تأثير الصحبة والصداقة على الشهادة


تأثير الصحبة والصداقة على الشهادة

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترط قانون الإثبات في المادة( 27) في الشاهد ان لا يجر لنفسه نفعاً بشهادته ولا يدفع بها ضرراً عن نفسه، ويندرج ضمن هذا الشرط شهادة الأقارب لبعضهم،  كما اشترط النص ذاته في الشاهد ان لايكون خصما للمشهود عليه، كما ان الصحبة أو الصداقة القوية أو الوثيقة بين الشاهد والمشهود عليه تندرج ضمن هذا  الشرط لما للصحبة القوية من تأثير بالغ على الشهادة اكثر من القرابة ، لان الصاحب يحرص على رعاية حقوق ومصالح صاحبه، فذلك مظهر من مظاهر الوفاء بحق الصحبة والصداقة، غير ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن الصداقة والصحبة لا تؤثر على شهادة الصاحب أو الصديق لصاحبه أو صديقه ربما لان الصحبة القائمة بين الشهود والمشهود عليه في القضية التي تناولها الحكم لم تبلغ  حد الملازمة والمرافقة بين  الشهود والمشهود عليه، فربما كانت تلك الصحبة مجرد تعارف بين الشهود والمشهود له ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3-5-2008م في الطعن رقم (29439)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((ومن حيث الموضوع فأنه لما كان الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه مخالفة المادة (288) مرافعات، وان الشهود من أصحاب المطعون ضده وخصوم الطاعن – لما كان الأمر كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اقام قضاءه على أساس من أحكام المادة (1260) مدني التي تقضي بسقوط الشفعة إذا عرض المبيع على الشفيع فرغب عن الشراء، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه قيام الشهادة على حصول عرض المبيع على الطاعن ورغوبه عن الشراء فإن الطعن يكون على غير أساس صحيح من القانون ولا تأثير لما طعن به الطاعن من وجود علاقة الصحبة بين الشهود والمشهود له لعدم ثبوت القرابة المانعة من قبول الشهادة))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: شهادة الصاحب في قانون الإثبات:

 لم يرد في قانون الإثبات نص صر يح  بشأن منع أو جواز شهادة الصاحب لصالح صاحبه، فما ورد في قانون الإثبات نص عام منع شهادة كل من تتسرب الشبهة والريبة والتهمة والمظنة إلى شهادته لتعلق شهادته بحقوقه ومصالحه أو بحقوق ومصالح اقاربه أو ان تكون بين الشاهد والمشهود خصومة أو عداوة قد تكون الباعث في شهادة الشاهد على خصمه ، ففي هذه الأحوال يكون الشاهد متهماً في شهادته بأنه يجر بشهادته النفع لنفسه واقاربه ويدفع الضرر بشهادته عن نفسه واقاربه،أو أنه يتعمد في شهادته الأضرار بخصمه، ولذلك فقد اشترطت المادة (27) إثبات في الشاهد: (ان لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً وان لايكون خصما للمشهود عليه )، فقد نصت  المادة(27 )إثبات على أن: (يشترط في الشاهد ما يلي: -د- ان لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً –هـ- ان لا يكون خصماً للمشهود عليه)، ومن خلال مطالعة النص السابق نجد أنه لم يصرح بمنع شهادة الأصحاب أو الأصدقاء وكذا لم يصرح بمنع شهادة الأقارب لبعضهم، وصرح بمنع شهادة الخصوم على بعضهم.

الوجه الثاني: علة منع شهادة من يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً وشهادة الخصم على خصمه :

لا ريب ان علة ذلك هي: تسرب التهمة والمظنة إلى شهادة الشاهد في هذه الأحوال، لأنه من المحتمل ان يقوم الشاهد في هذه الأحوال بالشهادة لجلب النفع لنفسه أو قريبه أو بغرض دفع الضرر عن نفسه وقريبه أو يعمد عند الادلاء بشهادته إلى الأضرار بخصمه ، فالشاهد في هذه الاحوال لا يؤدي الشهادة حسبة لله عملاً بقوله تعالى {واقيموا الشهادة لله}، ولان النفس البشرية جبلت على الأنانية والاثرة وحب النفس والأقارب والأصحاب وبغض الخصوم، فالشهادة في هذه الاحوال يعتربها الشك والتردد بين الصدق والكذب، والدليل اذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال. .

الوجه الثالث: علة منع شهادة الخصم على خصمه:

صرحت الفقرة (هـ) من المادة (27) إثبات السابق ذكرها على (ان لا يكون الشاهد خصماً للمشهود عليه)، فالعلة ظاهرة في منع شهادة الخصم على خصمه، وهي ان من شأن الخصومة والعداوة التأثير على شهادة الشاهد الخصم  فيشهد الشاهد الخصم على خصمه بغير الحق، لأن غالب الخصوم يتعمدوا الأضرار بخصومهم، فيدخل في هذا المعنى اضرار الخصم بشهادته بخصمه، فمن شأن الخصومة والعداوة التأثير على شهادة الشاهد.

الوجه الرابع: ماهية الصحبة أو الصداقة وتأثيرها على الشهادة :

 الصحبة تعني ان الصاحب يلازم صاحبه فلاينفك عنه يجالسه ويباطنه ويخالطه فتنشاء بينهم مصالح مشتركة، فالصحبة هنا ليست علاقة زمالة في العمل أو جوار في الدار أو مجرد تعارف بين الشاهد والمشهود عليه، فشرط (ان لا يجر الشاهد لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً) الوارد في المادة (27) الفقرة (د) إثبات هو شرط عام يشمل كل مؤثر قوى على شهادة الشاهد كالمصلحة الشخصية أو مصلحة اقاربه، وفي هذا السياق اشترطت المادة (27) إثبات  الفقرة (هـ) ان لا يكون الشاهد خصماً للمشهود عليه، لأن الخصومة والعداوة مؤثرة على الشهادة، وتقابل الخصومة والعداوة الصحبة والصداقة التي تعني ان الشاهد يصاحب المشهود له ويؤثر ويتأثر به ويختار ملازمته ومصاحبته دون غيره، فالصاحب يختار صاحبه طواعية فلا يكون مفروضاً عليه كالقريب أو الزميل أو الجار، فلا شك ان الصحبة مؤثرة في الشهادة بسبب ملازمة الشاهد لصاحبه المشهود له، فربما ان الصاحب يوحي للشاهد بما يشهد به، فضلاً عن ان الشاهد سوف يراعي في شهادته حقوق ومصالح صاحبه وليس قول الحق، فعلاقة الصحبة في غالب الحالات أقوى من علاقات القرابة ، والحكم محل تعليقنا حينما  اجاز شهادة الاصحاب لصاحبهم، ربما ان أولئك الأصحاب كانوا مجرد أشخاص  معروفون لدى المشهود عليه، والله اعلم.

تعليقات