حجية تسجيل التصرف في السجل العقاري
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
➖➖➖➖➖➖
▪️السجل العقاري في اليمن حديث نسبياً، حيث يقرر هذا القانون حجية ونفاذ التصرفات العقارية المقيدة في السجل في مواجهة الكافة، في حين تكون حجية التصرف العقاري غير المقيد في السجل قاصرة على اطرافه، إلا أن التصرفات العقارية المقيدة في السجل لا تزيد على نسبة 5% من العقارات في اليمن، مع ان حجية القيد في السجل ونفاذ التصرفات مقررة في القانون حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 4/12/2011م في الطعن رقم (47231)، فقد قضى هذا الحكم: ((بان نعي الطاعن بان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون في قضائه بإلغاء الحكم الابتدائي الذي اثبت صحة تصرف المحجوز عليه في العقار المحجوز عليه لأخيه الطاعن، والدائرة تجد ان هذه المناعي غير مؤثرة في الحكم المطعون فيه، ذلك ان الطاعن لم يثبت إنتقال ملكية العقار إليه قبل رهنه على البنك من قبل الراهن حيث لم يقم بالتسجيل في السجل العقاري عملاً بالمادتين (5 و 8) من قانون السجل العقاري النافذ، اما ما اثاره الطاعن ان المطعون ضده قد سدد المديونية للبنك فان هذه وقائع موضوعية لا تجوز إثارتها أمام هذه المحكمة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
➖➖➖➖➖➖
▪️الوجه الأول: السند القانوني للحكم بعدم الاحتجاج بالتصرف الذي لم يتم تسجيله في السجل العقاري:
▪️استند الحكم محل تعليقنا في قضائه بعدم الاحتجاج بالتصرف الذي لم يتم تسجيله في السجل العقاري في مواجهة التصرف الذي سبق تسجيله في السجل العقاري استند الحكم في ذلك إلى أحكام المادتين (5 و 8) من قانون السجل العقاري حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا حيث نصت المادة (5) من قانون السجل العقاري على انه (لا تعتبر نافذة في سريان أحكام هذا القانون حتى بين المتعاقدين الاتفاقات العقارية مثل عقود البيع والمبادلة والقسمة والانتفاع والرهن وغيرها إذا لم يتم قيدها في السجل على ان ذلك لا يمنع المتعاقدين من متابعة حقوقهم الشخصية أمام القضاء) وكذا استند الحكم محل تعليقنا إلى المادة (7) من القانون ذاته التي نصت على انه (لا يمكن إلغاء أو تعديل أي قيد من قيود السجل الا بحكم نهائي صادر من القضاء أو بإقرار صاحب الحق كما في الهبة أو التنازل عن الحق ويشترط ان لا يمس هذا الإقرار بحقوق الغير المسجلة في القيد) فالمادة (5) السابق ذكرها صرحت بعدم نفاذ التصرفات الناقلة للملكية العقارية غير المسجلة في السجل العقاري، والمقصود بنفاذها: نفاذها في مواجهة الغير أي غير المتعاقدين، لان النص قد صرح في نهايته بأحقية اطراف التصرف بمتابعة حقوقهم لدى القضاء، أي ان التصرف العقاري تكون له حجيته الكاملة في مواجهة الكافة عندما يتم قيده في السجل العقاري وإذا لم يتم قيده تكون حجيته قاصرة على اطرافه، وإستناداً إلى هذا النص فقد قضى الحكم محل تعليقنا بعدم نفاذ التصرف الصادر من الراهن إلى اخيه في العقار المرهون طالما لم يتم قيد تصرف الأخ إلى اخيه في السجل العقاري قبل أن يتم رهن العقار،لذلك لايحتج بهذا التصرف في مواجهة البنك المرتهن، كما استند الحكم إلى المادة (7) السابق ذكرها التي نصت على عدم جواز إلغاء أو تعديل أي قيد في السجل العقاري إلا بحكم أو تنازل ،وبناءً على ذلك لا يجوز إلغاء قيد الرهن العقاري للعقار المرهون لصالح البنك في السجل العقاري إلا بموجب حكم قضائي أو تنازل لمن كان القيد لصالحه، فطالما لم يحصل الطاعن على حكم أو تنازل عن قيد الرهن العقاري في السجل العقاري فلا يجوز تعديل قيد الرهن لصالح البنك إلا بموجب حكم أو تنازل من البنك الذي قام بقيد رهنه في السجل العقاري، ولذلك فلا موجب لقبول قول الطاعن بان العقار المرهون قد صار ملكاً خالصاً له بموجب وثائق شرعية صحيحة طالما لم يتم قيد المحرر الناقل للملكية إلى الطاعن في السجل العقاري.
➖➖➖➖➖➖
▪️الوجه الثاني: الاسبق في التسجيل هو الذي تكون لوثيقته الحجية في مواجهة الكافة:
▪️التصرف الذي يتم قيده في السجل العقاري هو الذي تكون الحجية الكاملة في مواجهة الكافة، وتبعاً لذلك فان التصرف المسجل يجعل صاحبه الاحق بالعقار، وهو ما قضى به الحكم محل تعليقنا إستناداً إلى المادة (5) من قانون السجل العقاري حتى لو كان التصرف المسجل متأخراً في تاريخ ابرامه عن التصرف غير المسجل، لان التصرف المسجل يكون هو النافذ في مواجهة الكافة حسبما نصت عليه المادة (5) من قانون السجل، اما التصرف غير المسجل فانه يرتب أثاره على طرفيه عملاً بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، فتكون حجية التصرف غير المسجل قاصرة على طرفيه حيث يحق لأي منهما الرجوع على الآخر للمطالبة بحقوقه المترتبة على العقد أو التصرف حسبما ورد في المادة (5).
➖➖➖➖➖➖
▪️الوجه الثالث: عدم جواز إلغاء أو تعديل القيد في السجل العقاري إلا بموجب حكم قضائي أو تنازل صاحب القيد:
▪️من أهم آثار حجية التسجيل في السجل العقاري ومظاهره هو نفاذ التصرف المسجل في مواجهة الكافة وان القيد في السجل لا يمكن الغاؤه أو تعديله إلا بموجب حكم صادر من القضاء أو بموجب تنازل صادر عن الشخص الذي تم القيد في السجل لصالحه، فطالما تم قيد التصرف في السجل العقاري فانه تكون له حجيته في مواجهة الكافة بصرف النظر عن سلامة هذا التصرف بإعتبار ان الجهة المختصة قد قامت بالتثبت من صحة الوثائق قبل قيده في السجل، فعلى من يدعي خلاف ذلك وتتوفر لديه الوثائق والبيانات التي تؤكد عدم صحة التصرف المسجل يجب عليه عليه ان يلجأ إلى القضاء الذي يتولى التحقق والتأكد من صحة الدعوى ومن ثم الحكم بإلغاء أو تعديل القيد أو الحكم بصحته بحسب الوثائق والبيانات التي يقدمها المدعي المطالب بإلغاء القيد في السجل، وبتطبيق هذا المفهوم على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن الطاعن ظل متمسكاً بالتصرف الصادر له من اخيه الراهن للعقار للبنك الذي قام بتسجيل الرهن العقاري في السجل العقاري حيث ظل الطاعن متمسكاً بأسبقية التصرف الصادر له وصحته وسلامته إلا انه لم يسلك الطريق القانونية للمطالبة بإلغاء قيد الرهن أو تعديله عن طريق اللجوء إلى المحكمة المختصة للحصول على حكم بذلك، والله اعلم.