الحكمة من منع الطعن إستقلالاً في الأحكام غير المنهية للخصومة

الحكمة من منع الطعن إستقلالاً في الأحكام غير المنهية للخصومة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الطعن إستقلالاً في الاحكام غير المنهية للخصومة الموضوعية مظهر من مظاهر التقاضي الكيدي ،وسبب من أسباب إطالة إجراءات التقاضي، و سبب في تناقض الأحكام والإجراءات في القضية الواحدة ، فضلاً عن أن الطعن إستقلالاً في الاحكام غير المنهية للخصومة يؤدي إلى بعثرة الاحكام في القضية الواحدة إلى عدة احكام متناقضة وإجراءات متنافرة ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-7-2010م في الطعن رقم (40371)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((فالدائرة تجد: أن قرار المحكمة الابتدائية برفض الدفع وإلزام الدافع بالرد على الدعوى : تجد الدائرة : ان هذا القرار من القرارات التي لا يجوز الطعن فيها إستقلالاً ، وعلى ذلك فأن قرار المحكمة المشار إليه غير منه للخصومة الموضوعية ولم تنته ولايتها فيها بحكمٍ فاصل في هذا الموضوع، إضافة إلى أن القرار المشار إليه لا يندرج ضمن الاستثناء من قاعدة عدم جواز الطعن إستقلالا في الأحكام غير المنهية للخصومة كتوقف الخصومة أو الإحالة أو الأحكام المستعجلة أو عدم الإختصاص أو القابلة للتنفيذ الجبري، وحيث أن الحكمة من منع الطعن على وجه الإستعجال في الاحكام غير المنهية للخصومة الموضوعية ينطوي على حرص القانون على عدم تقطيع أوصال القضية وهي في مهدها وتهيئة مناخ صالح للحكم فيها على وجه السرعة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الأول: الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة يقع خلافاً للقانون: 

ينص قانون المرافعات اليمني صراحة على منع الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة ، وانه عمل مخالف للقانون ، وفي هذا الشأن نصت المادة (274) مرافعات على أنه (لا يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها عدا ما يلي: -1- ما أصدرته المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو بعدم الإختصاص أو بالإحالة على محكمة أخرى للإرتباط ، فيجوز الطعن في هذه الأحوال إستقلالاً خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، وعلى محكمة الاستئناف الفصل فيها على وجه الإستعجال –ب- في الاحكام المستعجلة أو القابلة للتنفيذ الجبري يطعن فيها وفقاً للمواعيد المنصوص عليها في هذا القانون). 

ومن خلال إستقراء النص السابق يظهر أن الطعن في القرارات غير منهية للخصومة عدا الاستثناءات الواردة في النص يظهر أن ذلك يقع خلافاً للقانون أي أن ذلك يعد مخالفاً للقانون الذي ينظم إجراءات التقاضي، وهذا النص آمر واجب التطبيق، ولذلك فهو من النظام العام الذي لايجوز مخالفته. 

الوجه الثاني: الحكمة التي جعلت قانون المرافعات يحظر الطعن في القرارات غير منهية للخصومة: 

سبق القول في الوجه الأول أن الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة يخالف قانون المرافعات بإعتباره القانون الذي ينظم إجراءات التقاضي، إذ أن ذلك القانون يصرح أن الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة يخالف الغايات التي ابتغاها القانون، فقد افترض القانون ان الطعن في تلك القرارات يحول دون تحقيق العدالة على النحو المطلوب وأن ذلك يطيل إجراءات التقاضي ويتسبب في تناقض الاحكام والقرارات والإجراءات في القضية الواحدة وأن ذلك يبعثر القضية الواحدة إلى طعون مختلفة في اجراءات القضية الواحدة، وتصدر في تلك الطعون قرارات متناقضة وأن ذلك يعقد إجراءات التقاضي في القضية ويطيل امد النظر فيها ، فضلاً عن أن ذلك يرهق القضاء والخصوم معاً، إضافة إلى أن الطعن في القرارات غير منهية للخصومة يعطل مبدأ الإقتصاد في إجراءات التقاضي، ويفضي إلى الهدر الإجرائي حينما تتجزأ القضية الواحدة إلى اجزاء منفصلة مع أنها في الاصل متصلة مجتمعة في قضية واحدة ينبغي ان يصدر فيها حكم واحد يتهي النزاع الموضوعي بكل تفاصيله. 

الوجه الثالث: الطعن في القرارات غير المنهية للخصومة إستقلالا مظهر من مظاهر التقاضي الكيدي: 

لا ريب أن الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة مظهر من أخطر مظاهر التقاضي الكيدي، لأن الطعن في هذه القرارات عمل مخالف للقانون أي أنه غير مشروع وفقاً للنص الصريح الوارد في قانون المرافعات والسابق ذكره في الوجه الأول، فالتقاضي يكون كيديا عند شراح المرافعات حينما يكون الطاعن غير محقاً في طعنه، والشرع والقانون هو الذي يحدد المحق من غيره، وقد سبق ان ذكرنا في الوجه الأول النص القانوني الذي يدل على عدم شرعية الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة الموضوعية. 

الوجه الرابع: الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة سبب من أهم أسباب إطالة إجراءات التقاضي: 

من المؤكد أن الطعن إستقلالا في القرارات غير منهية للخصومة سبب من أهم اسباب ظاهرة إطالة إجراءات التقاضي في اليمن، لأن محكمة الموضوع أثناء نظرها للخصومة الموضوعية تتخذ قرارات ذات طابع إجرائي بحت لا تمس موضوع النزاع المنظور أمامها ولا يترتب عليها إنهاء الخصومة الموضوعية ،. والقرارات غير المنهية للخصومة مثل: أن تقرر المحكمة الزام المدعى عليه الدافع بالرد على الدعوى أو ضم الدفع الى الموضوع أو تقرر المحكمة رفض طلب إجراء معاينة أو تكليف شاهد أو رفض دفع أو تقرر المحكمة إحالة مستند إلى المعمل الجنائي أو ترفض طلباً بذلك أو تقرر المحكمة الإنتقال للمعاينة أو تقرر تكليف خبير بدراسة مسألة فنية جزئية وغير ذلك من القرارات الإجرائية التي لا تمس الحق أو الموضوع محل النزاع ، التي لا يترتب عليها إنهاء الخصومة، ومع أن هذه القرارات لا تمس محل النزاع الموضوعي ولا تنهي الخصومة الموضوعية التي لازالت منظورة لدى محكمة الموضوع، مع ذلك فإن بعض الخصوم الألداء يتعمد الطعن إستقلالا في القرارات غير المنهية للخصومة أمام محكمة الاستئناف، فإذا أيدت محكمة الاستئناف قرار المحكمة الابتدائية غير المنهي للخصومة فإن الخصم يقوم بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي أمام المحكمة العليا، وتستغرق رحلة الطعن في القرار غير المنهي للخصومة رحلة طويلة شاقة ومكلفة للخصوم تستغرق ثمان سنوات يتكبد خلالها الخصوم نفقات باهظة بالإضافة إلى إهدار الوقت والجهد، ولا شك أن ذلك يلحق الضرر بالعدالة ويؤخر الوصول إلى الحقوق، ويجعل الحق والعدل بعيد المنال، والله أعلم.
الحكمة من منع الطعن في الأحكام غير المنهية للخصومة
الحكمة من منع الطعن في الأحكام غير المنهية للخصومة.