الإذن بالرهن في القانون اليمني

الإذن بالرهن في القانون اليمني

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء


الإذن بالرهن يعني: أن مالك العين أو المال قد سمح أو أذن لشخص اخر بان يرهن المال او العين المملوكة له إلى الغير وهو الدائن للشخص الماذون له ، اي أن الشخص الذي صدر له الإذن يحق له رهن المال الماذون له رهنه ضمانا للوفاء بدين خاص به وليس ضمانا لدين مالك المال المرهون ، وقد استعمل القانون المدني اليمني مصطلح (الاذن بالرهن) في هذه الحالة لان الوكيل في الفقه الاسلامي لايجوز له ان يتصرف لحساب نفسه ، ولذلك فان الاذن بالرهن يختلف عن التفويض بالرهن أو التوكيل بالرهن الذي يكون الرهن فيه ضمانا لدين مالك المال الموكل ، لان الوكيل يقوم مقام الموكل وهو مالك المال.

 وبحسب هذا المفهوم فان أساس واثار الاذن بالرهن تختلف عنها في التوكيل بالرهن ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27/4/2014م في الطعن رقم (54309)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فنعي الطاعن في غير محله ، لأن العقارين المرهونين المقدمين من كلٍ من..... و..... يحكمهما محرر الإذن والتفويض برهن عقار الصادر من كلٍ من المذكورين ، فيسري بشأنهما حكم المادة (999) مدني)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الأساس القانوني للإذن بالرهن:

استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (999) من القانون المدني اليمني التي نصت على أنه (يصح للمدين أن يستعير مال غيره ويرهنه بإذنه وإذا تم الرهن بإذنه كان للمرتهن حبس المرهون إلى أن يستوفي الحق المرهون به).

ومن خلال إستقراء هذا النص القانوني يظهر أنه قد تضمن غالبية أحكام الإذن بالرهن التي سنبينها في الأوجه الآتية.

الوجه الثاني: معنى الإذن بالرهن:

 الإذن بالرهن مصطلح ورد في المادة (999) من القانون المدني التي نصت على أنه (يصح للمدين أن يستعير مال غيره ويرهنه بإذنه وإذا تم الرهن بإذنه كان للمرتهن حبس المرهون إلى أن يستوفي الحق المرهون به).

  وبحسب ماورد في هذا النص فان مصطلح الاذن بالرهن يستعمل حينما يكون المال المرهون غير مملوكاً للمدين الراهن، ولذلك يحتاج الراهن إلى إذن من مالك المال كي يرهن ذلك المال إلى الدائن المرتهن ضمانا لدينه وليس دين مالك المال المرهون.

 وعلى هذا الأساس فإن الإذن بالرهن يعني: أن مالك المال أو العين المرهونة يعبر عن إرادته بأنه قد سمح أو أذن للمدين بأن يرهن العين المملوكة له وذلك ضمانا لدين الراهن الماذون له وليس ضمانا لدين مالك المال المرهون .

الوجه الثالث: شكل الإذن بالرهن وشروط الشخص الذي يصدر منه الاذن:

إذا كان محل العين عقاراً فأنه يجب أن يكون الإذن مكتوباً على النموذج المعد لهذا الغرض من قبل مصلحة السجل العقاري، ويتضمن هذا النموذج بيانات مالك العقار الذي صدر منه الإذن وبيانات المدين المأذون له بالرهن وبيانات العين المرهونة، ويتم توثيق صيغة الإذن بالرهن من قبل قلم التوثيق ومصلحة السجل العقاري، لأن عقد الرهن العقاري يجب ان يكون رسمياً ، فكذلك الحال بالنسبة للإذن بالرهن العقاري.

أما رهن المنقولات كالجنابي (الخناجر اليمانية) والأسلحة النارية والسيارات والذهب وغيرها من المنقولات، فمن المعلوم أن رهنها يكون حيازياً أي انه يقع بمجرد وضع المنقول في حوزة المرتهن، بيد أنه من اللازم إثبات سبب وجود المال المنقول في حيازة الشخص، فقد يكون سبب إنتقال المنقول إلى حوزته البيع أو الرهن أو العارية أو الإجارة...إلخ، ولذلك يلزم إثبات أن المنقول موجود لدى المرتهن بسبب الرهن ويتم إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات، وإن كانت الطريقة الموثوقة للإثبات هي الكتابة.

وعلى هذا الأساس فإن الطريقة المؤكدة لإثبات الإذن برهن المنقول هي كتابة الإذن قطعاً للخلاف.

