الفرق بين العامل وبين المقاول من الباطن

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

المقصود بالعامل هنا هو العامل الذي يعمل لدى المقاول بصفة منتظمةاو مستمرة لفترة تزيد على ستة اشهر ، ويقوم بعمله تحت  إشراف وإدارة ومتابعة المقاول ، ويتقاضى الأجر مقابل عمله بصورة منتظمة من المقاول، وينظم العلاقة بين الطرفين عقد العمل المكتوب أو غير المكتوب، وتسري أحكام قانون العمل على العلاقة بين الطرفين، وبموجب ذلك يتمتع العامل بالحقوق المقررة للعامل في قانون العمل.

اما المقاول من الباطن فهو الذي يعهد اليه المقاول الاصلي بتنفيذ بعض أعمال المقاولة الأصلية مثل أعمال الحفر والصبيات والنجارة....الخ، وينظم  العلاقة بين المقاول الاصلي والمقاول من الباطن عقد مقاولة من  الباطن أو عقد فرعي التي يتم إبرامه فيما المقاول الاصلي والمقاول من الباطن ، ويتضمن هذا العقد حقوق وواجبات الطرفين ، وتسري على عقد المقاولة من الباطن احكام عقد المقاولة المقررة في القانون المدني اليمني.

غير انه في بعض الحالات تدق التفرقة بين العامل لدى المقاول الاصلي والمقاول من الباطن إذا لم يكن هناك عقد مكتوب يحدد نوع العلاقة بين الطرفين وطبيعتها  سيما حينما تستمر العلاقة بين المقاول الاصلي والمقاول من الباطن لمدة طويلة  ويستمر  التعامل بينهما في عدة مقاولات وعندما  يكون المقاول من الباطن فردا  ويكون المقاول الاصلي شركة ، فعمل المقاول من الباطن في هذه الأحوال يماثل عمل العامل لدى المقاول الاصلي، فعندئذ يتحتم على القاضي أن  يقوم ببحث ودراسة طبيعة العلاقة التي قامت فيما بين العامل أو المقاول من الباطن مع المقاول الاصلي في ضوء الادلة والمستندات المقدمة من الخصوم ، حسبما قضى الحكم الصادر من الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/3/2014م في الطعن رقم (54089) ، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالبين من خلال الأوراق وما طرح من الأدلة أن الطعن في محله ذلك أن الحكم الاستئنافي قضى بعدم إختصاص المحكمة التجارية بنظر الدعوى ، لأن القضية عمالية بناءً على الدفع المثار أمام المحكمة الابتدائية ، ولا يخفى من أوراق هذا النزاع أن محكمة أول درجة استندت في تكييف العلاقة بين الطرفين بانها مقاول من الباطن وليس علاقة صاحب عمل وعامل استندت في ذلك إلى الشهادات المقدمة أمامها، فالمحكمة الابتدائية قد استندت إلى أدلة خالية من القادح ومؤيدة بالقرائن من خلال بعض المستندات المبرزة خصوصاً كشوفات الحساب بين الطرفين)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: تعريف العامل في القانون اليمني:

عرّف قانون العمل اليمني العامل في المادة (2) بأنه: (كل شخص يعمل لدى صاحب العمل،  ويكون تحت إدارته ولو كان بعيداً عن نظارته لقاء أجر ووفق عقد مكتوب أو غير مكتوب ويشمل ذلك الرجال والنساء والأحداث ومن كان قيد الإختبار والتدريب).

ومن خلال مطالعة هذا التعريف القانوني الموجز للعامل يظهر أن العامل :هو الذي يعمل لدى صاحب العمل بموجب عقد عمل مقابل أجر يدفعه صاحب العمل للعامل، ويقوم العامل بالعمل لحساب صاحب العمل وتحت إشراف وتوجيه ومتابعة صاحب العمل ووفقاً لتعليمات العمل الصادرة من صاحب العمل، ويقوم العامل بالعمل بصفة دائمة لا تقل عن ستة أشهر.

ويسري هذا التعريف على العامل الذي يعمل لدى مقاول فرد أو مؤسسة مقاولة فردية أو شركة مقاولة.

الوجه الثاني: المقاول من الباطن في القانون المدني اليمني:

عرّف القانون المدني عقد المقاولة في المادة (874) التي نصت على ان: (المقاولة عقد بين شخص وآخر يلتزم فيه أحدهما وهو المقاول بان يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً في مقابل اجر يلتزم به الآخر وهو رب العمل وسواءً قدم رب العمل المواد اللازمة للعمل من عنده أو التزم المقاول بتقديم العمل والمواد اللازمة له معاً).

ويظهر من مطالعة هذا النص أن عقد المقاولة ينعقد بين طرفين هما: المقاول الذي يلتزم بموجبه بالقيام بالعمل المتفق عليه في عقد المقاولة وذلك لحساب صاحب العمل المستفيد من العمل الذي ينفذه المقاول مقابل المبالغ التي يلتزم صاحب العمل بدفعها للمقاول مقابل العمل والمواد اللازمة لتنفيذ العمل وإنجازه وبحسب الشروط الواردة في عقد المقاولة وخلال المدة المتفق عليها.

