الرهن المطلق والمقيد في المعاملات المصرفية

الرهن المطلق والمقيد في المعاملات المصرفية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen

 

صورة مقال: الرهن المطلق والمقيد في المعاملات المصرفية

الرهن المطلق هو الذي يضمن سداد كافة الديون المترتبة عن كافة معاملات العميل مع المصرف، حيث  يتضمن عقد بندا يصرح ان المال المرهون المذكور في عقد الرهن  يضمن سداد كافة المبالغ التي ستكون مستحقة للمصرف نتيجة المعاملات المصرفية التي يبرمها العميل مع البنك.

في حين ان الرهن المقيد هو عقد الرهن الذي يتضمن احد  بنوده  تصريحا بان المال المرهون المذكور في عقد الرهن يضمن سداد الدين المستحق للمصرف بذمة العميل الناتج عن عملية مصرفية معينة أو في حدود سقف إئتماني معين.

فمن المعلوم أن عميل البنك يقوم بإبرام عدة معاملات مع البنك الذي يتعامل معه، وتبعاً لذلك فإن عقد الرهن الذي يتم إبرامه ضماناً لسداد الدين أو الديون التي ستترتب بذمة عميل البنك إما أن يكون عقد الرهن عاماً يشمل ضمان سداد كافة المبالغ المترتبة بذمة العميل للبنك في كافة العمليات البنكية فيما بين البنك وعميله ، وإما ان يكون الرهن خاصاً بعملية معينة أو في حدود  مبلغ معين منصوص عليه في عقد الرهن أو يكون الرهن بحدود سقف مبلغ معين بصرف النظر عن عدد العمليات، أما إذا كان عقد الرهن غير مقيد بعملية معينة او سقف معين فإن عقد الرهن يشمل ويضمن كافة عمليات أو تعاملات العميل مع البنك، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/1/2014م في الطعن رقم (53855)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (لما كان الأمر كذلك ، وكان الثابت قيام المطعون ضده الثاني بإبرام عقود المرابحة الثلاثة مع البنك في تواريخ تالية لتوقيعه عقد الرهن للعقار، لذلك فإن العقار المرهون يكون ضماناً لما يترتب من دين في ذمة الراهن عن قيمة تلك العقود، ويضحى معه قول الطاعن إن العقود الثلاثة لم يضمنها عقد الرهن قولاً مرسلاً، فقد ورد في حيثيات الحكم الاستئنافي أن رهن العقار كان مطلقاً من حيث عقود المرابحة التي يبرمها مع البنك المستأنف وأن تقييد الحكم الابتدائي بمبلغ معين يكون تقييداً لا يتفق مع ما ورد في عقد الرهن والمستندات المرفقة به)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الدين الذي يضمنه الرهن (المال المرهون):

الأصل ان يكون الدين الذي يضمنه الرهن  موجوداً ومحدداً وقت إبرام عقد الرهن، إذ أنه يجب أن يكون قدر الدين معلوماً علماً نافياً للجهالة عند ابرام عقد الرهن، ولا يكون الأمر كذلك إلا إذا كان مبلغ الدين محدداً ومعلوما وقت إبرام عقد الرهن، بيد  ان مخاطر الائتمان في المصارف والبنوك تستلزم ان يقوم البنك أو المصرف بأخذ الضمانات أو التامينات اللازمة عند إبرام المعاملات المصرفية وقبل سحب العميل للمبالغ من المصرف، و تكون المبالغ التي  سيقوم المصرف بإقراضها للعميل معلومة عندما تكون العملية واحدة أو يتم الاتفاق على منح العميل سقف معين أي مبلغ معين يقوم العميل بسحبه في المستقبل على دفعات أو بموجب عمليات منفصلة.

فالغالب في التسهيلات أو الديون الائتمانية التي  تقدمها المصارف والبنوك أنه: يتم دفعها إلى العميل المدين  في المستقبل على دفعات ، فلا يتم تسليمها إلى المدين دفعة واحدة.

إذ يتم الاتفاق فيما بين البنك والمدين المقترض على أن يلتزم المصرف أو البنك بإقتراض العميل مبلغ معين في المستقبل خلال فترة من الزمن لتمويل مشروع معين أو إستيراد صفقات عدة.

وعند إبرام هذا العقد يطلب البنك من عميله المقترض أن يقدم الرهن لمال  تتناسب قيمته مع مبلغ القرض.

 ولكن عندما  تعدد المعاملات المصرفية فيما بين المصرف وعميله  تظهر إشكالية الرهن المطلق والرهن المقيد.

