القول قول الوديع

 

القول قول الوديع
القول قول الوديع.
القول قول الوديع

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.

نصت المادة (951) من القانون المدني اليمني على انه (إذا اختلف الطرفان (أي المودع والوديع) فالقول للوديع في رد الوديعة وعينها وتلفها وإن التالف وديعة لا قرض ، وإذا جحد الوديع الوديعة فأثبت المالك الوديعة فأدعى الوديع الرد أو التلف فالقول قول المالك في عدم الرد والتلف والقول للمالك في نفي الغلط والقدر والإذن بالنقل والإستعمال والتصرف).

والوديع هو الشخص أو الجهة التي يتم تسليم الوديعة إليها، حسبما هو مقرر في المادة (919) مدني، ويطلق على الشخص الذي يقوم بوضع الوديعة (المودع) حسبما هو مقرر في المادة (939) مدني، والوديعة : هي ترك المودع مالاً لدى غيره لمجرد حفظه بالتراضي، والأصل في الوديعة أن تكون بدون أجر حسبما ورد في المادة (938) مدني.

وقد صرحت المادة (951) مدني بأن القول للوديع فيما يتعلق برد الوديعة وتحديد عين الوديعة ونوعها وتلفها وكذا القول: ان التالف وديعة لديه وليس قرضا.

معنى القول قول الوديع: ان القول المعتبر عند النزاع أو الخلاف هو قول الوديع ، وانه ينبغي على من يدعي خلاف قول الوديع ان يثبت ذلك، وتصديقا لقوله فان عليه ان يحلف اليمين . وهذا ما قضى به الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-2-2010م في الطعن رقم (37184)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((وحيث أن ظاهر الأمر أن المطعون ضده (وديع) والقول قوله طبقاً للمادة (951) مدني ، فقد كان على الشعبة حسم النزاع بهذا الشأن بتوجيه اليمين إلى المطعون ضده بان السلسلة التي أحضرها إلى الشعبة هي نفس السلسلة المسلمة إليه أو المودعة لديه من قبل الطاعن، وان نكل فله حكمه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: القول قول الوديع في الفقه الإسلامي:

 معنى القول قول الوديع: ان القول المعتبر عند النزاع أو الخلاف هو قول الوديع ، وانه ينبغي على من يدعي خلاف قول الوديع ان يثبت ذلك، وتصديقا لقوله فان عليه ان يحلف اليمين .

 قال ابن المنذر: أجمع كل من احفظ عنه من أهل العلم على أن الوديع إذا تم إيداع الوديعة لديه فتلفت أو ضاعت أو نقصت فإن القول قوله في ذلك ، وقال أكثرية أهل العلم بأن القول قوله مع يمينه ، وإذا أدعى ردها إلى صاحبها فالقول قوله مع يمينه، وهو قول الإمام زيد والامام الشافعي والامام مالك، وزاد الإمام مالك أن كان المودع قد دفع الوديعة إلى الوديع وقدم بينة على ذلك فيتم العمل بالبينة ولا عبرة بقول الوديع، أما إذا دفعها المودع إلى الوديع بغير بينة، فالقول قول الوديع، والمختار قول الإمام مالك وهو قول غالبية الزيدية، وبه أخذ القانون المدني اليمني حسبما ورد في المادة (951) مدني السابق ذكرها.

الوجه الثاني: تطبيق قاعدة القول قول الوديع في القانون المدني اليمني:

من خلال إستقراء نص المادة (951) مدني السابق ذكرها يظهر أن مجال تطبيق هذه القاعدة هو الأحوال الآتية:

الحالة الأولى: عند عجز المودع عن إثبات تسليمه الوديعة إلى الوديع: ففي هذه الحالة يكون القول قول الوديع، لأن الأصل العدم أي عدم إستلام الوديع للوديعة، أما إذا أثبت المودع مالك الوديعة اثبت تسليمه الوديعة إلى الوديع فيكون القول قول مالك الوديعة حسبما هو مقرر في الفقه الإسلامي والنص القانوني السابق.

الحالة الثانية: وقوع الخلاف بين المودع والوديع بشأن تسليم الوديعة أو تلفها أو نقصها أو تحديد ومقدارها أو نوعها وعجز مالك الوديعة عن الإثبات في هذه الاحوال فان القول يكون قول الوديع ، اما إذا أقر الوديع بدعوى المودع فيتم العمل بموجب الإقرار، فقد قصر النص القانوني السابق تطبيق قاعدة القول قول الوديع على حالة الخلاف بين المودع والوديع.

الحالة الثالثة: إذا أدعى المودع عدم قيام الوديع برد الوديعة، وعجز المودع مالك الوديعة عن إثبات تسليمه الوديعة إلى الوديع ، ففي هذه الحالة يكون القول قول الوديع، لأن الاصل العدم أما إذا أقر الوديع بإستلامه الوديعة أو قام المودع بإثبات تسليمه للوديعة فيكون القول قول صاحب الوديعة.

الحالة الرابعة: إذا أدعى المودع تلف الوديعة لدى الوديع وعجز المودع عن إثبات قيامه بتسليم الوديعة إلى الوديع ولم يقر الوديع بإستلامها ، فيكون القول قول الوديع في تلف الوديعة ، لأن وجود الوديعة بعهدة الوديع غير ثابت، أما إذا أثبت المودع تسليمه الوديعة إلى المودع ، فأن الأصل سلامة الوديعة، وعلى الوديع إثبات عدم سلامتها أو تلفها بسبب لا يد له فيه.

الحالة الخامسة: إختلاف المودع والوديع في عين الوديعة: فإذا اختلف المودع والوديع بشان عين الوديعة أو نوعها أو جنسها أو مقدارها أو صفتها ولم يقر الوديع بدعوى المودع ، فإن القول في هذه الحالة قول الوديع، أما إذا أثبت المودع ذلك بالبينة أو أقر الوديع بدعوى المودع ، فيتم العمل بموجب البينة أو الإقرار.

الحالة السادسة: خلاف المودع مع الوديع بشان المال الذي سلمه المودع إلى الوديع وتلف في يد الوديع ، هل هو وديعة لدى الوديع أم قرض من المودع للوديع ، فإذا أختلف المودع والوديع في هذه الحالة فإن القول هو قول الوديع، فإذا قال الوديع أن المال وديعة فالقول قوله ، وإن قال أن المال الذي سلمه المودع إليه قرض ، فالقول قوله في ذلك، إلا إذا أثبت المودع خلاف ذلك عن طريق البينة (الشهادة) أو إقرار الوديع .

الوجه الثالث: يمين الوديع مع قوله:

مع أن القول قول الوديع في الاحوال السابق ذكرها في الوجه السابق، إلا أن الحكم محل تعليقنا قضى بلزوم أخذ اليمين من الوديع على تحديد صفة ونوع وقدر المال الذي سلمه إليه المودع وان المال الذي سلمه إليه المودع هو ذاته الذي أحضره إلى المحكمة بقصد تسليمه إلى المودع، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بتوجيه اليمين إلى الوديع ، لأنه قد اقر بإستلامه المال، والقول قوله في هذه الحالة في تحديد صفة ومقدار المال إلا إنه طالما قد اقر بإستلام المال فعليه أن يحلف اليمين على أن المال الذي بعهدته هو ذاته الذي سلمه إليه المودع، حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، وآخذ اليمين من الوديع مع أن القول قوله في الأحوال السابق ذكرنا هو قول اكثرية الفقه الاسلامي ، حسبما سبق بيانه، والله أعلم.

تعليقات