دراسات وابحاث الاستاذ الدكتور/عبدالمؤمن شجاع الدين، استاذ الفقة المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء، ونشر الوعي الديني والقانوني المرتبط بفقة الواقع.
إثبات المتروك من القسمة - أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
إثبات المتروك من القسمة
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.
في غالب قسمة التركات إن لم يكن كلها تترك أموالاً من المخلف عند القسمة لاسباب عدة، فلا تتم قسمة بعض اموال التركة عند القسمة الاولى، وترجع أسباب ترك أموال من المخلف وعدم دخولها في القسمة الأولى ترجع إلى أسباب عدة أهمها: وجود نزاع بشأن ملكية المورث لها سواءً أكان النزاع بين الورثة أنفسهم أو بين الورثة وبين الغير، كذلك قد تظهر بعد القسمة الأولى حقوق وأملاك للمورث لم تكن ظاهرة أو موجودة عند القسمة الأولى، كما قد يقر بعض الورثة أو غيرهم بعد القسمة الأولى بأن هناك أموال للمورث لم تتم قسمتها في المرة الأولى، وكذا قد تظهر وثائق ومستندات تدل على امتلاك المورث لأموال أخرى غير تلك التي تمت قسمتها في المرة الأولى، أيضاً قد يترك الورثة بعض أموال التركة دون قسمة لإعتبارات عدة مثل: ترك منزل المورث دون قسمة حتى تموت زوجة المورث أو حتى يبلغ الأطفال وغير ذلك من الأسباب.
وعلى هذا الأساس فلا تخلو قسمة من متروك، ولذلك نلاحظ في وثيقة عقد القسمة الأولى ترد عبارات (وللمتروك حكمه – وما ظهر فله حكمه – وما وجد بعد ذلك فله حكمه) ، ومن المعلوم أن قسمة المتروك تتم لاحقا بحسب الإجراءات التي تم إتباعها في القسمة الأولى.
بيد أنه من الواجب على من يدعي وجود متروك لم تتم قسمته أن يثبت ذلك، لأن الأصل عدم وجود متروك ، فعلى من يدعي خلاف ذلك أن يثبت ذلك؛
حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-12-2016م، في الطعن رقم (58533)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي قضى:
(أن المستأنف آثار في إستئنافه أنه تقدم بدعوى طلب قسمة ما تأخر من متروك مورثهم بين ورثته، وذكر المستأنف أن المستأنف ضدهم لازالوا جاثمين على المخلف المتروك المطلوب قسمته، وحيث ان المستأنف لم يقدم أي دليل يثبت ما ادعاه أنه ملك والده المورث، ولم يثبت أن والده توفى قابضاً باسطاً على المدعى به ، لم يثبت ذلك سواءً أمام المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف، الأمر الذي يتعين معه رفض الاستئناف)،
وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة الشخصية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا:
(وبعد الإطلاع على الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي وتأملهما فقد وجدت الدائرة: أن حكم الاستئناف بتأييده الحكم الابتدائي موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون لما علل به واستند إليه فلا جدوى من الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية المتروك من القسمة:
المتروك من القسمة: هي الأموال التي يثبت أنها مملوكة للمورث حتى موته، ولكنها لم تدخل في القسمة الأولى بسبب أنها كانت محل نزاع بين الورثة انفسهم بشأن ملكية المورث لها أو محل نزاع بين المورث أثناء حياته وبين الغير بشأن ملكيتها أو أنه ثبتت ملكية المورث لها غير أنها لم تكن بحيازته أثناء حياته فقام الورثة بإستعادتها بعد القسمة الأولى أو ظهرت بعد القسمة الاولى وثائق أو أدلة على ملكية المورث لها بعد تمام القسمة الأولى، أو ظهرت بعد تمام القسمة الاولى أملاك أو حقوق أو ديون للمورث لم يتم ذكرها في كشف حصر التركة أو حصر المخلف عند القسمة الأولى، أو أتفق الورثة عند القسمة الأولى على ترك بعض أموال مورثهم من غير قسمة كترك بيت المورث حتى تموت زوجة المورث اويبلغ الورثة القصار...إلخ.
فكل مال يثبت أنه من أموال المورث ويثبت أنه لم يتم إدراجه في القسمة الاولى فأنه يعد متروكا من القسمة.
