سلطة المحكم بين وثيقة التحكيم وقانون التحكيم


سلطة المحكم بين وثيقة التحكيم وقانون التحكيم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

في حالات كثيرة يحدد الخصوم في إتفاق التحكيم  سلطة المحكم  تحديدا دقيقا، وفي الوقت ذاته يشترط الخصوم في إتفاق التحكيم ان يلتزم المحكم بنصوص قانون التحكيم عند نظره في الخصومة التحكيمية والفصل فيها ،  فقد يحدد الخصوم في إتفاق التحكيم ان يقتصر عمل المحكم على التأكد من مسألة معينة مثل ان يقتصر عمل المحكم على التأكد من الأسبق من الخصوم في الثبوت أو غير ذلك، وفي الوقت ذاته يشترط الخصوم في إتفاق التحكيم على المحكم الإلتزام بقانون التحكيم، وعندئذ لامناص من أن يلتزم المحكم بنصوص قانون التحكيم وان لايخالفها، وقد تناول هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-1-2014م في الطعن رقم (52262)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((والقول بأن وثيقة التحكيم قد قيدت المحكم في التاكد من الاسبقية في الثبوت، ليس في محله، لان أطراف التحكيم قد اشترطوا في وثيقة التحكيم على المحكم مراعاة ما قرره قانون التحكيم، ولذلك فالمحكمة العليا لا تستطيع ان تعيب على الشعبة ما قررت تحققه في حكم التحكيم من حيث الواقع))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:

الوجه الأول: إلتزام المحكم بما ورد في إتفاق التحكيم:

صرح قانون التحكيم بأن المحكم ملزم عند الفصل في الخصومة التحكيمية بما ورد في إتفاق التحكيم، وفي هذا الشأن نصت المادة (29) تحكيم على أنه: (على لجنة التحكيم الإلتزام بإتفاق التحكيم ولا يجوز لها ان تحكم بما لم يشمله الاتفاق أو بما لم يطلبه طرف التحكيم)، فقد تضمن هذا النص أمر ونهي، أمر بوجوب إلتزام المحكم بما ورد في إتفاق التحكيم، كما تضمن النص السابق نهي ومنع من الحكم بما لم يرد في إتفاق التحكيم، لأن المحكم يستمد ولايته من إتفاق التحكيم المعبر عن إرادة ومشيئة الخصوم في الخصومة التحكيمية الذي أجاز لهم القانون تحديد موضوع التحكيم والإجراءات الواجب على المحكمين اتباعها وذلك في إتفاق التحكيم ، كما أن المحكم يستمد ولايته من إتفاق التحكيم، فلا يجوز له ان يخالف إرادة الخصوم اطراف التحكيم.

الوجه الثاني: الإحالة في إتفاق التحكيم إلى قانون التحكيم في إتفاق التحكيم:

حدد قانون التحكيم الإجراءات التي يجب على المحكم إتباعها عند فصله في الخصومة التحكيمية، وفي الوقت ذاته اجاز قانون التحكيم للخصوم تضمين إتفاق التحكيم  إجراءات يتفق بشأنها الخصوم  يجب على المحكم اتباعها ، ومع ان المحكم ملزم باتباع إجراءات التحكيم المحددة في قانون التحكيم الا ان القانون ذاته لم يمنع الخصوم من النص في إتفاق التحكيم على إحالة المحكم إلى اتباع الإجراءات والأحكام المقررة في قانون التحكيم أو غيره من القوانين مثلما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، إذ أن اطراف التحكيم اتفقوا على ان يقوم المحكم بتحديد الأسبق منهما في الحيازة والثبوت، وفي الوقت ذاته أحال الخصوم المحكم إلى إتباع ما ورد في قانون التحكيم ، وعلى هذا الأساس فقد باشر المحكم عند فصله في الخصومة التحكيمية  الإجراءات  التي اوجبها قانون التحكيم  الذي احال الخصوم المحكم إليه،  ولذلك فقد إلتزم المحكم بما ورد في إتفاق التحكيم وبما ورد في قانون التحكيم ، غير أن الطاعن لم يقبل بذلك متمسكاً بأن موضوع التحكيم محدد في إتفاق التحكيم بتحديد الأقدمية بين الخصوم في الثبوت ، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بأن المحكم ملزم أيضا بإتباع ما ورد في قانون التحكيم، لأن إرادة أطراف التحكيم قد اتجهت إلى إعمال وتطبيق ما ورد في قانون التحكيم عندما احالوا المحكم  في إتفاق التحكيم إلى قانون التحكيم، ومؤدى ذلك إن المحكم  بموجب إحالته إلى قانون التحكيم ليس متقيدا في حكمه بما ورد في إتفاق التحكيم فقط بل بما ورد في قانون التحكيم، والله اعلم .



تعليقات