معنى قاعدة من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه

 

معنى قاعدة من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تحرص الشريعة الإسلامية على إستقرار المعاملات ووجوب الوفاء بالالتزامات والعقود والتصرفات ،  ولهذه الغاية فقد قرر الفقهاء قاعدة: من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه، وهي القاعدة الفقهية التي استند إليها الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-9-2015م في الطعن رقم (56958)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والدائرة تجد: إنما قضى به الحكم الاستئنافي هو عين الصواب، لأن القضية قد حُسمت بالإتفاق المحرر بين الطرفين، وأنه لا مجال لتنصل الطاعن عن هذا الإتفاق الذي تم تحريره برضاء الطرفين، لأن القاعدة الشرعية تنص على أن من سعى إلى نقض ما ابرمه على نفسه فسعيه مردود عليه، كما أن ماورد في عريضة الطعن من مناعي قد ناقشها الحكم الاستئنافي وفصل فيها))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: أصل قاعدة (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه):

اشار الحكم محل تعليقنا إلى هذه القاعدة وذكر أنها قاعدة شرعية، فالثابت أن أصل هذه القاعدة هو الفقه الإسلامي، فقد وردت هذه القاعدة في أمهات كتب القواعد الفقهية مثل: كتاب الأشباه والنظائر لإبن نجيم الحنفي وكتاب الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية لمحمد صدقي آل بورنو وكتاب القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة لمحمد مصطفى الزحيلي، فهذه القاعدة قاعدة فقهية مثلما ذكر الحكم محل تعليقنا، وقد وردت هذه القاعدة في كتب الفقه الإسلامي بمسمى (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه)، وقد تم تقنين هذه القاعدة في مجلة الأحكام العدلية العثمانية في المادة (100) من المجلة.

الوجه الثاني: معنى قاعدة: من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه:

معنى هذه القاعدة: أن الشخص إذا صدر منه أي تصرف برضاه وإختياره كالإقرار بحق أو إذا صدر منه تصرف كبيع أو شراء أو تنازل...إلخ، فلا يجوز له التحلل والإمتناع عن تنفيذ ذلك التصرف أو مطالبة القضاء باعفائه من إلتزامه ، ومعنى سعيه مردود عليه: أن القاضي لا يستجيب لطلبه المردود عليه بموجب احكام الشريعة الغراء التي تامر بالوفاء بالعقود والعهود، فاحكام الشريعة لاتجيز له الرجوع عن التزاماته التي صدرت برضاه وإختياره، فلايجوز للمتصرف نقض تصرفاته والتزاماته، فيجب عليه الوفاء بما ألتزم به أو أقر به.

ولا فرق بين التصرف الذي يصدر من المتصرف نفسه أو من وكيله، وكذا يكون التصرف ملزما للشخص ولو صدر التصرف من مورثه أو البائع له. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، د. محمد مصطفى الزحيلي، ص512).

الوجه الثالث: اخذ الفقه الغربي بقاعدة (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه):

بعد تقنين هذه القاعدة في مجلة الأحكام العدلية العثمانية أخذ الفقه الغربي بهذه القاعدة، وأطلق الفقه الغربي عليها قاعدة (الإغلاق) ومعناها: غلق باب الرجوع على الشخص فيما قاله أو فعله، فيكون قوله وفعله حجة عليه.

الوجه الرابع: تطبيقات قاعدة من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه في القانون المدني اليمني:

مع أن القانون المدني اليمني لم ينص على هذه القاعدة بصيغتها الفقهية إلا أنه  أخذ بها في تطبيقات كثيرة منها: المادة (13) التي نصت على أن (العقد ملزم للمتعاقدين...إلخ) والمادة (14) التي نصت على أنه (يجب في العقود والشروط الوفاء بها...إلخ) والمادة (206) التي نصت على أن (ينصرف العقد إلى العاقدين والورثة...إلخ) والمادة (211) التي نصت على أن (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا بإتفاق الطرفين...إلخ) والمادة (212) التي نصت على أنه (يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين...إلخ).

الوجه الخامس: الرضا بالتصرف مناط تطبيق قاعدة (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه):

اشترط الفقه الإسلامي لتطبيق هذه القاعدة أن يكون التصرف الصادر من المتصرف قد صدر منه برضاه وإختياره، فإذا شاب رضاه أي عيب من عيوب الرضا فلا تطبق هذه القاعدة، وعلى المتصرف المدعي بتعيب إرادته أن يثبت العيب الذي شاب رضاه، لأن الأصل في العقود والتصرفات الصحة، والله اعلم.

معنى قاعدة من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه
معنى قاعدة من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه



تعليقات