
تعطيل البصيرة ليس شرطاً لصحة التصرف.

تعطيل البصيرة ليس شرطاً لصحة التصرف
البصيرة مصطلح يطلق في كثيرمن مناطق اليمن على الوثيقة التي تثبت شراء الشخص للعقار، ويطلق عليها مصطلح الحجة في مناطق يمنية اخرى ، فالبصيرة سند ملكية عقارية تثبت أن الأرض أو العقار قد صار لمالكه عن طريق الشراء من غيره، ومن اللازم وفقاً لقانون التوثيق اليمني عندما يقوم مالك العقار ببيعه أن يبرز أصل البصيرة التي تدل على ملكيته للعقار الذي صار له بالشراء من غيره، وعند إبرام عقد البيع يقوم المالك البائع بتسليم أصل البصيرة إلى المشتري بعد تعطيله أو تنكيته.
والتعطيل اوالتنكيت هو: عبارة على إفادة مكتوبة بظاهر البصيرة مفادها: أن العقار المذكور فيها قد انتقلت ملكيته بالشراء من البائع إلى المشتري الجديد ، وعندما يكون البيع أو التصرف لكامل العقار فإن البائع يقوم بتسليم أصل البصيرة إلى المشتري وفي حالة البيع أو التصرف بجزء من العقار فيتم التعطيل بظاهر أصل البصيرة وإعادتها إلى البائع المالك وإعطاء صورة منها للمشتري، والتعطيل أو التنكيت للبصيرة على هذا النحو وإن كان من الإجراءات التنظيمية الواجبة وفقاً لقانون التوثيق اليمني إلا أن التنكيت أو التعطيل ليس ركنا أو شرطاً لصحة البيع أو التصرف ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-6-2010م في الطعن رقم (41026)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: ((اما مجادلة الطاعن أنه لم يصح التنكيت بظاهر البصيرة فذلك ليس بشرط في صحة التصرف، إذ العبرة بحصول التصرف حسبما دل عليه العقد))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى التعطيل أو التنكيت على ظهر البصيرة:
التنكيت أو التعطيل على ظهر البصيرة هو: إجراء لاحق لصدور صيغة البيع أو التصرف الناقل لملكية العقار ، واثبات التصرف في الدفتر الخاص بالتصرف المحفوظ لدى الموثق أو الامين الشرعي ، فبعد ذلك يقوم الموثق أو الأمين الشرعي بتحرير البصيرة الجديدة أو الوثيقة التي تفيد انتقال ملكية العقار الى المالك الجديد كما يقوم الامين أيضا بتعطيل او تنكيت بصيرة البائع .والتعطيل أو التنكيت ليس مقصورا على البصيرة وانما يتم التعطيل بعد كل تصرف ناقل لملكية العقار كالهبة والنذر والوقف والوصية ، فبعد أن يتلفظ المالك بألفاظ الوصية أو الوقف أو الهبة اوالنذر أمام الموثق او الأمين الشرعي يقوم الموثق أو الأمين بعد ذلك بتحرير وثيقة التصرف كالهبة أو الوصية أو الوقف أو النذر، كما يقوم الموثق أو الامين نفسه بعد تحرير وثيقة التصرف الناقل للملكية يقوم بعملية التعطيل أو التنكيت بخطه وتوقيعه خلف وثيقة المتصرف، والتعطيل كما ذكرنا عبارة عن إفادة كتابية بظهر أصل البصيرة التي تم البيع أو اية وثيقة ملكية عقارية التي تم التصرف بموجبها ، وتتضمن هذه الإفادة: أن العقار المذكور في البصيرة أو اية وثيقة ملكية عقارية قد انتقل إلى ملكية المشتري أو المتصرف إليه إذا كان محل البيع أو التصرف هو العقار كله أو الإفادة بأن جزء أو مساحة من العقار المذكور في البصيرة قد انتقلت إلى المشتري أو المتصرف إليه.
