وهذه الطريقة تمكن المدعي المكايد من الطعن في هذا القرار مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: سقوط الخصومة لمضي المدة المقررة قانوناً من النظام العام:
سبق القول أن سقوط الخصومة لمضي المدة المقررة في المادة (216) مرافعات يقع بقوة القانون حسبما ورد في النص من غير حاجة إلى طلب من الخصم، ومعنى ذلك أن سقوط الخصومة في هذه الحالة من النظام العام، ومؤدى ذلك أنه يجب على المحكمة أن تبادر بتطبيق هذا الحكم القانوني بسقوط الخصومة من تلقاء ذاتها، فإن لم تقم بذلك فإنها تكون قد خالفت القانون.
الوجه الخامس: عدم تطبيق حكم القانون بسقوط الخصومات سبب من أسباب تراكم القضايا في المحاكم:
لاريب أن تطبيق الحكم القانوني بسقوط الخصومة على النحو المقرر في المادة (216) مرافعات السابق ذكرها لاريب أن ذلك من أسباب تراكم القضايا لدى المحاكم، بسبب عدم قيام المحكمة بمتابعة إجراءات القضايا المستبعدة والمشطوبة للتحقق من إنطباق أحكام السقوط عليها.
الوجه السادس: نطاق سقوط الخصومة:
لا يؤثر سقوط الخصومة على النحو السابق بيانه لا يؤثر على الحق المدعى به، إذ يستطيع المدعي أن يرفع دعوى جديدة للمطالبة بحقه، كما لا يؤثر هذا السقوط على إجراءات الإثبات التي تمت في الدعوى السابقة التي سقطت كأقوال الشهود أو محاضر المعاينة أو تقارير الخبراء والعدول، إذ يستطيع المدعي أن يستدل بها في دعواه الجديدة التي يرفعها بعد سقوط دعواه الأولى، والله أعلم.
![]() |
سقوط الخصومة يقع من غير طلب من الخصم. |
مقال ذات صلة: