تحديد المقصود بموضوع التحكيم بعد إتفاق التحكيم

*تحديد المقصود بموضوع التحكيم بعد إتفاق التحكيم*

*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*

➖➖➖➖➖

*▪️من الشائع في اليمن أن يذكر الخصوم المحتكمون في إتفاق التحكيم ان موضوع التحكيم هو الفصل في النزاع بين الطرفين المحتكمين دون ذكر محل النزاع او موضوعه بدقة، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بجواز قيام الخصوم بتوضيح أو تحديد موضوع النزاع بعد توقيعهم على إتفاق التحكيم في بداية إجراءات هيئة التحكيم، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، وهو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/10/2017م في الطعن رقم (59106)، الذي قضى في أسبابه ((ان إتفاق التحكيم قد ذكر فيه ان إختيار المحكمين قد تضمن ان يقوم المحكمون بالفصل بمحل الخلاف بين الطرفين حسبما يدعيه كل طرف منهما، وبموجب ذلك الإتفاق قدمت الدعاوى من الطرفين إستناداً إلى ذلك الإتفاق دون إعتراض حيث قدم مدعي البطلان دعواه وفقاً لذلك الإتفاق وبعد ان قدم كل من الطرفين دعواه على الآخر كان الإتفاق بينهما لاحقاً بأن موضوع التحكيم هو ماجاء في دعوييهما المقدمتين أمام هيئة التحكيم حسبما هو مبين في محضر جلسة هيئة التحكيم حيث اعتبرت هيئة التحكيم إقرارهما ذلك جزءاً لا يتجزاء من وثيقة التحكيم للتدليل على سلامة الإجراءات)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: وجوب تضمين وثيقة التحكيم موضوع التحكيم:*
➖➖➖➖➖

*▪️اشترط قانون التحكيم ان يتضمن اتفاق التحكيم موضوع التحكيم وهو موضوع الخلاف بين الخصوم المحتكمين المطلوب من المحكم أو هيئة التحكيم الفصل فيه بحكم التحكيم بإعتبار اتفاق التحكيم هو أساس ولاية المحكم التي يستند إليها في حكمه، لان طريق التحكيم تأتي على سبيل الاستثناء من الولاية العامة للقاضي التي يستمدها من القانون وليس من اتفاق الخصوم، وبناءً على ذلك فان خلو اتفاق التحكيم من موضوع التحكيم يجعل ولاية المحكم لا محل لها، ففي هذه الحالة تكون للمحكم ولاية بموجب اتفاق التحكيم فإذا لم يكن يتضمن اتفاق التحكيم موضوع التحكيم فليس هناك محل أو موضوع يفصل فيه المحكم.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: جهالة موضوع التحكيم في اتفاق التحكيم:*
➖➖➖➖➖

*▪️في حالات كثيرة لا يخلو اتفاق التحكيم من موضوع التحكيم وإنما يكون موضوع التحكيم مجهولاً كأن يذكر في اتفاق التحكيم بان يتولى المحكم أو هيئة التحكيم الفصل في النزاع بين الخصمين أو الطرفين مثلما حدث بالنسبة للقضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وعند التأمل في هذه المسألة نجد ان هذه العبارة قد تكون مجهولة جهالة تامة إذا كانت بين الطرفين مواضيع نزاع قائمة كثيرة ومتعددة تتناول مواضيع شتى، ففي هذه الحالة تكون العبارة مجهولة جهالة تامة إلا إذا كان اتفاق التحكيم قد تم بمناسبة خلاف حدث مؤخراً بين الطرفين معلوم للجميع.*
➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: جواز تحديد موضوع التحكيم بعد التوقيع على إتفاق التحكيم ووقت التحديد:*
➖➖➖➖➖

*▪️الأصل انه ينبغي ان يتم تعيين موضوع التحكيم في اتفاق التحكيم تعييناً ينفي عنه الجهالة، لان موضوع التحكيم من أهم البيانات التي يجب ان يتضمنها اتفاق التحكيم، واستثناء من هذا الأصل قضى الحكم محل تعليقنا بجواز تحديد المقصود بموضوع التحكيم في اتفاقيات لاحقة لاتفاق التحكيم شريط ان يتم ذلك قبل نظر هيئة التحكيم في موضوع الخلاف، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قبل قيام الطرفين المحتكمين بتحديد موضوع التحكيم على أساس موضوع الدعويين المقدمتين من الطرفين إلى هيئة التحكيم حيث اثبتت هيئة التحكيم اتفاق الطرفين على تحديد موضوع الخلاف في حدود ما ورد في الدعويين المقدمتين منهما، ومن وجهة نظرنا فان هذا الاجتهاد سديد ومناسب طالما وانه قد سبق للطرفين ان اثبتا في اتفاق التحكيم موضوع الخلاف بصفة عامة ومجملة، وحيث انهما قد قاما بتقديم دعوييهما استناداً إلى ذلك وقد اوضحا في دعوييهما المقصود بموضوع التحكيم المذكور اجمالاً في اتفاق التحكيم طالما انهما قد صرحا في محضر جلسة التحكيم بانهما كانا يقصدا عند اتفاق التحكيم بحل الخلاف بينهما هو الفصل في الخلاف المذكور في دعوييهما لان تصريحهما في الجلسة بمثابة تفسير أو توضيح للمقصود (محل الخلاف بين الطرفين) لاسيما ان اتفاق التحكيم أساسه إرادة الطرفين في التحكيم، فمن حقهما ان يفسرا المقصود (بحل الخلاف بين الطرفين)، فذلك جائز طالما ان هيئة التحكيم لم تشرع في النظر في الدعويين حيث اتضح لها من خلال مطالعتها للدعويين المتبادلتين بين الطرفين انه ينبغي على الطرفين المحتكمين تحديد المقصود (بحل الخلاف بين الطرفين)، والله اعلم.*
تعليقات