وفي حالتي الإذن بالرهن للعقار والمنقول فإن الإذن يجب أن يكون إذناً خاصاً لخطورة الإذن بالرهن بالنظر إلى الآثار والتبعات المترتبة عليه.

ويشترط في الشخص الذي يصدر منه الاذن بالرهن ان يكون بالغا عاقلا رشيدا مالكا للمال الذي ياذن برهنه، اما الشخص المستفيد من الاذن بالرهن فلايشترط فيه ذلك.

الوجه الرابع: الآثار المترتبة على الإذن بالرهن:

تترتب على الإذن بالرهن عدة آثار من أهمها:

أولاً: جواز الرجوع عن الإذن قبل الرهن، وعدم جواز ذلك بعد الرهن:

الإذن بالرهن تصرف من تصرفات التبرع، ولذلك عبر عنه نص المادة (999) مدني بلفظ الإستعارة أو العارية والعارية تكون تبرعية،فقد نصت المادة (999) من القانون المدني على أنه (يصح للمدين أن يستعير مال غيره ويرهنه بإذنه وإذا تم الرهن بإذنه كان للمرتهن حبس المرهون إلى أن يستوفي الحق المرهون به).

   فاذا كان الاذن بالرهن تصرفا تبرعيا من مالك المال فانه يجوز لمالك المال الرجوع عن الإذن بالرهن قبل أن يرهن المدين المال للغير اما بعد الرهن فلا يجوز له الرجوع ، لأن حق الغير وهو الدائن المرتهن قد تعلق بالإذن بالرهن فلا يصح رجوع مالك المال عن الإذن.

ثانياً: حلول المدين المأذون له محل مالك المال الذي صدر منه الإذن في اجراءات الرهن:

وذلك في إستعمال الحق في رهن المال المأذون برهنه، فبموجب الإذن بالرهن يحق للمدين المأذون له أن يقوم برهن المال المأذون به، لأن المأذون له بالرهن يكون عند إبرام عقد الرهن بمثابة الوكيل الخاص عن مالك المال، فتكون صفته عند إبرام عقد الرهن صفة الوكيل وليس الأصيل.

وبما أن الإذن بالرهن من اسمه قاصر على تخويل الماذون له رهن المال فقط فلايحق للماذون له ان يباشر أي تصرف آخر كبيع المال مثلا.

ثالثاً: حق المرتهن في التنفيذ على المال المرهون بموجب الرهن الذي تم بناءً على الإذن بالرهن:

فإذا تم الرهن صحيحاً بموجب الإذن بالرهن فأنه يحق للدائن المرتهن أن ينفذ على المال المرهون لإقتضاء دينه من المال المرهون إذا لم يتم الوفاء بالدين، لأن الإذن بالرهن يجعل المال المرهون كما لو أنه مال خاص بالمدين الراهن، ولأن محل عقد الرهن هو المال المرهون فلا إعتبار لشخصية مالك المال طالما ان الإذن بالرهن وعقد الرهن صحيحان.

وإذا تم التنفيذ على المال المرهون بموجب الإذن بالرهن فلمالك المال الرجوع على المدين الراهن للمطالبة بقيمة ماله المرهون الذي تم التنفيذ عليه.

رابعاً: إستقلال علاقة الدائن المرتهن عن العلاقة بين مالك المال الذي صدر منه الإذن والمدين المأذون له بالرهن:

فالدائن المرتهن لا علاقة له بالعلاقة بين مالك المال الذي صدر منه الإذن للمدين برهن المال، وسبب هذه العلاقة التي جعلت مالك المال يأذن برهن ماله، لأن حق المرتهن يتعلق بالعين المرهونة خاصة.

الوجه الخامس: الوكالة بالرهن والإذن بالرهن:

عرّفت المادة (905) من القانون المدني اليمني الوكالة، فقد نصت هذه المادة على أن (الوكالة: هي إقامة الغير مقام النفس حال الحياة في تصرف معلوم جائز شرعاً فيما يصح للأصيل حق مباشرته بنفسه).

وهذا التعريف ينطبق تماماً على الوكالة بالرهن ، إذ يقوم الوكيل بالرهن مقام الاصيل في إبرام عقد الرهن ، وهذا التوكيل توكيل خاص من مالك العقار لغيره برهن العقار المملوك له، ويتم الرهن في هذه الحالة ضمانا لدين مالك المال (الموكل)، ومن هذه الناحية فان التوكيل بالرهن يختلف عن الاذن بالرهن ، ففي الاذن بالرهن يصح للماذون له بالرهن يجوز له أن يرهن المال ضمانا لدينه. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الرهن ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة صنعاء 2025، ص69)، والله اعلم.