النصاب القيمي من النظام العام


النصاب القيمي من النظام العام

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

تتكبد الدولة نفقات باهظة في إجراءات التقاضي، وقد يكون ذلك مقبولاً حينما تكون قيمة الدعوى مبالغ باهظة، اما إذا كانت قيمة الدعوى الحق المدعى به تقل عن النفقات التي تتكبدها الدولة أو النفقات التي يتكبدها الخصوم، فتكون الأحكام الابتدائية الصادرة فيها نهائية بإعتبار هذه المسألة متعلقة بالنظام العام، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 13-10-2015م في الطعن رقم (56929)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((إذ أنه بعودة الدائرة إلى الأوراق تبين أن المطعون ضده حالياً قد حدد قيمة دعواه ضد المدعى عليهما بمائة ألف ريالاً ثم  قام بالتنازل عن دعواه ضد احدهما لأنه قد سلم حقه من الغلول ، وبعد هذا التنازل صارت قيمة الدعوى خمسين ألف ريالاً فقط ، وبناءً على ذلك فإن تلك الدعوى من الدعاوي التي يكون فيها الحكم الابتدائي نهائياً غير قابل للطعن أمام الاستئناف عملاً بنص المادة (86) مرافعات التي نصت في فقرتها الأولى على أن الاستئناف لا يكون إلا في الأحكام الابتدائية التي تتجاوز قيمة المحكوم به مائتي ألف ريالاً في المسائل المدنية، ومن ثم فإن الحكم محل الطعن قد شابه بطلان من النظام العام لتعلقه بالاختصاص القيمي الأمر الذي يتعين معه على المحكمة القضاء به ولو من تلقاء ذاتها، مما يقتضي نقض الحكم المطعون فيه))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: النصاب القيمي في قانون المرافعات:

استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (86) مرافعات قبل تعديلها التي كانت تنص على أن: (يكون الحكم الابتدائي غير قابل للاستئناف في الأحوال الأتية: -2- إذا كان المحكوم به لا يتجاوز مائتي ألف ريالاً في المسائل المدنية)، وقد زاد  هذا المبلغ في تعديلات (يناير 2021م) إلى خمسة ملايين ريالاً، ويتم تحديد النصاب القيمي في ضوء النفقات التي تتكبدها الخزينة العامة للدولة بسبب نظر المحاكم بدرجاتها المختلفة للدعاوى وما يترتب على ذلك من نفقات تتكبدها الدولة كأجور ومرتبات وقرطاسية وإيجار وماء وكهرباء وغيرها، فالدولة تتكبد هذه النفقات بصرف النظر عن قيمة الدعوى أو الشيء المدعى به أو المحكوم به، فمن غير المقبول  ان تزيد النفقات التي تتكبدها الدولة  على قيمة الحق المدعى به، كذلك يتكبد الخصوم مصاريف واتعاب التقاضي التي قد تزيد عن قيمة الحق المدعى به، إضافة إلى أن هناك اعتبار آخر يتم تحديد النصاب القيمي في ضوئه وهو وضع حد أمام المطالبات ذات القيمة القليلة للحد من تدفق القضايا إلى مرحلة الاستئناف والعليا، علاوة على أن الضرر يسير الذي قد يلحق أصحاب الحقوق القليلة القيمة إذا لم يتم الطعن في الأحكام الصادرة فيها.

الوجه الثاني: النصاب القيمي من النظام العام:

قضى الحكم محل تعليقنا بأن النصاب القيمي من النظام العام نظراً للإعتبارات والأسانيد التي جعلت المشرع يضع نصاباً قيمياً للطعن في الأحكام التي تتضمن مبالغ قليلة بحسب التقدير الوارد في النص القانوني السابق المشار إليه ، ولذلك فالنص القانوني الذي حدد النصاب القيمي نص آمر واجب التطبيق، ولذلك فقد لاحظنا أن المحكمة العليا تصدت له من تلقاء ذاتها حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا، والله اعلم .



تعليقات