مبلغ السعاية على قدر سعي الساعي

مبلغ السعاية على قدر سعي الساعي

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
مبلغ السعاية على قدر سعي الساعي
مبلغ السعاية على قدر سعي الساعي

السعاية في غالب اللهجات اليمنية هي السمسرة، والساعي هو السمسار، ويستنكف كثير من اليمنيين من هذه التسمية (السمسار) ، ولذلك يطلق السماسرة على انفسهم اسماء السعاة أو الوسطاء العقاريين، والساعي هو الوسيط فيما بين البائع والمشتري الذي يقدم المقترحات والمعالجات والبيانات والمعلومات اللازمة بقصد تبصير البائع والمشتري بشان الصفقة التي يعتزما ابرامها، ويقوم الساعي بالتوفيق بينهما لإبرام العقد أو الصفقة، وقد تفلح جهود الساعي ومساعيه إلى إبرام العقد وقد لا تفلح، وفي بعض الحالات قد يسهم الساعي في سعيه جزئياً ، أي أن الساعي قد يقوم بدور إيجابي في التوفيق بين البائع والمشتري، غير ان إبرام العقد قد يتم من غير حضور الساعي، ففي هذه الحالة يستحق الساعي من مبلغ السعاية القدر المناسب للسعي الذي قام به أو بذله ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 11-1-2010م في الطعن رقم (38352)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((هذا وبالعودة إلى حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه، يتبين للدائرة أن المحكمة استندت في قضائها إلى ما أوضحه الساعي في محضر أقواله وإلى ما أوضحه الأمين الشرعي الذي كتب البصيرة في محضر شهادته، وقد ارتأت المحكمة الحكم بمبلغ خمسمائة ألف ريالاً للساعي مقابل جهوده التي بذلها ولم تبلغ مرحلة إتمام البيع أي مرحلة إبرام العقد، وذلك من حقها لما لها من سلطة تقديرية في ذلك مما يترتب عليه رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية المساعي التي بذلها الساعي للتوفيق بين البائع والمشتري وتوصيتنا:

مفهوم السعي يتحدد في المساعي التي يبذلها الساعي للتوفيق والتوسط بين البائع والمشتري بإعتبار مصالحهما متعارضة، فمن مصلحة البائع أن يكون ثمن المبيع كبيراً ومن مصلحة المشتري أن يكون ثمن المبيع ضئيلاً، وللتقريب بين هذه المصالح المتعارضة يقوم الساعي بالتوسط بين الطرفين عن طريق تقديم خبرته في هذا المجال من حيث إدارة المفاوضات والتفاهمات بين الطرفين قبل إبرام عقد البيع، إذ يقدم الساعي البيانات والمعلومات والمقترحات والمعالجات المناسبة بشأن اسعار الزمان والمكان والإستشارات اللازمة والرد على تساؤلات الطرفين حتى يقوما بإبرام العقد عن وعي وبصيرة، وفي دول العالم المختلفة تقوم بأعمال السمسرة شركات ومؤسسات ومكاتب نظامية، حيث تنظم أعمال مؤسسات ومكاتب السمسرة لوائح ونظم تحدد واجباتها وإلتزاماتها، غير أن أعمال السمسرة في اليمن تتم بطريقة عشوائية ، فليس هناك تنظيم قانوني لواجبات وحقوق السمسار في اليمن مع أن القانون التجاري اليمني قد نص صراحة على أن عقد السمسرة من الأعمال التجارية بقطع النظر عن صفة القائم بها أو نيته حسبما ورد في المادة (10)، وفي القانون المدني نصت المادة (558) على أن (إجرة الدلال إن باع العين بنفسه وبإذن صاحبها على البائع ويعتبر العرف أن سعي بين البائع والمشتري وباع المالك بنفسه)، ومع وجود هذين النصين المجملين فليس هناك لائحة تنظم أعمال السمسرة والسماسرة في اليمن، ولذلك نوصي بضرورة صدور لائحة تنظم هذه المهنة العشوائية وتحدد حقوق وواجبات وأعمال هذه المهنة والشريحة، لأن مفهوم السعي والسعاية في اليمن يتداخل في بعض الأحيان مع أفعال التدليس والنصب والإحتيال وأكل أموال الناس بالباطل، فهناك من يعتبر الحضور في مجلس البيع والشراء من قبيل السعاية وهناك من يرى أن مجرد إرسال رقم البائع أو المشتري من أعمال السعاية وهكذا، كما أن القانون المدني قد ارجع تقدير السعاية إلى العرف، فيدعي بعض السعاة بأن مبلغ السعاية في العرف 5% من قيمة المبيع بغض النظر عن الجهد أو السعي الذي بذله الساعي، ولذلك نوصي بإصدار لائحة تنظم أعمال السمسرة في اليمن .

الوجه الثاني: تقدير مبلغ السعاية على قدر السعي الذي بذله الساعي:

قال الله سبحانه وتعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم]. وفي ذلك دليل على أن السعي متفاوت وان أجر الساعي متفاوت، ويكون بقدر السعي الذي بذله الساعي، فلا يكون اجر الساعي ثابتاً في كل الأحوال وإنما يتم تقديره بقدر السعي الذي بذله الساعي، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل : (4)]. أي مختلف ومتفاوت، فهناك سعي مثمر وهناك سعي سلبي، وهناك من يقوم بالتوفيق والمقاربة بين البائع والمشتري وتقديم البيانات والمعلومات والتجارب والمقترحات والمعالجات ذات الصلة لتمكين المتعاقدين من الإلمام بالصفقة محل البيع وما ينبغي عليهما عمله ويقدم لهما الإستشارات اللازمة، وهناك من يكون دوره قاصر على القول بأن: هذا البيت للبيع، أو: هذا رقم هاتف البائع، أو قد يكون دور الساعي قاصر على حضور مجلس العقد، فلا يحضر التفاهمات أو المفاوضات السابقة لإبرام العقد.

ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن اجر الساعي يكون على قدر السعي الذي بذله الساعي ،وهو البحث عن الأرض المناسبة بحسب الشروط التي حددها المشتري والبحث عن مالك الأرض والإنتقال لمرات عدة بين مقر البائع والمشتري، غير أن الساعي لم يشارك في المفاوضات السابقة لإبرام عقد البيع كما إنه لم يحضر مجلس العقد، والله اعلم.

تعليقات