حالات الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً - في القانون اليمني

حالات الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً - في القانون اليمني

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حالات الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً - في القانون اليمني
➖➖➖➖➖
▪️قضى الحكم محل تعليقنا بأن الدفع بعدم قبول الدعوى له حالاته، وأن هذا الدفع لا يكون مقبولاً إذا لم تتحقق إحدى حالاته حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-8-2015م في الطعن رقم (56135)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((أما قول الطاعن بأن المحكمة اغفلت مناقشة أسباب دفعه بعدم قبول الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً، فالظاهر من واقع ما ابداه الطاعن في دفعه أنه قد اخفق في معرفة حالات هذا الدفع، إذ أن هذا الدفع ليس له ثمة محل في دفع الطاعن، لأن الدفع في مثل الحالة التي ادعاها الطاعن، لان الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً لا يكون إلا في عقود الامانات كالعارية والوديعة، ولا يكون من المدعي في الدعوى ذاتها، حيث يتحقق هذا الدفع بأن يدعي المدعي بدعواه الأصلية : بأن له عند المدعى عليه شيئاً ما وديعة أو عارية فينكر المدعى عليه الوديعة أو العارية، ويقول: ما اودعتني أو ما اعرتني شيئاً فيقيم المدعي البينة على دعواه ويدعي المدعى عليه أنه قد رد الوديعة أو العارية، فيدفع المدعي دعوى الرد المقدمة من المدعى عليه بعدم سماع تلك الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً، لأن قول المدعى عليه: ما أودعتني أو ما اعرتني شيئاً يكذب دعوى الرد، ولان الدفع المقدم من الطاعن لم يكن كذلك فلا يسمع)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
➖➖➖➖➖

▪️الوجه الأول: الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً في قانون المرافعات

➖➖➖➖➖

▪️أشار قانون المرافعات إلى هذا الدفع في المادة (186)، واورده ضمن الدفوع المتعلقة بالنظام العام التي يجوز اثارتها في أية مرحلة من مراحل التقاضي ولو أمام المحكمة العليا، واوجب القانون على محكمة الموضوع ان تفصل في هذا الدفع بحكم مستقل قبل الفصل في الدعوى الموضوعية، وفي هذا الشأن نصت المادة (186) مرافعات على أنه: (تعتبر من النظام العام الدفوع التالية: -4- الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً).
➖➖➖➖➖

▪️الوجه الثاني: الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً في قانون الإثبات

➖➖➖➖➖

▪️لان غالبية نصوص قانون الإثبات مصدرها الفقه الإسلامي، فقد ورد ضمن الفصل الثاني من القانون وضمن حالات عدم سماع الدعوى نصت المادة (14) على أنه: (لا تسمع الدعوى في الأحوال الأتية: -1- إذا تقدم ما يكذبها محضاً).
➖➖➖➖➖

▪️الوجه الثالث: المصدر التاريخي للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً

➖➖➖➖➖

▪️من المتفق عليه ان الفقه الإسلامي هو المصدر التاريخي للنصين الواردين في قانون المرافعات والاثبات السابق ذكرهما، إذ انه بالرجوع إلى كتب الفقه الإسلامي نجد أنها قد بينت المقصود بالكذب المتقدم على الدعوى الذي يكون سببا لدفعها بدفع (عدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً)، فالمقصود بالتكذيب المسبق للدعوى هو صدور قول أو فعل من المدعى في وقت سابق على رفع دعواه يدل صراحة على كذب دعوى المدعي -أي أن القول أو الفعل السابق صدوره من المدعي يكون مناقضا لموضوع الدعوى الذي ترفع بعده ، حيث اعتبر الفقه الإسلامي أي قول أو فعل سابق صادر من المدعي قبل رفع دعواه يناقض دعواه بمثابة تكذيب للدعوى التي ترفع بعد هذا القول اوالفعل السابق صدوره من المدعي، وعلى هذا الأساس فإن القول أو الفعل السابق صدوره من المدعى المناقض لدعواه اللاحقة يكون مانعا لسماع دعوى المدعي ، ومؤدى ذلك ان للمدعى عليه دفع تلك الدعوى التي دل فعل أو قول المدعي السابق على كذبها، وللتدليل على ان كتب الفقه الإسلامي هي المصدر التاريخي للدفع بتقدم مايكذب الدعوى محضاً، فقد ورد في كتاب التاج المذهب للقاضي العنسي 4/12 (فصل – في بيان الدعاوى التي لا تسمع من مدعيها أي لا تقبل وهي (أربع) الأولى لا تسمع دعوى في الوديعة وكل عين غير مضمنة كالعارية المستأجرة غير المضمنة – إذا تقدم من المدعي ما يكذبها محضا، مثال ذلك: ان يدعي رجل وديعة له أو نحوها، فيقول الوديع ما أودعني شيئا فيقيم المدعي البينة على انه أودعه فيدعي في مجلس الإنكار أو بعده بتاريخ متقدم انه قد ردها)، ومن خلال المقارنة بين ماورد في أسباب الحكم محل تعليقنا وبين ماورد في التاج المذهب للعنسي نجد أن الحكم محل تعليقنا قد أستند إلى ماذكره العنسي في هذا الشأن، كما ورد في كتاب درر الحكام شرح مجلة الأحكام العدلية 4/176 بعنوان الدعوى المادة (1615) (التناقض هو سبق كلام من المدعي مناقض لدعواه أي سبق كلام منه موجب لبطلان دعواه، فالتناقض : هو سبق كلام من المدعي مناقض لما ورد في دعواه، لانه يشترط في صحة الدعوى عدم وقوع التناقض فيها، فلذلك لا تسمع الدعوى التي يقع تناقض فيها، لأن كذب المدعي يظهر في الدعوى التي يقع فيها التناقض، فمثلا إذا ادعى المدعى قائلا: إن هذا المال ملكي وأثبت المدعى عليه بأن المدعى قد طلبه شراء ذلك المال منه يظهر كذب المدعى في دعواه)، وفي هذا السياق يذهب الفقه المعاصر حيث ذكرالدكتور شعبان الكومي في كتابه (الدعوى بالمجهول صـــ83) انه (يشترط في صيغة الدعوى عدة شروط منها: عدم التناقض بين الدعوى وبين أمر سبق صدوره من المدعي ، فالمقصود بالتناقض بين الدعوى وبين ماسبق صدوره من المدعي: إن يسبق من المدعى كلام مناف للكلام الذي يقوله في دعواه، كان يقر أمام القاضي بعين في يده لغيره فيأمر القاضي بتسليمها لمن اقر له بها، وبعد ذلك يدعي المقر انه اشترى هذه العين من المقر له بتاريخ سابق على وقت الإقرار، فبذلك يكون المدعي متناقضا، إذ بإقراره الأول يكون معترفاً بملكية غيره في تاريخ إقراره وبدعواه الثانية يكون مدعياً انه هو المالك في ذلك التاريخ، فإذا وجد مثل هذا التناقض فانه يمنع من قبول الدعوى لأنه يعد دليلاً على كذب المدعى في دعواه، إذ انه يستحيل الجمع في الصدق بين الشيء ونقيضه)، ومن خلال استقراء ماتقدم يظهر ان التناقض الموجب للدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضاً لا يظهر الا من جهة المدعي، وان هذا الدفع هو وسيلة المدعى عليه للحيلولة دون سماع الدعوى الكاذبة للمدعي حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، والله اعلم.