ويطلق في اليمن على المتروك من القسمة مسميات أخرى (كالمترك/ والمؤخر)، وقد تتم الإشارة إلى اسماء الأموال المتروكة في عقد القسمة الأولى وكذا في فصول القسمة الأولى حيث يتم ذكر اسماء الأموال المتروكة ويذكر أنها مملوكة على الشيوع بين الورثة جميعا بحسب انصبتهم الشرعية، وتضاف إلى ذلك عبارة: ان أية أموال أخرى قد يظهر أنها متروكة فأنها مملوكة بين جميع الورثة على الشيوع.
الوجه الثاني: معنى عبارة: المتروك له حكمه:
سبق القول بأن غالبية عقود القسمة وفصول المقاسمة ترد فيها عبارة (والمتروك له حكمه) ، ومعنى ذلك: أنه إذا ثبت أن أية أموال مملوكة للمورث لم يرد ذكرها في كشوفات حصر التركة وحصر المخلف في القسمة الاولى فإن حكمها هو حكم أموال المورث التي تمت قسمتها بين الورثة وإنها مملوكة على الشيوع بين الورثة جميعا، وأنه ينبغي قسمتها بين الورثة بحسب الأنصبة والإجراءات التي تمت في القسمة الاولى، وأن عدم ذكر الأموال المتروكة في كشف حصر التركة أو كشف حصر مخلف المورث لا يعني إقرار الورثة بعدم وجود أية أموال أو حقوق أو أملاك أخرى يثبت ملكيتها لمورثهم مع أنها غير مذكورة في كشوفات الحصر للتركة أو المخلف.
الوجه الثالث: المتروك حينما يكون واجهة للكيد بين الورثة:
استغفر الله العظيم تحول مصطلح (الشريعة) في اليمن إلى مصطلح يقلق السكينة والهدوء، إذ يستعمل مصطلح (الشريعة والمشارعة ) للتدليل على التقاضي الذي يستنزف طاقات وأموال وأوقات الناس المتقاضين.
ولذلك فإن (المتروك) قد يستعمل في بعض الحالات للكيد بين الورثة بعد تمام القسمة الأولى، سيما حين يفلح بين الورثة في تنمية وزيادة الاموال التي صارت لهم بعد القسمة، إذ يدفع الحسد وهذا الوضع بعض الورثة الذين عجزوا عن تنمية حصصهم وأموالهم يدفعهم الحسد وهذا الوضع إلى منازعة المفلحين من الورثة تحت يافطة (المتروك) ، حيث يدعي الفاشلون من الورثة بأن الزيادة في أموال المفلحين ماهي إلا متروك يجب قسمته بين الورثة جميعاً، لذلك يجب على من يدعي بالمتروك ان يثبته.
الوجه الرابع: إثبات المتروك:
فيما سبق ذكرنا أن المتروك يكون في بعض الحالات واجهة للكيد بين الورثة ووليجة لنقض القسمة السابقة، لذلك فأنه يجب على من يدعي بوجود متروك من مخلف مورثه يجب عليه أن يثبت وجود هذا المتروك، لأن الأصل عدم وجود المتروك، وعلى من يدعي خلاف العدم أن يثبت ذلك.
ومؤدى ذلك أنه يجب على المدعي بوجود المتروك أن يبين ملكية المورث للمال المتروك وأن يبين نوع هذا المال ومقداره وأن يصفه وصفاً نافياً للجهالة يدل على جدية دعواه بوجود المتروك حقيقة.
الوجه الخامس: قسمة الأموال المتروكة من القسمة:
إذا ثبت وجود متروك على النحو السابق بيانه ، فانه يجب أن تتم قسمة هذه الأموال المتروكة بحسب الطريقة وبحسب الإجراءات التي تم إتباعها عند القسمة الأولى، لأن قسمة الأموال المتروكة بإجراءات وطريقة مغايرة لما تم في القسمة الأولى يؤدي إلى إثارة نزاعات بين الورثة ويطيل اجراءات قسمة المتروك ، بخلاف الإلتزام بالإجراءات السابقة التي قد سبق تراضي الورثة على إتباعها.
وتقتصر إجراءات قسمة الأموال المتروكة على تثمين الأموال المتروكة وبيان حصص كل وارث فيها في وثيقة قسمة (عقد) يتفق عليه الورثة، وبموجب ذلك يتم تحرير الفصول المستحقة التي تتضمن نصيب كل وارث على حدة من الأموال المتروكة فقط ، فلاحاجة إلى اثبات انحصار الورثة أو كشف حصر تركة أو مخلف عند قسمة المتروك أو اية اجراءات اخرى، والله اعلم.