الوجه الثاني: الرهن مقابل الوفاء بالدين في المستقبل:

من المعروف أن المدين يقوم بالوفاء بالدين الذي بذمته في المستقبل، ولذلك فإن الرهن دوماً يضمن الوفاء بالدين في المستقبل ، ولا حرج أو تثريب في ذلك طالما ان الدين معلوم وأن عقد الرهن يصرح بأنه يضمن ذلك الدين الذي التزم عميل المصرف بسداده في المستقبل.

الوجه الثالث: حدود الرهن المصرفي:

الرهن عقد ملزم لطرفيه، ومن ضمن بنود عقد الرهن، تحديد مقدار الدين أو الإلتزام الذي يضمن سداده المال المرهون.

فعقد الرهن هو الذي يحدد نطاق الرهن أو حدود ضمان الرهن أو المال أو الإلتزام الذي يضمن الرهن الوفاء به، وما إذا كان عقد الرهن مطلقا أو مقيدا.

فالرهن المطلق هو الذي يضمن سداد كافة الديون المترتبة عن كافة معاملات العميل مع المصرف  في المستقبل، حيث  يتضمن عقد الرهن بندا يصرح  ان المال المرهون المذكور في عقد الرهن يضمن في المستقبل سداد كافة المبالغ التي تكون مستحقة للمصرف بذمة العميل نتيجة المعاملات التي يبرمها العميل مع البنك، وكذلك الحال يكون عقد الرهن مطلقا إذا لم يقترن بمبلغ معين أو عملية معينة أو مدة معينة.

اما الرهن المقيد: فهو عقد الرهن الذي يتضمن في  احد  بنوده  تصريحا بان المال المرهون المذكور في عقد الرهن يضمن سداد الدين المعين المستحق للمصرف بذمة العميل أو المبلغ الناتج عن عملية مصرفية معينة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2024م ، ص 58) .

الوجه الرابع: تعدد المعاملات المصرفية الإسلامية سواءً أكانت من صيغة واحدة أم صيغ مختلفة:

صيغ المعاملات المصرفية الإسلامية متعددة ومتجددة تلبي كافة إحتياجات المجتمع المسلم في نواحيه المختلفة ولذلك فهي عصية على الحصر، ولكن هناك صيغ إسلامية مشهورة، من الشائع أن تتعامل بها المصارف الإسلامية مثل المضاربة والمشاركة والمساومة والمرابحة...إلخ.

وتختلف بعض المعاملات أو الصيغ الإسلامية المصرفية عن مثيلاتها خارج المصارف، مثل صيغة عقد المضاربة المصرفية وصيغة عقد المرابحة المصرفية وغيرهما ، لأن العميل في هذه الصيغ أو المعاملات يحتاج عند دخوله مع المصرف الإسلامي في علاقة أو معاملة مضاربة أو مساومة أو مرابحة يحتاج إلى القيام بإبرام عدة صفقات مع المصرف بعقود مختلفة وفي أوقات مختلفة ، فأطراف العلاقة واحدة وهما المصرف الإسلامي والعميل لكن العقود تتعدد بحسب تعدد الصفقات،  والضمان والتأمين العقاري يجوز في المرابحة المصرفية، بيد أنه لا يجوز في المضاربة إلا في ضمان التعدي والتقصير أو لضمان رأس المال، أما في المرابحة فيجوز الضمان والتأمين بما في ذلك الرهن لضمان الاستيثاق لحق البنك كطلب هامش جدية يغطي الضرر الفعلي من نكول العميل وكذا ضمان هلاك السلعة المبيعة وضمان القيمة قبل التسليم ،ففي هذه الأحوال يجوز للمصرف الإسلامي أن يأخذ رهن من عميله.

ولان المرابحة تتم فيما بين المصرف الإسلامي وعميله في أوقات متفرقة، ،  فأنها تتم بعدة عقود مستقلة عن بعضها، فإذا كان المصرف الإسلامي قد ابرم عقد رهن مع عميله في عقد المرابحة ، فعندئذٍ تظهر إشكالية العلاقة بين عقد الرهن الواحد وعقود المرابحة المتعددة، فإذا كان عقد الرهن مطلقاً أي يضمن كافة العقود التي ابرمها أو سيبرمها في المستقبل العميل مع المصرف فإن الرهن  في هذه الحالة يضمن كافة العقود ، وإن كان عقد الرهن خاصاً بعقد معين فأنه لا يضمن إلا ذلك العقد ، وإذا لم ينص  عقد الرهن بعبارة صريحة أنه خاص بعقد معين ، فإن عقد الرهن في هذه الحالة يكون مطلقاً أي شامل لجميع العقود التي ابرمها المصرف مع عميله الراهن حسبما قضى الحكم محل تعليقنا. (النظرية العامة للمصرفية الاسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2016م ، ص 482)، والله اعلم.