ويطلق الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني على الشخص الذي يتعاقد مع المقاول بـ(صاحب العمل أو رب العمل) أي أن المقاول الاصلي نفسه يعمل في عقد المقاولة لحساب (صاحب العمل) أي المستفيد  من عمل المقاولة، وينظم  علاقة المقاول الاصلي وصاحب العمل عقد المقاولة الاصلية المبرم بين الطرفين.

 أما المقاول من الباطن فأنه مقاول آخر (فرعي) يعهد إليه المقاول الأصلي القيام بعمل  معين من أعمال المقاولة الاصلية ، مثل: القيام باعمال الحفر أو أعمال الصبيات أو النجارة أو تركيب  الابواب والشبابيك....الخ.

وينظم العلاقة بين المقاول من الباطن والمقاول الاصلي عقد اخر بين الطرفين غير عقد المقاولة الاصلية الذي  تم ابرامه فيما بين المقاول الاصلي وصاحب العمل ، ويحدد  العقد المبرم فيما بين المقاول من الباطن والمقاول الاصلي يحدد حقوق وواجبات الطرفين.

ولايكون  صاحب العمل المستفيد من المقاولة لايكون طرفا في عقد المقاولة من الباطن المبرم فيما بين المقاول من الباطن والمقاول الأصلي، وتبعا لذلك لا تكون هناك علاقة مباشرة بين صاحب العمل وبين المقاول من الباطن، لأن صاحب العمل ليس طرفاً في عقد المقاولة من الباطن.

وقد كان الخلاف الذي تناوله الحكم محل تعليقنا بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن بشان تكييف العلاقة التي قامت بينهما، فقد كان المقاول الأصلي يدعي أن خصمه كان يعمل لديه كمقاول من الباطن،  في حين أن الخصم كان يدعي أنه عمل لدى المقاول الأصلي كعامل وليس كمقاول، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان المطعون ضده قد عمل لدى الطاعن كمقاول من الباطن وليس عاملا، حيث أسند المقاول الاصلي إلى المقاول من الباطن بعض أعمال المقاولة الأصلية،  وكان المقاول الأصلي يدفع إلى المقاول من الباطن المبالغ المستحقة له كنسب مئوية من قيمة المبلغ الاجمالي المتفق عليه 20% ثم 30% ... حسبما ظهر في كشوفات الحساب بين الطرفين وحسبما شهد الشهود.

وقد وقع الخلاف  في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا بشان تكييف العلاقة بين المقاول الاصلي والمقاول من الباطن بسبب ان المقاول من الباطن كان فردا كما انه لم يكن هناك عقدا مكتوبا بين الطرفين يحدد طبيعة العلاقة ونوعها، وقد اعتمد الحكم محل تعليقنا في تكييفه  للعلاقة بين بانها مقاولة من الباطن اعتمد في ذلك على شهادات الشهود الذين شهدوا ان المطعون ضد كان يعمل مقاولا من الباطن لدى المقاول الاصلي (الطاعن) كان ، كما استند الحكم محل تعليقنا الى كشوفات الحساب بين الطرفين التي اظهرت ان المطعون ضده كان يستلم مستحقاته من المقاول الاصلي على اساس نسب معينة من المبلغ الاجمالي المستحق للمطعون ضده (المقاول من الباطن). (إشكاليات عملية عند تطبيق قانون العمل، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، ص198).

الوجه الثالث: الفرق بين العامل لدى المقاول الاصلي وبين المقاول من الباطن:

الفرق الجوهري بين العامل لدى المقاول وبين المقاول من الباطن :هو أن العامل تابع للمقاول الاصلي يعمل تحت إشرافه وملاحظته وتوجيهه مقابل أجر منتظم ، في حين أن المقاول من الباطن مستقل عن المقاول الاصلي .

 فالعلاقة القائمة بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن يحكمها عقد مقاولة من الباطن وليس عقد عمل، كما ان المقاول من الباطن ليس تابعاً للمقاول الأصلي بل مستقل عنه، إذ  تنتهي العلاقة بينهما بإنتهاء أعمال المقاولة من الباطن.

في حين ان العلاقة بين العامل لدى المقاول  الاصلي علاقة تبعية يكون العامل فيها تابعا للمقاول الاصلي، ويحكم هذه العلاقة وينظمها عقد العمل المبرم بين الطرفين وكذا قانون  العمل ، إذ يعمل العامل في هذه الحالة تحت إدارة وإشراف المقاول الأصلي وينفذ تعليماته .

فالعامل لدى المقاول الاصلي يقوم بالعمل الموكل إليه ضمن مهنته ، ويعمل العامل  لدى المقاول الاصلي بشكل مستمر ويتمتع بحقوق العامل المقررة في عقد العمل.

 اما المقاول من الباطن فأنه يعمل لدى المقاول الاصلي بموجب عقد مقاولة فرعي ، إذ يقوم بأعمال محددة من أعمال المقاولة الاصلية المعهود بها إلى المقاول الأصلي ، ويخضع المقاول من الباطن عند قيامه بعمله لأحكام عقد المقاولة المقررة في القانون المدني. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل العمالية الجزء الثاني 2024م، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، صـ219، )، والله اعلم. 

تعديل المقال