وإذا كان محل التصرف العقار المذكور في البصيرة أو الوثيقة كاملاً فأنه يجب تسليم أصل بصيرة البائع أو وثيقة ملكية المتصرف التي تم البيع أو التصرف بموجبها إلى المشتري أو المتصرف إليه ، اما إذا كان محل التصرف جزءا من العقار فإن البصيرة بعد تعطيلها أو تنكيتها يتم إعادتها إلى البائع أو المتصرف للتدليل على أنه مازال مالكاً للمساحة التي لم يتصرف بها.
ويجب أن تكون البيانات الواردة في التعطيل مطابقة للبيانات الواردة في وثيقة البيع أو التصرف كاسم البائع والمشتري والثمن والمساحة وحدود المبيع واسماء الشهود وكاتب العقد وتاريخه، وكذلك الحال بالنسبة للتصرفات الأخرى الناقلة للملكية غير البيع، وينبغي أن يكون التعطيل أو التنكيت بخط كاتب وثيقة البيع أو التصرف.
الوجه الثاني: التعطيل للبصيرة ليس ركناً أو شرطاً في التصرف:
قضى الحكم محل تعليقنا بذلك على أساس أنه لكل تصرف ناقل للمكية كالبيع والهبة والنذر والوقف والوصية وغيرها لكل تصرف من هذه التصرفات أركان وشروط ليس من بينها: تعطيل أو تنكيت بصيرة البائع أو المتصرف، فمثلاً أركان عقد البيع: الصيغة وتشمل الإيجاب والقبول المتوافقين وركن العاقدين وهما البائع والمشتري وركن المحل وهو المبيع والثمن، ولكل ركن من هذه الأركان شروط ليس من بينها تعطيل البصيرة، وكذلك الحال بالنسبة للتصرفات الأخرى الناقلة للملكية كالوقف والوصية والنذروالهبة...إلخ.وعلى هذا الأساس فإن التصرف الناقل للملكية يكون صحيحاً وملزماً لطرفيه حتى لو لم يتم تعطيل البصيرة مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث: الغاية من تعطيل البصيرة:
الحقيقة أن التعطيل لا يكون قاصراً على البصيرة فقط وإنما يكون بالنسبة لوثائق الملكية العقارية الأخرى كالفصول والفروز والهبة والنذر والوصية، إذ يتم تعطيلها عند التصرف بالطريقة السابق ذكرها.ولا شك أن الغاية من التعطيل ظاهره من مصطلح (تعطيل) أي أن التعطيل يعطل ملكية المالك السابق للعقار المذكور في البصيرة أو الوثيقة التي تم تعطيلها وانه لم يعد للمالك السابق أي حق في العقار المذكور في البصيرة أو وثيقة الملكية فلا يملك ولا يحق له التصرف فيها بعد إنتقال ملكية العقار المذكورفيها إلى المالك الجديد ، بيد أن التعطيل لايعني تعطيل حجية الوثيقة التي يكتب على ظهرها فتظل حجيتها قائمة في الدلالة على ان العقار كان مملوكا للمالك السابق وان ملكيته قد انتقلت إلى المالك الجديد بطريقة شرعية وقانونية.
فالتعطيل يعطل ملكية البائع أو المتصرف في العقار المذكور في البصيرة المعطلة ولكنه لايعطل الوثيقة ذاتها ، كما أن التعطيل يمنع البائع أو المالك من إعادة البيع أو التصرف، ومن هذه الناحية تظهر أهمية التعطيل الذي يكون مكانه ظهر وثيقة ملكية العقار، ولذلك فالتعطيل وإن لم يكن ركناً أو شرطاً في التصرف إلا أنه إجراء لازم وفقاً لقانون التوثيق ولائحته التنفيذية وتعليمات قطاع التوثيق بوزارة العدل.
ومن هذا المنطلق فإن التعطيل من أهم إجراءات ووسائل إثبات إنتقال ما ورد في البصيرة أو الوثيقة للشخص أو الأشخاص المذكورين في التعطيل، وأن العقار قد أنتقل إليهم بصورة شرعية وقانونية، فالتعطيل مثله مثل الوثيقة التي تتضمن إثبات التصرف الناقل لملكية العقار إلى المالك الجديد، فالتعطيل يدل على إنتقال ما ورد في باطن البصيرة أو الوثيقة إلى المالك الجديد المذكور في التعطيل المدون في ظاهرها، والله اعلم.